وقت الموت وكيفيته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • خادمة فضه

    • Nov 2008
    • 5466

    وقت الموت وكيفيته

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة نفتتح بها لقاء آخر من سلسلة هذه اللقاءات العقائدية، موضوع هذه الحلقة سيكون عن المعاد في القرآن وقت الموت وكيفيته، افتتح هذه الحلقة تبركا واعتبارا بهذا الحديث الشريف المروي في كتاب الكافي للكليني (رحمه الله)
    عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
    أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه اشتكى عينيه، فعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو يصيح، فقال النبي اجزعا أم وجعاً، فقال (عليه السلام) يا رسول الله ما وجعت وجعا قط اشد منه، فقال يا علي أن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به فتصبح في جهنم، العبارة الأدق فتصبح جهنم على ما يبدو، فاستوى علي (عليه السلام) جالسا، فقال يا رسول اعد عليّ حديثك فقد إنساني وجعي، ثم قال: هل يصيب ذلك أحداً من أمتك؟ قال (صلى الله عليه وآله): نعم، حاكم جائر واكل مال اليتيم ظلما وشاهد زور.

    صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد هذا الفاصل نبدأ البحث.


    سماحة السيد موضوع هذه الحلقة أعلنا عنه وهو: (وقت الموت وكيفيته)، ولكن أود أن يكون البحث مرتبط مع ما تقدم في الحلقات السابقة، حبذا لو يكون مفتتح هذه الحلقة ملخص لما عرضتموه من القواعد الاساسية أن صح التعبير، الحقائق الاساسية في ما يرتبط بموضوع الموت والمعاد في القرآن، إن شاء الله بعد استعراض هذه القواعد نعرض الاسئلة المرتبطة بهذا الموضوع.

    السيد كمال الحيدري: بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.

    في الواقع بأنه قلنا لكي نفهم حقيقة الموت بشكل جيد ونستطيع أن نقف على المراحل والمنازل التي يمر عليها الإنسان بعد الموت لا بد أن نقف على حقيقة الإنسان، وان هذا الكائن وهذا المخلوق الإلهي الذي عبر عنه القرآن الكريم بعد أن تمت خلقته فتبارك الله أحسن الخالقين، لا بد أن نقف على حقيقة الإنسان، والا ما لم نقف على هذه الحقيقة لا يمكننا أن نتعرف على الموت وعلى المراحل والمنازل التي تمر على الإنسان ما بعد الموت، بينا أن الإنسان موجود مركب من بعدين، بعد مادي من الطين، وبعد الهي، وبعد ملكوتي، وبعد بحسب التعبير الفلسفي مجرد عن المادة وأحكام المادة، هو الذي عبر عنه القرآن الكريم فنفخت فيه من روحي أو ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، هذا بعدان في وجود الإنسان، هذا الإنسان المكون من هذين البعدين قلنا انه الله سبحانه وتعالى جعل ضمن النظام الأحسن الذي يحكم قوانين عالم هذه الدنيا ونشأة هذه الدنيا هو انه يوجد هناك موت، واشرنا إلى الآيات التي تكلمت عن هذه الحقيقة، قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30)، وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: من الآية185).


    إذن الحقيقة الأولى أن الإنسان موجود مركب من بعدين، بعد مادي وبعد ما وراء المادة، أو بعد من الطين وبعد ما وراء الطين وما وراء المادة الذي هو البعد الإلهي، هذه هي الحقيقة الأولى.
    الحقيقة الثانية: أن الإنسان ميت، انك ميت وأنهم ميتون، وهذا ضمن النظام الأحسن الذي وضع في هذا العالم، الحقيقة الثالثة قلنا بان الموت إذا أُطلق وأُريد من الموت معنى الفناء وانعدام الآثار فهذا لا يكون الا للبدن، والا فالروح والنفس لا تنعدم آثار الحياة فيها، إذن الحقيقة الموت بمعنى انعدام آثار الحياة إنما يختص بالبدن ولا يشمل النفس الإنسانية والروح الإنسانية، الحقيقة الرابعة أن الروح معنى الموت فيها هو الانتقال من هذا العالم إلى عالم آخر، إذن معنى موت البدن شيء وموت الروح والنفس بحسب الاصطلاح القرآني شيء آخر، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما وردت في روايات منها هذه الرواية:
    ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار، الرواية في البحار المجلد السادس صفحة 249، هذه الحقيقة الثالثة أو الرابعة.

