قال الحسين (ع): (إني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً، إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)(1)
في هذا النص الشريف الذي أطلقه سيد الأحرار في أشد الساعات حرجاً وشدة... في يوم عاشوراء وأراد به (ع) أن يرفع الإنسان من تراب الأرض إلى نور السماوات، ويحرره من عبودية الدنيا والخضوع لشهواتها، والالتصاق بزخارفها...
وهنا نشير إلى عدة حقائق:
الأولى: أن الموت في مجاهدة الظالمين والكافرين سعادة (شهادة) وخلوداً، بل هي كمال السعادة، لأنها تنقل الإنسان من عالم الشقاء إلى عالم السعادة، ومن عالم المعاناة والآلام إلى عالم الهناء والراحة، وهي الحياة الحقيقية التي يختارها الإنسان الحر لنفسه، ولذا جاء تعبير الإمام دقيقاً بوصفه الموت بأنه هو الحياة، وفي رواية أخرى سعادة، وفي رواية ثالثة شهادة، والروايات الثلاث نتيجتها واحدة.
ثانياً: إن الحياة مع الظالمين والمقصود به العيش معهم ومشاركتهم في أعمالهم أو الرضا بها، أو السكوت عنها.. هي حياة بائسة، شقية، ذليلة لا يعيشها الإنسان الشريف أبداً، ولا يقر لها قرار فهي تتنافى مع الكرامة الإنسانية، وتعود على الإنسان بالشقاء في الدنيا والآخرة.. والمقصود بالظالم كل إنسان خرج عن طاعة الله بتجاوز حدود الشرع المقدس، ولم يقبل نصيحة ناصح، ولم يمتثل لأمر آمر، سواء كان حاكماً، أو محكوماً، صغيراً، أو كبيراً...
فالعيش مع الظالمين لا يرضاه الإسلام ويأباه لأتباعه وحاملي رسالته؛ لأنه شقاء، وعذاب، وذلة، وخنوع، وارتكاس في مستنقع الرذيلة.
ثالثاً: ثم يقرر (ع) حقيقة أغلب الناس وهي: أن الأعم الأغلب من الناس هم عبيد للدنيا، وليسوا عبيداً لله تعالى، ومعنى عبادة الدنيا هي الخضوع لميول النفس وأهوائها وشهواتها، والاستغراق في زخارف الدنيا حتى تنسي الإنسان نفسه، وتبعده عن الله تعالى، حتى يعود لا يرى غيرها، ولا يفكر بسواها حتى تصبح قطب الرحى في حياته، فيسخر لها كل طاقاته الفكرية، والأخلاقية، بل ويسخر لها المقدسات المعنوية، فكل ما يحرز به الدنيا ويحوزها إليه يبقى لاهثاً ورائه، ولا يتوقف عند حد من الحدود فإن ابن آدم يشب وتشب معه خصلتان الحرص والطمع، ويصبح كل شيء فيها معبوداً له، وهذا هو معنى اللهو الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) (المنافقون: 9) فكل شيء في حياته يصبح دنيا حتى الدين، والإسلام، والصلاة، والصوم، والجهاد... وكل ما يوفر له ملاذ الدنيا فهو حسن جيد، وكل ما يضيّق دنياه يصبح قبيحاً سيئاً، فالذل، والاستعباد، والعيش وسط اليهود والنصارى إذا توفر معه المال والترف فهو السعادة الكاملة، وأما العزة والإباء إذا كانت تحمله صعوبات وابتلاءات فهي رذيلة لا تراد، والإمام الحسين (ع) إنما أراد من خلال استعمال كلمة العبيد أن يبرز أهمية عزة النفس من جهة، ويحقر الاستعباد، وعبيد الدنيا بالذات من جهة أخرى... وقد ورد عنهم (ع): (أَوَلا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها؛ فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس)(2)
واللُماظة-بالضم-: (ما يبقى في الفم من الطعام، ومنه قول الشاعر يصف الدنيا:
لُماظةُ أيامٍ كأحلامِ نائمٍ)(3)
وقد ورد هذا اللفظ مراراً على لسان أمير المؤمنين (ع): (ألا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها)(4)
ولا أظن أن الباحث يجد لفظاً يُصَغر فيه عبيد الدنيا المنشدون إليها أصدق وأدق وأعمق وأشمل من هذا الوصف؛ فإن الأكل المتبقي في الفم إذا لم يُخرج يتحول إلى عفونة مؤذية ومرض مردٍ، ولذا يحاول الإنسان أن يتخلص منه. وكأن الإمام (ع) يقول: إذا لم تتخلصوا من عفونة الدنيا وفضولها لا يمكنكم أن تكونوا أحراراً فيها، وعبادة الدنيا لا تنحصر بفئة دون أخرى، بل كل إنسان خلى قلبه من حب الله التاط بحب الدنيا، والعكس صحيح.
