قال أمير المؤمنين (ع): (أَوَّلُ اَلدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ اَلتَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ اَلتَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ اَلإِخْلاَصُ لَهُ، وَكَمَالُ اَلإِخْلاَصِ لَهُ نَفْيُ اَلصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ اَلْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ اَلصِّفَةِ)
معرفة الله تعالى تتطلب منا وفق مفهومنا الإسلامي عن الله تعالى أن نعرف ثلاثة أمور رئيسية:
1- الإقرار بوجوده إقراراً يقينياً لا يشوبه شك، ولا ريب.
2- الإقرار بتوحيده وأنه ((الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفواً أحد))
3- الإقرار بكمال الله وعدله.
أما الإقرار بوجود الله، فهو العمود الفقري في التصور الإسلامي، وكل العقائد الإسلامية نابعة منه، وراجعة له، وهي الحجر الأساس لكل الفكر الإسلامي, وهذا الإقرار عندما ينتقل من مرحلة التصور إلى مرحلة التصديق يجعل الإنسان لا يمر بشيء إلا ويرى الله معه وفيه ، كما قال أمير المؤمنين (ع): (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله)
وفي هذا البحث نجيب على هذا السؤال الذي يطرح كثيراً، هل لهذا الكون من خالق؟
والجواب: لا بد أن نذكر أربع احتمالات:
الأول: أن يكون هذا الكون وهم وخيال، ولا واقع له.
الثاني: أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه، أو من العدم، أو من دون خالق.
الثالث: أن يكون الكون أزلياً ليس لنشأته بداية.
الرابع: أن يكون له خالق.
أما الاحتمال الأول : فقد ذهب جمع من الفلاسفة وقالوا: إن هذا الكون لا حقيقة له، ولا واقع إلا الصورة التي في أذهاننا.
وللرد على هذا نقول : إن كان الكون وهم وخيال لا وجود له، فالقائلون به جزء من هذا الكون، فإذن وجودهم واعتقادهم أيضاً وهم وخيال لا حقيقة له، فلا داعي للمناقشة مع من لا يعتقد بوجوده فضلاً عن الكون .
وأما الاحتمال الثاني: فلا يقبله العقل الفطري، ويرفضه كل العقلاء؛ لأنه لا يمكن لموجود أن يوجد بلا واجد .
وأما الاحتمال الثالث: فهو يشترك مع القول بوجود بداية لهذا الكون إلا أنَّه يختلف من ناحيته الأزلية، ونقصد بالأزلية: ( اللابداية)، وهذه الأزلية إما أن ننسبها إلى عالم ميت فكيف يمنح الميت الحياة؟ وأما أن ننسبها إلى قادر عليم حي، وهو الصحيح .
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: أثبت قوانين الديناميكية الثانية أن هذا الكون يفقد حرارته بشكل تدريجي، وهذا الفقدان يجر الكون إلى تنازل حراري يصل يوماً ما إلى حد الصفر، وتستحيل معه الحياة على وجه الأرض، وبذلك يتبين أن كل ما في الكون له بداية، وليس بأزلي، ولا بد لهذا الكون الحادث من خالق أزلي ليس من جنسه، وليس له بداية.
وبذلك ثبت الاحتمال الرابع، وهو أن الكون له خالق.
بعد هذا نرجع إلى الأدلة على وجود الخالق، ونستدل بالأدلة العقلية، والبراهين المنطقية، والحقائق العلمية, والأدلة على وجود الله كثيرة، وقد قالوا إن الأدلة على وجود الله بعدد أنفاس البشر.
وأهم الأدلة التي نشير إليها هي:
أولاً: دليل النظام: ونقصد به البرهان على وجود الله من خلال ملاحظة دقة النظام الكوني في كل ناحية من نواحي الكون الرحيب، والترابط بينها من أصغر ذرة إلى أكبر جرم، ومن خلال ما تمتاز به القوانين الكونية من دقة وضبط، ومثال ذلك:
1- إن الأرض كرة معلقة في الهواء تدور حولها نفسها، فتكون الليل والنهار، وتدور حول الشمس فتكون الفصول الأربعة.
2- يحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات الأساسية في الحياة، ويمتد طول هذا الغلاف إلى ارتفاع يزيد على 500 ميل، وبهذه الكثافة يمنع من وصول الشهب القاتل إلى الأرض، ويحفظ اعتدال درجة الحرارة فيها في الحدود المناسبة لها، فالأرض مثلاً تبعد عن الشمس بـ (93 مليون ميل)، ولو قدر أن يكون هذا البعد ضعف المسافة هذه لجمدت الأرض، ولو قدر أن يكون نصف المسافة لاحترقت، وهكذا يتميز هذا النظام بدقة متناهية فمن الذي جعل ذلك وقدرة وقننه.
3- الماء الذي جعل الله منه كل شيء حياً يمتاز بأربع صفات :
أ- يغطي ثلاث أرباع الكرة الأرضية، وهو بذلك يؤثر على جو الأرض باعتدال الحرارة، ولولاه لأصبحت جافة لا قيمة لها.
ب- للماء درجة ذوبان عالية مرتفعة وهو يبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن كما أن له درجة تصعيد (تبخير) عالية, وهو بذلك يحافظ على درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت.
ج- الماء هو المادة الوحيدة التي تقل كثافتها عندما يتجمد، وبذلك يحفظ حياة الأحياء في داخله.
د- هو أكثر السوائل إذابة لغيره من الأجسام، وهو بذلك يلعب دوراً كبيراً في العمليات الحيوية داخل الأجسام الحية، وهو من المركبات الأساسية في الدم.
هذه أمثلة من النظام الكوني نشهدها، ويؤمن بها كل إنسان عاقل.فمن الذي وضعها وقدرها؟
ويتكون هذا الدليل من ثلاثة أمور:
1- قانون العلية: ومعناه أن لكل ظاهرةٍ علةً، ولكل حادثةٍ سبباً، وهذا القانون يؤمن به كل من المادي والإلهي.
وهذا القانون يدركه أبسط الناس إذا كان سليم الفطرة، جاء في الأخبار أن عجوزاً سئلت عن الدليل على وجود الصانع، فقالت وكان بيدها مغزل: دولابي هذا، فإني إن حركته تحرك، وإن لم أحركه سكن.
وعن أمير المؤمنين (ع) حين سئل عن إثبات الصانع أنه قال: (البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير؟)
2- إنَّ هذا الكون جميعاً يخضع لنظام موحد ابتداء من الذرة، وانتهاء بأكبر مجرة.
3- إن العقل يدرك ببداهته أنَّ هذه الدقة في النظام الكوني لا بد وأن تكون صادرة من خالق حكيم.
وخلاصة الكلام: أن دليل النظام هذا يشمل كل الكون من الأرض والسماء، وما فيها من شموس وأقمار وكواكب ومجرات، وعالم الإنسان، وتكوينه البدني، والعضوي، والنفسي، وما فيها من اختلاف الألسن، والأبدان، وغير ذلك، وعالم النبات من أصغر شجيرة إلى أبسق شجرة، وكيف تنمو، وكيف تؤثر في تعادل الغازات في الكون.
وفي عالم الحيوان عجائب المخلوقات، يقول أمير المؤمنين (ع): (اُنْظُرُوا إِلَى اَلنَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ اَلْبَصَرِ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ اَلْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ اَلْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا...)