    الحقيقة الأخرى التي وقفنا عندها جيدا، هو أن الموت لا بالمعنى الأول الذي يرتبط بالبدن وهو الفناء، وهو انعدام آثار الحياة والقدرة و العلم ونحو ذلك، بل بمعنى الانتقال من دار إلى دار، بهذا المعنى هو أمر وجودي لا انه أمر عدمي،
    بشهادة آيات أو صنفين من الآيات في القرآن الكريم :

    الصنف الأول من الآيات عبرت عن الموت انه مخلوق، يعني كما أن الحياة مخلوقة لله سبحانه وتعالى الموت أيضاً مخلوق لله سبحانه وتعالى كما قرانا: الذي خلق الموت والحياة، في أول سورة تبارك.
    الصنف الثاني أو الطائفة الثانية من الآيات التي تكلمت عن الموت وهي طائفة عديدة، ومتعددة من الآيات المباركة تكلمت عن هذه الحقيقة وهي انها عبرت عن الموت بالتوفي، وقلنا في أبحاث سابقة أن معنى التوفي هو قبض الشيء بتمامه وكماله، فإذا كان أمراً عدمياً لا معنى لان يقبض، العدم ليس بشيء حتى يقبض.

    إذن عندما استعمل القرآن الكريم التوفي في الموت نستكشف من ذلك أن الموت ليس أمراً عدميا وإنما هو أمر وجودي، والآيات التي تكلمت عن هذه الحقيقة كثيرة جدا، أنا أشير إلى بعضها، منها قوله تعالى في سورة النحل: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (النحل: من الآية28).

    إذن الآية الأولى تقول تتوفاهم،

    الآية الثانية: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (النحل: من الآية32) ، (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (الزمر: من الآية42) أو قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام:61)، أو قوله: (حتى إذا جائتهم رسلنا يتوفونهم)، أو قوله: (أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) (يونس: من الآية104)، أو قوله: (بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ) (السجدة: من الآية10)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (السجدة: من الآية11).

    إذن عشرات الآيات القرآنية عبرت عن الموت بالتوفي، ومن الواضح أن التوفي لا معنى له الا أن يكون هناك أمر وجودي، لأننا قلنا التوفي هو قبض الشيء واستيفاء الشيء بنحو كامل وتام، وإذا كان أمراً عدميا العدم ليس بشيء حتى يقبض، على أي الأحوال.

    إذن هذه مجموعة الحقائق التي وقفنا عليها في الابحاث السابقة، وهو أن الموت بالمعنى الأول والمعنى الثاني وان الموت أمر وجودي، إذن الآن كأننا أصبحنا على أبواب الانتقال إلى نشأة أخرى، يعني قلنا بأنه حقيقة الموت إنما هي لنقل هذا الموجود وحقيقة هذا الموجود، لا لنقل هذا الموجود بجسمه وبدنه، بجسمه وبروحه، بل بحقيقته وواقعه وباطنه ينتقل من هذه النشأة إلى نشأة أخرى، ومن هنا إنشاء الله تعالى قريبا سوف ندخل في بحث النشأة الثانية أو ندخل في المرحلة الثانية ما بعد الموت.

    المقدم: سماحة السيد في الآيات الكريمة التي تلوتموها عبارات من قبيل طيبين، يتوفاهم طيبين، أو يضربون وجوههم، آيات بها هذه المضامين المتعددة، هذه هل يمكن أن تكون تأييد لما تفضلتم به بان الروح بالموت لا تفقد خصائص الحياة وإنما...، باعتبار انه طيبين حالة الشعور موجودة؟

    السيد كمال الحيدري: كلها، وإنشاء الله لعله نشير إلى مجموعة من الآيات والروايات بعد ذلك.


