المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسس ومبادئ الحياة الزوجية السعيدة ( 3 )


العلوية ام موسى الاعرجي
25-12-2014, 09:18 PM
القسم الثالث : النظرة الشرعية بين الواقع الديني والاجتماعي.


قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم.

المعيار السادس : النظرة الشرعية بين الرجل والمرأة.
لا زال البحث موصولاً حول الأسس والقواعد السليمة للاختيار الأمثل لكل من الزوجين لشريك حياته، وقد استعرضنا بعض الأسس الهامة التي ركزت عليها الروايات، وانتهينا إلى موضوع الجمال، وبينا أنّ الجمال بالرغم من أهميته، إلا أنّ الروايات لم تجعله الأساس الذي ينطلق منه الزوج في اختيار زوجته، بل عليه أن يجعل الجمال تابعاً للدين. وهكذا بالنسبة للمال فلا ينبغي للزوج -حتى إذا كان لا يمتلك الوفرة المالية- أن ينطلق في اختياره لزوجته من جهة وفرة المال لديها.

أهمية النظرة الشرعية في الزواج السعيد.
من القواعد الهامة التي ذُكرت في الروايات لاختيار الزوجة هو التعرف على جسد المرأة عن قرب؛ أي، إنّ الزوج إذا أراد أن يختار زوجته فلا بد أن يتعرف عليها من الناحية الجسدية، وهذا الأمر له أهمية كبيرة باعتباره يصنع القناعة للإنسان في بدء مشواره العظيم في اختياره لزوجته على أساس المواصفات التي يرغب في توافرها في شريكة حياته، وهذه القناعة عندما تتحقق لدى الإنسان يصبح في انطلاقته على درجة من الاطمئنان والإيقان بأنّ اختياره كان سليماً، ومبتنياً على القواعد الصحيحة؛ وبالتالي سوف ينعكس على استقرار حياته الزوجية وسعادتها، وهذا هو الهدف الذي يروم منه المشرّع من تشجيعه على تعرف الرجل على جسد المرأة التي يريد الزواج بها.

