مسألة: في كونه تعالى متكلما
وهو تعالى متكلم، وكلامه فعله. وأولى ما حد به الكلام أن يقال: هو ما تالف من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة، إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة. الدلالة على ذلك: أنه متى تكاملت هذه الصفات كان كلاما، وإن اختل شئ منها لم يكن كلاما. وإذا ثبت أنه من جنس الصوت، وعلمنا ضرورة تجدده بعد عدم - لإدراكنا له بعد أن كنا غير مدركين له، وعدمه بعد وجوده، لانتفاء كونه مدركا في الثاني من حال إدراكه، إذ لو كان باقيا لاستقر إدراكنا له - فثبت أنه محدث. والمتكلم من فعل الكلام، بدليل وقوعه بحسب أحواله. وإذا ثبت حدوث الكلام وكونه من دخل المتكلم، وجب أن يكون تعالى قادرا عليه، لكونه قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والكلام كذلك. والطريق إلى العلم بكونه متكلما هو السمع، وقد علمنا ضرورة من دين النبي عليه السلام أن القرآن كلامه تعالى، وإذا ثبت كونه تعالى متكلما وجب أن يكون كلامه فعله، لثبوت الاشتراك فيما له كان المتكلم متكلما، ولأن كلامه تعالى من جنس الصوت، وهو محدث، فيجب كونه محدثا، ولأنه خطاب لمخاطبين، فلو كان قديما لكان ما فيه من الأخبار الماضية كذبا وباقي الأخبار والأوامر والنواهي عبثا، وهو يتعالى عن ذلك، ولأنه قد أخبر أنه محدث، فقال: ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث )، و ( من الرحمن محدث ). وقول المخالف: إن القديم هو ما هذا الكلام حكاية عنه. ظاهر الفساد، لأنا قد بينا أن الكلام من جنس الأصوات، وهي محدثة، فيجب الحكم بحدوث كل كلام، لكونه صوتا، وما ليس بصوت لا يكون كلاما. ولأن ما هذا القرآن حكاية عنه لا يخلو أن يكون من جنس هذا الكلام أو مخالفا له، فإن يكن من جنسه فحكمه حكمه في الحدوث، وإن كان من غير جنسه لم يجز أن يكون هذا القرآن حكاية له، لأن الشئ لا يكون حكاية لما ليس مثلا له، ولمن جاز أن يكون هذا المتلو حكاية لما ليس من جنسه ليجوزن ذلك في أصوات الطير، بل في كل جنس من الأعراض، فيوصف بأنه قرآن، وهذا ضلال. ولأن ذلك يقتضي أن لا يوصف هذا بأنه قرآن ولا كلام الله تعالى، لأنه ليس بكلام الله ولا هو القرآن، وإنما القرآن خلافه، وهذا كفر، وقد وصف الله تعالى هذا المتلو بأنه قرآن وكلامه وأنه منزل من لدنه، وكل ذلك يقضي بفساد ما قالوه. والقرآن وإن كان محدثا، فوصفه بأنه مخلوق بدعة، وإن كان المعنى واحدا، لأمور: منها: أنه لا يوجد هذا الاسم في كتاب ولا سنة، بل الوصف له مختص بالأحداث. ومنها: أن وصف الكلام بأنه مخلوق يفيد: مكذوب، يقال: هذا كلام مخلوق ومختلق ومخترق ومفتعل بمعنى مكذوب، ومنه قوله: ( وخرقوا له بنين وبنات )، وقوله: ( إن هذا إلا خلق الأولين كه، وإذا كان إطلاق الخلق على الكلام يفيد الكذب وجب تنزيه كلامه تعالى عن هذا الوصف. ومنها ما روي عن أئمتنا عليهم السلام من القول بتبديع من وصفه بالخلق.