    المقدم: سماحة السيد فيما يرتبط بحتمية الموت، هذه حقيقة قرآنية أكدتموها في الحلقات السابقة.

    السيد كمال الحيدري: قلنا بأنه من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل، من السنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتحول.

    المقدم: طيب هل أن طبيعة الاشياء تقتضي أن تكون مساقة باتجاه الموت، أن تموت، بهذا المعنى سواء: المعنى الأول أو الثاني، أم انه هناك تقدير الهي للموت، يعني النظام الأحسن يقتضي وجود هذه الطريقة، وهي الانتقال، والا يمكن أن يكون مثلا الاشياء تبقى خالدة مثلا بهذه....

    السيد كمال الحيدري: في الواقع هذا البحث وهو انه أساساً الموت هل هو مقتضى طبيعة الاشياء أو ليس كذلك، لا أريد أن ادخل في البحث الفلسفي في هذه النقطة، لأنه البحث الفلسفي له مسار آخر، وله اتجاه آخر، وله أدوات أخرى، وله منهج آخر، باعتبار انه جاءت لي بعض الاسئلة وبعض الاتصالات، يقول سيدنا نجد أن البحث الفلسفي لعله باهت في هذه الابحاث التي تطرحونها، في الواقع اقول للمشاهد الكريم أن هذا البحث الذي اطرحه ليس هو المعاد في البحث الفلسفي، وإنما بحثنا هو المعاد في القرآن، لذا نحن نحاول أن نركز على البحث القرآني، ولكن من غير أن ننسى بعض الشواهد، بعض الأدلة، بعض القرائن التي نستفيدها من البحث الفلسفي أيضاً، لذا بحث أن المادة بطبيعتها تقتضي الدوام لا إلى نهاية، وان الروح هل تقتضي الدوام لا إلى نهاية، هذا بحث فلسفي لا أريد أن ادخل فيه، والا في الابحاث الفلسفية ذكروا هذا المعنى، من أن الامور المجردة والموجودات المجردة يستحيل عليها العدم وهذه الاستحالة أي نوع من الاستحالة، هل هي استحالة ذاتية، استحالة وقوعية؟ هل يمكن أو لا يمكن؟ أبحاث أخرى الآن نحن لسنا بصدد ذكرها، ولكن السؤال الذي تفضل به الأخ العزيز وهو انه أساساً هذا المعنى الذي ذكر وهو أن النفس الإنسانية تنتقل من نشأة إلى نشأة أخرى، إنما تنقلون من دار إلى دار، هل أن هذه النقلة وهذا الانتقال من نشأة إلى نشأة أخرى هل هو طبيعة الاشياء أو انه بتقدير الهي، أنا أبيّن أولاً الفرق ما بين هذين الأمرين، ما هو الفرق بين أن يكون الشيء طبيعة للشيء وبين أن يكون بتقدير الهي.
    نحن إذا أردنا أن نقرب هذه الحقيقة من خلال المثال انظروا إلى الأعداد مثلا، نظام الأعداد، انت عندما تضع يدك على العدد أربعة تجد انه من أهم خصائص العدد أربعة انه يقبل القسمة إلى اثنين، وانه تلازمه الزوجية، إذا كان أربعة فهو زوج، وإذا وضعنا يدنا على العدد ثلاثة نجد انه لا يقبل القسمة على اثنين، يعني لا يقبل القسمة الصحيحة، وانه تلازمه الفردية مثلا، هنا لو سألنا هذا السؤال:
    وهو أن الترابط بين الزوجية والأربعة والترابط بين الفردية والثلاثة هل هذا تقدير الهي أو هو طبيعة الشيء؟

    الجواب: أتصور أي عقل سليم يجيب على ذلك، أن طبيعة الشيء إذا صار أربعة فيلازمه الزوجية، لذا نجد أن القدرة والمقدرة والقدرة الإلهية لا يمكنها أن تفكك ما بين الزوجية وما بين الأربعة.

