وعي ولاية اللّه
وليس كل أحد يعي ولاية اللّه، وأكثر الناس ينعمون برعاية الله ونصره، ورزقه، وتأييده لهم، وتسديده إياهم، دون أن يعرفوا ذلك للّه، ودون أن يشكروا الله عليه.
وقليل من الناس من يعرف ولاية الله وهم أصحاب البصائر من المؤمنين، وأعز بشيء في نعم الله البصيرة، فإذا رزق الإنسان البصيرة; لمس يد الله تعالى في كل جزء من حياته، ولمس رحمة الله وتسديده إياه في كل منعطفات حياته، ولم يفقد رعاية الله وتدبيره وتوفيقه حيث يحتاجها.
والذين آتاهم الله البصيرة والمعرفة يعرفون يد الله تعالى ورعايته لهم وعطفه عليهم في أحلك الظروف وفي ظروف البأساء والضراء.
وقد يدخل الإنسان أزمة شديدة وضيقاً شديداً في حياته الفردية أو الاجتماعية، فحسب أن الله تعالى قد أوكله إلى نفسه، ونسيه، وحاشاه، وإنما يرى ما لا نراه من صلاح عبده.
ويحتاج الإنسان إلى درجة عالية من الوعي والمعرفة حتى يعلم أن اليد التي تعصر قلبه في المحن والشدائد يد أرحم الراحمين.
يقول تعالى: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم﴾
﴿فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً﴾
مفاتيح تحصيل ولاية اللّه
ويكسب الإنسان ولاية الله تعالى بالايمان، والصلاح والتقوى وهذه الثلاثة هي مفاتيح ولاية اللّه.
وكل من هذه الثلاثة يكسب الإنسان رعاية الله ورحمته وتسديده وتأييده وحفظه وستره.
يقول تعالى عن ولايته للمؤمنين: ﴿ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم﴾
وعن ولاية الله للصالحين يقول تعالى: ﴿إن وليّ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين﴾
وعن ولاية الله للعاملين يقول تعالى: ﴿لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون﴾
وعن ولاية الله للمتقين يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.
وهذه الرعاية والتدبير خاص بالمتقين، كما أن الله يبصّر المتقين بخطر الشيطان وينذرهم ويذكّرهم لئلا يقعوا في شراك الشيطان.
﴿إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾.
رعاية الله تعالى ليوسف الصديق وفي قصة يوسف بعد أن أعز الله تعالى يوسف الصديق، ونجّاه من نوائب الدهر وكيد اخوته قال له اخوته: ﴿أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين﴾
وقد نال يوسف الصديق(ع)هذه الرعاية والتأييد بالتقوى والصبر ﴿إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين﴾.
ولاية الله ورعايته لفتية الكهف
وفي قصة الفتية من أصحاب الكهف، يحدثنا القرآن بثلاثة أنماط من رعاية الله تعالى وتأييده وتسديده ورزقه لهم:
الرزق الأول: عندما آمنوا بالله وتجاوزوا سلطان الارهاب الذي فرضه عليهم الطاغوت في القصر فلما آمنوا بالله ; زادهم الله ايماناً وهدى.
يقول تعالى: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾
والرزق الثاني: لما قاموا ونهضوا في اجواء القصر برسالة الإيمان، وأعلنوا الإيمان، ودعوا أبناء القصر إلى الإيمان بالله، رزقهم الله رباطة الجأش، وسكون القلب، وشدَّ على قلوبهم، فلم يرهبهم الطاغية ببطشه وسطوته.
يقول تعالى: ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه الهاً لقد قلنا إذاً شططا﴾
وليس من شك أن هذه الخطوة في الإعلان عن الدعوة إلى توحيد اللّه، يحتاج إلى جرأة وشجاعة ورباط الجأش، ولكن الله تعالى عندما عرف منهم صدق النية والاحترام لم يكلهم إلى أنفسهم، وإنما ربط على قلوبهم، ورزقهم قوّة في القلب، ورباطاً في الجأش، وسكينة في النفس ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا...﴾.
الرزق الثالث: كان بعد أن اعتزلوا قومهم وقاطعوهم وآواهم الله إلى الكهف وضرب على آذانهم سنين عددا ونشر لهم ربهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا يقول تعالى: ﴿وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ الله فاووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً﴾
ولولا أنهم آمنوا لم يجدوا من عند الله هذه الزيادة في الهدى، ولولا أنهم قاموا ونهضوا برسالة التوحيد في القصر لم يجدوا من عند الله هذا الربط على القلب.
ولولا انهم اعتزلوا قومهم لم يجدوا من عند الله الايواء إلى الكهف، ولم يجدوا هذه الرحمة التي نشرها الله عليهم وهذا المرفق الذي هيّأه الله لهم.
