العزة في الإسلام-2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العلوية ام موسى الاعرجي
    • Dec 2014
    • 1699

    العزة في الإسلام-2

    كيف يقاوم المؤمن العوامل الضاغطة؟
    إن الإنسان يواجه ضغوط داخلية، وهي: الأهواء، والشهوات، والشيطان، وعوامل خارجية وهي قوى الطاغوت بكل أشكالها الشرقية والغربية، وذيولهما فكيف يقاوم؟
    والجواب: إن الكلمة الطيبة على أقرب التفاسير هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) بشهادة صافية من كل شوائب الشرك تقطع كل خيوطه، وتطهر الإنسان من حب الدنيا، وتمنحه قوة الرفض والمواجهة، وترفع جميع عوامل الضعف من عالم النفس، وهذا الشعار الخالد يتكون من شطرين:
    الشطر الأول: من كلمة التوحيد هي نفي الحاكميات الوهمية في حياة الإنسان .
    الشطر الثاني : هي إيجاب وإثبات حاكمية الله تعالى، وليس من تفكيك بين الشطرين فهذه الشهادة فصل، ووصل فهي متكونة من (لا) و(نعم) فهذه الكلمة تصعد إلى الله تعالى فتشد الناطق بها إليه تعالى، وتفصله عن الطاغوت الداخلي والخارجي، وعندما تمتزج بوجدان المؤمن، وروحه وضميره... تصبح القوة الوحيدة المحركة له، ويكون الشاهد هو الشهادة، فالشهادة تتمثل بالشاهد فالشهادة بالرفض والإيجاب تصبح صبغة تصبغ كل حياة الإنسان، وأفضل تعبير لها هي (صبغة الله) لذلك فإن الموحد حين يعيها تمتزج الشهادة في كيانه الروحي أو المادي ,ويتفاعل معها حتى تصبح القوة الحاكمة الوحيدة له، وهذه الصبغة هي التي تُحول الشاهد إلى شهادة، والإنسان عندما يشهد ويقرُ بها يصبح هو الكلمة الطيبة، وهكذا صار المسيح (ع) (كلمة الله)، ومن هنا كان أئمتنا يقولون: (نحن كلمة الله) وهكذا يتحول المؤمن إلى كائن إلهي يسير على الأرض، ويجسد القوة، والصمود والصلابة بكل أشكالها أمام العوامل الضاغطة.
    وخلاصة الكلام شهادة (أن لا إله إلا الله) ترفع الإنسان من حضيض الأرض إلى نور السماء عندما تمتزج في كيانه ضميراً، وعاطفة، وفكراً، وشعوراً، وفعلاً، وانفعالاً، وحركةً، وسلوكاً، وترسم له منهجاً، ورؤيا، وطريقاً إلى الكمال، وهكذا يتجاوب معها كل كيانه بل تكون هي كيانه كما قال الإمام السجاد (ع) في مجلس يزيد، عندما قطع خطابه (ع) بالأذان فلما قال المؤذن: (أشهد أن لا إله إلا الله) قال الإمام السجاد (ع): (شهد بها شعري، وبشري، ولحمي، ودمي، ومخي، وعظمي) إذن كلمة الشهادة ملكت الإمام (ع) كاملاً وأصبحت كيانه الناطق، وشخصيته المقاومة...
    وأعظم تصوير للشهادة في تراثنا الإسلامي هي الصورة التي يصورها الإمام الحسين (ع) في زيارة عرفة، يقول في دعائه: (وأنا اشهد يا الهي بحقيقة إيماني، وعَقدُ عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصري، وأسارير صفحة جبيني، وخرق مسارب نفسي، وخذاريف مارِن عرنيني، ومسارب سماخ (صماخ) سمعي، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي وحركات لفظ لساني، ومغرز حنك فمي وفكي، ومنابت أضراسي، ومساغ مطعمي ومشربي، وحمالة أم رأسي، وبلوغ فارغ حبائل عنقي، وما اشتمل عليه تامور صدري، وحمائل حبل وتيني، ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي، وما حوته شراسيف أضلاعي، وحقائق مفاصلي، وقبض عواملي وأطراف أناملي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبشري، وعصبي، وقصبي، وعظامي، ومخي، وعروقي وجميع جوارحي، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي، وما أقلت الأرض مني، ونومي، ويقظتي وسكوني، وحركات ركوعي وسجودي)
    فإذا استطاع الإنسان أن يكون كذلك فسيصبح توحيداً متجسداً يمشي على الأرض... وعند ذلك تخلق الكلمة الطيبة الإنسان الطيب... ونذكر قصة عن يوسف (ع): (عندما أصبح يوسف (ع) عزيز مصر جلس في يوم ما على شرفة القصر، وكان جبريل معه فمر شاب، فقال جبريل: أتعرف هذا الشاب؟ قال: كلا، فقال جبريل: هذا هو الطفل الذي شهد لك بالبراءة فأرسل يوسف إليه، ولما حضر أكرمه، وصرفه، فتبسم جبريل، فقال يوسف: ما يضحكك؟ فقال: هذا شهد لك شهادة واحدة فكيف بمن شهدت له (أن لا إله إلا الله) طيلة عمرك فكيف يعذبك ويحرقك).
    نعم كيف يحرق الله قلباً عقد على شهادة (لا إله إلا الله) فإن النار لا تحرق جسداً بني على شهادة (أن لا إله إلا الله) وفي رواية: (لا إله إلا حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي...)
    وفي دعاء كميل لأمير المؤمنين (ع): (إلهي ومولاي! أتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة، وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفت بألوهيتك محققة، وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة وأشارت باستغفارك مذعنة).
    الكلمة أداة تغيير تُبرز ما في مكنون السر فالمسيح (ع) كلمة الله؛ لأنه أبرز مكنون الله في شخصيته، وعندما يحمل الإنسان كلمة التوحيد يكون السر المكنون للتوحيد.
    من خصائص الطيب الصعود دائماً كما أن من خصائص الخبيث السقوط حتى يركمه الله جميعاً في جهنم، فإذا أخلص الإنسان إلى الله في عمله فلا يحجبه عن الصعود شيء... ففي مسيرة العمل الصالح يصعد إلى الله، وبالعكس، سؤ الأعمال تهوي به إلى جهنم، إذن الإنسان كله طيب أو كله خبث، يقول مولوي: (أنت كلك قِيَم ما عدى هذه العظام والأعصاب، وليست هذه هي الإنسان وإنما الإنسان كله قيم إلهية، وهذه الأعصاب مَركب يحملك إلى الله فأنت من الله وإلى الله).
    فالإنسان إما كلمة الله، وأما حجارة سجيل، ويبقى الإنسان الطيب يصعد إلى الله بعمله حتى ينظر إليه، يقول تعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة)) (القيامة:22-23) فالأساس في حياة الإنسان هي الكلمة الطيبة (كلمة التوحيد) والعمل الصالح دوره دور الرافع، وهو إفراز لصاحبه.
يعمل...
X