فالنمل عالم عجيب في خلقه، وتكوينه، وسلوكه، ومعيشته، يقول القزويني: (النمل حيوان حريص على جمع الغذاء، ولغاية حرصه يحمل ما يكون أثقل منه، ويعاون بعضها بعضاً على الجذب، ويجمع من الغذاء ما يكفيه سنين لو عاش، ولكن عمره لا يكون أكثر من سنة... ومن عجائبه أنه مع لطافة جسمه، وشخصه، وخفة وزنه له شم ليس لشيء من الحيوان مثل ذلك... وإذا جمعت الحب في بيتها خافت أن ينبت فتقطع حبة قطعتين لتذهب عنها قوة النبت، وتقطع حبة الكزبرة أربع قطع لأن نصفها ينبت، وإذا كان عدساً أو شعيراً أو باقلاً تقشرها ولا تكسرها، فإن بالتقشير يذهب عنها قوة النبت ثم تأتي بقطعها وتبسطها في الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا يتعفن)
وفي توحيد المفضل بن عمر يقول الإمام الصادق (ع): (انظر إلى (النمل) واحتشاده في جمع القوت وإعداده، فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحب إلى زُبْيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجد والتشمير ما ليس للناس مثله أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل، ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعاً؛ لكيلا ينبت فيفسد عليهم، فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف، ثم لا يتخذ النمل الزُبْية إلا في نَشَز من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها، وكل هذا منه بلا عقل ولا روية، بل خلقة خلق عليها لمصلحة من الله جل وعز)
ويضرب الإمام الصادق (ع) مثالاً عن العنكبوت، فيقول: (فأما (العنكبوت) فإنه ينسج ذلك النسج، فيتخذه شركاً ومصيدةً للذباب، ثم يكمن في جوفه ، فإذا نشب فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة ، فيعيش بذلك منه . فذلك يحكي صيد الكلاب والفهود ، وهذا يحكي صيد الاشتراك والحبائل . فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة ، كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلا بالحيلة, واستعمال الآلات فيها ، فلا تزدري بالشئ إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة, وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير ، فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار - وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد)
ولنأخذ من عالم الإنسان مثالاً من مظاهر النظام في خلقه الإنسان، وهو المخ والأعصاب لنرى ما فيه: المخ هو مركز القيادة في الإنسان يوجد فيه ألف مليون خلية عصبية، وتنشر هذه الأسلاك العصبية المعبر عنها بالأنسجة العصبية في كل أجزاء الإنسان، وبواسطة هذه الأنسجة نسمع، ونتذوق، ونرى، ونحس، ونشعر، ففي حاسة الذوق توجد ثلاثة آلاف من الشعيرات الذوقية، وكلها متصلة بالدماغ، وفي العين مائة وثلاثون مليون خلية من الخلايا الملتقطة للضوء، وفي الجلد ربع مليون من الخلايا، وفيه ثلاثة ملايين من الغدد العرقية تلقائياً، وفي الأذن عشرة آلاف خلية سمعية، وقد حثنا الإسلام على التفكير والتدبر بذلك جاء في كتاب توحيد المفضل بن عمر أن الإمام الصادق (ع) قال: (فكر يا مفضل في أعضاء البدن أجمع، وتدبير كل منها للأرب فاليدان للعلاج، والرجلان للسعي، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء، والمعدة للهضم، والكبد للتخليص، والمنافذ؛ لتنفيذ الفضول، والأوعية لحملها، والفرج لإقامة النسل، وكذلك جميع الأعضاء، إذا ما تأملتها, وأعملت فكرك فيها ونظرك، وجدت كل شيء منها قد قدر لشيء على صواب وحكمة
ومن صور النظام الكوني:
1- الضبط والتوازن: من المظاهر العظيمة في الكون التوازن بين الأشياء والضبط المحكم في مقاديرها، ومن ذلك نضرب بعض الأمثلة:
أ- عملية تبادل الغازات بين عالم الحيوان، وعالم النبات، فعالم الحيوان يأخذ الأوكسجين، ويطرح ثاني أوكسيد الكاربون، وعالم النبات بعكسه.
ب- خواص الماء المتقدمة.
2- الهداية في عالم الحيوان:
أ- عجائب عالم النمل.
ب- عجائب عالم النحل.
ج- حنين الحيوان إلى وطنه الطيور تهاجر من مكان إلى آخر عبر آلاف الأميال دون أن تصل إلى طريقها.
والسمك يضع بيوضه في أماكن متباعدة فإذا فقست هذه الأسماك تعود إلى أماكن ربائها.
د- اتخاذ وسائل الحماية كما يصنع العنكبوت بيته ليجعله حماية من الحشرات التي تهاجمه، ويجعلها مصيدة يعيش عليها.