ولعباد الدنيا صفات:
1- عبيد الدنيا ظاهرهم جميل جذاب وباطنهم مستنقع آسن، وقد مثلهم عيسى (ع) بقوله: (يا عبيد الدنيا، مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها، وداخلها عظام الموتى مملؤوة خطايا)(5)
وقال (ع): (ماذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحاً، وباطنه فاسداً، وما تغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم، وقلوبكم دنسة)(6)
2- وعبيد الدنيا يخافون الناس في طاعة الله، ويعصون الله في طاعتهم، قال عيسى (ع): (ويلكم يا عبيد السوء كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة، وأنتم تخافون الناس في طاعة الله، وتطيعونهم في معصيته، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده)(7)
3- وعبيد الدنيا باعوا كثيراً دائماً بقليل زائل، استبدلوا دار رحمة الله بدار الفناء والشقاء، خضوعاً للشهوات والأهواء، قال عيسى (ع): (ويلكم يا عبيد الدنيا من أجل نعمة زائلة، وحياة منقطعة تفرون من الله)(8)
4- وعباد الدنيا يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، غافلون عن سر وجودهم وعلة إيجادهم؛ ولهذا تراهم يتمسكون بظواهر الأمور، ويغفلون عن الحقائق الكونية، والأسرار الإلهية ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) (الروم: 7)
5- وعبيد الدنيا لا يلتذون بالعبادة، ولا يجدوا حلاوتها في قلوبهم؛ لانشغالهم بحب الدنيا، يقول أبو عبد الله (ع): (حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان، حتى تزهد في الدنيا)(9)
وعن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله (ع): (ألا من صبار كريم، فإنما هي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا)(10)
6- وعبيد الدنيا يفرحون بالمدح ولو كان كذباً، ويغضبون من النقد لو كان حقاً، يقول عيسى (ع): (بحق أقول لكم: إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه، وهي حق، ويفرح إذا مدح بما ليس فيه)(11)
ثم أوضح حقيقة عظيمة لعبيد الدنيا، وهي أن الدين الذي يَدَّعون الالتزام به، ويتظاهرون به لم يغور في أعماقهم، ولم يترسخ في قلوبهم، وإنما مر على سطوح أنفسهم وعلى طرف ألسنتهم.. ولفظة اللعق الواردة في الخطاب أدق تعبير لهذه الحقيقة، واللعق هو ما تبقى على أصابع اليد من الطعام أو على الإناء الذي توضع فيه الحلوى، فيبقى به بعض الشيء لا يُنال باليد، وإنما يمكن أن يصيبه الإنسان إذا لعقه بلسانه، وهو تعبير دقيق عن السطحية لتدين هؤلاء حيث تزول بمجرد أن يمتحنوا ويمحصوا بأدنى الفتن والمحن؛ ولذا رأينا من هذه الأمة الواسعة، والتي عاشت رسول الله (ص) فكراً وسلوكاً وعاشت أمير المؤمنين (ع) وأصحابه لم يتمخض منها إلا الثلة المباركة التي ثبتت مع الحسين (ع).
مضوا بالأنوف الشم قدماً وبعدهم * تخال نزاراً تنشق النقع في أنف
خذي يا قلوب الطالبيين قرحة * تزول الليالي وهي دامية القرف
فإن التي لم تبرح الخدر أبرزت * عشية لا كهف فتأوي إلى كهف
الهوامش:
(1) تحف العقول: 174 .
(2) المصدر نفسه: 292 .
(3) لسان العرب: 7/462 .
(4) نهج البلاغة: قصار الحكم: 456 .
(5) تحف العقول: 378 .
(6) المصدر نفسه: 387 .
(7) المصدر نفسه: 381 .
(8) المصدر نفسه: 382 .
(9) الأصول من الكافي: 2/128 .
(10) المصدر نفسه: 2/130 .
