المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسس ومبادئ الحياة الزوجية السعيدة 4


العلوية ام موسى الاعرجي
25-12-2014, 09:20 PM
القسم الرابع : الزواج في ظل التناسب العمري والقناعة الذاتية.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم.

لازال الكلام موصولاً عن الأسس التي استُعرضت في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام للاختيار السليم لكل من الزوجين واختيار شريك حياته.

المعيار السابع : التقارب العمري.
من المسائل التي أشارت إليها الروايات، ومنحتها أهمية بالغة، التقارب العمري؛ أي التقارب في السن بين الزوجين، وهذا لا يعني أنّ المُشرع يشترط في صحة الزواج أن يكون أحد الزوجين في نفس سن الزوج الآخر، بل، لو كان أحد الزوجين أكبر من الآخر بعشرات السنين، فالزواج صحيح من الناحية الشرعية، إلا أنّ حديثنا يتركز على مسألة الاختيار السليم أو الشراكة المنتجة والناجحة والواصلة في عطائها إلى مرتبة القمة، وأعلى درجات التضحية، ويتحقق ذلك، من خلال التقارب العمري بين الزوجين، وهذا ما أكد عليه الإمام الصادق عليه السلام عندما قال له رجل : إنّا نزوج صبياننا وهم صغار، فقال الإمام عليه السلام: ‹‹إذا زُوجوا وهم صغار لم يكادوا أن يأتلفوا››، والعلماء عندما يصلون إلى قول الإمام عليه السلام: ‹‹لم يكادوا أن يأتلفوا››، يشيرون إلى نقطتين هامتين :

الأولى : الحرية في الاختيار بمعنى أنّ القرار لابد أن ينطلق من كل منهما على أساس اختياره التام، فإذا كان أحدهما يكبر الآخر بسنوات عديدة، فإنه في الغالب يوجد ضغط خارجي من خلال الأبوين يؤدي إلى إخضاع إرادة أحد الزوجين لتقبل الآخر، ولذلك لا يحصل الائتلاف؛ كما أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى ذلك.
الثانية : تحقق الانسجام والتوافق، لأنّ من الصعوبة بمكان أن يصبح بين الزوجين انسجام وتناغم في حال كون الفارق العمري بينهما كبيراً، وهذا يعني عدم وجود لُغة تفاهم مشتركة بينهما، ويصعب حينئذٍ على أحد الشريكين، التعايش مع الآخر والصبر عليه وتحمله، وبالتالي، لا يمكنه أن يُصيّر عدم التلاؤم إلى انسجام وتوافق؛ بينما لو كانا متقاربين في العمر لأمكن أن يتأتى التلاؤم والانسجام بينهما، بالإضافة إلى أنّ هذا التقارب يصبح عاملاً مساعداً في إخضاع العوامل السلبية في حياتهما، وتحويلها إلى إيجابية تصُب في مصلحتهما، وهذا ما أكده الإمام عليه السلام في قوله: ‹‹لم يكادوا أن يأتلفوا››، باعتبار أنّ الائتلاف والانسجام يمنح كُلاً من الزوجين النضج العالي ويُوصلهما إلى مرتبة عالية من السعادة في الحياة الزوجية؛ بيد أنّ هذا التلاؤم والتوافق الزوجي مرهون بمجموعة من العوامل؛ أهمها أمران :

الأول : استثمار التقارب العمري بين شريكي الحياة، وتفعيله، وهذا بدوره سوف يُؤثر في جعل مستوى التفكير متقارباً.
الثاني : التوافق في محصل العمر، باعتبار أنّ بذل الجهد في الحياة، وتلقي العناء والمرور على الأحداث سيجعل كل من الزوجين يقترب من التلاؤم من الآخر.

المعيار الثامن : القناعة الذاتية في الاختيار.
من المحاور التي أشارت إليها الروايات في الاختيار السليم، هي أن ينطلق القبول من خلال قناعة ذاتية لكل من الزوجين؛ وقد أومأنا إلى هذه المسألة باقتضاب في الأسابيع الماضية، ولكننا نرغب في أن نُفرِد لها بحثاً مستقلاً، كي نستوفي جميع جوانبها، وبالخصوص، إذا كُنا على معرفة تامة بأنّ الزواج مؤسسة اجتماعية متقومة بطرفين، يعيشان حياة واحدة، وشراكة دائمة في كل ما يرتبط بهما. ولا بد لهذه الشراكة من أن تكون وفق اختيار الرجل لفتاة أحلامه، ومنطلقاً من رضاه الذاتي، وقناعته النفسية التي يحملها بين جنبيه، وهكذا الحال بالنسبة للزوجة، فلا بد أن يكون اختيارها ناشئاً من قناعتها الشخصية.

أهمية القناعة الذاتية للفتاة في زواجها من الرجل.
ولقد ذكرت الروايات التي صدرت من المشرع المقدس أنه لا يجوز لأحد الأبوين أن يجبر ابنته على قبول الزواج من شخصٍ لا تريده، لأنّ ارتباطها الزوجي لابد أن يكون من خلال قناعتها الذاتية، ورضاها الخاص بها. وإن كان المشرّع الأقدس أباح للوالد أن يشترك مع ابنته في أمرها، وجعل رضاه وإذنه شرطاً في صحة العقد؛ إلا أنه لم يجعل للأب الاستقلالية في الرأي من دون موافقة الفتاة على الزواج، وإنما أكد على أن يكون زواجها منطلقاً من قناعتها الذاتية الصادرة منها. وإذا لم ينطلق الرضا من قِبَلِها فإنّ صحة الزواج محل إشكال لدى الفقهاء، ولذا، أكدوا على أنّ رضا الفتاة من شروط صحة الزواج، وقد أشارت الروايات إلى هذا النحو من الرضا بإشارات وإيماءات بسيطة؛ لأنّ في الغالب، الزوج هو الذي يختار لا المرأة.