برهان الفطرة: وهذا البرهان يقوم على أساس إحساس الإنسان، وانجذابه إلى قوة عليا يحتمي بها تلقائياً، ويتوجه إليها توجهاً غريزياً وإن لم يتفطن إلى ذلك، وقد أوضح الإمام الصادق (ع) حقيقة هذا البرهان بأبسط عبارة وأوضح مثل حين سأله رجل قائلاً: (يا ابن رسول الله، دلني على الله ما هو، فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيروني، فقال له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصادق (ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا مُنجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث)
معرفة الله تعالى تتطلب منا وفق مفهومنا الإسلامي عن الله تعالى أن نعرف ثلاثة أمور رئيسية:
1- الإقرار بوجوده إقراراً يقينياً لا يشوبه شك، ولا ريب.
2- الإقرار بتوحيده وأنه ((الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفواً أحد))
3- الإقرار بكمال الله وعدله.
أما الإقرار بوجود الله، فهو العمود الفقري في التصور الإسلامي، وكل العقائد الإسلامية نابعة منه، وراجعة له، وهي الحجر الأساس لكل الفكر الإسلامي, وهذا الإقرار عندما ينتقل من مرحلة التصور إلى مرحلة التصديق يجعل الإنسان لا يمر بشيء إلا ويرى الله معه وفيه ، كما قال أمير المؤمنين (ع): (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله)
وفي هذا البحث نجيب على هذا السؤال الذي يطرح كثيراً، هل لهذا الكون من خالق؟
والجواب: لا بد أن نذكر أربع احتمالات:
الأول: أن يكون هذا الكون وهم وخيال، ولا واقع له.
الثاني: أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه، أو من العدم، أو من دون خالق.
الثالث: أن يكون الكون أزلياً ليس لنشأته بداية.
الرابع: أن يكون له خالق.
أما الاحتمال الأول : فقد ذهب جمع من الفلاسفة وقالوا: إن هذا الكون لا حقيقة له، ولا واقع إلا الصورة التي في أذهاننا.
وللرد على هذا نقول : إن كان الكون وهم وخيال لا وجود له، فالقائلون به جزء من هذا الكون، فإذن وجودهم واعتقادهم أيضاً وهم وخيال لا حقيقة له، فلا داعي للمناقشة مع من لا يعتقد بوجوده فضلاً عن الكون .
وأما الاحتمال الثاني: فلا يقبله العقل الفطري، ويرفضه كل العقلاء؛ لأنه لا يمكن لموجود أن يوجد بلا واجد .
وأما الاحتمال الثالث: فهو يشترك مع القول بوجود بداية لهذا الكون إلا أنَّه يختلف من ناحيته الأزلية، ونقصد بالأزلية: ( اللابداية)، وهذه الأزلية إما أن ننسبها إلى عالم ميت فكيف يمنح الميت الحياة؟ وأما أن ننسبها إلى قادر عليم حي، وهو الصحيح .
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: أثبت قوانين الديناميكية الثانية أن هذا الكون يفقد حرارته بشكل تدريجي، وهذا الفقدان يجر الكون إلى تنازل حراري يصل يوماً ما إلى حد الصفر، وتستحيل معه الحياة على وجه الأرض، وبذلك يتبين أن كل ما في الكون له بداية، وليس بأزلي، ولا بد لهذا الكون الحادث من خالق أزلي ليس من جنسه، وليس له بداية.
وبذلك ثبت الاحتمال الرابع، وهو أن الكون له خالق.
بعد هذا نرجع إلى الأدلة على وجود الخالق، ونستدل بالأدلة العقلية، والبراهين المنطقية، والحقائق العلمية, والأدلة على وجود الله كثيرة، وقد قالوا إن الأدلة على وجود الله بعدد أنفاس البشر.
وأهم الأدلة التي نشير إليها هي:
أولاً: دليل النظام: ونقصد به البرهان على وجود الله من خلال ملاحظة دقة النظام الكوني في كل ناحية من نواحي الكون الرحيب، والترابط بينها من أصغر ذرة إلى أكبر جرم، ومن خلال ما تمتاز به القوانين الكونية من دقة وضبط، ومثال ذلك:
1- إن الأرض كرة معلقة في الهواء تدور حولها نفسها، فتكون الليل والنهار، وتدور حول الشمس فتكون الفصول الأربعة.
2- يحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات الأساسية في الحياة، ويمتد طول هذا الغلاف إلى ارتفاع يزيد على 500 ميل، وبهذه الكثافة يمنع من وصول الشهب القاتل إلى الأرض، ويحفظ اعتدال درجة الحرارة فيها في الحدود المناسبة لها، فالأرض مثلاً تبعد عن الشمس بـ (93 مليون ميل)، ولو قدر أن يكون هذا البعد ضعف المسافة هذه لجمدت الأرض، ولو قدر أن يكون نصف المسافة لاحترقت، وهكذا يتميز هذا النظام بدقة متناهية فمن الذي جعل ذلك وقدرة وقننه.
3- الماء الذي جعل الله منه كل شيء حياً يمتاز بأربع صفات :
أ- يغطي ثلاث أرباع الكرة الأرضية، وهو بذلك يؤثر على جو الأرض باعتدال الحرارة، ولولاه لأصبحت جافة لا قيمة لها.
ب- للماء درجة ذوبان عالية مرتفعة وهو يبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن كما أن له درجة تصعيد (تبخير) عالية, وهو بذلك يحافظ على درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت.
ج- الماء هو المادة الوحيدة التي تقل كثافتها عندما يتجمد، وبذلك يحفظ حياة الأحياء في داخله.
د- هو أكثر السوائل إذابة لغيره من الأجسام، وهو بذلك يلعب دوراً كبيراً في العمليات الحيوية داخل الأجسام الحية، وهو من المركبات الأساسية في الدم.
هذه أمثلة من النظام الكوني نشهدها، ويؤمن بها كل إنسان عاقل.فمن الذي وضعها وقدرها؟
ويتكون هذا الدليل من ثلاثة أمور:
1- قانون العلية: ومعناه أن لكل ظاهرةٍ علةً، ولكل حادثةٍ سبباً، وهذا القانون يؤمن به كل من المادي والإلهي.
وهذا القانون يدركه أبسط الناس إذا كان سليم الفطرة، جاء في الأخبار أن عجوزاً سئلت عن الدليل على وجود الصانع، فقالت وكان بيدها مغزل: دولابي هذا، فإني إن حركته تحرك، وإن لم أحركه سكن.
وعن أمير المؤمنين (ع) حين سئل عن إثبات الصانع أنه قال: (البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير؟)
2- إنَّ هذا الكون جميعاً يخضع لنظام موحد ابتداء من الذرة، وانتهاء بأكبر مجرة.
3- إن العقل يدرك ببداهته أنَّ هذه الدقة في النظام الكوني لا بد وأن تكون صادرة من خالق حكيم.
وخلاصة الكلام: أن دليل النظام هذا يشمل كل الكون من الأرض والسماء، وما فيها من شموس وأقمار وكواكب ومجرات، وعالم الإنسان، وتكوينه البدني، والعضوي، والنفسي، وما فيها من اختلاف الألسن، والأبدان، وغير ذلك، وعالم النبات من أصغر شجيرة إلى أبسق شجرة، وكيف تنمو، وكيف تؤثر في تعادل الغازات في الكون.
وفي عالم الحيوان عجائب المخلوقات، يقول أمير المؤمنين (ع): (اُنْظُرُوا إِلَى اَلنَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ اَلْبَصَرِ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ اَلْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ اَلْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا...)
