السميع والبصير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العلوية ام موسى الاعرجي
    • Dec 2014
    • 1699

    السميع والبصير

    لقد ورد وصف البصير في القرآن الكريم إحدى وخمسين مرّة، حيث وصف سبحانه وتعالى نفسه بالبصير في (43) منها، وورد وصف السميع(47) مرّة وصف سبحانه نفسه فيها جميعاً باستثناء مورد واحد، وهذا المورد المستثنى عبارة عن قوله تعالى: (...فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصيراً ) .( [1])
    إنّ السمع والبصر من أكبر وأنفع وسائل المعرفة، ومن بين الحواس الخمسة الظاهرية تكون هاتان الحاسّتان من أهمّ وسائل و سبل ارتباط الإنسان بالعالم الخارجي، ولذلك يتمتعان بقيمة أعلى.
    ومن هنا أُطلقت هاتان الصفتان على اللّه سبحانه دون الصفات الأُخرى، مثل «الشامّة» و«الذائقة» و «اللامسة»، والحال أنّ ملاك إطلاق صفتي البصير
    والسميع موجود في باقي أسماء الحواس، وإذا كان ملاك كونه سبحانه سميعاً وبصيراً حضور المبصرات والمسموعات عنده، فإنّ نفس هذا المعنى موجود في «المشمومات» و «المذوقات» و «الملموسات»، ولكنّ العلّة والسبب في هذا التمايز هو أنّ السمع والبصر يتمتعان بشرف وقيمة أعلى أوجبت إطلاق هذه الصفات عليه سبحانه، وسيأتي توضيح ذلك في آخر البحث إن شاء اللّه تعالى.
    معنى كونه سبحانه سميعاً بصيراً
    يطلق لفظ البصير على اللّه سبحانه بملاكين:
    1. حضور المبصرات عنده سبحانه، في الوقت الذي يكون مقترناً بالسميع، كما يقول سبحانه: (...إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) . ( [2])
    2. علمه سبحانه بجزئيات وخواص الأشياء في الوقت الذي يكون مقترناً بحرف «الباء»، كما يقول سبحانه: (...وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) .( [3])
    ويقول سبحانه: (...وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) .( [4])
    ويقول أيضاً: (...ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِيرٌ ) .( [5])
    إنّ متعلّق البصر في هذه الآيات مختلف، فتارة يكون «جميع الأشياء» ،
    وأُخرى«العباد»، وثالثة «أعمال العباد»، وأُخرى «ذنوب العباد».
    ثمّ إنّ بعض المفسّرين فسّروا وصف البصير بحضور المبصرات عنده سبحانه، وهذا المعنى يصحّ في مورد الأشياء القابلة للرؤية، ولكن في بعض الموارد أُطلق لفظ البصير في أُمور غير قابلة للرؤية، مثل «الذنوب»، لأنّ كثيراً من الذنوب غير قابلة للرؤية، وبالطبع لابدّ أن يكون المقصود بالبصير هنا العلم بالجزئيات، والشاهد على ذلك إنّنا نرى في الموارد التي تكون فيها الذنوب متعلّقاً للبصير نراها مقترنة بلفظ «الخبير»، كما يقول سبحانه: ( بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبيراً بَصِيراً ) .
    ولعلّ هدف الآيات المباركة أنّ اللّه يعلم علماً تفصيلياً بما يجري في العالم لا علماً إجمالياً، وكلّ شيء في السرّ والعلن لا يخرج عن ساحة قدسه سبحانه.
    من هذا البيان يتّضح أنّ نظرية المنكرين لتعلّق علم اللّه بالجزئيات، بذريعة أنّ ذلك يستلزم التغيّر في الذات الإلهية لا تنسجم مع ظاهر هذه الآيات. ولعلّه لكون لفظة بصير تتضمن في اللغة العربية معنى الدقة والإمعان، لذا استعمل القرآن تلك اللفظة في الموارد التالية:
    1. التعرف على خصوصيات النفس: (بَلِ الإِنْسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) .( [6])
    والمقصود من الخصوصيات هنا الصفات والسجايا الحسنة والسيئة والميول الجميلة والقبيحة.
    2. أسرار العالم الخفية. وهذا ما يظهر لنا من قصة السامري، حيث قال
    لموسى (عليه السلام) : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ... ) .( [7])
    إلى هنا اتّضح لنا معنى البصير، وسوف نشرع بتفسير لفظ (السميع).
    تفسير وصف السميع
    يظهر من القرآن الكريم أنّه استعمل لفظ السميع في معنيين:
    الأوّل: بمعنى حضور المسموعات عنده سبحانه وتعالى، وهذا المعنى له السهم الأوفر في الاستعمال.
    والمعنى الثاني: (المجيب) يقول تعالى: (...سَمِيعُ الدُّعَاء ) .( [8])
    والحقّ أنّه لا يوجد للسميع إلاّ معنى واحد، وهو (السمع) وأنّ اللّه سبحانه في كلّ حال يسمع دعاء عباده، ولكن تارة يقترن السمع بالإجابة، وأُخرى لا يقترن، وجملة (سَمِيعُ الدُّعاء ) جامعة لكلا المعنيين، وإذا فرضنا انّ المقصود من لفظ ( سَمِيعُ الدُّعاء ) أنّه مجيب الدعاء، فإنّ تلك الخصوصية لا تستفاد من اللفظ، وإنّما نستفيدها من القرائن الخارجية.
    السمع والبصر بدون أدوات طبيعية
    لا يخفى على الجميع أنّ الرؤية عند الإنسان وأيّ حيوان آخر إنّما تحدث بواسطة سلسلة من العمليات الفيزياوية والطبيعية، وعلى هذا الأساس لا يمكن تصوّر السمع في حقّه سبحانه من خلال هذا الطريق، ولذلك لا مناص من التمسّك بقاعدة «خذ الغايات،واترك المبادئ»، لأنّه لا هدف للإبصار غير العلم بالمبصرات، وهكذا الهدف من السمع وهو العلم بالأمواج الصوتية،
    فكلّما تحقّقت تلك الغاية بدون الحاجة إلى سلسلة من الأدوات والوسائل والفعّاليات الفيزياوية، ففي مثل هذه الحالة تحصل حقيقة السامع والبصير، وأنّ الآيات القرآنية المباركة لا تثبت أكثر من ذلك، وهو كون اللّه بصيراً وسميعاً، وأمّا أنّه سبحانه يمتلك خصوصيات الوجودات الإمكانية فلا تدلّ عليه الآيات.
    ومن هنا وباعتبار أنّ جميع الوجودات الإمكانية حاضرة لديه سبحانه، فلا شكّ أنّ المبصرات والمسموعات تكون هي أيضاً حاضرة لديه بصورة قهرية.
    من هذا المنطلق نرى الكثير من المحقّقين يذهبون إلى أنّ هذين الوصفين ـ السميع والبصير ـ من شعب علم اللّه سبحانه بالجزئيات، وأنّ حقيقة العلم هي حضور المعلوم لدى العالم لا غير، وإذا ذهب بعض المتكلّمين إلى أنّ سمع اللّه يرجع إلى علم اللّه بالمسموعات فأنّ قوله هذا صحيح، إذ من المسلم أنّ حضور الموجودات لدى اللّه سبحانه أعلى من حضورها لدى الإنسان عن طريق الصورة الذهنية.
    من هنا يطرح السؤال التالي: إذا كان حضور المسموعات والمبصرات لديه سبحانه مصحّحاً لتوصيفه بالسميع والبصير، فليكن هذا بعينه مصحّحاً لتوصيفه بأنّه لامس وذائق وشام؟
    والإجابة عن هذا السؤال واضحة وهي: إنّ شرف وكرامة هذه الأوصاف لا يمكن قياسه مع وصفي السميع والبصير، لأنّ أكثر علم الإنسان بالأشياء يحصل من خلال طريق السمع والبصر من هذه الجهة أنّ وصف اللّه بهذين الوصفين لا يلازم وصفه سبحانه بباقي الصفات المذكورة.
    إضافة إلى ذلك إنّ لازم كون أسمائه سبحانه توقيفية ـ و إن كنّا لا نقول بذلك ـ الاكتفاء بالأسماء والصفات التي وصف اللّهُ بها في الكتاب والسنّة.
    وفي الختام نشير إلى أنّ فرقة الأشاعرة استعملوا لفظ السميع والبصير في حقّه تعالى بنفس المعنى الذي يستعمل عند الإنسان، ولكنّهم للفرار من القول بالتجسيم أضافوا قيداً إلى كلامهم وهو «بدون كيف»، ولكنّنا بيّنا في بحوثنا المتعلّقة بعقائد الأشاعرة، وبالخصوص في كتابنا«بحوث في الملل والنحل» إنّ إضافة مثل هذا القيد لا تجدي نفعاً، ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة الكتاب المذكور.
    الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام)
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «والبصير لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسّة».( [9])
    وقال (عليه السلام) : «يسمع لا بخروق وأدوات».( [10])
    وقال (عليه السلام) في خطبة أُخرى: «بصير لا يوصف بالحاسّة».( [11])
    وقد جمع المعنى كلّه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في قوله: «سميع بصير، أي سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويُبصر بنفسه»( [12]). ( [13])
    [1] . الإنسان: 2.
    [2] . النساء: 58.
    [3] . الإسراء: 17.
    [4] . الفتح: 24.
    [5] . الملك: 19.
    [6] . القيامة: 14.
    [7] . طه: 96.
    [8] . آل عمران: 38.
    [9] . نهج البلاغة، الخطبة 155.
    [10] . نهج البلاغة، الخطبة 186.
    [11] . نهج البلاغة، الخطبة 179.
    [12] . توحيد الصدوق: 144.
  • عاشقة ام الحسنين
    كبار الشخصيات

    • Oct 2010
    • 16012

    #2
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
    سلمت أناملكِ على الطرح المميّز
    ويعطيكِ العافية على المجهود
    ما ننحرم من فيض عطائكِ
    لكِ تحياتي

    تعليق

    يعمل...
    X