    المقدم: يعني لا تكون الأربعة الا إذا كانت قابلة للقسمة على اثنين، وهي زوج؟

    السيد كمال الحيدري: ولا يمكن أن نجد أربعة ولكنها ليست بزوج، ولا يمكن أن نجد ثلاثة وهي زوج، لا يمكن أن نجد، لا يمكن أن نجد هي زوج، بل لا بد أن تكون الثلاثة فرد، هذا معنى مقتضى طبيعة الاشياء، كما نحن نعتقدها في الواجب سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى مقتضى ذاته أن يكون غنيا بالذات، هذه هل بتقدير منه، بجعل منه أو هي مقتضى ذاته الأولية؟
    مقتضى ذاته، لذا القدرة الإلهية لا تتعلق أو لا يمكن أن تتعلق بهذه القضية، بهذا الجعل بإيجابها أو بسلبها، هذا معنى مقتضى طبيعة الاشياء.

    أما عندما نأتي إلى كثير من الاشياء، هذا النظام الذي يحكم هذا العالم، المطر كذا، السماء كذا، الارض كذا، هذه الامور التي نجدها في عالمنا، هذه كلها مقدرة بتقدير ممن؟ من الله سبحانه وتعالى، وكان بالإمكان أن توجد وليس لها مثل هذه الخصائص، طبعا مع المناقشة الفلسفية، الآن لا ادخل أيضاً البحث الفلسفي، على سبيل المثال النار، فان النار طبيعتها انها محرقة، ولكنه إذا تعلقت الإرادة الإلهية بان لا تكون النار محرقة كما في قضية إبراهيم، جُعلت بردا وسلاما، عند ذلك هذه النار لا تحرق.

    الآن السؤال هنا: وهو أن الموت الذي يحصل للإنسان فينتقل من دار إلى دار، هل هو مقتضى طبيعة الشيء كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة أو هو تقدير من الحكيم العليم، أي منهما؟

    ارجع وأقول مرة أخرى نحن بحثنا قراني، نرجع إلى القرآن الكريم، انظروا إلى قوله تعالى في سورة الواقعة قال تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) (الواقعة:60).
    إذن الموت مقدر، تقدير الهي، يعني بالإمكان الله سبحانه وتعالى أن لا يقدر هذا المعنى ولكن الآية تقول الله سبحانه وتعالى ضمن النظام الأحسن قدر هذا الشيء للإنسان، نحن قدرنا بينكم الموت، ولكنه في هذه الآية المباركة يوجد ذيل، وهي الآية ستون من سورة الواقعة، تقول (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، ماذا تريد أن تقول هذه الآية؟ عجيبة هذه الآية المباركة ولها نظائر في القرآن الكريم، كم مورد نحن عندنا وما نحن بمسبوقين

    الآية المباركة تريد أن تقول قد يقول قائل انه صحيح نحن قدرنا بينكم الموت، ولكن قد يوجد هناك احد أو جهة أو قدرة تمنع تقديرنا من التحقق، انت قد تقدر شيئا ولكن قد لا يتحقق خارجا ذلك الذي قدرته، هذا الذيل في الآية المباركة يريد أن يشير إلى الحتمية، يريد أن يقول بأنه إذا قدرنا فلابد أن يقع، وبتعبير القرآن الكريم (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق: من الآية3)، يعني أن الله سبحانه وتعالى إذا قدر أمراً فهل يكون مسبوقا ويكون شيء آخر سابق عليه أو لا يمكن؟ هذا ما لا يمكن.
    إذن التفتوا إلى هذه الحقيقة، أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه الحقيقة بنحو دقيق، الله سبحانه وتعالى يقول واحدة من أهم الفوارق، التفتوا جيدا، وهذا ما بينه أمير المؤمنين، من أهم الفوارق بين سبحانه وتعالى، بين الغني المطلق، بين القادر المطلق وبين غيره انه إذا قدر هو الشيء فليس بمسبوق، يعني لا يمكن أن يكون هناك من يسبقه على ما يقدر، فيكون سابقا وهو مسبوق، أبداً، وما نحن بمسبوقين، أما أنا وأنت وأمثالنا يقول علي أمير المؤمنين (عليه السلام): عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم، يعني انت تُقِّدر وتهيأ المقدمات ولكنه لا يقع ما تريد، لا يقع ما تريده وما يقدره، لأنه هناك قد يوجد شيء يمنعك، وقد يوجد شيء يسبقك فيكون سابقا عليك وأنت مسبوق.

