المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الجواد عليه السلام والدعوة الى التوحيد الخالص


العلوية ام موسى الاعرجي
30-12-2014, 01:04 PM
التوحيد اساس العقيدة الاسلامية ، وسلامة تصورات المسلم عن الله تعالى هي الركيزة الجوهرية التي تستند عليها باقي المفردات العقيدية ، من هنا كان الإمام(عليه السلام) يُعنى عناية شديدة بإيضاح هذا الاساس وتجليته ، وفي المحاضرة التي ألقاها على داود بن القاسم الجعفري دليل على ما قلناه .
فقد قال الجعفري «قلت لأبي جعفر الثاني(عليه السلام) : ( قل هو الله أحد ) ، ما معنى: الأحد؟
قال: المجمع بالوحدانية، أما سمعته يقول : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله )(1) ، ثم يقولون بعد ذلك : له شريك وصاحبه.
فقلت: قوله: ( لا تدركه الأبصار )(2).
قال: يا أبا هاشم ! اوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولم تدرك ببصرك ذلك ، فأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف تدركه الأبصار؟!
وسئل (عليه السلام): أيجوز ان يقال لله : انه شيء ؟
فقال: نعم، تخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه(3)»(4).
وعن أبي هاشم الجعفري ، قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني(عليه السلام) فسأله رجل ، فقال: أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له اسماء وصفات في كتابه ؟ وأسماؤه وصفاته هي هو؟
فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «ان لهذا الكلام وجهين : إن كنت تقول : هي هو، اي انه ذو عدد وكثرة ، فتعالى الله عن ذلك . وان كنت تقول : هذه الصفات والأسماء لم تزل ، فإنّ « لم تزل » محتمل معنيين : فان قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها ، فنعم، وان كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله ان فمعاذ الله ان يكون معه شيء غيره . بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها اليه ويعبدونه وهي ذكره ، وكان الله ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل .
والاسماء والصفات مخلوقات ، والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف ، وانما يختلف ويأتلف المتجزئ فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا الله قليل ولاكثير ، ولكنه القديم في ذاته ، لأن ما سوى الواحد متجزئ ، والله واحد لا متجزئ ، ولا متوهم بالقلة والكثرة وكل متجزئ او متوهم بالقلة والكثرة ، فهو مخلوق دالّ على خالق له.
فقولك : ان الله قدير خبّرت انه لا يعجزه شيء ، فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه .
وكذلك : عالم انما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه ، واذا أفنى الله الاشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ، ولا يزال من لم يزل عالماً.
فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعاً؟
فقال: لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس .
وكذلك سمّيناه بصيراً لانه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار ، من لون او شخص او غير ذلك ، ولم نصفه ببصر لحظة العين.
وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك ، وموضع النشوء منها ، والعقل والشهوة للفساد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ، ونقلها الطعام والشراب الى اولادها في الجبال والمفاوز والاودية والقفار ، فعلمنا ان خالقها لطيف بلا كيف ، وانما الكيفية للمخلوق المكيّف.
وكذلك قويّاً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً
فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ولا ندّ ولاكيف ولانهايةولا تبصار بصر ، ومحرّم على القلوب أن تمثّله ، وعلى الأوهام ان تحدّه ، وعلى الضمائر ان تكوّنه ، جلّ وعز عن أداة خلقه وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً »(5).

ـــــــــ
1- العنكبوت (29): 61 .
2- الانعام (6): 103 .
3- حد التعطيل هو عدم اثبات الوجود، والصفات الكمالية والفعلية والاضافية له تعالى ، وحد التشبيه الحكم والاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات وعوارض الممكنات .
4- مستدرك عوالم العلوم : 23 / 353 ـ 354 .
5- مستدرك عوالم العلوم : 23 / 354 ـ 356.