أقصد بالتواصل مع ثورة الحسين (ع) أن نعيشها رسالة في الحياة فكراً، وروحاً، وحركة في كل أبعادها الرسالية في أصالتها، وأحقيتها، وأهدافها، ووسائلها، وتضحياتها، ونتائجها... ولكي نقف على التواصل الحقيقي لا بد أن نستعرض أولاً أنواع التواصل القائم فعلاً في حاضرنا، وما جرت عليه الأمة في إحياء مراسم عاشوراء، وهي على أصناف مختلفة الأساليب:
1- هناك من يتواصل مع ثورة الحسين (ع) على مستوى العواطف، وعلى هذا أغلب الناس، فترى هؤلاء يفتعل البكاء، أو التباكي على الأقل، ومستند هذا ما ورد من الثواب في البكاء على الحسين (ع)، ولا ضير في ذلك إذا كان عن وعي وصدق بدون تلمس الأخبار الموضوعة والأقاصيص التي ابتدعها ممتهنوا النوح على الحسين (ع) استداراً للدموع، وإرضاء لعوام الناس، ومع شديد الأسف أننا نجد كثيراً من الأخبار غير صحيحة، والتي تجعل الحسين (ع) وأهل بيته في موقف الضعيف المتوسل الذي يستعطف الناس في جلب الماء وغيره(1)...
وهذا الصنف من المتواصلين مع الحسين (ع) يعيشون مع الحسين (ع) بهذا المستوى الساذج في أيام عاشوراء، أو في ظرف إقامة المجالس، ويهتم هؤلاء بالشكليات كلبس السواد، ورفع الأعلام، وإقامة المجالس المثيرة كاللطم(2) وغيره، ولا يتعدى ذلك... ويعد هذا كل ما في الأمر... فإذا خرج عن إطار المجلس أو أيام عاشوراء تجده يخالف الحسين (ع) في أقواله وأفعاله، شكلاً ومضموناً ...
2- وهناك من يعيش الجانب الفكري الجاف الذي يتعامل مع واقعة كربلاء كواقعة تاريخية حَرَّية بالتأمل والدراسة كأي حادثة تاريخية أخرى، ويتحدث بأسلوب استعراضي جاف لا يثير العاطفة، فترى أحاديثه لا تولد الحماس والثورة في نفوس سامعيه، ولا تترك أثراً إيجابياً فيها.
3- وهناك من يعيش الحسين (ع) فكراً وعاطفاً وسلوكاً؛ يتأسى بالحسين في توعية الناس، ويطرح ثورة الحسين (ع) كمشروع حضاري؛ لتغيير الأمة في إثارة الغيرة الإيمانية من خلال طرح المفاهيم الإسلامية الحقة التي جسدها سيد الشهداء في ثورته، ويبكي الحسين (ع) بكاء البطل، ويثير في النفوس الحماس الثوري، ويبعث في الأمة روح التضحية والفداء لأجل الإسلام، ويصور الحسين (ع) إسلاماً متجسداً في الواقع، فيتخلق بأخلاقه بما يستطيع؛ ليحرك الفكر، ويثير العاطفة، ويلتزم بآداب البحث عن أهداف، ومبادئ وأساليب الثورة في النهج الحسيني.
وبدون شك أن الصنف الثالث هو الذي يريده الإسلام، ولعل هذا هو المقصود بحديث أبي الصلت الهروي قال: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(3)
وهذا لا يتحقق إلا لمن وعى الإسلام رسالة ومنهج حياة لا شعارات فارغة المحتوى ومراسم وقتية، وطقوس شكلية فمن لا يفهم الإسلام لا يمكن أن يفهم الحسين (ع) بحال ولذا فإن الكثيرين الذي نددوا بحركة الحسين (ع) قديماً وحديثاً نظروا نظرة سطحية إلى خروجه المبارك، وعدّوا خروجه مجازفة انتحارية لم تحقق شيئاً سوى أنه أوقع نفسه بكارثة دموية رهيبة... ولو أنهم نظروا إلى ثورة الحسين (ع) من خلال منطلقها الأساسي وهو إنقاذ الإسلام من مخالب بني أمية، وفصله عن تيارهم السياسي الحاكم لما أطلقوا كلماتهم الجوفاء أن الحسين (ع) قتل بسيف جدِّه...
أما كيف يتواصل الإنسان مع ثورة الحسين (ع)، وما هي الشروط اللازمة في المواصل فيمكن ذكرها بنقاط:
1- وعي رسالة الإسلام عقيدة، ورسالة، ومنهج حياة، ودستور نظام... فمن لا يعي الإسلام حركة لتغيير الواقع الفاسد إلى واقع سليم لا يمكن أن يفهم ثورة الحسين (ع) فضلاً عن الإيمان بها...