    المقدم: يعني سماحة السيد لان الله تبارك وتعالى قدر فهدى؟

    السيد كمال الحيدري: احسنتم، مقصودي بأنه القرآن الكريم عندما يقول الله قدر يعني أن المقدر لا بد أن يتحقق، لا يمكن أن يكون كذلك، ولا يوجد هناك ما يمنع من تحقق هذا التقدير، لأنه صدّر الآية المباركة قالت: نحن قدرنا بينكم الموت، ولكنه هنا يوجد قد يتبادر إلى ذهن أي انسان سؤال، وافترض انت قدرت ولكن من يقول أن المقدر قد يقع، قد يوجد هناك ما يمنع من تحقق المقدر، يعني انت قدرت الموت ولكن يوجد هناك مانع فلا يتحقق الموت، هنا جاء الجواب مباشرة، انظروا (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، يعني انه لا يمكن لاحد أن يسبقنا في هذه الحقيقة.

    المقدم: ولا أي شيء، يعني هل هنالك إذا كان تقدير الموت هو بتقدير الهي الله تبارك وتعالى، قضية التقديم والتأخير كيف تكون؟ يعني هل نفهم من التقديم والتأخير هو نوع....

    السيد كمال الحيدري: أساساً انه لا بد أن نعرف أساساً انه الموت...

    المقدم: يعني الإجابة التي تفضلتم بها توحي بنفي التقديم والتأخير، باعتبار أن التقدير الهي مثلا، فانا اقول إذا كان هذا الامر أساساً ....

    السيد كمال الحيدري: أساسا أن الآية المباركة تقول نحن قدرنا بينكم الموت، والآيات السابقة قالت انك ميت وأنهم ميتون، وقالت كل نفس ذائقة الموت، وآيات متعددة في القرآن الكريم أشارت إلى هذه الحقيقة، انه إذا جاء الأجل كما هو مضمون جملة من الآيات المباركة.
    أنا بودي مرة أخرى، لأنه جاءت ملاحظات من بعض الاخوة الاعزاء وبعض المشاهدين الكرام يقولون سيدنا انه بعض الأحيان الآيات القرآنية لا تقرأوها كما هي موجودة في النص القرآني.
    مراراً أبيّن للمشاهد الكريم أنا عندما أريد أن اقرأ الآية القرآنية اخواني اقرأها نصا أما من القرآن الكريم وأما ما كتبته، وإذا ذكرت بعض الأحيان آيات متعددة.
    أقول هذا المضمون موجود في الآيات القرآنية، فإذن لا يتبادر إلى ذهن الاخوة عندما نقول بعض الأحيان الآيات القرآنية كذا، يعني بالضرورة نقرا النص القرآني، مجموعة من الآيات القرآنية تشير إلى هذا المضمون انه إذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، هذه الآيات، مجموع هذه الآيات التي قرأناها والتي تقدمت تبين انه هناك لكل موجود اجل واحد، معين لا يتقدم ولا يتأخر.
    من هنا واقعا يأتي هذا التساؤل وهو انه واقعا أن الأجل واحد أو أن الأجل متعدد، يعني ماذا يقول القرآن الكريم، إن الأجل، للإنسان، أنا أتكلم الآن في معاد الإنسان، لا أتكلم في معاد الاشياء الأخرى، أنا أتكلم في معاد الإنسان، معاد الإنسان هو انه هل له اجل واحد أو آجال متعددة؟

    في الواقع نحن عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن صريح القرآن الكريم يبين أن الإنسان ليس له اجل واحد، يعني ليس له وقت واحد، بل له أكثر من وقت، الآن أنا لا أريد أن أشير أيضاً، لأنه يأخذ الوقت طويلا بنا، أن هذا الوقت اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، المهم فقط الذي أريد أن أثبته هذه الحقيقة وهو أن الأجل وان الوقت الذي ضرب لموت الإنسان ليس هو اجل واحد، وليس هو وقت واحد، وإنما هو أكثر من اجل وأكثر من وقت.

