المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر


العلوية ام موسى الاعرجي
04-01-2015, 04:06 PM
المسألة 1270 : يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون المعروف واجبا والمنكر حراما وفي كون وجوبه عينيا أو كفائيا وجهان، ولا يبعد الاول في اظهار الكراهة قولا أو فعلا والثاني فيما يتوقف على اعمال القدرة كالضرب والحبس مما كان من وظائف المحتسب في بعض الازمنة السالفة.
المسألة 1271 : إذا كان المعروف مستحبا كان الامر به مستحبا، فإذا أمر به كان مستحقا للثواب، وإن لم يأمر به لم يكن عليه اثم ولا عقاب. ويلزم ان يراعى في الامر بالمستحب ان لا يكون على نحو يستلزم ايذاء المأمور أو إهانته، كما لا بد من الاقتصار فيه على ما لا يكون ثقيلا عليه بحيث يزهده في الدين، وهكذا الحال في النهي عن المكروه.
يشترط في وجوب الامر بالمعروف الواجب، والنهي عن المنكر أمور : الاول : معرفة المعروف والمنكر ولو اجمالا، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف والمنكر ولكن قد يجب التعلم مقدمة للامر بالاول والنهي عن الثاني. الثاني : احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالامر، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، فإذا لم يحتمل ذلك، وعلم أن الشخص الفاعل لا يبالي بالامر أو النهي، ولا يكترث بهما لا يجب عليه شئ على المشهور، ولكن لا يترك الاحتياط باظهار الكراهة فعلا أو قولا ولو مع عدم احتمال الارتداع به. الثالث : أن يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف، وارتكاب المنكر فاذا كانت امارة على ارتداع العاصي عن عصيانه لم يجب شئ، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن ترك واجبا أو فعل حراما واحتمل كونه منصرفا عنه أو نادما عليه لم يجب شئ، هذا واعتبار الاصرار لعله المشهور بين الفقهاء ولكن الظاهر كفاية احراز عزمه على ترك المعروف وفعل المنكر حدوثا أو بقاء بحيث يكون توجيه الامر أو النهي الشخصي اليه في محله عند العقلاء ولو لم يكن متلبسا بالمعصية فضلا عن توقف الوجوب على الاصرار. الرابع : أن يكون المعروف والمنكر منجزا في حق الفاعل، فإن كان معذورا في فعله المنكر، أو تركه المعروف، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس بحرام، أو أن ما تركه ليس بواجب، وكان معذورا في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم اجتهادا، أو تقليدا لم يجب شئ، وكذا اذا لم يكن معذورا في فعله في بعض الموارد كما اذا عجز عن الجمع بين امتثال تكليفين بسوء اختياره وصرف قدرته في امتثال الاهم منهما فانه لا يكون معذورا في ترك المهم وان كانت وظيفته عقلا الاتيان بالاهم انتخابا لاخف القبيحين بل والمحرمين، هذا ولو كان المنكر مما لا يرضى الشارع بوجوده مطلقا كالافساد في الارض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك فلابد من الردع عنه ولو لم يكن المباشر مكلفا فضلا عما اذا كان جاهلا بالموضوع أو بالحكم. الخامس : ان لا يلزم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به وكذا لا يلزم منه وقوعه في حرج لا يتحمله فاذا لزم الضرر أو الحرج لم يجب عليه ذلك الا اذا احرز كونه بمثابة من الاهمية عند الشارع المقدس يهون دونه تحمل الضرر أو الحرج، والظاهر أنه لا فرق فيما ذكر بين العلم بلزوم الضرر أو الظن به أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف. وإذا كان في الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الاضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به فالظاهر سقوط وجوبهما، نعم إذا كان المعروف والمنكر من الامور المهمة شرعا فلابد من الموازنة بين الجانبين بلحاظ قوة الاحتمال وأهمية المحتمل فربما لا يحكم بسقوط الوجوب وربما يحكم به.
المسألة 1272 : لا يختص وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم، والعدول والفساق، والسلطان والرعية، والاغنياء والفقراء، والظاهر عدم سقوطه ما دام كون الشخص تاركا للمعروف وفاعلا للمنكر وان قام البعض بما هو وظيفته من المقدار المتيسر له منه.
للامر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب : الاولى: ان يأتي بعمل يظهر به انزجاره القلبي وكراهته للمنكر أو ترك المعروف، كأظهار الانزعاج من الفاعل، أو الاعراض والصد عنه، أو ترك الكلام معه، أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل على كراهة ما وقع منه. الثانية : الامر والنهي باللسان والقول، بأن يعظ الفاعل وينصحه، ويذكر له ما أعد الله سبحانه للعاصين من العقاب الاليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعده الله تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنات النعيم، ومنه التغليظ في الكلام والوعيد على المخالفة وعدم الاقلاع عن المعصية بما لا يكون كذبا. الثالثة : اعمال القدرة في المنع عن ارتكاب المعصية بفرك الاذن أو الضرب أو الحبس ونحو ذلك، وفي جواز هذه المرتبة من غير إذن الامام عليه السلام او نائبه اشكال، ولكل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف وأشد، والمشهور الترتب بين هذه المراتب، فإن كان اظهار الانكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه، وإلا أنكر باللسان، فإن لم يكف ذلك أنكره بيده، ولكن الظاهر أن القسمين الاولين في مرتبة واحدة فيختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما، وقد يلزمه الجمع بينهما. وأما القسم الثالث فهو مترتب على عدم تأثير الاولين، والاحوط بل الاقوى في الاقسام الثلاثة الترتيب بين مراتبها فلا ينتقل إلى الاشد الا اذا لم يكف الاخف ايذاء أو هتكا، وربما يكون بعض ما تتحقق به المرتبة الثانية اخف من بعض ما تتحقق به المرتبة الاولى، بل ربما يتمكن البصير الفطن ان يردع العاصي عن معصيته بما لا يوجب ايذاءه أو هتكه فيتعين ذلك.
المسألة 1273 : إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال إلى الجرح والقتل وجهان، بل قولان أقواهما العدم، وكذا إذا توقف على كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما، أو اعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما، فإن الاقوى عدم جواز ذلك، وإذا أدى الضرب إلى ذلك خطأ أو عمدا ـ فالاقوى ضمان الآمر والناهي لذلك، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية، إن كان عمدا، والخطأية إن كان خطأ. نعم يجوز للامام ونائبه ذلك إذا كان يترتب على معصية الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله، وحينئذ لا ضمان عليه.
المسألة 1274 : يتأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة إلى أهله، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها، بأن لا يأتوا بها على وجهها، لعدم صحة القراءة والاذكار الواجبة، أو لا يتوضأوا وضوءا صحيحا أو لا يطهروا أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدم، حتى يأتوا بها على وجهها، وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة والنميمة، والعدوان من بعضهم على بعض، أو على غيرهم، أو غير ذلك من المحرمات، فإنه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية، ولكن في جواز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الابوين بغير القول اللين وما يجري مجراه من المراتب المتقدمة نظر واشكال.
المسألة 1275 : إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق، وعلم أنه غير عازم على العود اليها لكنه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة، فإنها واجبة عقلا لحصول الامن من الضرر الاخروي بها، هذا مع التفات الفاعل إليها، أما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال، والاحوط استحبابا ذلك.
فائدة : قال بعض الاكابر قدس سره : إن من أعظم أفراد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدها، خصوصا بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالاخلاق الكريمة، وينزهها عن الاخلاق الذميمة، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف، ونزعهم المنكر، خصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكل مقام مقالا، ولكل داء دواء، وطب النفوس والعقول أشد من طب الابدان بمراتب كثيرة، وحينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ختام وفيه مطلبان : المطلب الاول : في ذكر امور هي من المعروف : منها : الاعتصام بالله تعالى، قال الله تعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) وروي عن ابي عبدالله عليه السلام أنه قال: ( أوحى الله عزوجل إلى داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والارض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن ).
ومنها : التوكل على الله سبحانه، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه والقادر على قضاء حوائجهم. وإذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل أعلى نفسه، أم على غيره مع عجزه وجهله ؟ قال الله تعالى: ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) وروي عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال : ( الغنى والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا ).
ومنها : حسن الظن بالله تعالى، فعن أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال : ( والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لان الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه ).
ومنها : الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله، قال الله تعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث انه قال : ( فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ) وعن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : ( لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان )، وعنه عليه السلام ايضا : ( الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك ).
ومنها : العفة، فعن ابي جعفر عليه السلام : ( ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج )، وعن ابي عبدالله عليه السلام : ( إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخالف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر ) عليه السلام.
ومنها : الحلم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( ما أعز الله بجهل قط، ولا إذل بحلم قط )، وعن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : ( أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل ) وعن الرضا عليه السلام أنه قال : ( لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما ).
ومنها : التواضع، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله تعالى ).
ومنها : انصاف الناس، ولو من النفس روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( سيد الاعمال انصاف الناس من نفسك، ومواساة الاخ في الله تعالى على كل حال ).
ومنها : اشتغال الانسان بعينه عن عيوب الناس، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( طوبى لمن شغله خوف الله عزوجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين ) وعنه صلى الله عليه وآله: ( إن أسرع الخير ثوابا البر، وإن أسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعينه ).
ومنها : إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : ( من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ).
ومنها : الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، روي عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال : ( من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وانطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام )، وروي ان رجلا قال لابي عبدالله عليه السلام : إني لا ألقاك إلا في السنين فاوصني بشئ حتى آخذ به ؟ فقال عليه السلام : ( أوصيك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وإياك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عزوجل لرسول الله صلى الله عليه وآله ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) وقال تعالى : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنما كان قوته من الشعير وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا اصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط ).
المطلب الثاني : في ذكر بعض الامور التي هي من المنكر : منها : الغضب. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل ) وعن أبي عبدالله انه قال : ( الغضب مفتاح كل شر ) وعن ابي جعفر عليه السلام انه قال : ( إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت ).
ومنها : الحسد، فعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام انهما قالا: ( إن الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب )، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال ذات يوم لاصحابه : ( إنه قد دب إليكم داء الامم من قبلكم، وهو الحسد ليس بحالق الشعر، ولكنه حالق الدين، وينجى فيه أن يكف الانسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن ).
ومنها : الظلم، روي عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال : ( من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده )، وروي عنه ايضا انه قال : ( ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم ).
ومنها : كون الانسان ممن يتقى شره، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ( شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم )، وعن ابي عبدالله عليه السلام انه قال : ( ومن خاف الناس لسانه فهو في النار ) وعنه عليه السلام أيضا : ( إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه ) ولنكتف بهذا المقدار.