وهم لم يؤمنوا، ولم يقوموا بدعوة التوحيد، ولم يعتزلوا قومهم بحول منهم وقوة منهم، ولكن بما آتاهم الله من الحول والقوة والوعي والمعرفة في أصل الخلق.
فلمّا آمنوا زادهم الله هدى.
ولما قاموا ربط الله على قلوبهم.
ولما اعتزلوا قومهم آواهم الله في الكهف ونشر لهم من رحمته، وهذه هي رعاية الله تعالى وتوفيقه وتأييده للصالحين من عباده، ووعده لهم بالتوفيق والتأييد: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾
العلاقة المتبادلة بين ولاية العبد للّه وولاية الله على عباده الولاية، كما ذكرنا من الألفاظ المتقابلة في اللغة العربية، يطلق على علاقة الله بعبده، وعلى علاقة العبد باللّه.
يقول تعالى في علاقة الله بعباده: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾
وعن علاقة العباد باللّه، يقول تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
وهذه العلاقة المتبادلة تجري في الايجاب والسلب معاً ففي الايجاب، يقول تعالى: ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾
والعلاقة بين الولايتين واضحة.
فإن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فهو من حزب الله.
وحزب الله هم أولياء اللّه، ينصرهم الله تعالى وهم الغالبون.
وفي الجانب السلبي كذلك تجري العلاقة التبادلية فمن يعادي الله يعاديه اللّه، ويسلب ولايته عنه، ومن يعرض عن ولاية الله يعرض الله تعالى عنه. يقول تعالى: ﴿ومن يتولَّ يعذبه عذاباً أليماً﴾
يعني من يتولى عن الله يسلب الله عنه ولايته ويعذبه عذاباً أليماً، ويقول تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون﴾
من يتول منكم عن الله فاولئك هم الظالمون.
وهذه هي العلاقة المعروفة بالعلاقة الجدلية أو (الدور المعي)، وهي من رقائق الثقافة القرآنية.
وقد ورد نظيرها في مواضع متعددة من القرآن من العلاقة بين الله تعالى وعباده في الجانب الايجابي والجانب السلبي معاً.
ففي الجانب الايجابي يقول تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾
﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾
وفي الجانب السلبي يقول تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾
﴿ومكروا مكراً ومكرنا مكراً﴾
وهذه العلاقة التبادلية تجري بين التقوى وولاية اللّه، فإن الله ولي المتقين.
يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ والمخرج من الأزمات والرزق من حيث لا يحتسب الإنسان من مصاديق ولاية الله.
وهذا أحد طرفي العلاقة.
والطرف الآخر للعلاقة علاقة المتقين باللّه، فإن المتقين أولياء اللّه، يقول تعالى: ﴿إن أولياؤه إلاّ المتقون﴾.
آثار ونتائج ولاية الله في النفس إذا عرف العبد أن الله تعالى مولاه ; يتولاه بالرعاية، ويرعاه، ويسدده، ويدبّر أموره، ولا يريد به إلاّ الخير، ولا يغيب العبد عن عين الله وسمعه، وهو تعالى حاضر، يسمعه ويراه في الشدّة والضراء، وأن ما يصيبه من الشدة فقضاء من الله وقدره، والله أرحم الراحمين بعباده... ﴿قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا هو مولانا﴾
عندئذ يسكن العبد ويطمئن إلى قضاء الله وقدره، ويقنع بما رزقه اللّه، ويصبر في الشدة والضراء والبأساء، ولا يفقد توازنه، واستقراره، وسكونه النفسي في الشدة والبلاء.
ويقول أمير المؤمنين(ع)عن أولياء اللّه: (في الزلازل وقور).
ويقول(ع): (نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء).
وقد ورد في الدعاء في الزيارة المعروفة بـ (أمين اللّه): (واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك.. صابرة عند نزول بلائك).
وهؤلاء يتوكلون على الله في أمورهم، ويثقون بتدبير الله تعالى لهم ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾.
ويفوضون أمورهم إلى الله ﴿وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد﴾.
وليس معنى التوكل والتفويض، الإهمال، بل الحزم والعمل جهد الامكان، وتفويض النتائج إلى اللّه.
ورد في الحديث القدسي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال: (قال اللّه: ما تحبّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وإنه ليتحبّب إلي بالنافلة، حتى اُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، ورجله التي يمشي بها. إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)
وورد نفس المضمون في رواية أخرى عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل(ع)قال: قال الله تبارك وتعالى: ﴿من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولابد له منه، وما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه. ولا يزال عبدي ينتهل إليّ حتى أُحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً وموئلاً. إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله العجب، ويفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم، ولو صححت جسمه لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك... إني أدبّر عبادي بعلى بقلوبهم فإني عليم خبير﴾
وليس كل أحد يعي ولاية اللّه، وأكثر الناس ينعمون برعاية الله ونصره، ورزقه، وتأييده لهم، وتسديده إياهم، دون أن يعرفوا ذلك للّه، ودون أن يشكروا الله عليه.
