((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ))
الآية المباركة جمعت كل معالم الدين الحنيف عقيدةً, وشريعةً, وأخلاقاً، ورسمت الخطوط العريضة للشخصية الإسلامية, وأرست القواعد الأساسية لها من حيث: الاعتقاد, والعمل، والأخلاق, أو قل من حيث التصور, والشعور, والأعمال, والسلوك, أو من حيث الفكر الإيماني، والممارسة الذاتية في العلاقة بالله تعالى, وبالناس, وبالنفس.
كل ذلك جاء تحت عنوان البر، وهو: (التوسع في فعل الخير, وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة, نحو: ((إنه هو البر الرحيم)) وإلى العبد تارة, فيقال: بَرَّ العبدُ ربَّه أي توسع في طاعته، فمِنَ الله تعالى الثوابُ, ومِنَ العبدِ الطاعةُ, وذلك ضربان: ضرب في الاعتقاد، وضرب في الأعمال, وقد اشتمل عليه قوله تعالى: ((ليس البر أن تولوا وجوهكم)) الآية, وعلى هذا ما روي أنَّه سئل عليه الصلاة والسلام عن البِرِّ، فتلا هذه الآية، فإنَّ الآية متضمنة للاعتقادِ، الأعمالِ الفرائضِ، والنوافلِ . وبِرُّ الوالدين التوسعُ في الإحسان إليهما، وضده العقوق قال تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم))، ويستعمل البر في الصدق؛ لكونه بعضَ الخير المتوسَّع فيه, يقال: بَرَّ في قوله، وبَرَّ في يمينه)
فالبر إذن يعني التوسع في فعل الخير والإحسان على شتى الأصعدة التي تتكون منها الشخصية الإسلامية، فهناك البر الفكري, والروحي, وهذا يستبطن البر الإيماني، وهناك البر العملي الذي يجعل دوافع العمل دوافع خير خالص دون مطلب ذاتي، وهناك البر الأخلاقي الذي يعطي الإيمان رونقاً جذاباً, والعمل طابعاً حسناً .
وبالجملة الآية الكريمة جامعة (لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها...)
(وهكذا تجمع آية واحدة بين أصول الاعتقاد, وتكاليف النفس والمال، وتجعلها كلاً لا يتجزأ، ووحدة لا تنفصم، وتضع على هذا كلِّه عنواناً واحداً هو (البر) أو هو (جماع الخير) أو هو (الإيمان) كما ورد في بعض الأثر)
وجاء هذا العرض لا بنحو فكرة مجردة, بل عرضت الأفكار من خلال الأشخاص النموذجيين ذوي الإيمان الكامل, ولهذا جاء في الحديث عن النبي (ص): (من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان)
وعرضت الآية لكل مفردة من مفردات البر بشكل مجسد واضح؛ لتُكَوِّن بمجموعها معالم الرسالة في شخصيتها الناطقة... فعلى صعيد البر الإيماني جاءت المفردات متتالية:
الإيمان بالله تعالى: الذي هو أساس البر, وهو الشعور العميق بالارتباط والاتصال بالواحد المطلق, والإحساس بهيمنة القدرة المطلقة, العادلة, الرحيمة, الرؤوفة, الغنية, وبذلك يشعر المؤمن بمسؤوليته أمام تلك القوة التي ترقبه, وتعلم ما في ضميره , وتمده بالعون, والتسديد، والتأييد.
ثم الإيمان باليوم الآخر الذي يجعله يشعر بأنَّه يسير نحو ميدان الحساب الذي يسأل به عن أعماله وأقواله, ويجعله يشعر بأنَّ تلك الأعمال والأقوال هي التي تقرر مصيره، إمّا إلى سعادة أبدية أو شقاء أبدي, وبذلك يتعمق في نفسه الشعور بالمسؤولية عن أعماله، وأقواله، ومواقفه.