(11) تحف العقول: 388 .
في هذا النص الشريف الذي أطلقه سيد الأحرار في أشد الساعات حرجاً وشدة... في يوم عاشوراء وأراد به (ع) أن يرفع الإنسان من تراب الأرض إلى نور السماوات، ويحرره من عبودية الدنيا والخضوع لشهواتها، والالتصاق بزخارفها...
وهنا نشير إلى عدة حقائق:
الأولى: أن الموت في مجاهدة الظالمين والكافرين سعادة (شهادة) وخلوداً، بل هي كمال السعادة، لأنها تنقل الإنسان من عالم الشقاء إلى عالم السعادة، ومن عالم المعاناة والآلام إلى عالم الهناء والراحة، وهي الحياة الحقيقية التي يختارها الإنسان الحر لنفسه، ولذا جاء تعبير الإمام دقيقاً بوصفه الموت بأنه هو الحياة، وفي رواية أخرى سعادة، وفي رواية ثالثة شهادة، والروايات الثلاث نتيجتها واحدة.
ثانياً: إن الحياة مع الظالمين والمقصود به العيش معهم ومشاركتهم في أعمالهم أو الرضا بها، أو السكوت عنها.. هي حياة بائسة، شقية، ذليلة لا يعيشها الإنسان الشريف أبداً، ولا يقر لها قرار فهي تتنافى مع الكرامة الإنسانية، وتعود على الإنسان بالشقاء في الدنيا والآخرة.. والمقصود بالظالم كل إنسان خرج عن طاعة الله بتجاوز حدود الشرع المقدس، ولم يقبل نصيحة ناصح، ولم يمتثل لأمر آمر، سواء كان حاكماً، أو محكوماً، صغيراً، أو كبيراً...
فالعيش مع الظالمين لا يرضاه الإسلام ويأباه لأتباعه وحاملي رسالته؛ لأنه شقاء، وعذاب، وذلة، وخنوع، وارتكاس في مستنقع الرذيلة.
ثالثاً: ثم يقرر (ع) حقيقة أغلب الناس وهي: أن الأعم الأغلب من الناس هم عبيد للدنيا، وليسوا عبيداً لله تعالى، ومعنى عبادة الدنيا هي الخضوع لميول النفس وأهوائها وشهواتها، والاستغراق في زخارف الدنيا حتى تنسي الإنسان نفسه، وتبعده عن الله تعالى، حتى يعود لا يرى غيرها، ولا يفكر بسواها حتى تصبح قطب الرحى في حياته، فيسخر لها كل طاقاته الفكرية، والأخلاقية، بل ويسخر لها المقدسات المعنوية، فكل ما يحرز به الدنيا ويحوزها إليه يبقى لاهثاً ورائه، ولا يتوقف عند حد من الحدود فإن ابن آدم يشب وتشب معه خصلتان الحرص والطمع، ويصبح كل شيء فيها معبوداً له، وهذا هو معنى اللهو الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) (المنافقون: 9) فكل شيء في حياته يصبح دنيا حتى الدين، والإسلام، والصلاة، والصوم، والجهاد... وكل ما يوفر له ملاذ الدنيا فهو حسن جيد، وكل ما يضيّق دنياه يصبح قبيحاً سيئاً، فالذل، والاستعباد، والعيش وسط اليهود والنصارى إذا توفر معه المال والترف فهو السعادة الكاملة، وأما العزة والإباء إذا كانت تحمله صعوبات وابتلاءات فهي رذيلة لا تراد، والإمام الحسين (ع) إنما أراد من خلال استعمال كلمة العبيد أن يبرز أهمية عزة النفس من جهة، ويحقر الاستعباد، وعبيد الدنيا بالذات من جهة أخرى... وقد ورد عنهم (ع): (أَوَلا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها؛ فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس)(2)
واللُماظة-بالضم-: (ما يبقى في الفم من الطعام، ومنه قول الشاعر يصف الدنيا:
لُماظةُ أيامٍ كأحلامِ نائمٍ)(3)
وقد ورد هذا اللفظ مراراً على لسان أمير المؤمنين (ع): (ألا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها)(4)
ولا أظن أن الباحث يجد لفظاً يُصَغر فيه عبيد الدنيا المنشدون إليها أصدق وأدق وأعمق وأشمل من هذا الوصف؛ فإن الأكل المتبقي في الفم إذا لم يُخرج يتحول إلى عفونة مؤذية ومرض مردٍ، ولذا يحاول الإنسان أن يتخلص منه. وكأن الإمام (ع) يقول: إذا لم تتخلصوا من عفونة الدنيا وفضولها لا يمكنكم أن تكونوا أحراراً فيها، وعبادة الدنيا لا تنحصر بفئة دون أخرى، بل كل إنسان خلى قلبه من حب الله التاط بحب الدنيا، والعكس صحيح.