فالنمل عالم عجيب في خلقه، وتكوينه، وسلوكه، ومعيشته، يقول القزويني: (النمل حيوان حريص على جمع الغذاء، ولغاية حرصه يحمل ما يكون أثقل منه، ويعاون بعضها بعضاً على الجذب، ويجمع من الغذاء ما يكفيه سنين لو عاش، ولكن عمره لا يكون أكثر من سنة... ومن عجائبه أنه مع لطافة جسمه، وشخصه، وخفة وزنه له شم ليس لشيء من الحيوان مثل ذلك... وإذا جمعت الحب في بيتها خافت أن ينبت فتقطع حبة قطعتين لتذهب عنها قوة النبت، وتقطع حبة الكزبرة أربع قطع لأن نصفها ينبت، وإذا كان عدساً أو شعيراً أو باقلاً تقشرها ولا تكسرها، فإن بالتقشير يذهب عنها قوة النبت ثم تأتي بقطعها وتبسطها في الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا يتعفن)
وفي توحيد المفضل بن عمر يقول الإمام الصادق (ع): (انظر إلى (النمل) واحتشاده في جمع القوت وإعداده، فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحب إلى زُبْيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجد والتشمير ما ليس للناس مثله أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل، ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعاً؛ لكيلا ينبت فيفسد عليهم، فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف، ثم لا يتخذ النمل الزُبْية إلا في نَشَز من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها، وكل هذا منه بلا عقل ولا روية، بل خلقة خلق عليها لمصلحة من الله جل وعز)
ويضرب الإمام الصادق (ع) مثالاً عن العنكبوت، فيقول: (فأما (العنكبوت) فإنه ينسج ذلك النسج، فيتخذه شركاً ومصيدةً للذباب، ثم يكمن في جوفه ، فإذا نشب فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة ، فيعيش بذلك منه . فذلك يحكي صيد الكلاب والفهود ، وهذا يحكي صيد الاشتراك والحبائل . فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة ، كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلا بالحيلة, واستعمال الآلات فيها ، فلا تزدري بالشئ إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة, وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير ، فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار - وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد)
ولنأخذ من عالم الإنسان مثالاً من مظاهر النظام في خلقه الإنسان، وهو المخ والأعصاب لنرى ما فيه: المخ هو مركز القيادة في الإنسان يوجد فيه ألف مليون خلية عصبية، وتنشر هذه الأسلاك العصبية المعبر عنها بالأنسجة العصبية في كل أجزاء الإنسان، وبواسطة هذه الأنسجة نسمع، ونتذوق، ونرى، ونحس، ونشعر، ففي حاسة الذوق توجد ثلاثة آلاف من الشعيرات الذوقية، وكلها متصلة بالدماغ، وفي العين مائة وثلاثون مليون خلية من الخلايا الملتقطة للضوء، وفي الجلد ربع مليون من الخلايا، وفيه ثلاثة ملايين من الغدد العرقية تلقائياً، وفي الأذن عشرة آلاف خلية سمعية، وقد حثنا الإسلام على التفكير والتدبر بذلك جاء في كتاب توحيد المفضل بن عمر أن الإمام الصادق (ع) قال: (فكر يا مفضل في أعضاء البدن أجمع، وتدبير كل منها للأرب فاليدان للعلاج، والرجلان للسعي، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء، والمعدة للهضم، والكبد للتخليص، والمنافذ؛ لتنفيذ الفضول، والأوعية لحملها، والفرج لإقامة النسل، وكذلك جميع الأعضاء، إذا ما تأملتها, وأعملت فكرك فيها ونظرك، وجدت كل شيء منها قد قدر لشيء على صواب وحكمة
ومن صور النظام الكوني:
1- الضبط والتوازن: من المظاهر العظيمة في الكون التوازن بين الأشياء والضبط المحكم في مقاديرها، ومن ذلك نضرب بعض الأمثلة:
أ- عملية تبادل الغازات بين عالم الحيوان، وعالم النبات، فعالم الحيوان يأخذ الأوكسجين، ويطرح ثاني أوكسيد الكاربون، وعالم النبات بعكسه.
ب- خواص الماء المتقدمة.
2- الهداية في عالم الحيوان:
أ- عجائب عالم النمل.
ب- عجائب عالم النحل.
ج- حنين الحيوان إلى وطنه الطيور تهاجر من مكان إلى آخر عبر آلاف الأميال دون أن تصل إلى طريقها.
والسمك يضع بيوضه في أماكن متباعدة فإذا فقست هذه الأسماك تعود إلى أماكن ربائها.
د- اتخاذ وسائل الحماية كما يصنع العنكبوت بيته ليجعله حماية من الحشرات التي تهاجمه، ويجعلها مصيدة يعيش عليها.
برهان الفطرة: وهذا البرهان يقوم على أساس إحساس الإنسان، وانجذابه إلى قوة عليا يحتمي بها تلقائياً، ويتوجه إليها توجهاً غريزياً وإن لم يتفطن إلى ذلك، وقد أوضح الإمام الصادق (ع) حقيقة هذا البرهان بأبسط عبارة وأوضح مثل حين سأله رجل قائلاً: (يا ابن رسول الله، دلني على الله ما هو، فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيروني، فقال له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصادق (ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا مُنجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث)
تعليق