إن هذه الهوة العميقة القائمة بين عالم المادة والمعنى ، يجعل الجمع بينهما من أصعب الأمور ..فإذا توجّه العبد إلى أحدهما غاب الآخر عن قلبه ، ومن هنا عُـبّر عنهما ( بالضرتين ) بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، كما ورد في الخبر: { مَـَثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان ، إن أرضى إحداهما أسخطت الأخرى }البحار-ج73ص120..وهذه هي الأزمة الكبرى للسائرين في أول طريق العبودية ، بل إن أصحاب النبي (ص) اشتكوا أيضا من تبدل حالاتهم بالقول: { إذا دخلنا هذه البيوت ، وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والمال ، يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك ، فأجابهم النبي (ص) :لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها ، وانتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها ، لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء }البحار-ج70ص56..والحل الجامع لهذه المفارقة أن ( يتجلّى ) الحضور الإلهي عند العبد إلى درجة قريبة من حضور المحسوسات عنده ، ثم ( تنمية ) هذا الحضور أكثر فأكثر، إلى مرحلة ( اندكاك ) حضور المحسوسات لديه في ذلك الحضور المقدس ..فيؤول الأمر إلى أن لا يرى إلا لونا واحدا في عالم الوجود ، فيكون كمن مسح لونا باهتا بآخر فاقعٍ ، فلا يكون البريق الخاطف للأنظار إلا للثاني الناسخ لما قبله ..وهذه هي الحالة التي يعكسها مضمون ما روي عن أمير المؤمنين (ع): { ما رأيت شيئا ، إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه }.
الهوة بين المادة والمعنى
تقليص
X
تعليق