ثم الإيمان بالملائكة: الذي يضع الإنسان أمام عالم الغيب غير المرئي، المليء بجنود الله النورانيين الواقع تحت رقابتهم بأمر الله ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))
ومن الإيمان بالملائكة لا بد وأن نفهم دورهم الذي حدده الله لهم، فهم عباد مكرمون يعملون بأمر الله تعالى، وهم (وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلا وللملائكة فيها شأن, وعليها ملك موكل أو ملائكة موكلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات, وليس لهم في ذلك شأن إلا إجراء الأمر الإلهي في مجراه، أو تقريره في مستقره كما قال تعالى: ((لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)) )، ولا يستقلون بعمل, ولا يغيرون أمراً من أوامر الله تعالى, ولا يعصون الله ما أمرهم, ويفعلون ما يؤمرون, وهم على مراتب منهم الآمر ومنهم المأمور, يقول تعالى عنهم: ((وما منا إلا له مقام معلوم))
وبما أنَّهم يعملون بأمر الله تعالى وإرادته، فلا يغفلون عن أمر من أوامره تعالى, وخلاصة القول: إنَّهم وسائط في التدبير، فهم رسل لله يحملون رسالته إلى أنبيائه ((الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير))، ويمد بهم المؤمنين في ساعة العسرة ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين))، وهم يثبتون المؤمنين في الساعات الحرجة: ((إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا))
وهم يتوفون الأنفس أي يقبضونها ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً))
فعندما يعيش المؤمن هذه المشاعر الإيمانية بالملائكة في التدبير، والتوفي، والاستقبال يصبح الإيمان ذا بعد عميق في النفس، حيث يشعر بالرقابة، والمسؤولية أمام الله تعالى وجنوده.
((ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً))
ثم الإيمان بالكتاب: الذي يعني بالرسالة الإلهية الواحدة التي تنزلت في عهود جميع النبوات، والتي أوحاها إلى أنبيائه ورسله قبل أن تمسها يد التحريف, وعلى رأسها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والإيمان بالنبيين: من آدم (ع) حتى محمد (ص) وهذا يمثل وحدة الرسالة على طول خط التاريخ البشري, وهؤلاء الأنبياء لا اختلاف بينهم ولا فرق ((لا نفرق بين أحد من رسله))
(وأديان السماء كافة - في رأي الإسلام- دين إلهي واحد، وضع بوضع الشريعة الأولى، واكتمل باكتمال الشريعة الأخيرة, ولم يختلف إلا بما تفرضه سنة التطور في التشريع, ولم يتبدل إلا بما يقتضيه سير الحكمة وحاجة المجتمع، فدين الله هذا الذي أرسل به رسوله الأكبر (ص) هو - بذاته - دين الله الذي أوصى به أنبياءه السالفين, وفرض على الناس أنْ يقيموه ونهاهم أن يتفرقوا فيه: ((شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه))
وقد جرى الإسلام على هذه الفكرة لما لازم بين أديان السماء في العقيدة وربط ما بينها في الإيمان, فالمؤمن لن يكون مؤمناً حقاً حتى يصدّق بكل من بعث الله من نبي، وبكل ما أنزل إلى الأنبياء من كتاب، وبكل ما أوحى إليهم من شريعة: ((يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً))
((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)) )
ثم يأتي البر العملي الذي تمثله الآية الكريمة في العطاء المالي أولاً للفقراء والمساكين والأعمال العبادية المهمة وهي إقامة الصلاة, وبذلك يترابط الجانب العبادي بشقيه العلاقة مع الله والعلاقة مع الناس.
فالعطاء هو انتصار على حب المال الذي هو أحد الغرائز المهمة في النفس الإنسانية.
ثم يأتي البر الأخلاقي، وتمثله الآية الكريمة في:
1- الوفاء بالعهد: وهو أصدق مصاديق الانضباط الأخلاقي, والإحساس بمسؤولية الكلمة وقدسيتها.
2- الصبر: الذي يعتبر العمود الفقري لبقية الأعمال والأحوال التي تحتاج إلى الصبر على مختلف وجهاتها سواء في الصبر على النعمة, وحفظ النفس من البطر, والغرور, أو الصبر في الضراء, وحفظ النفس من الانهيار, أو الصبر على الطاعة, أو الصبر عن المعصية... وهكذا في جميع الأحوال.