النظرة الشرعية في الأحاديث.
إنّ معنى التعرف على جسد المرأة كما جاء في الروايات هو أن ينظر إليها قبل أن يتقدم لخطبتها بشكلٍ رسمي، وقد جرت العادة بين الناس في التعرف على المرأة بطريقتين: فتارةً يرسل بعض أقربائه للتعرف على المرأة، فتذكر أمه أو إحدى أخواته له المواصفات التي قد تعجبه وقد لا تعجبه، وتارةً يكتفي بعض الناس بوصف بعض قريباته لمن يريد أن يختارها. ولكن الشريعة المقدسة ركّزت على الإنسان في مبدأ الاختيار، أن لا يكتفي بالوصف وحده، وأنّ عليه أن ينظر بنفسه ويتعرف على المرأة بشكلٍ مباشر؛ ليبني حياته الزوجية على الأساس السليم -كما أشرنا- باعتبار أنّ الزواج أكبر مؤسسة يقوم بها الإنسان في حياته؛ وتمثل استمرارية وجوده من حيث النسل. ولذا، وردت روايات متعددة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام توضح هذا المطلب، فقد جاء رجل يخبر النبي صلى الله عليه وآله أنه تزوج فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ‹‹أنظرت إليها؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله): فاذهب وانظر إليها››.
فالنبي صلى الله عليه وآله لم يكتفِ من هذا الرجل أن يتعرف على شريكة حياته بشكل غير مباشر، وإنما أمره أن يذهب ويتعرف على هذه المرأة بشكلٍ مباشر، بل، نجد في روايات أخرى تفصيلات أكثر وأدق من ذلك، كما في تلك الرواية التي تتحدث عن ذلك السائل الذي جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: الرجل يريد أن يتزوج المرأة، يجوز له أن ينظر إليها؟ فقال الإمام عليه السلام: ‹‹نعم وترقق له الثياب››، فالإمام يريد أن يوضح الحدود للنظرة الشرعية؛ بحيث يتسنى للناظر أن يتعرف عن قرب على المرأة حتى يصبح اختياره قائماً على دعامة سليمة- كما أومأنا في سالف الكلام - باعتبار أنّ ترقيق الثياب كما يشير بعض الفقهاء تعبير كنائي من الإمام عليه السلام لمن يريد أن يتزوج المرأة، بحيث يتمكن من النظر إلى محاسنها، وقد تعجب هذا السائل من قول الإمام الصادق عليه السلام: ‹‹وترقق له الثياب››، فأزال الإمام عليه السلام هذا التعجب من ذهن ذلك السائل بقوله: ‹‹إنه يريد أن يشتريها بأغلى الأثمان››، أي، إنّ هذا الخاطب الراغب في تلك المرأة عندما يتزوجها، فهو يشتريها بأغلى الأثمان، وهنا لابد أن نقف عند قول الإمام عليه السلام: ‹‹إنه يريد أن يشتريها بأغلى الأثمان››، باعتبار أنّ البعض يتصور أنّ الإمام عليه السلام يشير إلى المهر، بينما كلام الإمام عليه السلام لا يرتبط بالمهر وحده، بل، يركّز على مسألة أعمق وأعظم من المهر، قد أشارت إليها روايات أخرى، وأوضحت أنّ من يريد أن يرتبط بالمرأة من خلال الزواج، فإنه سيطلعها على أسراره وخصوصياته الدينية وغير الدينية، وسوف يكشف لها واقع حاله، وهذه النقطة ذات أهمية بالغة، فلابد أن تكون هذه الشراكة مبتنية على وضوح وشفافية خاصة، ينطلق منها الزوج في مبدأ أمره، كما أنّ الزوج سوف يشترك معها في رباط وثيق يجمعهما، وهو الإنجاب والديمومة لنفسه ولها؛ لأنّ استمرار الحياة ووجود نسله، سيكون من خلالها، فلابد أن يتعرف عليها عن قرب، وهذا أغلى ثمن كما تعبر الرواية. ولعل هذا الرأي في النظرة الشرعية بهذا المستوى من العمق والدقة من خصائص المذهب الأمامي، وإن كان قد وردت بعض الآراء لدى مذاهب العامة تؤيد هذا الرأي.

حدود النظرة الشرعية عند الفقهاء.
إنّ الفقهاء يختلفون في النظرة الشرعية، التي هي-كما قلنا- قاعدة أساسية للتعرف على الجانب الجسدي والجسماني في المرأة، وهذا النحو من التعرف يعطي الإنسان القناعة بالطرف الآخر، ولذا، نجد بعض فقهائنا؛ كصاحب الجواهر رحمه الله والسيد الإمام وغيرهما، يقولون: إنّ الرجل يجوز له أن ينظر إلى جسد المرأة، بشكل بيّن وواضح ما عدا العورة استناداً إلى طائفة من الروايات، منها هذه الرواية التي ذكرناها، ‹‹وترقق له الثياب››. وبعض الفقهاء يخص النظرة الشرعية فقط بالوجه والكفين، وبعضهم يتوسط بين نظرة صاحب الجواهر وبين هذه النظرة المحدودة بالوجه والكفين، وذلك مثل السيد الخوئي والسيد السيستاني وبعض الفقهاء المعاصرين، حيث يقولون: إنّ نظر الرجل إلى المرأة التي يريد الزواج منها، ليس مقتصراً على الوجه والكفين، بل يجوز له النظر إلى شعرها ومحاسنها كالرقبة وبعض مواطن الجمال لديها، وهناك روايات أيضاً تدلل على ذلك فقد سأل بعض أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الإمام عن هذه المسألة بالذات، قال: قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال الإمام عليه السلام مجيباً السائل: ‹‹لا بأس بذلك، إذا لم يكن متلذذاً››، أي يسوغ لمن أراد أن يتزوج أن ينظر إلى شعر المرأة ومحاسنها؛ بشرط أن لا يكون قاصداً التلذذ، ويشترط العلماء أيضاً لجواز هذه النظرة، أن يكون قاصداً الزواج بهذه المرأة التي يريد أن ينظر إليها، وأن يحتمل حصول الموافقة عليه وأما لو علم أنه يُرد فلا يجوز له النظر، وكذلك، من الضروري أن يكون لديه احتمال أن يحصل له إطلاع أكثر عليها عندما ينظر إليها، فهذه أهم الشروط التي أكد عليها الفقهاء لجواز النظرة الشرعية.

