المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الاُسرة والوراثة في الأخلاق


العلوية ام موسى الاعرجي
25-12-2014, 01:12 AM
من المعلوم أنّ أوّل مدرسة لتعليم القيم الأخلاقيّة، يدخلها الإنسان هي الاُسرة، فكثيرٌ من اُسس الأخلاق، تنموفي واقع الإنسان هناك، فالمحيط السّليم والملّوث للاُسرة، له الأثر العميق في صياغة السّلوك الأخلاقي، لأفراد الاُسرة، إنّ على مستوى الأخلاق الحسنة والسيئة، فالحجر الأساس للأخلاق في واقع الإنسان يوضع هناك.

وتتبيّن أهميّة الموضوع، عندما يتّضح أنّ الطفل في حركته التكامليّة، ومسيرته في خط التّربية:

أولاً: يتقبّل ويتأثر بالمحيط بسرعة كبيرة.

ثانياً: إنّ ما يتعلمه الطّفل في صغره، سوف ينفذ إلى أعماق نفسه وروحه، وقد سمعنا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام، يقول فيه: "العِلمُ فِي الصِّغَرِ كالنَّقشِ فِي الحَجَرِ"1.

فالطفل يستلهم كثيراً من سجايا أبيه واُمّه واُخوته وأخواته، فالشّجاعة والسّخاء والصّدق والوفاء، وغيرها من الصّفات والسّجايا الأخلاقيّة الحميدة، يأخذها ويكسبها الطّفل من الكبار بسهولة، وكذلك الحال في الرّذائل، حيث يكسبها الطّفل من الكبار بسهولة أيضاً.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطّفل يكسب الصّفات من أبويه عن طريق آخر، وهوالوراثة، فالكروموسومات لا تنقل الصفات الجسمانية فحسب، بل تنقل الصفات الأخلاقيّة أيضاً، ولكن من دون تدخل عنصر الإجبار، حيث تكون هذه الصّفات قابلةٌ للتغيير، ولا تسلب المسؤوليّة من الأولاد أيضاً.

وبعبارة اُخرى، انّ الأبوين يؤثران على الطّفل أخلاقياً من طريقين، طريق التّكوين، وطريق التّشريع، والمراد من التّكوين هوالصفات والسّجايا المزاجيّة والأخلاقيّة المتوفرة في الكروموسومات والجينات، والّتي تنتقل لا إرادياً للطفل في عمليّة الوراثة.

والطريق التشريعي يتمثل في إرشاد الأبناء، من خلال أساليب التّعليم والتّربية للصفات الأخلاقيّة، التي يكتسبها الطفل من الأبوين بوعي وشعور.

ومن المعلوم أنّ أيّاً من هذين الطّريقين، لا يكون على مستوى الإجبار، بل كلّ منهما يُهيّىء الأرضيّة لنموورشد الأخلاق في واقع الإنسان، ورأينا في كثير من الحالات أفراداً صالحين وطاهرين، لأنّ بيئتهم كانت طاهرةً وسليمةً، والعكس صحيح أيضاً. ولا شك من وجود إستثناءات في الحالتين تبيّن أنّ تأثير هذين العاملين، وهي: "التربية والوراثة"، لا يكون تأثيراً على مستوى جَبر، بل يخضع لأدوات التّغيير وعنصر الإختيار.

ونعود بعد هذه الإشارة إلى أجواء القرآن الكريم، لنستوحي من آياته الكريمة ما يرشدنا إلى الحقيقة:

1- ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾(نوح:27).
2- ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾(آل عمران:37).
3- ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(آل عمران:33-34).
4- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(التحريم:6).
5- ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾(مريم:28).

تفسير واستنتاج
"الآية الاُولى": تتحدث عن نوح ودعائه على قومه بالهلاك، حيث إستدلّ على ذلك بقوله: ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾.