2- معرفة موقع الحسين (ع) من رسول الله (ص)، وإنَّ ما ورد في فضائله من الأخبار الكثيرة المتواترة بأن الحسن والحسين (ع) إمامان قاما أو قعدا، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، إضافة إلى بكاء رسول الله (ص) ولم يزل الحسين (ع) طفلاً صغيراً... وأن رسول الله (ص) لم يكن يذكر كل ذلك، ويؤكد عليه مراراً، وتكراراً لحب عاطفي أو لقربه منه، وإنما لعلم رسول الله (ص) بأهمية دوره في مستقبل الإسلام.
3- دراسة ووعي ثورة الحسين (ع) من حيث ظروفها الاجتماعية والسياسية، وأهدافها الرسالية، ووسائلها الصعبة من خلال التضحية الجبارة التي أقدم عليها، ونتائجها العظيمة، والتي أطاحت بدولة بني أمية بعد فترة لا تتعدى جيلاً من الناس، وأعادت للأمة حيويتها، وكشفت لها خط النفاق المغلف بثوب الإسلام، وبدن شك أن الإنسان إذا لم يعِ التخطيط الحسيني على المدى البعيد، ولم يفهم الظروف المحيطة به آنذاك لا يمكن أن يواصل مسيرته مع ثورة الحسين (ع).
4- من أراد أن يتواصل مع الحسين (ع) في ثورته، فعليه أن يتخذه أسوةً، وقدوةً، ومعلماً، وهادياً إلى الله تعالى.
5- ثم لا بد لمن يواصل السير في نهج الحسين (ع) أن يعي أنَّ الحسين (ع) امتداد لرسول الله (ص)، وأنه وارثه، بل وارث جميع الأنبياء كما ورد في زيارة وارث، وهذا الامتداد هو الذي أعطى كل هذه القوة الروحية للحسين (ع)، وجعله يقدم على تلك التضحية التي أصبحت محركة لعجلة التاريخ البشري حتى تأسى به المسلمون وغير المسلمين أيضاً لما تمثل في نهضته من أبعاد إنسانية: أخلاقية، وفكرية، وحركية... جسدت كل المثل الإنسانية في أحرج ساعات مرت على الحسين (ع) وأهله؛ ولهذا أصبح مُعلماً للأجيال على طول خط التأريخ ...
الهوامش:
(1) راجع الجزء الأول من كتاب الملحمة الحسينية للشهيد الشيح المطهري.
(2) أرجو أن لا أن يفهم من هذا أنني أستنكر ذلك، وإنما أقصد أننا يجب أن نجعل هذه الأمور وسائل شعارية لا غايات بذاتها.
(3) المحدث المجلسي، بحار الأنوار: 2/30.
1- هناك من يتواصل مع ثورة الحسين (ع) على مستوى العواطف، وعلى هذا أغلب الناس، فترى هؤلاء يفتعل البكاء، أو التباكي على الأقل، ومستند هذا ما ورد من الثواب في البكاء على الحسين (ع)، ولا ضير في ذلك إذا كان عن وعي وصدق بدون تلمس الأخبار الموضوعة والأقاصيص التي ابتدعها ممتهنوا النوح على الحسين (ع) استداراً للدموع، وإرضاء لعوام الناس، ومع شديد الأسف أننا نجد كثيراً من الأخبار غير صحيحة، والتي تجعل الحسين (ع) وأهل بيته في موقف الضعيف المتوسل الذي يستعطف الناس في جلب الماء وغيره(1)...
وهذا الصنف من المتواصلين مع الحسين (ع) يعيشون مع الحسين (ع) بهذا المستوى الساذج في أيام عاشوراء، أو في ظرف إقامة المجالس، ويهتم هؤلاء بالشكليات كلبس السواد، ورفع الأعلام، وإقامة المجالس المثيرة كاللطم(2) وغيره، ولا يتعدى ذلك... ويعد هذا كل ما في الأمر... فإذا خرج عن إطار المجلس أو أيام عاشوراء تجده يخالف الحسين (ع) في أقواله وأفعاله، شكلاً ومضموناً ...
2- وهناك من يعيش الجانب الفكري الجاف الذي يتعامل مع واقعة كربلاء كواقعة تاريخية حَرَّية بالتأمل والدراسة كأي حادثة تاريخية أخرى، ويتحدث بأسلوب استعراضي جاف لا يثير العاطفة، فترى أحاديثه لا تولد الحماس والثورة في نفوس سامعيه، ولا تترك أثراً إيجابياً فيها.