وقليل من الناس من يعرف ولاية الله وهم أصحاب البصائر من المؤمنين، وأعز بشيء في نعم الله البصيرة، فإذا رزق الإنسان البصيرة; لمس يد الله تعالى في كل جزء من حياته، ولمس رحمة الله وتسديده إياه في كل منعطفات حياته، ولم يفقد رعاية الله وتدبيره وتوفيقه حيث يحتاجها.
والذين آتاهم الله البصيرة والمعرفة يعرفون يد الله تعالى ورعايته لهم وعطفه عليهم في أحلك الظروف وفي ظروف البأساء والضراء.
وقد يدخل الإنسان أزمة شديدة وضيقاً شديداً في حياته الفردية أو الاجتماعية، فحسب أن الله تعالى قد أوكله إلى نفسه، ونسيه، وحاشاه، وإنما يرى ما لا نراه من صلاح عبده.
ويحتاج الإنسان إلى درجة عالية من الوعي والمعرفة حتى يعلم أن اليد التي تعصر قلبه في المحن والشدائد يد أرحم الراحمين.
يقول تعالى: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم﴾
﴿فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً﴾
مفاتيح تحصيل ولاية اللّه
ويكسب الإنسان ولاية الله تعالى بالايمان، والصلاح والتقوى وهذه الثلاثة هي مفاتيح ولاية اللّه.
وكل من هذه الثلاثة يكسب الإنسان رعاية الله ورحمته وتسديده وتأييده وحفظه وستره.
يقول تعالى عن ولايته للمؤمنين: ﴿ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم﴾
وعن ولاية الله للصالحين يقول تعالى: ﴿إن وليّ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين﴾
وعن ولاية الله للعاملين يقول تعالى: ﴿لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون﴾
وعن ولاية الله للمتقين يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.
وهذه الرعاية والتدبير خاص بالمتقين، كما أن الله يبصّر المتقين بخطر الشيطان وينذرهم ويذكّرهم لئلا يقعوا في شراك الشيطان.
﴿إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾.
رعاية الله تعالى ليوسف الصديق وفي قصة يوسف بعد أن أعز الله تعالى يوسف الصديق، ونجّاه من نوائب الدهر وكيد اخوته قال له اخوته: ﴿أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين﴾
وقد نال يوسف الصديق(ع)هذه الرعاية والتأييد بالتقوى والصبر ﴿إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين﴾.
ولاية الله ورعايته لفتية الكهف
وفي قصة الفتية من أصحاب الكهف، يحدثنا القرآن بثلاثة أنماط من رعاية الله تعالى وتأييده وتسديده ورزقه لهم:
الرزق الأول: عندما آمنوا بالله وتجاوزوا سلطان الارهاب الذي فرضه عليهم الطاغوت في القصر فلما آمنوا بالله ; زادهم الله ايماناً وهدى.
يقول تعالى: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾
والرزق الثاني: لما قاموا ونهضوا في اجواء القصر برسالة الإيمان، وأعلنوا الإيمان، ودعوا أبناء القصر إلى الإيمان بالله، رزقهم الله رباطة الجأش، وسكون القلب، وشدَّ على قلوبهم، فلم يرهبهم الطاغية ببطشه وسطوته.
يقول تعالى: ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه الهاً لقد قلنا إذاً شططا﴾
وليس من شك أن هذه الخطوة في الإعلان عن الدعوة إلى توحيد اللّه، يحتاج إلى جرأة وشجاعة ورباط الجأش، ولكن الله تعالى عندما عرف منهم صدق النية والاحترام لم يكلهم إلى أنفسهم، وإنما ربط على قلوبهم، ورزقهم قوّة في القلب، ورباطاً في الجأش، وسكينة في النفس ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا...﴾.
الرزق الثالث: كان بعد أن اعتزلوا قومهم وقاطعوهم وآواهم الله إلى الكهف وضرب على آذانهم سنين عددا ونشر لهم ربهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا يقول تعالى: ﴿وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ الله فاووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً﴾
ولولا أنهم آمنوا لم يجدوا من عند الله هذه الزيادة في الهدى، ولولا أنهم قاموا ونهضوا برسالة التوحيد في القصر لم يجدوا من عند الله هذا الربط على القلب.
ولولا انهم اعتزلوا قومهم لم يجدوا من عند الله الايواء إلى الكهف، ولم يجدوا هذه الرحمة التي نشرها الله عليهم وهذا المرفق الذي هيّأه الله لهم.