فهذا الكلام يدلّ على أنّ الفجار والمنحرفين، لا يلدون إلاّ الفجّار والمنحرفين، ولا يستحقون الحياة الكريمة من موقع الرّحمة، بل يجب أن ينزل عليهم العذاب أينما وجدوا وحلّوا، والحقيقة أنّ البيئة، وتربية الاُسرة وكذلك الوراثة، كلّها عوامل تؤثر في الأخلاق والعقيدة، في حركة الحياة والإنسان، والمهم في الأمر أنّ نوح عليه السلام، قطع بكفر وفساد أولادهم اللاّحقين، لأنّ الفساد إنتشر في المجتمع بصورة كبيرة جدّاً، فلا يمكن لأحد أن يفلت منه بسهولة، وطبعاً وجود مثل هذه العوامل، لا يعني سلب الإرادة من الإنسان، وقد ذهب البعض إلى أنّ نوح عليه السلام، توجّه لهذه الملاحظة عن طريق الوحي الإلهي، عندما قال له الباري تعالى: ﴿إنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إلاّ مَن آمن﴾(هود:36).

ومن الواضح، أنّ هذه الآية لا تشمل الأجيال القادمة، لكنّه لا يُستبعد أنّه عليه السلام حكم عليهم بالإعتماد على الاُمور الثلاثة السّابقة الذّكر، وهي: (البيئة، وتربية الاُسرة، وعامل الوراثة).

وقد ورد في بعض الرّوايات أنّ الكفّار من القوم، كانوا يأتون بصبيانهم المميزين عند نوح عليه السلام، ويقول الأب لإبنه، أترى هذا الشّيخ يا بُني؟ إنّه شيخٌ كذّاب، فلا تقترب منه، هكذا أوصاني أبي، "وافعل أنت ذلك مع إبنك أيضاً".

وظلّ الأمر على هذا المنوال على تعاقب الأجيال2.

وفي "الآية الثانية": يحدثنا القرآن الكريم عن السيّدة مريم عليها السلام، والتي تعتبر من أهم وأبرز الشخصيات النسائية في العالم، وقد ورد في النّصوص الدينيّة، ما يبيّن أنّ مسألة التربية والوراثة والبيئة، لها أهميّة كبيرةٌ في رسم وصياغة شخصيّة الإنسان، في خطّ الحقّ والباطل، ولأجل تربية أفراد صالحين، يجب علينا التّوجه لتلك الاُمور.

ومن جملتها، حالة الاُم في زمان الحَمل، فترى أنّ اُمّ مريم كانت تستعيذ بالله تعالى من الشّيطان الرجيم ، وكانت تتمنى دائماً أن يكون من خُدّام بيت الله ،بل نذرت أن يكون وليدها كذلك.

فتقول الآية الكريمة: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً﴾.

تشبيه الإنسان الطّاهر بالنبات الحَسن، هوفي الحقيقة إشارةٌ إلى أنّ الإنسان كالنبات، يجب ملاحظته ملاحظةً دقيقةً، فالنبات ولأجل أن ينبت نباتاً حسناً مثمراً، يجب في بادىء الأمر الإستفادة من البذور الصّالحة، والإعتناء به من قبل الفلاّح في كل مراحل رشده، إلى أن يصبح شجرةً مثمرةً، فكذلك الطفل في عَمليّة التربية، حيث ينبغي التّعامل معه من منطلق الرّعاية والعناية، وتربيته تربيةً صحيحةً، لأنّ عامل الوراثة يؤثر في نفسه وروحه، والاُسرة التي يعيش فيها، وكذلك البيئة والمحيط الذي يَتعايش معه، كلّها تمثل عناصر ضاغطة في واقعه النّفساني والمزاجي.

والجدير بالذّكر، أنّ الله سبحانه جاء بجملة: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ في ذيل الآية، وهي الكفالة لمريم عليها السلام3، ومعلوم حال من يتربى على يد نبيٍّ من أنبياء الله تعالى، بل الله تعالى هوالذي اختاره لكفالتها ورعايتها.

فلا غرابة والحال هذه، أن تصل مريم عليها السلام لدرجات سامية، من الإيمان والتّقوى، والأخلاق والتربية، ففي ذيل هذه الآية، يقول القرآن الكريم: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الِْمحرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب﴾.

نعم فإنّ التربية الإلهيّة: تُثمر الأخلاق الإلهيّة، والرزق من الله في طريق التّكامل المعنوي للإنسان.

وقد ورد في "الآية الثالثة": مقدّمةٌ لقضية مريم عليها السلام، وكفالة زكريّا عليه السلام لها، وفيها الكلام عن تأثير العامل الوراثي، وعامل التربية في تكريس الطهارة والتقوى والفضيلة، في مضمون الإنسان ومحتواه الداخلي، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

فالذرّية التي بعضها من بعض، إشارة لعامل الوراثة والتربية الاُسريّة، وكلاهما شاهد حيٌّ يؤيد مُدّعانا من تأثير عناصر الوراثة والتربية، في الشّخصيّة ومعطياتها في خط التّقوى والفضيلة.

