مفهوم الرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العلوية ام موسى الاعرجي
    • Dec 2014
    • 1699

    مفهوم الرب



    ينبغي لمن يتوخّى معرفة الحقيقة والوصول إلى كنه الأُمور التي يروم البحث والتحقيق فيها والخوض في مسائلها أن يطّلع وبصورة دقيقة على معرفة المفاهيم والمصطلحات التي تكوّن الأساس في العلم الذي يريد الخوض في غماره، أو على الأقل يكثر تداولها في ذلك العلم، ومن المعلوم أنّ مفهومي الربّ والإله من المفاهيم الجوهرية في علم الكلام، ونظراً لأهميّة الموضوع وحيويّته فقد أفردنا رسالة خاصة لمعالجة هذه القضية تحت عنوان «الأسماء الثلاثة»، وسنوضّح هنا بصورة مختصرة أحد هذه الأسماء والذي ورد في متن السؤال، فنقول:
    من الأسماء التي تطلق على اللّه سبحانه «الربّ» و لفظة «الربّ» وإن كانت لم تستعمل إلاّ مضافة، مثل: ( ربُّ العرش) ، ( ربُّ العالمين ) ، ( ربُّ السّماواتِ والارضِ ) ، ( ربُّ الناسِ ) ، ( ربّ الفَلق ) ، ( ربّكم ) ، ( ربّنا )
    و...وبالرغم من ذلك نرى من اللائق أن نبحث عن كلمة «الربّ» بصورة مستقلة.
    قال ابن فارس: الربّ: المالك، والخالق، والصاحب، والمصلح.( [1])
    كما عرفه الفيروز آبادي بقوله: ربّ كلّ شيء مالكه ومستحقّه أو صاحبه.( [2])
    وقد استخدمت كلمة «الربّ» في القرآن الكريم ومعاجم اللغة في موارد متعددة،ولكنّها جميعاً تحمل في حقيقتها معنى واحداً، وإليك بيانها:
    1. التربية: مثل ربّ الولد، رباه.
    2. الإصلاح والرعاية: مثل ربّ الضيعة.
    3. الحكومة والسياسة: مثل فلان ربّ قومه، أي ساسهم وجعلهم ينقادون له.
    4. المالك: كما جاء في الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أربّ غنم أم ربّ إبل».
    5. الصاحب: ربّ الدار، أو كما جاء في القرآن الكريم: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ ) .( [3])
    لا شكّ أنّ لفظة الرب وإن استعملت في هذه الموارد وما يشابهها، ولكنّها ـ جميعاً ـ ترجع إلى معنى واحد أصيل، وهو: من بيده أمر التدبير والإدارة، والتصرّف.
    وعلى هذا الأساس إذا قيل لصاحب المزرعة أنّه (ربّ الضيعة) فلأجل أنّ إصلاح أُمور الضيعة مرتبط به وفي قبضته.
    وهكذا إذا أُطلق على سائس القوم صفة الرب، فلأنّ أُمور البلد والشعب مفوضة إليه; وإذا أطلقنا على صاحب الدار ومالك الشيء اسم (الرب)، فلأنّه فوّض إليه أمر تلك الدار وإدارتها والتصرّف فيها كما يشاء.
    فعلى هذا يكون المربّي والمصلح والرئيس والمالك والصاحب مصاديق وصوراً لمعنى واحد، ولا ينبغي أن نعتبرها معاني متمايزة ومختلفة للفظة الربّ، بل أنّ معنى (الرب) المشتق من (رَبَبَ) لا (ربّى) هو: من بيده أمر التدبير والإدارة والتصرّف، وإذا أمعنا النظر في آيات الذكر الحكيم يظهر لنا وبجلاء هذا المعنى، فإذا أطلق يوسف (عليه السلام) لفظ الرب على عزيز مصر الذي كان يعيش في داره وفي كنفه حيث قال: (...إِنَّهُ رَبّي أَحْسَنَ مَثْوايَ... ) . ( [4]) فما ذلك إلاّ لأجل أنّ يوسف الصديق (عليه السلام) قد تربّى في بيت عزيز مصر وفي كنفه، وكان العزيز متكفّلاً بتربيته الظاهرية وقائماً بشؤونه.
    وكذلك الأمر في وصف يوسف عزيز مصر بكونه ربّاً لصاحبه في السجن، حيث قال: (...أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُُ خَمْراً... ) .([5]) فلأنه كان سيد مصر وزعيمها ومدبّر أُمورها ومتصرّفاً في شؤونها ومالكاً لزمامها.