أهمية القناعة الذاتية للرجل بزواجه من المرأة.
إنّ هناك مجموعة من الروايات أكدت على أنّ الرجل لابد أن تكون لديه القناعة التامة بالفتاة التي يتقدم لخطبتها؛ ولا يحق للأبوين إجباره على الفتاة التي لا يرغب فيها، وإن كان الغالب في الإجبار والإكراه على الزواج يكون على الفتاة، ولذا، أُولت الروايات عناية أكبر برضا الفتاة، وأما الرجل فإنّ الروايات ركّزت على عدم تدخل أحد الأبوين أوكلا هما في أمر زواجه، وأنّ له الاختيار الكامل في ذلك، وهذا ما أوضحه الإمام الصادق عليه السلام عندما جاءه رجل، وقال له: إني أريد أن أتزوج امرأة، وأنّ أبويَّ أرادا غيرها، فقال الإمام عليه السلام: ‹‹تَزَوجْ التي هَويتَ ودَعْ التي يَهوى أبواك››، فالاختيار للابن وليس للأبوين، لأنهما-كما أشرت- لن يعيشا مع هذه الزوجة، وإنما الزوج هو الذي سوف يعيش معها طوال حياته، بالإضافة إلى أنّ اختياره إذا كان ينطلق من خلال القناعة الذاتية، فإنه سيثمر نجاحاً متصلاً ووئاماً دائماً، وهذا من الأهمية بمكان، بحيث نجد أنّ هناك تركيزاً كبيراً عليه في الروايات بنحوٍ من الصرامة، كما حدث ذلك من قِبل الإمام عليه السلام عندما قال: ‹‹تزوج التي هويت ودع -اترك- التي يهوى أبواك››، لأنّ هذا الاختيار يعتبر في غاية الأهمية، وهو ما أسميناه بالقناعة الذاتية؛ لأنّ هذه القناعة تولد انسجاماً طبيعياً، يُشعِر الرجل بأنّ زواجه نابع عن إرادته واختياره المستقل، وبالتالي، هو من يتحمل التبعات أو بعض السلبيات الناتجة من سوء اختياره.

المعيار التاسع : أن لا يكون الزواج قائماً على التفاخر الأسري.
ومن الأمور الهامة، التي لابد أن تُراعى بدقة في الاختيار للمرأة أو الرجل أن لا تُعطى الأهمية الكبرى للزواج من أسرة مشهورة أو ثرية جداً من دون الاهتمام بالمقومات الذاتية الأخرى من الدين والخلق، التي تعتبر من المبادئ الأساسية للزواج السعيد، ولكن البعض من الناس يقع في خطأ فادح أو تَغُرُه بعض الأماني الخادعة، فيُولي أهمية فائقة لاختياره الزوجي على أساس المظهر الخارجي للأسرة، وما تملكه من ثراء اقتصادي كبير، بغض النظر عن المقومات الأخرى، وبالخصوص إذا كان لا يمتلك تجربة، مع العلم بأنّ هذا الاختيار الظاهري من المقومات العارضة، التي سرعان ما يكتشف الزوج أو الزوجة بعد الزواج ضعفها وخوائها وعدم دخالتها في إضفاء السعادة على الحياة الزوجية. وبالرغم من أهمية اختيار الأسرة الكريمة والمعروفة، ولكن لابد من وضع هذا الاختيار في حدوده الطبيعية بحيث إذا لم تتوافر المقومات الذاتية التي ذكرناها في الزوجة فلا يكون هذا المقوم العارض هو الذي ينطلق به الزوج في اختيار زوجته، لأنه سوف يدرك أنّ اختياره ليس بموفق من جهة، وأنه لا يستحق منه هذا الكدح الكبير والإعطاء الجزل دون حساب من جهة أخرى، ولذلك، جاءت الروايات كي تحذر من الوقوع في هذا المنحدر الخطر لمثل هذا الزواج، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: ‹‹من نكح امرأة حلالاً بمال حلال غير أنه أراد به فخراً ورياءً وسمعة لم يزده الله بذلك إلاّ ذُلاًّ وهواناً››، ولا بد لنا من وقفة تأمل مع هذا الحديث النبوي الشريف، الذي يُوضح وقوع البعض في الخطأ، لأنّ اختياره الزوجي كان على أساس الافتخار على الآخرين باعتباره تزوج من البيت الفلاني، أو يكون لديه الرياء، في جعل الهدف من اختياره والمطمح الأساسي الذي يسعى إليه هو زواجه من تلك الأسرة دون أن يُولي المقومات الذاتية تلك الأهمية الكبرى، وعند ذلك، سوف يتحمل العواقب الوخيمة لهذا الاختيار من الشعور بالذل والهوان في شخصيته، وهذا ما أبانه النبي صلى الله عليه وآله بوضوح وجلاء تامين في الرواية السابقة. ولذا، على الشاب والشابة أن يكون لديهم مراعاة لهذه النقطة كي يتكلل زواجهما بالنجاح.