وأشارت الرّوايات التي نُقلت في ذيل هذه الآية، لذلك المعنى4 أيضاً، وعلى كل حال، فإنّ الآيات الآنفة الذّكر، تدلّ على مدى تأثير معطيات التربية والبيئة والوراثة، في نفسية الإنسان، وأثرها العميق في صياغة قابليّاته، والإرتفاع به للتّصدي لمقام الرئاسة المعنويّة على الخلق، ولا يمكن إنكار تلك المَعطيات، ولا يمكن أبداً مُقايسة هؤلاء الأطهار الذين عاشوا أجواءَ الفضيلة، بالّذين ورثوا الكفر والفساد والنّفاق من آبائهم وأجدادهم.

وفي "الآية الرابعة": خاطب الباري تعالى المؤمنين وقال لهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.

وقد تَلت هذه الآية، الآيات الّتي جاءت في بداية سورة التّحريم، والتي حذّرت فيها نساء النّبي صلى الله عليه واله وسلم من أعمالهنّ، وبعدها ذكر المطلب بصورة حكم عامٍّ شمل كلّ المؤمنين.

ومن المعلوم أنّ المقصود من هذه النار، هي نار الآخرة، ولا يمكن الإتقاء من تلك النار، إلاّ بالإهتمام بعمليّة التعليم والتربية السّليمة في واقع الاُسرة، والتي بدورها توجب ترك المعاصي، والإقبال على الطّاعة وتقوى الله تعالى. وبناءً على ذلك فإنّ هذه الآية تعيّن وتبيّن وظيفة ربّ الاُسرة، ودوره في التّربية والتعليم، وكذلك تبيّن أهميّة وتأثير عنصر التربية والتعليم، في ترشيد الفضائل والأخلاق الحميدة، والسيّرة الحسنة.

ويجب الإهتمام في ترجمة هذا البرنامج، إلى عالم الممارسة والتطبيق، من أوّل لبنة توضع في بناء الاُسرة، أي منذ إجراء عقد الزّواج والرّباط المُقدس، ويجب الإهتمام بإسلوب التربية، من أوّل لحظة يولد فيها الطّفل، ويستمر البرنامج التّربوي في كلّ المراحل التي تعقبها.

فنقرأ في حديث عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، أنّه عندما نزلت هذه الآية الشّريفة، سأله أحد أصحابه، عن كيفيّة الوقاية من النار، له ولعياله، فقال له الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "تَأمُرُهُم بِما أَمَرَ اللهُ وَتَنهاهُم عَمّا نَهاهُم اللهُ إنْ أَطاعُوكَ كنْتَ قَدْ وَقَيتَهُم وَإِنْ عَصَوكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيتَ ما عَلَيكَ"5.

ويجب أن يكون معلوماً، أنّ الأمر بالمعروف يعدّ من الوسائل الناجعة لوقاية الاُسرة من الإنحراف والسّقوط في هاوية الجحيم، ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، علينا الإستعانة بكلّ الوسائل المتاحة لدينا، وكذلك الإستعانة بالجوانب العملية والنفسية والكلامية، ولا يُستبعد شمول الآية لمسألة الوارثة، فمثلاً أكل لقمة الحلال عند إنعقاد النّطفة وذكر الله، يُؤثر إيجابياً في تكوين النّطفة، وتنشئة الطّفل وحركته في المستقبل في خطّ الإيمان.

"الآية الخامسة والأخيرة": تشير إلى قصّة مريم عليها السلام وولادتها للمسيح عليه السلام، الذي وُلد من دون أب، وتعجّب قومها من ذلك الأمر الفظيع بنظرهم!، فقال الباري تعالى على لسان قومها: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾.

فهذا التعبير، (وخصوصاً نقل القرآن الكريم من موقع الإمضاء والتأييد)، إن دل على شيء فهويدلّ على معطيات عوامل الوراثة من الأب والاُم، وكذلك تربية الاُسرة وتأثيرها في أخلاق الطفل، وكلّ الناس لمسوا هذه الأمر بالتجربة، فإذا شاهدوا أمراً مُخالفاً للمعهود، إستغربوا وتعجّبوا.