3- الصدق: الصدق في الاعتقاد, والصدق في العمل, والصدق في حسن الأخلاق, فإذا توفرت كل هذه الخصال الوفاء, والصبر, والصدق تحقق الكمال الإنساني, وهو التقوى:
((أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون))
وبهذه المعالم الاعتقادية, والعملية, والأخلاقية, تكتمل تمامية البر, وتشخيص الصورة الواقعية للشخصية الرسالية المتقية ((أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون))
الآية المباركة جمعت كل معالم الدين الحنيف عقيدةً, وشريعةً, وأخلاقاً، ورسمت الخطوط العريضة للشخصية الإسلامية, وأرست القواعد الأساسية لها من حيث: الاعتقاد, والعمل، والأخلاق, أو قل من حيث التصور, والشعور, والأعمال, والسلوك, أو من حيث الفكر الإيماني، والممارسة الذاتية في العلاقة بالله تعالى, وبالناس, وبالنفس.
كل ذلك جاء تحت عنوان البر، وهو: (التوسع في فعل الخير, وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة, نحو: ((إنه هو البر الرحيم)) وإلى العبد تارة, فيقال: بَرَّ العبدُ ربَّه أي توسع في طاعته، فمِنَ الله تعالى الثوابُ, ومِنَ العبدِ الطاعةُ, وذلك ضربان: ضرب في الاعتقاد، وضرب في الأعمال, وقد اشتمل عليه قوله تعالى: ((ليس البر أن تولوا وجوهكم)) الآية, وعلى هذا ما روي أنَّه سئل عليه الصلاة والسلام عن البِرِّ، فتلا هذه الآية، فإنَّ الآية متضمنة للاعتقادِ، الأعمالِ الفرائضِ، والنوافلِ . وبِرُّ الوالدين التوسعُ في الإحسان إليهما، وضده العقوق قال تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم))، ويستعمل البر في الصدق؛ لكونه بعضَ الخير المتوسَّع فيه, يقال: بَرَّ في قوله، وبَرَّ في يمينه)
فالبر إذن يعني التوسع في فعل الخير والإحسان على شتى الأصعدة التي تتكون منها الشخصية الإسلامية، فهناك البر الفكري, والروحي, وهذا يستبطن البر الإيماني، وهناك البر العملي الذي يجعل دوافع العمل دوافع خير خالص دون مطلب ذاتي، وهناك البر الأخلاقي الذي يعطي الإيمان رونقاً جذاباً, والعمل طابعاً حسناً .
وبالجملة الآية الكريمة جامعة (لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها...)
(وهكذا تجمع آية واحدة بين أصول الاعتقاد, وتكاليف النفس والمال، وتجعلها كلاً لا يتجزأ، ووحدة لا تنفصم، وتضع على هذا كلِّه عنواناً واحداً هو (البر) أو هو (جماع الخير) أو هو (الإيمان) كما ورد في بعض الأثر)
وجاء هذا العرض لا بنحو فكرة مجردة, بل عرضت الأفكار من خلال الأشخاص النموذجيين ذوي الإيمان الكامل, ولهذا جاء في الحديث عن النبي (ص): (من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان)
وعرضت الآية لكل مفردة من مفردات البر بشكل مجسد واضح؛ لتُكَوِّن بمجموعها معالم الرسالة في شخصيتها الناطقة... فعلى صعيد البر الإيماني جاءت المفردات متتالية:
الإيمان بالله تعالى: الذي هو أساس البر, وهو الشعور العميق بالارتباط والاتصال بالواحد المطلق, والإحساس بهيمنة القدرة المطلقة, العادلة, الرحيمة, الرؤوفة, الغنية, وبذلك يشعر المؤمن بمسؤوليته أمام تلك القوة التي ترقبه, وتعلم ما في ضميره , وتمده بالعون, والتسديد، والتأييد.
ثم الإيمان باليوم الآخر الذي يجعله يشعر بأنَّه يسير نحو ميدان الحساب الذي يسأل به عن أعماله وأقواله, ويجعله يشعر بأنَّ تلك الأعمال والأقوال هي التي تقرر مصيره، إمّا إلى سعادة أبدية أو شقاء أبدي, وبذلك يتعمق في نفسه الشعور بالمسؤولية عن أعماله، وأقواله، ومواقفه.