    الآن واقعا يطرح هذا التساؤل : وهو انه لماذا نطرح هذا التساؤل أساساً؟ ما هي أهمية هذا البحث ؟

    الجواب: في كلمة واحدة: وهو انه عندما نرجع نجد بان الآيات القرآنية والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت تعطي آثار متعددة للدعاء، لصلة الرحم، لمساعدة الفقراء، لمساعدة الاخوة ....، وكثيرا من القضايا نجد بأنها تعطي لها أثراً معينا.

    هنا يطرح هذا التساؤل: إذا كان الأجل معينا وواحدا إذن ما هو تأثير الدعاء؟ ما هو تأثير صلة الرحم؟ ما هو تأثير الصدقة؟ ما هو تأثير بر الإخوان ونحو ذلك؟

    أنا أتصور انه هذه القضية تحتاج إلى وقفة ولو قصيرة جدا، لأنه هذا البحث، لا اعلم المشاهد الكريم يتذكر أو لا يتذكر، هذا البحث لعله في حلقات لسنة أو سنتين سابقتين نحن وقفنا عند بحث البداء، في القرآن الكريم وفي الرواية وبيّنا ما يرتبط بهذا البحث، ولكنه على نحو الاجمال أريد أن أشير، نحن عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم لا اقل يشير إلى أن الإنسان له أكثر من وقت للموت والأجل الذي ضُرب له.

    انظروا إلى هذه الآية من سورة الرعد، طبعا هذه الآية من سورة الرعد عامة، وسأبيّن الآية الخاصة بالإنسان، قال تعالى في سورة الرعد: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد:39)، جيد، إذا كان الأجل ثابتا لا يتقدم ولا يتأخر لا معنى لان نقول يمحو ويثبت، هذا بخصوص الأجل، الآية مطلقة، الآية تقول بأنه يمحو الله ما يشاء في ماذا؟ في كل شيء، في رزق الإنسان، في اجل الإنسان، في صحة الإنسان، في أولاد الإنسان، في عائلة الإنسان، في حياة الإنسان، يمحو ويثبت وعنده أم الكتاب، فلو كان الأجل ولو كان الرزق، ولو كانت الحياة ولو كان الأولاد على نحو واحد لا يتقدم ولا يتأخر لا يتبدل ولا يتحول، إذن ما معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب؟
    إذن هذه الآية بنحو عام تثبت لنا هذه الحقيقة، وهو أن الاشياء جميعا قابلة للمحو والإثبات، هذا بالنسبة إلى العموم، وهذا لا يختص بالإنسان، يشمل الإنسان ولا يختص أيضاً بالأجل، يشمل الأجل وغير الأجل.

    أما عندما نأتي إلى آية سورة الأنعام قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً) (الأنعام: من الآية2)، هذه الآية مباشرة واقعا تبين بشكل إجمالي، هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً، هذا هو الأجل الأول، واجل مسمى عنده.

    إذن يوجد لكل انسان اجل واحد أو أجلان؟ هنا أجلان، صريح الآية المباركة تقول (قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام: من الآية2)، إذن الآية المباركة الاولى من سورة الرعد، والآية الثانية من سورة الأنعام تبين لنا بشكل واضح أن الأجل الذي كتب على الإنسان ليس هو اجل واحد، بل هو أكثر من اجل.

    إذن بهذا نصل إلى هذه الحقيقة: أن الله سبحانه وتعالى كتب على الإنسان الموت، وهذا من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل، ولكنه هذا الموت ووقت الموت هل هو واحد أو متعدد؟ صريح القرآن الكريم يبين أن هذا الوقت ليس واحدا بل هو متعدد.