ومن مجموع ما تقدم، يمكننا أن نستوحي هذه الحقيقة، وهي أنّ الوراثة والتربية، من العوامل المهمّة، في رسم وغرس القيم الأخلاقيّة في حركة الواقع النفسي للإنسان، إن على مستوى الأخلاق الحسنة والسيئة.

الأخلاق والتربية في الأحاديث الإسلاميّة
لا شكّ أنّ المدرسة الأولى للإنسان، هي واقع الاُسرة، فمنها يتعلم الإنسان الدّروس الاُولى للفضيلة والرذيلة. وإذا ما تناولنا مفهوم التربية بشكله العام: "التكوين والتشريع"، فإنّ أوّل مدرسة يدخلها الإنسان، هي رحم الاُم وصلب الأب، والّتي تؤتي معطيّاتها بصورة غير مباشرة على الطفل، وتهيىء الأرضيّة للفضيلة، والرّذيلة في حركته المستقبليّة.

وقد ورد في الأحاديث الإسلاميّة، تعبيراتٌ لطيفةٌ ودقيقةٌ جدّاً في هذا المجال، نشير إلى قسم منها:

1- قال عليٌّ عليه السلام: "حُسْنُ الأَخلاق بُرهانُ كَرَمِ الأَعراقِ"6.

وبناءً عليه فإنّ الاُسر الفاضلة، غالباً ما تقدّم للمجتمع أفراداً متمّيزين على مستوى الأخلاق الحسنة، وبالعكس فإنّ الأفراد الطالحين، ينشؤون غالباً من عوائل فاسدة.

2- ورد في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "عَلَيكُم فِي طَلبِ الحَوائِجِ بأشراف النُّفُوسِ وَذَوي الاُصُولِ الطَّيِّبَةِ، فإِنَّها عِنْدَهُم أَقضى، وَهِي لَدَيهِم أَزكَى"7.

3- وفي عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله، ووصاياه له في إختيار الضّباط للجيش الإسلامي، قال له:

"ثُمَّ الصَقْ بِذَوي المُروُءاتِ والأَحسابِ وَأَهلِ البُيُوتاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوابِقِ الحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجدَةِ وَالشَّجَاعَةِ والسَّخاءِ وَالسَّمَاحَةِ فإِنَّهُم جِماعُ مِنَ الكَرَمِ وَشُعَبٌ مِنَ العُرفِ"8.

4- وورد عن الإمام الصادق عليه السلام، حديث يُبيّن تأثير الآباء الفاسدين على شخصية الأطفالِ وسلوكهم الأخلاقي، فقال: "أَيَّما إِمرَأَة أَطاعَتْ زَوجَها وَ هُوَ شارِبٌ لِلخَمْرِ، كَانَ لَها مِنَ الخَطايا بِعَدَدِ نُجُومِ السَّماءِ وَكُلُّ مَولُود يُولَدُ مِنْهُ فَهُوَ نَجِسٌ"9.

وقد ورد النّهي الأكيد، في روايات اُخرى كثيرة عن تزويج شارب الخمر وسيّئ الخلق 10.

5- وقد ورد في الحديث النبوي المشهور، بالنّسبة إلى تأثير تربية الأب والاُم على الأولاد، أنّه قال: "كُلُّ مَولُود يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ حتى يَكُونَ أَبواهُ هُمَا اللَّذانِ يُهِوِّدانِهِ وَيُنَصِّرانِهِ"11.

فالتربية التي تعمل على تغيير إيمان وعقيدة الطّفل، كيف لا تعمل على تغيير سلوكه الأخلاقي في الدّائرة الإجتماعية؟

6- وهذا الأمر جعل مسألة التربية الصّالحة، من أهم حقوق الطّفل على الوالدين، فنقرأ في الحديث النبوي الشّريف: "حَقُّ الوَلَدِ عَلى الوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ إسمَهُ وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ"12.

فمن الواضح أنّ مداليل الأسماء، لها أثرها الأكيد على نفسيّة وروحيّة الطّفل، فأسماء الشّخصيات الكبيرة من أهل التّقوى والفضيلة، تجذب الإنسان المُسمّى بأسمائهم إليهم، وتدعوه للتّقرب إليهم، وبالعكس، فإنّ أسماء الفسقة والكفّار، تقرّب من يتسمى بأسمائهم منهم أيضاً13.