مسألة: في الجبر والاختيار
والتأثيرات الواقعة من جهة العباد مباشرها ومتولدها هم المحدثون لها دونه. وقالت المجبرة بأسرها: إن المتولد من فعل الله تعالى. وقال جهم في المباشر ما قاله في المتولد. وقال النجار: هو فعل القديم والمحدث. وقال الأشعري: هو من فعل الله تعالى خلق ومن العبد كسب. والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: وجوب وقوعها بحسب أحوال من وقعت منه، ولو كانت فعلا لغيره من قديم أو محدث لاختلف الحال. وليس لأحد أن يقول: إذا كان القديم تعالى قادرا على إيجادها مطابقة لأحوالكم، فما المانع من كونها فعلا له ؟ لأن الوجوب يمنع من ذلك. ولأن إثباته تعالى فرع لا ثبات محدث في الشاهد، فلا يصح ممن نفى محدثا في الشاهد أن يثبت غائبا. ولأن إضافة الفعل إلى فاعل لا تمكن إلا بوقوعه بحسب أحواله، فلا يجوز نفيه عمن يعلم تعلقه به على هذا الوجه، وإضافته إلى من لا تعلق بينه وبينه، وهو لو كان فعلا له لم يكن كذلك إلا لوقوعه منه على هذا الوجه. وأيضا فمعلوم حسن الأمر والنهي وتوجه المدح والذم إلى من تعلق به التأثير الحسن والقبيح، ولا يجوز إسناد ذلك إلى الكسب لكونه غير معقول، بدليل تكرير المكالة لمدعيه والمطالبة بإفهامه وارتفاع العلم بحقيقته. ولأن ذلك ينتقض بالمتولد، كما نعلم حسن الأمر واللهي بالمباشر وتوجه المدح والذم عليه، يعلم مثل ذلك في المتولد، وهو كاف في صحة الاستدلال على كون العبد فاعلا، لأن إضافة المتولد إلى إحداثه يقتضي إضافة المباشر بغير شبهة. وإذا ثبت كونه قادرا لحاجة الفعل في وقوعه إلى كون فاعله قادرا فهو قادر بقدرة، لتجدد كونه كذلك بعد أن لم يكن، وخروجه عن ذلك وأحواله على ما كانت عليه، ولتزايد مقدورات بعضنا على بعض. وهي من فعل الله تعالى، ليوفر دواعينا في أحوال الحاجة، وتعذرها لا لوجه، ومن حكمها إيجاب حالة المختار وتصحيح الفعل من الحي بدليل تعذره مع انتفائها. ومن صفتها أن لا يصح بها الفعل إلا مع استعمال محلها، بدليل تعذر الاختراع علينا، ووقوف تأثيرها على المشارة لمحلها أو لما ماسته. وهي قدرة على الضدين، لصحة تصرف كل قادر في الجهات المتضادة، ولو كان ذلك عن قدرتين لصح انتفاء إحداهما، فيوجد قادر لا يصح منه التصرف في الجهات، والمعلوم خلاف ذلك. وتأثيرها مختص بالأحداث، بدليل ثبوت صفة القدم من دونها وتعذر إيجاد الموجود، ولأن المتجدد عند القصد إلى المقدور من صفاته هو الحدوث، وهي متقدمة للفعل، لاختصاص تأثيرها بالأحداث، فيجب أن تكون موجودة في حال عدمه، ولأن الحاجة إليها ليخرج بها الفعل من العدم إلى الوجود، فإذا وجد استحال تعلقه بها، ولا فرق في استغنائه عنها بوجوده بين أول حال وثانيها، ولأنا قد دللنا على تعلقها بالضدين، فلو كانت مصاحبة لهما مع كونها موجبة عندهم لاقتضى ذلك اجتماع الضدين وهو محال. ولا يجوز حدوث الفعل على وجهين، لأن ذلك لو جاز بقادر أو قادرين لصح تفريقهما، لأن القادر على جمع الصفتين قادر على تفريقهما، وذلك يقتضي فعل أحدهما في حال الحدوث والآخر في حال البقاء، وفيه إيجاد الموجود مع استحالته. وأيضا وصفه الحدوث لا يتزايده إذ لو كان الفعل صفة زائدة على مجرد حدوثه لوجب أن يكون لها حكم زائد على الأولى، ونحن نعلم أنه لا حكم للمحدث ولا صفة يزيد على كونه محدثا، لأن الأحكام كلها المشار إليها مع صفة زائدة حاصلة مع الأولى، فلا يجوز إثبات مما لا فرق بين إثباته ونفيه. ولا يجوز حدوث مقدور واحد بقادرين ولا قدرتين، لأنه لو كان لا يمتنع أن يتوفر دواعي أحدهما إليه وصوارف الآخر عنه، فإن وقع اقتضى إضافته إلى من يجب نفيه عنه، وإن ارتفع اقتضى نفيه عمن وجب إضافته إليه، وكونه بقدرتين يصح انتفاء إحداهما، فإن وقع فبقدرة معدومة وإن ارتفع خرجت الأخرى من كونها قدرة عليه، وكلاهما محال، وإذا استحال مقدور واحد بقادرين أو قدرتين وتجدده على وجهين فسد مذهب النجار والأشعري، لكونهما مبنيين على ذلك.