ثم الإيمان بالملائكة: الذي يضع الإنسان أمام عالم الغيب غير المرئي، المليء بجنود الله النورانيين الواقع تحت رقابتهم بأمر الله ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))
ومن الإيمان بالملائكة لا بد وأن نفهم دورهم الذي حدده الله لهم، فهم عباد مكرمون يعملون بأمر الله تعالى، وهم (وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلا وللملائكة فيها شأن, وعليها ملك موكل أو ملائكة موكلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات, وليس لهم في ذلك شأن إلا إجراء الأمر الإلهي في مجراه، أو تقريره في مستقره كما قال تعالى: ((لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)) )، ولا يستقلون بعمل, ولا يغيرون أمراً من أوامر الله تعالى, ولا يعصون الله ما أمرهم, ويفعلون ما يؤمرون, وهم على مراتب منهم الآمر ومنهم المأمور, يقول تعالى عنهم: ((وما منا إلا له مقام معلوم))
وبما أنَّهم يعملون بأمر الله تعالى وإرادته، فلا يغفلون عن أمر من أوامره تعالى, وخلاصة القول: إنَّهم وسائط في التدبير، فهم رسل لله يحملون رسالته إلى أنبيائه ((الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير))، ويمد بهم المؤمنين في ساعة العسرة ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين))، وهم يثبتون المؤمنين في الساعات الحرجة: ((إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا))
وهم يتوفون الأنفس أي يقبضونها ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً))
فعندما يعيش المؤمن هذه المشاعر الإيمانية بالملائكة في التدبير، والتوفي، والاستقبال يصبح الإيمان ذا بعد عميق في النفس، حيث يشعر بالرقابة، والمسؤولية أمام الله تعالى وجنوده.
((ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً))
ثم الإيمان بالكتاب: الذي يعني بالرسالة الإلهية الواحدة التي تنزلت في عهود جميع النبوات، والتي أوحاها إلى أنبيائه ورسله قبل أن تمسها يد التحريف, وعلى رأسها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والإيمان بالنبيين: من آدم (ع) حتى محمد (ص) وهذا يمثل وحدة الرسالة على طول خط التاريخ البشري, وهؤلاء الأنبياء لا اختلاف بينهم ولا فرق ((لا نفرق بين أحد من رسله))
(وأديان السماء كافة - في رأي الإسلام- دين إلهي واحد، وضع بوضع الشريعة الأولى، واكتمل باكتمال الشريعة الأخيرة, ولم يختلف إلا بما تفرضه سنة التطور في التشريع, ولم يتبدل إلا بما يقتضيه سير الحكمة وحاجة المجتمع، فدين الله هذا الذي أرسل به رسوله الأكبر (ص) هو - بذاته - دين الله الذي أوصى به أنبياءه السالفين, وفرض على الناس أنْ يقيموه ونهاهم أن يتفرقوا فيه: ((شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه))
وقد جرى الإسلام على هذه الفكرة لما لازم بين أديان السماء في العقيدة وربط ما بينها في الإيمان, فالمؤمن لن يكون مؤمناً حقاً حتى يصدّق بكل من بعث الله من نبي، وبكل ما أنزل إلى الأنبياء من كتاب، وبكل ما أوحى إليهم من شريعة: ((يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً))
((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)) )
ثم يأتي البر العملي الذي تمثله الآية الكريمة في العطاء المالي أولاً للفقراء والمساكين والأعمال العبادية المهمة وهي إقامة الصلاة, وبذلك يترابط الجانب العبادي بشقيه العلاقة مع الله والعلاقة مع الناس.
فالعطاء هو انتصار على حب المال الذي هو أحد الغرائز المهمة في النفس الإنسانية.
ثم يأتي البر الأخلاقي، وتمثله الآية الكريمة في:
1- الوفاء بالعهد: وهو أصدق مصاديق الانضباط الأخلاقي, والإحساس بمسؤولية الكلمة وقدسيتها.
2- الصبر: الذي يعتبر العمود الفقري لبقية الأعمال والأحوال التي تحتاج إلى الصبر على مختلف وجهاتها سواء في الصبر على النعمة, وحفظ النفس من البطر, والغرور, أو الصبر في الضراء, وحفظ النفس من الانهيار, أو الصبر على الطاعة, أو الصبر عن المعصية... وهكذا في جميع الأحوال.
3- الصدق: الصدق في الاعتقاد, والصدق في العمل, والصدق في حسن الأخلاق, فإذا توفرت كل هذه الخصال الوفاء, والصبر, والصدق تحقق الكمال الإنساني, وهو التقوى:
((أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون))
وبهذه المعالم الاعتقادية, والعملية, والأخلاقية, تكتمل تمامية البر, وتشخيص الصورة الواقعية للشخصية الرسالية المتقية ((أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون))