التوسّل بالأسباب و التوحيد في الربوبية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العلوية ام موسى الاعرجي
    • Dec 2014
    • 1699

    التوسّل بالأسباب و التوحيد في الربوبية

    إنّ التوسّل بالأسباب الطبيعية والمادية لا يُعدُّ شركاً عند جميع الشعوب والأديان، فلا تجد شعباً أو أُمّة تعدّه من الشرك، بل انّ أساس حياة الإنسانية قوامه بالاعتماد على هذه الأسباب الطبيعية،ولكنّ الوهابيّين اعتبروا التمسّك بالأسباب غير الطبيعية والعادية نوعاً من الشرك، وتصوّروا أنّ الاعتقاد بتأثير تلك الأسباب ملازم للاعتقاد بإلوهيّتها، وبنوا على هذا التصوّر أنّ التوسّل بها يُعدُّ عبادة لها.
    إذا اعتقد إنسان ما ـ حقّاً أو باطلاً ـ أنّه يوجد لنيل مرامه طريقان: أحدهما: طبيعي، و الآخر: غير طبيعي; فينبغي عليه أن يسلك الطريق الطبيعي في حال توفّره لنيل مطلوبه. وإذا لم يتسنّ له الوصول إلى غرضه من خلال الطريق الطبيعي، فبإمكانه أن يسلك الطريق الغير الطبيعي الذي سيوصله إلى الغرض بعد طيّ مقدّمات وشرائط خاصة. فحينئذ إذا سلك الإنسان الطريق الطبيعي بهذه النيّة معتقداً أنّ اللّه قد منحها التأثير.( [1])
    أو يسلك الطريق الغير الطبيعي في اعتقاد أنّ اللّه سبحانه قد جعل الشفاء ـ وتحت شرائط خاصة ـ في قبضة من التراب، أو أنّ اللّه أعطى المسيح (عليه السلام) القدرة على شفاء المرضى بإذنه تعالى من خلال المسح بيده على المريض، وكذلك منحه القدرة على أحياء الموتى; فلا يُعدّ ذلك شركاً.
    فإذا يئس الإنسان من تأثير العلل والأسباب الطبيعية، ولكنّه لم ييأس ويرى أنّ نافذة الأمل مازالت مفتوحة أمامه ويتّجه صوب تربة كربلاء أو أنفاس السيد المسيح (عليه السلام) ، فهل من الصحيح يا ترى أن نقول إنّه قد اتّخذ من التراب أو المسيح إلهاً يعبده من دون اللّه، في الوقت الذي نراه يُصرّح بمعتقده: أنّ اللّه سبحانه هو الذي منح التراب ذلك الأثر، وهو الذي أعطى لعبده السيد المسيح تلك القدرة؟! فإذا كان التوسّل بالأسباب غير الطبيعية يُعدُّ شركاً فلابدّ من عدّ التوسّل بالأسباب الطبيعية شركاً أيضاً.
    نعم من الممكن أن تناقش هذا الإنسان ـ الذي يعتقد أنّ اللّه قد منح تربة سيد الشهداء (عليه السلام) القدرة على الشفاء، أو منح السيد المسيح (عليه السلام) القدرة على الابراء والإحياءـ وتخطئه، أو تطلب منه الدليل والبرهان على معتقده، وأن تنفي أنّ اللّه قد منح التربة أو السيد المسيح تلك القدرة والطاقة، ولكن ليس من حقّك أن تعدُّه مشركاً بسبب ذلك الاعتقاد، وذلك لأنّ أساس الاستفادة من الأسباب الطبيعية وغير الطبيعية عنده على حدّ سواء، حيث يؤمن بأنّ اللّه هو الذي منح الشمس خاصية الإشراق، ومنح القمر خاصية التلألؤ، ومنح النار خاصية الإحراق، و العسل خاصية الشفاء.( [2])
    إنّ اللّه الذي منح تلك الأشياء خصائصها هو نفسه الذي منح التراب
    الحسيني والمسيح (عليه السلام) تلك القدرة بلطفه ومنّه.
    ثمّ إنّ نفس هذا الكلام يجري في الإجابة عن مسألة التوسّل بالأرواح المقدّسة لأولياء اللّه الذين ضمّت الأرض أجسادهم الطاهرة، وأرواحهم فإنّها حيّة في عالم الغيب.
    وّ لأُستاذنا الإمام الخميني (قدس سره) في هذا المجال كلام يسلّط الضوء فيه على حقيقة الأمر، نأتي بخلاصته: إذا اعتقدنا إلوهية أحد، أو اعتقدنا أنّ له القدرة على التأثير بصورة مستقلّة، وتوسّلنا به لقضاء حاجاتنا اعتماداً على هذا المعتقد، فلا شك انّنا حينئذ قد وقعنا في الشرك. ولكن لو طلبنا حاجتنا ونحن نحمل اعتقاداً مغايراً لذلك، وذلك بأن اعتقدنا أنّ اللّه القادر على كلّ شيء قد منح التراب تلك الخصوصية إكراماً للإمام الذي أُريق دمه وضحّى بكلّ وجوده وكيانه من أجل الدين الحنيف، فلا شكّ أنّه لا توجد أيّ شائبة شرك في فعلنا هذا.