7- ونقرأ في النبوي الشريف أيضاً: "ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفضَلَ مِنْ أَدب حَسَن"14.

8- وقال الإمام السجّاد عليه السلام، بتعبير أوضح: "وَإِنَّكَ مَسؤولٌ عَمَّا وَلِّيتَهُ بِهِ مِنْ حَسَنِ الأَدبِ وَالدَّلالَةِ عَلَى رَبِّهِ عَزَّوَجَلَّ وَ المَعُونَةَ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ"15.

9- وقال الإمام علي عليه السلام، بأنّ أخلاق الأبوين، هي عبارةٌ عن ميراث الأبناء منهما، فيقول عليه السلام: "خَيرُ ما وَرَّثَ الآباءُ الأَبناءَ الأَدَبَ"16.

10- ونختم هذا البحث بحديث آخر عن الإمام على عليه السلام، حيث بيّن الإمام عليه السلام، شخصيته للجهّال الذين يقيسونه بغيره، فقال:

"وَقَدْ عَلِمْتُم مَوضِعي مِنْ رَسُولِ اللهِ بِالقَرابَةِ القَريبَةِ وَالمَنزِلَةِ الخَصيصة، وَ ضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَ أَنا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدرِهِ... يَرفَعُ لِي كُلَّ يَوم عَلَماً مِنْ أَخلاقِهِ وَ يَأَمُرُنِي بِالإِقتِداءِ..".

واللطيف في الأمر، أنّ الإمام عليه السلام وفي أثناء حديثه، بيّن قسماً من أخلاق الرّسول صلى الله عليه واله وسلم، فقال: "وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ صلى الله عليه واله وسلم مِن لَدُنْ أَن كانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَك مَِنْ مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَرِيقَ المَكارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخلاقِ العالَمِ لَيلَهُ ونَهارَهُ"17.

وصحيح أنّ الصفات النفسية والأخلاقيّة، سواء كانت سيئة أم حسنة، فهي تنبع من باطن الإنسان وإرادته، ولكن لا يمكن إنكار معطيات البيئة وأجواء المحيط، في تكوين وترشيد الأخلاق الحسنة والسّيئة، وكذلك عنصر الوراثة من الوالدين والاُسرة بصورة أعم، وتوجد شواهد عينيّة كثيرة، وأدلة قطعيّة على ذلك، ترفع الشّك والترديد في المسألة.

وبناءً على ذلك، ولأجل بناء مجتمع صالح وأفراد سالمين، علينا الإهتمام بتربية الطّفل تربيةً سليمةً، والإنتباه لعوامل الوراثة وأخذها بنظر الإعتبار، في واقع الحياة الفرديّة والإجتماعيّة.

المصدر : الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،ص142-150

الهوامش
1- بحار الأنوار، ج 1، ص224.
2- تفسير الفَخر الرازي، والمُراغي، للآية مَورد بحثنا.
3- يجب التنويه إلى أنّ "كفل"، إذا قُرىء بدون التّشديد، يعنى: التّعهد بالإدارة والكفالة، وا ذا قُرىء بالتّشديد بمعنى: إختيار الكفيل لآخر، وبناءً على ذلك فإنّ الله تعالى إختار زكريّ عليه السلام لتربية مريم عليها السلام، "وكفّل": أخذ مفعولين، أحدهما: (هاء)، يعود إلى مريم عليها السلام، والآخر إلى: زكري عليه السلام.
4- يرجى الرجوع إلى نور الثقلين: (ج1، ص331).
5- نور الثقلين: (ج 5، ص 372).
6- غُرر الحِكم.
7- المصدر السابق.
8- نهج البلاغة.
9- لئالي الأخبار.
10- وسائل الشيعة، ج14، ص53 و54.
11- تفسير مجمع البيان، ذيل الآية 30 من سورة الروم.
12- كنز العمّال، 45192.
13- وسائل الشيعة، ج15، ص122 و132.
14- كنز العمّال، ح45411.
15- بحار الأنوار، ج71، ص6 (جوامع الحقوق). 16- غُرر الحِكم.
17- نهج البلاغة، الخطبة 192، (الخطبة القاصعة).