    المقدم: سماحة السيد إذا قلنا بان هذا الأجلان يمكن أن يتطابقان في اجل، فهل هو الذي لا يتقدم ولا يتأخر، يعني باعتبار أن هنالك آيات صريحة تلوتم مضمونها آنفاً، إذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون؟

    السيد كمال الحيدري: لا، ذاك مرتبط بالأمم، ليس بالأشخاص، نعم، ذاك مرتبط بالسنن الإلهية المرتبطة بالأمم، لذا قلت بأنه مضمون الآيات الآن، لا أريد أن أقف عند تفاصيلها، والا لا يتقدمون ساعة ولا يستأخرون، مرتبط بالأمم، والآن نحن لا نتكلم في الأمم، نتكلم .....

    المقدم: يعني الإنسان اجله يمكن أن يتقدم ويمكن أن يتأخر؟

    السيد كمال الحيدري: صريح القرآن الكريم، الآن يتقدم ويتأخر لم اقل أنا، قلت أن الإنسان له أكثر من اجل، القرآن الكريم يبين أن الإنسان له أكثر من وقت، فإذا كان له أكثر من وقت لازمه انه قد يتقدم اجله وقد يتأخر.

    المقدم: طيب بيد من التقديم والتأخير؟

    السيد كمال الحيدري: وهذا هو السؤال الأساسي، لا إشكال ولا شبهة أن أصل الانتقال من هذه النشأة إلى نشأة أخرى ليس بيد الإنسان، يعني أن الإنسان لا يطلب رضاه وإذنه في الانتقال من هذه النشأة، كما انه لا يطلب إذنه ورضاه في الوصول أو المجيء إلى هذه النشأة، هناك مجموعة من الأمور، هذه الأمور خارجة عن اختيار الإنسان، وعن إرادة الإنسان،وعن رضا الإنسان، أو كره الإنسان، من هذه الامور هي الانتقال من هذه النشأة إلى نشأة أخرى، هذا قضاء رباني ضمن النظام الأحسن، انك ميت وأنهم ميتون.

    إذن في مسألة أصل الانتقال من هذه النشأة إلى نشأة أخرى هذا لا مدخلية للإنسان فيه، هذا حتمية الموت، وبتعبير الروايات حق لا ريب فيه، الموت حق لا ريب فيه، هذا مما لا ريب فيه، إنما الكلام كل الكلام كما بيّنا أن القرآن الكريم أشار إلى هذه الحقيقة وهي أن هذا الأجل وان وقت هذا الموت ليس واحدا بل هو متعدد.

    السؤال المطروح: وهو انه إذا تعدد وقت الموت، افترضوا أن الوقت الأول بعد خمسين عام من عمر الإنسان والوقت الثاني بعد سبعين عام من عمر الإنسان، لأنه في اعتقادي بأنه ليس فقط أجلان بل يوجد أكثر من أجلين، يعني قد يوجد أجلين وثلاث وأربع، الآن لعله إذا وسع الوقت أبيّن لماذا يتعدد ذلك.

    السيد كمال الحيدري: بعد أن ثبت في المقدمة أو في البحث السابق أو النقاط التي اشرنا إليها قلنا أن الأجل أصل الأجل واصل الانتقال من هذه النشأة إلى نشأة أخرى حق لا ريب فيه، وإنما الكلام كل الكلام انه هل هو وقت واحد أو يتعدد، لا اقل القرآن الكريم أشار إلى آية أو آيتين بشكل عام أو خاص إلى أن الوقت ليس واحد، بل إنما هو متعدد.