تقييد الحكم الأولي العام للنظرة الشرعية.
وهنا ينبغي أن نلتفت إلى مسألة هامة، وهي أنّ قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(النور:30) هو أمر إلهي بوجوب غض النظر، وعلى هذا الأساس لا يجوز للإنسان أن ينظر إلى المرأة وهذا بالحكم الأولي، وهو حكم عام. وكذلك، الآية التي تقول: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور:31)، فهي تثبت وجوب التستر والحجاب على المرأة لكن هذا بالحكم الأولي، وهو حكم عام، فيوجد لدينا حكم بعدم جواز نظر الرجل للمرأة التي ليست من محارمه، وأيضاً لا يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أو شيء من محاسنها للرجل، وهذان الحكمان بالعنوان الأولي، ولكن تأتي الروايات التي تقول بجواز نظر الرجل للمرأة التي يريد الزواج منها فتُقيد هذين الحكمين، وتُوجِدُ حالة استثنائية لحرمة نظر الرجل للمرأة، وتحول هذه الحرمة إلى الجواز، وذلك، للرجل الذي يريد أن يرتبط مع تلك المرأة برباط الزوجية الوثيق، فهنا تقييد وتخصيص لذلك الحكم الأولي العام؛ لأنه كما يقول الإمام عليه السلام في الرواية، ‹‹يريد أن يشتريها بأغلى الأثمان››.

النظرة الشرعية حق للمرأة.
إنّ موضوع النظر إلى من يريد الزواج منه ليس حقاً مختصاً بالرجل، بل، هو أيضاً حق مشروع للمرأة بالنسبة لمن تريد أن تتزوجه، والروايات وإن كانت قد أبانت أنّ الرجل يجوز له أن ينظر إلى من يكون عازماً على الزواج منها، إلا أنّ هذا الحق مكفول للمرأة أيضاً، وإن لم تصرح به الروايات. وقد يقول قائل لماذا لم يرد ما يدل على جواز رؤية المرأة لمن ترغب الزواج منه؟

والسبب واضح من جهتين:
الأولى : من حيث أن المرأة تتمكن من رؤية الرجل في مناسبات متعددة وفرص مختلفة، فتراه في الطريق ماشياً مثلاً، وفي غير الطريق مما يتيح لها أن تنظر إليه بسهولة ويسر، مع ملاحظة أنها تتمكن من التعرف عليه بشكل سري حتى أنّ الرجل لا يشعر بذلك.
الثانية : يشير بعض الفقهاء إلى وجود أولوية في المقام؛ فإذا جاز للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوج بها، فمن باب أولى أنّ لها الحق في رؤية من ترغب في الزواج منه؛ لأنّ الرجل يشتريها بأغلى الأثمان ويشركها في دينه وأماناته، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة، فالملاك والمناط لكل من الزوجين واحد؛ بمعنى إذا ساغ للرجل لأجل هذه العلة والسبب أن ينظر إلى المرأة، فكذلك الحال بالنسبة إلى المرأة، ونظرها للرجل.

محـب الحسين
25-12-2014, 11:11 PM
بوركتِ اختي الفاضله
جزاكِ الله خير الجزاء