المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظيفة الإنسان في هذا الكوكب


العلوية ام موسى الاعرجي
29-12-2014, 02:22 PM
الإنسان خليفة الله في أرضه
إذا عرفنا الهدف من خلق الإنسان ووجوده، استطعنا أن نحدد وظيفته في هذه الأرض، ومنها نستمد نظاماً أو أساساً يخضع له كل علم وعمل أياً كان نوعه، ولا يعرف هذا الهدف على حقيقته إلا من خلق الإنسان وأوجده، فهل هناك آية أو رواية ثابتة ترشدنا اليه؟.
الجواب:
أجل، إن قوله تعالى لملائكته: (اني جاعل في الأرض خليفة) (30 ـ البقرة) وافٍ في الدلالة على أن الإنسان وجد وخلق ليقيم ويبني على هذه الأرض من أشياء الكون باسم الله تعالى وبالوكالة عنه ـ حياة طيبة يتوافر فيها كل ما يحتاج اليه الناس وينتفعون به في حياتهم، ومن خلال هذا العمل تتجلى الأسرار والمنافع التي أودعها سبحانه في أشياء هذا الكون، ويكون للإنسان فضل الاكتشاف عن باهر قدرته تعالى وبدائع صنعه في خلقه، وفوق ذلك يجعل الإنسان لهذه الأسرار والخواص قيمة ووزناً إذ لولاه لبقيت طي الغيب والكتمان.
قال محسن الفيض في كتابه علم اليقين ص 391 ما ملخصه أن كل واحد من الناس له نصيب من خلافة الله في الأرض سواء أكان كاملاً أم غير كامل، فالأنبياء والأوصياء يرشدون باسم الله إلى فعل الخير وترك الشر، أما غيرهم فان الله استخلفهم في أشياء كثيرة كالخبز والخياطة والغزل والنسيج.. ولو كان الفيض في هذا العصر لعطف على الغزل والنسيج تلك الآلات التي تصعد بالإنسان إلى القمر، وتريه أو تسمعه ما في أطراف الأرض وعالم السماوات وهو جالس في غرفته.
ولا أدري هل الشاعر والفيلسوف إقبال كان على علم بما قاله الفيض حين نظم قصيدة حوار بين الله والإنسان التي جاء فيها: أنه تعالى قال: أنا خلقت الماء والتراب. فقال الإنسان: وأنا صنعت الكوب منهما. وقال، تقدست أسماؤه: أنا صنعت الجبال. فقال الإنسان: وأنا نحتّ منها البيوت، وأخرجت من السم الترياق الخ.
والذي نستفيده من آية الخلافة ومن قوله تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) (12 ـ الطلاق) هو أن الحكمة من وجود الإنسان في هذا الكوكب أن يعلم عظمة الله في قدرته وفي علمه، وفي نفس الوقت يكون الإنسان مظهراً لقدرة الله في تعمير الأرض، واستغلال الكون وأشيائه في بناء حياة مثلى، ومن أهمل وتكاسل فقد نكب عن وظيفته، وخان الله في أمانته.
وإن اعترض معترض بأن الله سبحانه قال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (56 ـ الذاريات) ولم يقل إلا ليعملوا في هذه الأرض، قلنا في جوابه: إن العمل لحياة أفضل عبادةٌ لأن كل ما فيه لله رضى وللناس صلاح فهو عبادة وزيادة.. هذا، إلى أن الذي قال: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون. أيضاً قال: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (7 ـ البينة).. (والعمل الصالح يرفعه) (10 ـ فاطر) ومعنى هذا أن العبادة ليست وقفاً على الركوع والسجود أو على ألفاظ نرددها على حبات المسابح وكفى. وأخيراً هذا الحديث: ((الخلق عيال الله، فأحب الخلق اليه أنفعهم لعباده)).
العالم العامل المعلم
وما حث الإسلام على العلم إلا ليعبئ الإنسان كل ما وهبه الله من قوى وطاقات في البحث والتنقيب عن أسرار الكون وخواصه، والتخطيط للعمران وحياة أفضل لكل شعب ومجتمع. ولو جمعت الآيات والروايات الواردة في العلم والعقل والعمل لخير الإنسان ومصلحته لاستغرقت مئات الصفحات، ونذكر منها رواية واحدة حيث جمعت بين العلم والعمل والتعليم لوجه الله والخير.
روى صاحب أصول الكافي عن الإمام جعفر الصادق(ع) أنه قال: ((من تعلم العلم وعمل به وعلّم به لله ـ بتشديد لام علم ـ دعي في ملكوت السماوات عظيماً وقيل (أي قال أهل السماوات، هذا) تعلم لله وعمل لله وعلّم لله)).
وقال الملا صدرا في شرح هذه الرواية ما معناه أن كلمة (لله) تعود إلى كلٍ من التعلم والعمل والتعليم، والمراد بملكوت السماوات العالم العلوي، والمعنى أن الإنسان الذي هو ابن الأرض والعالم السفلي إذا تعلم لله وعمل بعلمه لله، وعلّم الآخرين لوجه الله تعالى ـ يرتفع إلى الملأ الأعلى، ويكون عظيماً بين أهل هذا العالم الأسمى لا بين العالم الأرضي السفلي فقط، ثم ختم الملا صدرا شرحه بهذه الكلمة: ((ما أجلّ وأعظم فضيلة العلم حيث يجعل الإنسان السفلي الأرضي أعظم من أهل الملكوت العلوي السماوي)).
آدم والجنة