ولعباد الدنيا صفات:
1- عبيد الدنيا ظاهرهم جميل جذاب وباطنهم مستنقع آسن، وقد مثلهم عيسى (ع) بقوله: (يا عبيد الدنيا، مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها، وداخلها عظام الموتى مملؤوة خطايا)(5)
وقال (ع): (ماذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحاً، وباطنه فاسداً، وما تغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم، وقلوبكم دنسة)(6)
2- وعبيد الدنيا يخافون الناس في طاعة الله، ويعصون الله في طاعتهم، قال عيسى (ع): (ويلكم يا عبيد السوء كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة، وأنتم تخافون الناس في طاعة الله، وتطيعونهم في معصيته، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده)(7)
3- وعبيد الدنيا باعوا كثيراً دائماً بقليل زائل، استبدلوا دار رحمة الله بدار الفناء والشقاء، خضوعاً للشهوات والأهواء، قال عيسى (ع): (ويلكم يا عبيد الدنيا من أجل نعمة زائلة، وحياة منقطعة تفرون من الله)(8)
4- وعباد الدنيا يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، غافلون عن سر وجودهم وعلة إيجادهم؛ ولهذا تراهم يتمسكون بظواهر الأمور، ويغفلون عن الحقائق الكونية، والأسرار الإلهية ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) (الروم: 7)
5- وعبيد الدنيا لا يلتذون بالعبادة، ولا يجدوا حلاوتها في قلوبهم؛ لانشغالهم بحب الدنيا، يقول أبو عبد الله (ع): (حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان، حتى تزهد في الدنيا)(9)
وعن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله (ع): (ألا من صبار كريم، فإنما هي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا)(10)
6- وعبيد الدنيا يفرحون بالمدح ولو كان كذباً، ويغضبون من النقد لو كان حقاً، يقول عيسى (ع): (بحق أقول لكم: إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه، وهي حق، ويفرح إذا مدح بما ليس فيه)(11)
ثم أوضح حقيقة عظيمة لعبيد الدنيا، وهي أن الدين الذي يَدَّعون الالتزام به، ويتظاهرون به لم يغور في أعماقهم، ولم يترسخ في قلوبهم، وإنما مر على سطوح أنفسهم وعلى طرف ألسنتهم.. ولفظة اللعق الواردة في الخطاب أدق تعبير لهذه الحقيقة، واللعق هو ما تبقى على أصابع اليد من الطعام أو على الإناء الذي توضع فيه الحلوى، فيبقى به بعض الشيء لا يُنال باليد، وإنما يمكن أن يصيبه الإنسان إذا لعقه بلسانه، وهو تعبير دقيق عن السطحية لتدين هؤلاء حيث تزول بمجرد أن يمتحنوا ويمحصوا بأدنى الفتن والمحن؛ ولذا رأينا من هذه الأمة الواسعة، والتي عاشت رسول الله (ص) فكراً وسلوكاً وعاشت أمير المؤمنين (ع) وأصحابه لم يتمخض منها إلا الثلة المباركة التي ثبتت مع الحسين (ع).
مضوا بالأنوف الشم قدماً وبعدهم * تخال نزاراً تنشق النقع في أنف
خذي يا قلوب الطالبيين قرحة * تزول الليالي وهي دامية القرف
فإن التي لم تبرح الخدر أبرزت * عشية لا كهف فتأوي إلى كهف
الهوامش:
(1) تحف العقول: 174 .
(2) المصدر نفسه: 292 .
(3) لسان العرب: 7/462 .
(4) نهج البلاغة: قصار الحكم: 456 .
(5) تحف العقول: 378 .
(6) المصدر نفسه: 387 .
(7) المصدر نفسه: 381 .
(8) المصدر نفسه: 382 .
(9) الأصول من الكافي: 2/128 .
(10) المصدر نفسه: 2/130 .
(11) تحف العقول: 388 .
تعليق