    السؤال المطروح: هو أن تقديم هذا الأجل، يعني أن يكون خمسين عام عمر الإنسان، أو تأخير هذا الأجل، بان يكون سبعين عام أو ثمانين عام أو مائة عام، هذا بيد من؟ هل أيضاً مرتبط بالله سبحانه وتعالى وبالتقدير الإلهي الذي لا مدخلية للإنسان فيه كما في أصل الموت، فان في أصل الموت لم يكن للإنسان أي مدخلية في ذلك، رضي أما أبى لا بد أن ينتقل، ولكنه في التقديم والتأخير أيضاً هذا مرتبط بالتقدير الإلهي؟

    طبعا يكون في علم المشاهد الكريم أنا عندما اقول مرتبط بالتقدير الإلهي، كل شيء مرتبط بالتقدير الإلهي، ولكن هل إرادة الإنسان واختيار الإنسان وفعل الإنسان ومعتقدات الإنسان، هل لها مدخلية في هذا التقديم والتأخير أو لا ؟

    والا لو فرضنا أن الإنسان له مدخلية، هذا ليس معناه انه الوقت خرج عن التقدير الإلهي، لا، باقي على التقدير الإلهي، فكل شيء داخل ضمن التقدير الإلهي، (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق: من الآية3) كما هو مضمون جملة من الآيات القرآنية.

    السؤال كما قلنا هذا: وهو انه هل لإرادة الإنسان واختيار الإنسان وأفعال الإنسان، هل للإنسان بنحو العموم مدخلية في تقديم هذا الأجل وتأخيره أو لا؟

    الجواب: نعم صريح القرآن الكريم يثبت لنا هذه الحقيقة بنحو واضح، فقط أنا اكتفي أن اقرأ، طبعا الروايات بعد ذلك سأشير إليها، ولكنه أحاول أن أقف أولاً على البحث القرآني، انظروا إلى هذه الآية المباركة من سورة الرعد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: من الآية11).

    إذن الله سبحانه وتعالى ربط تغييره في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والآية كما يقولون في علم الاصول مطلقة، لا فرق بين أن يكون ذلك الامر مرتبط برزق الإنسان، مرتبط بحياة الإنسان، مرتبط بموت الإنسان، كلها هذه الامور مرتبطة، الله لا يغيرها الا إذا غيرها الإنسان، أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

    الأخ عبد القادر: سؤالي بالنسبة إلى قضية اجل الإنسان، أليس يوجد آجال محتومة وآجال مخرومة؟ نريد معرفة الفرق بين هذه الآجال؟ طبعا في حديث عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يعني دفع الأذى بالصدقة ومنها (كلام غير مفهوم).

    السيد كمال الحيدري: إذن الآية المباركة بيّنت بشكل واضح وهو انه أساساً، التغيير عام يشمل الأجل أيضاً، ويشمل وقت الموت، إذن هذا تغيير وقت الموت من مقدم إلى متأخر أيضاً مرتبط بالإنسان، أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غيروا ما بأنفسهم الله سبحانه وتعالى، بعبارة فلسفية وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول أن الله سبحانه وتعالى في ما يتعلق بوقت وأجل الإنسان جعل إرادته تابعة لإرادة الإنسان، أما في ما يتعلق بأصل الموت، لا، إرادة الله هي الحاكمة، سواء أراد الإنسان ذلك أو لم يرد.

    أما فيما يتعلق بوقت الموت وبوقت اجل الموت، هذا ترك إلى الإنسان في أن يقدم وان يؤخر، وهذه نقطة أساسية، أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه النقطة التربوية والمهمة في الإنسان، وهي انه الإنسان بيده أن يقدم أجله وان يؤخر أجله، بل بعد ذلك سيتضح انه هو الذي بيده أن يجعل ميتته ميتة الطيبين أو ميتة السوء.

    إذن هذه نقطة أساسية وتربوية، أساسية، يعني الإنسان لا بد أن يشعر بان وقت الموت مرتبط به، وكيفية الموت مرتبطة به .

  • محـب الحسين

    • Nov 2008
    • 46763

    #2
    شكرا جزيلا على المنفعة
    جزاكِ الله أحسن الجزاء

    تعليق

    • ندى الحزينة
      • Aug 2014
      • 1411

      #3
      اللهم لا تتوفانا الا ونحن مسلمين

      طرح مبارك جزيتِ من الله خيرا اختي الغالية

      تعليق

      يعمل...
      X