وتسأل: ما من شك أن الله سبحانه خلق الإنسان منذ البداية ليعيش في هذه الأرض يعمرها ويمشي في مناكبها، ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من قوله سبحانه لملائكته: (اني جاعل في الأرض خليفة) قبل أن يخلق آدم، وحين استفسر الملائكة عن الحكمة من وجود مخلوق في الأرض يسفك فيها الدماء ويفسد ـ قال لهم: إني أعلم ما لا تعلمون.. هذا إلى أن تكوين الإنسان على صورته وفي جهازه العضلي والعصبي، وتزويده بكل موهبة وطاقة تعينه على الاكتشاف والاختراع والسيطرة على الطبيعة ـ يدل دلالة قاطعة على أن الإنسان خلق لهذه الأرض لا للجنة، وللجهد والعمل لا للبطالة والفراغ، وما دام الأمر على ذلك فلماذا لم يبق سبحانه آدم في الأرض، وما هو الهدف من عملية إدخاله الجنة ومعصيته فيها واخراجه منها والعودة به إلى الأرض؟
وأجيب عن هذا السؤال بالعديد من الإجابات، منها أن الهدف من قصة آدم وما كان منه في الجنة هو الاعلان عن حقيقة الإنسان وأنه يذنب ويخطئ بغريزته وميوله الفطرية بزعم أن آدم كان في رغد الجنة وهنائها ولا ضغط عليه من محيط أو فقر وحاجة ومع ذلك عصى أمر الله ولم يملك قواه وهواه!.
ويلاحظ بأن القرآن الكريم الذي أنبأنا أن الله الذي قال لآدم: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (35 ـ البقرة) هو ـ تقدست أسماؤه ـ يدحض هذه الإجابة بقوله: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (286 ـ البقرة). ولو كان الإنسان مجرماً بالطبع لما كان للنهي من وجه أو تأويل.
ومنها أن قصة آدم تشير إلى أن المرأة هي أصل البلاء والشقاء لأن ابليس اصطاد آدم بشبكة حواء!.
ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يشر إلى ذلك من قريب أو بعيد في قصة آدم والشجرة، وما ذكر حواء بالإسم، وانما أشار إلى صحبتها مع آدم وكفى حيث قال: (اسكن أنت وزوجك.. هذا عدو لك ولزوجك).
وأرجح الاجوبة ـ فيما قرأنا ـ ما ذكره الشاعر الفيلسوف اقبال في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود ص 96 وما بعدها، وقال من جملة ما قال: ان الجنة التي أخرج الله منها آدم ليست هي الجنة التي وعد الله بها المتقين يوم تجزى كل نفس بما كسبت، لأن الله سبحانه لا يخرج من هذي أحداً كما في الآية 48 من الحجر: (وما هم منها بمخرجين) وانما المراد بها ((حالة بدائية يكون الإنسان فيها مقطوع الصلة بالبيئة التي يعيش فيها)) وهذه الحالة البدائية تشبه دور الحضانة على حد ما قال عالم ملهم)). أما المعصية الأولى فكانت أول فعل يتمثل فيه والتجارب التي تزداد وتتسع بطريقة المحاولة والخطأ)).
وبأسلوب أبين وأوضح أن القصد من خلق آدم هو أن يعيش على هذه الأرض التي منها ولد، واليها يعود، وقد زوده سبحانه بكل قوة وطاقة تجعل أشياء هذا الكون طوع أنامله ليقيم على هذا الكوكب حياة مثلى.. وبما أن ولد آدم جميعاً يمرون بعد ولادتهم وقبل أن يبلغوا مبلغ الرجال ـ بالعديد من الأدوار والأطوار، يتعلمون فيها من الآباء والامهات ومن الشارع والمدرسة، وتبلغ هذه الفترة ثلث حياتهم أو ربعها، وبما ان آدم لم يمر بهذه الأطوار كي يتعلم شيئاً فيها، بل خُلق رجلاً ـ احتاج، وهذي هي الحال، إلى شيء من التمرين والتدريب والتجربة والممارسة بعض الوقت حتى يستفيد ولو من نفسه وأخطائه لكي يستعد ويتهيأ لبناء الحياة في هذه الأرض، فأدخله سبحانه تلك الجنة أو (دار التدريب والتمرين) وابتلاه بالشجرة المحرمة وتلبيس ابليس، وتغلب جانب الشر على جانب الخير، أو المرجوح على الأرجح، كما نقول ونعبر نحن الشيعة، وتلقى آدم بذلك درساً قاسياً ونافعاً في آن واحد، وندم وتاب، وأصبح مؤهلاً لخلافة الله في أرضه، فنقله الله اليها لأداء المهمة التي من أجلها خلق، على أكمل وجه.
هذا تلخيص وتوضيح لما قاله الشاعر الشهير اقبال في كتاب تجديد التفكير الديني، فيما يقرب من سبع صفحات، وما هو ببعيد عن المألوف والمعروف.
وبعد، فان على العاقل أن يعلم ويعمل بموجب علمه إن الله سبحانه خلق الإنسان لعمل الخير لا للشر، وللبناء لا للهدم، وللمحبة والتعاون لا للعداوة والتناحر.. وكل آيات القرآن أو جلها ترشد إلى هذه الحقيقة نصاً أو ظاهراً أو إيماءً، من آية الخلافة في الأرض وآية وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين إلى آيات الحلال والحرام، ومن آيات الإيمان بالله والعمل الصالح إلى آيات التقوى والحرية والمساواة، ومن آيات الرسل ورسالاتهم إلى آيات الوعد والوعيد.. إلى قوله عز من قائل: (كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (1 ـ إبراهيم).
وهذا النور أو الصراط الحميد يعم ويشمل كل قيم الحياة التي تعكس آمال ومصالح الأفراد والجماعات والأجيال.

عاشقة ام الحسنين
07-08-2019, 11:41 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
بارك الله فيك على الطرح
يعطيك العافية

صدى المهدي
09-08-2019, 09:59 AM
بارك الله فيك على الموضوع
يعطيك العافية