الكلام في العدل كلام في أحكام أفعاله وما يتعلق بها من أفعال خلقة، والحكم بجميعها بالحسن، ويتقدم أمام ذلك الحسن والقبيح والطريق إلى العلم بهما، ويلي ذلك أحكام الأفعال.
مسألة: في الحسن والقبيح
الحسن: ما يستحق به المدح مع القصد إليه، وينقسم إلى: واجب، وندب، وإحسان. فالواجب هو: ما يستحق به المدح وبأن لا يفعل ولاما يقوم مقامه الذم، وينقسم إلى: واجب مضيق لا بدل منه، وإلى ماله بدل، وإلى ما يختص كل عين، وما هو على الكفاية، وإلى ما يتعين، وإلى ما لا يتعين. والندب هو: ما يستحق به المدح ولا ذم على تركه، وهو مختص بالفاعل. والاحسان هو: ما قصد به فاعله الأنعام على غيره، ومن حقه تعلقه بغير الفاعل، ويستحق فاعله المدح لحسنه والشكر على المنعم عليه، وصفة الحسن مشترطة في جميع أجناسه بانتفاء وجوب القبح. والقبيح هو: ما يستحق به الذم، وينقسم إلى فعل قبيح كالظلم، وإخلال بواجب كالعدل، بشرط إمكان العلم بوجوب الشئ وقبحه. والحسن والقبح على ضربين: عقلي، وشرعي. فالشرعي: كالصلاة، والزكاة، والزنا، والربا. والعقلي: العدل، والصدق، وشكر المنعم، والظلم، والكذب، والخطر. ولا خلاف في أن الطريق إلى العلم بحسن الشرعيات وقبحها السمع، وإن كان الوجه الذي له كانت كذلك متعلقا بالعقليات. والخلاف في العدل والصدق والظلم والكذب وما يناسب ذلك، فالمجبرة تدعي اختصاص طريق العلم به السمع، والصحيح اختصاصه بالعقول. والعلم به على وجهين: ضروري، ومكتسب. فالضروري هو: العلم على الجملة بقبح كل ضرر عري من نفع يوفى عليه، ودفع ضرر أعظم، أو استحقاق، أو على جهة المدافعة، وبكل خبر بالشيء على ما هو به، إلا وجوب شكر كل نعمة. والمكتسب هو: العلم بضرر معين بهذه الصفة، وخبر معين، وكون فعل معين شكر النعمة. وقلنا: إن الأول ضروري، لعمومه كافة العقلاء، وحصوله ابتداء على وجه لا يمكن العالم إخراج نفسه عنه بشبهة، كالعلم بالمشاهدات، ولو كان مكتسبا لوقف على مكتسبه، فاختص ببعض العقلاء، وأمكن إدخال الشبهة فيه كسائر العلوم المكتسبة. وليس لا حد أن يقدح في هذا بخلاف المجبرة. لأن المجبرة لا تنازع في حصول هذا العلم لكل عاقل، وهو البرهان على كونه ضروريا، ودخول الشبهة عليهم بأنه معلوم بالسمع تسقط، لعمومته العقلاء من دان منهم بالسمع وأنكره، وبمخالفته السمعيات بدخول الشبهة فيها وبعده عنها، وبحصول الشك في جميع السمعيات بالشك في النبوة وارتفاع الريب بقبح العقليات والحال هذه، وبكون السمع المؤثر للحسن والقبح معدوما في حال وقوع الحسن والقبح من المكلف، مع استحالة تأثير المعدوم ووجوب تعلق بما أثر فيه على آكد الوجوه، وبعدم السمع المدعى تأثيره في أفعالنا، لاختصاصه به تعالى. وإسناد ذلك إلى الميل والنفور ظاهر الفساد، لاختلاف العقلاء فيما يتعلق بالميل والنفور، واتفاقهم على قبح الظلم والكذب وحسن الصدق والعدل، ولأن الميل والنفور يختصان المدركات وقد نعلم قبح ما لا ندركه، ولأنا قد نعلم قبح كثير مما نميل إليه وحسن كثير مما ننفر عنه، ولأنا نعلم ضرورة استحقاق فاعل العدل والصدف المدح وفاعل الظلم والكذب الذم، ولا يجوز إسناد ذلك إلى الميل والنفور المختصان به تعالى، وقبح ذم الغير ومدحه على ما لم يفعله. وقلنا: إن التفصيل مكتسب، لوقوف حصوله لمن علم الجمل، ولو كان ضروريا لجاز حصوله من دونها.
تعليق