وهم لم يؤمنوا، ولم يقوموا بدعوة التوحيد، ولم يعتزلوا قومهم بحول منهم وقوة منهم، ولكن بما آتاهم الله من الحول والقوة والوعي والمعرفة في أصل الخلق.
فلمّا آمنوا زادهم الله هدى.
ولما قاموا ربط الله على قلوبهم.
ولما اعتزلوا قومهم آواهم الله في الكهف ونشر لهم من رحمته، وهذه هي رعاية الله تعالى وتوفيقه وتأييده للصالحين من عباده، ووعده لهم بالتوفيق والتأييد: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾
العلاقة المتبادلة بين ولاية العبد للّه وولاية الله على عباده الولاية، كما ذكرنا من الألفاظ المتقابلة في اللغة العربية، يطلق على علاقة الله بعبده، وعلى علاقة العبد باللّه.
يقول تعالى في علاقة الله بعباده: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾
وعن علاقة العباد باللّه، يقول تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
وهذه العلاقة المتبادلة تجري في الايجاب والسلب معاً ففي الايجاب، يقول تعالى: ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾
والعلاقة بين الولايتين واضحة.
فإن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فهو من حزب الله.
وحزب الله هم أولياء اللّه، ينصرهم الله تعالى وهم الغالبون.
وفي الجانب السلبي كذلك تجري العلاقة التبادلية فمن يعادي الله يعاديه اللّه، ويسلب ولايته عنه، ومن يعرض عن ولاية الله يعرض الله تعالى عنه. يقول تعالى: ﴿ومن يتولَّ يعذبه عذاباً أليماً﴾
يعني من يتولى عن الله يسلب الله عنه ولايته ويعذبه عذاباً أليماً، ويقول تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون﴾
من يتول منكم عن الله فاولئك هم الظالمون.
وهذه هي العلاقة المعروفة بالعلاقة الجدلية أو (الدور المعي)، وهي من رقائق الثقافة القرآنية.
وقد ورد نظيرها في مواضع متعددة من القرآن من العلاقة بين الله تعالى وعباده في الجانب الايجابي والجانب السلبي معاً.
ففي الجانب الايجابي يقول تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾
﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾
وفي الجانب السلبي يقول تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾
﴿ومكروا مكراً ومكرنا مكراً﴾
وهذه العلاقة التبادلية تجري بين التقوى وولاية اللّه، فإن الله ولي المتقين.
يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ والمخرج من الأزمات والرزق من حيث لا يحتسب الإنسان من مصاديق ولاية الله.
وهذا أحد طرفي العلاقة.
والطرف الآخر للعلاقة علاقة المتقين باللّه، فإن المتقين أولياء اللّه، يقول تعالى: ﴿إن أولياؤه إلاّ المتقون﴾.
آثار ونتائج ولاية الله في النفس إذا عرف العبد أن الله تعالى مولاه ; يتولاه بالرعاية، ويرعاه، ويسدده، ويدبّر أموره، ولا يريد به إلاّ الخير، ولا يغيب العبد عن عين الله وسمعه، وهو تعالى حاضر، يسمعه ويراه في الشدّة والضراء، وأن ما يصيبه من الشدة فقضاء من الله وقدره، والله أرحم الراحمين بعباده... ﴿قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا هو مولانا﴾
عندئذ يسكن العبد ويطمئن إلى قضاء الله وقدره، ويقنع بما رزقه اللّه، ويصبر في الشدة والضراء والبأساء، ولا يفقد توازنه، واستقراره، وسكونه النفسي في الشدة والبلاء.
ويقول أمير المؤمنين(ع)عن أولياء اللّه: (في الزلازل وقور).
ويقول(ع): (نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء).
وقد ورد في الدعاء في الزيارة المعروفة بـ (أمين اللّه): (واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك.. صابرة عند نزول بلائك).
وهؤلاء يتوكلون على الله في أمورهم، ويثقون بتدبير الله تعالى لهم ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾.
ويفوضون أمورهم إلى الله ﴿وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد﴾.
وليس معنى التوكل والتفويض، الإهمال، بل الحزم والعمل جهد الامكان، وتفويض النتائج إلى اللّه.
ورد في الحديث القدسي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال: (قال اللّه: ما تحبّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وإنه ليتحبّب إلي بالنافلة، حتى اُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، ورجله التي يمشي بها. إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)
وورد نفس المضمون في رواية أخرى عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل(ع)قال: قال الله تبارك وتعالى: ﴿من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولابد له منه، وما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه. ولا يزال عبدي ينتهل إليّ حتى أُحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً وموئلاً. إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله العجب، ويفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم، ولو صححت جسمه لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك... إني أدبّر عبادي بعلى بقلوبهم فإني عليم خبير﴾