3- وهناك من يعيش الحسين (ع) فكراً وعاطفاً وسلوكاً؛ يتأسى بالحسين في توعية الناس، ويطرح ثورة الحسين (ع) كمشروع حضاري؛ لتغيير الأمة في إثارة الغيرة الإيمانية من خلال طرح المفاهيم الإسلامية الحقة التي جسدها سيد الشهداء في ثورته، ويبكي الحسين (ع) بكاء البطل، ويثير في النفوس الحماس الثوري، ويبعث في الأمة روح التضحية والفداء لأجل الإسلام، ويصور الحسين (ع) إسلاماً متجسداً في الواقع، فيتخلق بأخلاقه بما يستطيع؛ ليحرك الفكر، ويثير العاطفة، ويلتزم بآداب البحث عن أهداف، ومبادئ وأساليب الثورة في النهج الحسيني.
وبدون شك أن الصنف الثالث هو الذي يريده الإسلام، ولعل هذا هو المقصود بحديث أبي الصلت الهروي قال: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(3)
وهذا لا يتحقق إلا لمن وعى الإسلام رسالة ومنهج حياة لا شعارات فارغة المحتوى ومراسم وقتية، وطقوس شكلية فمن لا يفهم الإسلام لا يمكن أن يفهم الحسين (ع) بحال ولذا فإن الكثيرين الذي نددوا بحركة الحسين (ع) قديماً وحديثاً نظروا نظرة سطحية إلى خروجه المبارك، وعدّوا خروجه مجازفة انتحارية لم تحقق شيئاً سوى أنه أوقع نفسه بكارثة دموية رهيبة... ولو أنهم نظروا إلى ثورة الحسين (ع) من خلال منطلقها الأساسي وهو إنقاذ الإسلام من مخالب بني أمية، وفصله عن تيارهم السياسي الحاكم لما أطلقوا كلماتهم الجوفاء أن الحسين (ع) قتل بسيف جدِّه...
أما كيف يتواصل الإنسان مع ثورة الحسين (ع)، وما هي الشروط اللازمة في المواصل فيمكن ذكرها بنقاط:
1- وعي رسالة الإسلام عقيدة، ورسالة، ومنهج حياة، ودستور نظام... فمن لا يعي الإسلام حركة لتغيير الواقع الفاسد إلى واقع سليم لا يمكن أن يفهم ثورة الحسين (ع) فضلاً عن الإيمان بها...
2- معرفة موقع الحسين (ع) من رسول الله (ص)، وإنَّ ما ورد في فضائله من الأخبار الكثيرة المتواترة بأن الحسن والحسين (ع) إمامان قاما أو قعدا، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، إضافة إلى بكاء رسول الله (ص) ولم يزل الحسين (ع) طفلاً صغيراً... وأن رسول الله (ص) لم يكن يذكر كل ذلك، ويؤكد عليه مراراً، وتكراراً لحب عاطفي أو لقربه منه، وإنما لعلم رسول الله (ص) بأهمية دوره في مستقبل الإسلام.
3- دراسة ووعي ثورة الحسين (ع) من حيث ظروفها الاجتماعية والسياسية، وأهدافها الرسالية، ووسائلها الصعبة من خلال التضحية الجبارة التي أقدم عليها، ونتائجها العظيمة، والتي أطاحت بدولة بني أمية بعد فترة لا تتعدى جيلاً من الناس، وأعادت للأمة حيويتها، وكشفت لها خط النفاق المغلف بثوب الإسلام، وبدن شك أن الإنسان إذا لم يعِ التخطيط الحسيني على المدى البعيد، ولم يفهم الظروف المحيطة به آنذاك لا يمكن أن يواصل مسيرته مع ثورة الحسين (ع).
4- من أراد أن يتواصل مع الحسين (ع) في ثورته، فعليه أن يتخذه أسوةً، وقدوةً، ومعلماً، وهادياً إلى الله تعالى.
5- ثم لا بد لمن يواصل السير في نهج الحسين (ع) أن يعي أنَّ الحسين (ع) امتداد لرسول الله (ص)، وأنه وارثه، بل وارث جميع الأنبياء كما ورد في زيارة وارث، وهذا الامتداد هو الذي أعطى كل هذه القوة الروحية للحسين (ع)، وجعله يقدم على تلك التضحية التي أصبحت محركة لعجلة التاريخ البشري حتى تأسى به المسلمون وغير المسلمين أيضاً لما تمثل في نهضته من أبعاد إنسانية: أخلاقية، وفكرية، وحركية... جسدت كل المثل الإنسانية في أحرج ساعات مرت على الحسين (ع) وأهله؛ ولهذا أصبح مُعلماً للأجيال على طول خط التأريخ ...
الهوامش:
(1) راجع الجزء الأول من كتاب الملحمة الحسينية للشهيد الشيح المطهري.
(2) أرجو أن لا أن يفهم من هذا أنني أستنكر ذلك، وإنما أقصد أننا يجب أن نجعل هذه الأمور وسائل شعارية لا غايات بذاتها.
(3) المحدث المجلسي، بحار الأنوار: 2/30.
تعليق