    وأمّا وصف القرآن الكريم اليهود والنصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم أرباباً من دون اللّه تعالى بقوله سبحانه: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ... ) .( [6]) فلأجل أنّهم منحوهم السلطة على التقنين، وأعطوهم زمام تشريع الحلال والحرام، واعتبروهم أصحاب سلطة في تحليل الحرام وتحريم
    الحلال.
    وحينما يصف اللّه نفسه بأنّه «ربّ البيت»، فلأنّ أُمور هذا البيت مادّيها ومعنويّها ترجع إليه سبحانه، ولاحق لأحد غيره في التصرّف فيه سواه مهما كان هذا الغير.
    وهكذا إذا وصف اللّه نفسه بأنّه (ربُّ السَّماواتِ و الأَرْضِ... ) ( [7]) و ( وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ) ( [8]) ، فلأجل أنّه تعالى مدبّرها والمتصرّف في عالم الخلق كلّه. بما في ذلك كوكب (الشعرى)، وأنّ شؤون هذا العالم بيده وتحت سلطته واختياره سبحانه.
    يتّضح من هذا البيان أنّ لفظة «الرب» لها معنى واحد لا غير وأنّ سائر المعاني مصاديق مختلفة لواقعية واحدة، وفي كلّ الموارد يوجد معنى واحد محفوظ وهو الاختيار والإرادة.
    ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى نكتة مهمة وهي، أنّ الشائع بين الوهّابيين أنّهم قسّموا التوحيد إلى:
    1. التوحيد في الربوبية.
    2. التوحيد في الإلوهية.
    وفسّروا التوحيد في الربوبية بمعنى التوحيد في الخالقية، بمعنى أنّه لا يوجد للعالم إلاّ خالق واحد وهو اللّه سبحانه، وفسّروا القسم الثاني«التوحيد في الإلوهية» بالتوحيد في العبادة، بمعنى أنّه لا يوجد معبود في العالم إلاّ اللّه تعالى.
    والحقّ أنّهم وقعوا في خطأ في فهم كلا المصطلحين،وهذا يؤكد أهمية فهم المصطلحات، لأنّ التوحيد الربوبي، غير التوحيد الخالقي، إذ انّ معنى «الربوبية» ليس هو الخالقية، بل معناه التدبير والإرادة، وتصريف شؤون العالم. ولذلك يمكن للإنسان أن يدّعي أنّ الخالق للعالم واحد وهو اللّه تعالى، وهذا الخالق قد أوكل مهمة تدبير العالم إلى مخلوقات سماوية أو إلى الأرواح. وهذا ما كان شائعاً في زمن النبي إبراهيم (عليه السلام) ، حيث كان أهل بابل يؤمنون بوجود خالق واحد، ولكن في نفس الوقت كانوا يعتقدون بتعدّد الأرباب مثل الشمس والقمر والكواكب.
    نعم لابدّ من الالتفات إلى نقطة جديرة بالاهتمام، وهي أنّه ومن الناحية الواقعية، انّ التدبير في عالم الخلق لا ينفصل عن الخالقية، بل انّ تدبير عالم الوجود ملازم للخالقية. ولكن ليس بحثنا هنا في الواقع الخارجي، بل بحثنا بحث مفهومي نقصد به فصل مفهوم «الرب» عن مفهوم «الخالق»، والسبب في ذلك لأنّنا لو راجعنا المعاجم اللغوية نجدها تعطي لكلّ من المفهومين معنى خاصاً به، فمعنى كلمة «رب» غير معنى كلمة «خالق»، كما أنّ معنى «المدبرية» غير معنى «الخالقية»، وهذا الفرق يحسّه الإنسان في حياته الاعتيادية، فالفلاّح مثلاً «رب» للبستان، ولكنّه ليس بخالق له،ولذلك وانطلاقاً من هذا التصور والفهم لكلا المفهومين نجد أنّ مشركي«بابل» قد ذكروا لكلّ من المفهومين ـ في الخارج ـ مصداقاً مغايراً للمصداق الآخر، وميّزوا بين خالق العالم وربّ العالم.( [9])
    [1] . مقاييس اللغة:2/381، ط 1، دار إحياء الكتب العربية.
    [2] . القاموس المحيط:1/206، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، ط1، 1412هـ.
    [3] . قريش: 3.
    [4] . يوسف: 23.
    [5] . يوسف: 41.
    [6] . التوبة: 31.
    [7] . الصافات: 5.
    [8] . لنجم: 49.


  • عاشقة ام الحسنين
    كبار الشخصيات

    • Oct 2010
    • 16012

    #2
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
    سلمت أناملكِ على الطرح المميّز
    ويعطيكِ العافية على المجهود
    ما ننحرم من فيض عطائكِ
    لكِ تحياتي

    تعليق

    يعمل...
    X