    فإذا قال العبد: إنّ اللّه الذي منح الدواء القدرة على الشفاء، هو نفسه الذي منح التراب الذي أُريق عليه دم سيد الشهداء المظلوم تلك القدرة على الشفاء، فيستحيل أن نصف عمله واعتقاده هذا بالشرك، وأن نصف ما توسّل به أنّه ] إله [ له يعبده من دون اللّه.( [3])
    وما نقرأه في المعارف الإسلامية العالية:«إنّ اللّه هو المسبّب والمعطّل».
    فإنّ المقصود من ذلك أنّ اللّه سبحانه فتارة يمنح الظاهرة خاصية التأثير، وتارة أُخرى يسلب منها ذلك الأثر.فتارة يمنح التراب الأسود أثراً خاصاً بحيث إذا امتزج مع الحلّي أن يكون عِجلاً له خوار، كما جاء ذلك في قصة السامري
    حينما سأله موسى (عليه السلام) عمّا فعله ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ) . ( [4]) فأجابه السامري بقوله: ( قَالَ بَصُرتُ بِمَالَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لي نَفْسي ) .( [5])
    فعلّل السامري عمله هذا بأنّه أخذ قبضة من أثر الرسول فعالج بها مطلوبه، فعاد العجل له خوار.
    إذاً فليس عجيباً من اللّه تعالى الذي منح قبضة التراب التي مرّت عليها أقدام الرسول الحيّ موسى (عليه السلام) هذه القدرة العجيبة أن يمنح التراب ـ الذي أُريق عليه أزكى وأطهر دم، ألا وهو الدمّ الخالد لسيد الشهداء (عليه السلام) والعصابة المؤمنة التي أُريقت دماؤهم على تلك التربة ـ القدرة على الشفاء تحت شرائط خاصة، فلا يُعدّ ذلك أمراً عجيباً، بل أنّ التمسك بمثل ذلك المعتقد يعتبر عين التوحيد; وتارة أُخرى نجد أنّ اللّه سبحانه قد منح قميص يوسف ذلك الأثر العجيب بحيث بمجرد أن أُلقي على وجه أبيه يعقوب (عليه السلام) ارتدّ بصيراً، وهذا ما تحدّثنا عنه الآية المباركة: (فَلَمَّآ أَنْ جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقيهُُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً... ) . ( [6])
    وعلى هذا الأساس فلا منافاة بين التوحيد وبين التوسّل بالأسباب وإن كانت غير طبيعية.
    ثمّ هل من الصحيح مع ملاحظة تلك النماذج التي تطرق لها القرآن الكريم عدّ التوسّل بالأسباب غير الطبيعية سبباً للشرك وعبادة لغير اللّه؟!
    إنّ التوسّل بالأرواح المقدّسة والاستمداد بالنفوس الطاهرة الخالدة عند ربّها نوعٌ من التمسك بالأسباب غير الطبيعية، وأمّا البحث عن أنّ هذه الأرواح والنفوس هل في مقدورها أن تغيث من يستغيث بها أو لا؟ فهو خارج عمّا نحن بصدده الآن، فإنّ ما يهمّنا هنا هو البحث عن مسألة التوسّل بتلك الأسباب غير الطبيعية، هل تنسجم مع التوحيد في العبادة، أو أنّها نوع شرك؟
    فإذا اعتقد الإنسان ولسبب ـ صحيح أو غير صحيح ـ أنّه في حالة عجز الأسباب الطبيعية عن تلبية مراده فإنّ اللّه سبحانه قد منح الأرواح المقدّسة القدرة على حلّ المشكلات بإذن اللّه تعالى، وأنّه يستطيع من خلال الاعتماد على العامل الغيبي حلّ مشكلاته، إنّ هكذا اعتقاد يستحيل أن يُعدّ شركاً وثنويةً في العبادة، نعم هناك بحثٌ آخر: هل أنّ هذا الاعتقاد صحيح أو غير صحيح؟ لسنا بصدد البحث عن هذه المسألة فعلاً، ويمكن بحثها في مجال آخر.( [7])
    [1] . ( هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً... ) (يونس:5).
    [2] . ( ... فيه شفاء للناس ) (النحل:69).
    [3] . كشف الأسرار: 53.
    [4] . طه: 95.
    [5] . طه: 96.
    [6] . يوسف: 96.
  • عاشقة ام الحسنين
    كبار الشخصيات

    • Oct 2010
    • 16012

    #2
    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
    يعطيك العآآفيه ..

    طرح بقمة الذووووق والرووعه..
    تسلم ايدك ع الطرح المميز لاعدمنآآك,...
    بـ آانتظآآر جديدك بكل شووق
    ودي وشذى الورد..

    تعليق

    يعمل...
    X