وهو تعالى متكلم، وكلامه فعله. وأولى ما حد به الكلام أن يقال: هو ما تالف من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة، إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة. الدلالة على ذلك: أنه متى تكاملت هذه الصفات كان كلاما، وإن اختل شئ منها لم يكن كلاما. وإذا ثبت أنه من جنس الصوت، وعلمنا ضرورة تجدده بعد عدم - لإدراكنا له بعد أن كنا غير مدركين له، وعدمه بعد وجوده، لانتفاء كونه مدركا في الثاني من حال إدراكه، إذ لو كان باقيا لاستقر إدراكنا له - فثبت أنه محدث. والمتكلم من فعل الكلام، بدليل وقوعه بحسب أحواله. وإذا ثبت حدوث الكلام وكونه من دخل المتكلم، وجب أن يكون تعالى قادرا عليه، لكونه قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والكلام كذلك. والطريق إلى العلم بكونه متكلما هو السمع، وقد علمنا ضرورة من دين النبي عليه السلام أن القرآن كلامه تعالى، وإذا ثبت كونه تعالى متكلما وجب أن يكون كلامه فعله، لثبوت الاشتراك فيما له كان المتكلم متكلما، ولأن كلامه تعالى من جنس الصوت، وهو محدث، فيجب كونه محدثا، ولأنه خطاب لمخاطبين، فلو كان قديما لكان ما فيه من الأخبار الماضية كذبا وباقي الأخبار والأوامر والنواهي عبثا، وهو يتعالى عن ذلك، ولأنه قد أخبر أنه محدث، فقال: ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث )، و ( من الرحمن محدث ). وقول المخالف: إن القديم هو ما هذا الكلام حكاية عنه. ظاهر الفساد، لأنا قد بينا أن الكلام من جنس الأصوات، وهي محدثة، فيجب الحكم بحدوث كل كلام، لكونه صوتا، وما ليس بصوت لا يكون كلاما. ولأن ما هذا القرآن حكاية عنه لا يخلو أن يكون من جنس هذا الكلام أو مخالفا له، فإن يكن من جنسه فحكمه حكمه في الحدوث، وإن كان من غير جنسه لم يجز أن يكون هذا القرآن حكاية له، لأن الشئ لا يكون حكاية لما ليس مثلا له، ولمن جاز أن يكون هذا المتلو حكاية لما ليس من جنسه ليجوزن ذلك في أصوات الطير، بل في كل جنس من الأعراض، فيوصف بأنه قرآن، وهذا ضلال. ولأن ذلك يقتضي أن لا يوصف هذا بأنه قرآن ولا كلام الله تعالى، لأنه ليس بكلام الله ولا هو القرآن، وإنما القرآن خلافه، وهذا كفر، وقد وصف الله تعالى هذا المتلو بأنه قرآن وكلامه وأنه منزل من لدنه، وكل ذلك يقضي بفساد ما قالوه. والقرآن وإن كان محدثا، فوصفه بأنه مخلوق بدعة، وإن كان المعنى واحدا، لأمور: منها: أنه لا يوجد هذا الاسم في كتاب ولا سنة، بل الوصف له مختص بالأحداث. ومنها: أن وصف الكلام بأنه مخلوق يفيد: مكذوب، يقال: هذا كلام مخلوق ومختلق ومخترق ومفتعل بمعنى مكذوب، ومنه قوله: ( وخرقوا له بنين وبنات )، وقوله: ( إن هذا إلا خلق الأولين كه، وإذا كان إطلاق الخلق على الكلام يفيد الكذب وجب تنزيه كلامه تعالى عن هذا الوصف. ومنها ما روي عن أئمتنا عليهم السلام من القول بتبديع من وصفه بالخلق.
مسألة: في الجبر والاختيار
والتأثيرات الواقعة من جهة العباد مباشرها ومتولدها هم المحدثون لها دونه. وقالت المجبرة بأسرها: إن المتولد من فعل الله تعالى. وقال جهم في المباشر ما قاله في المتولد. وقال النجار: هو فعل القديم والمحدث. وقال الأشعري: هو من فعل الله تعالى خلق ومن العبد كسب. والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: وجوب وقوعها بحسب أحوال من وقعت منه، ولو كانت فعلا لغيره من قديم أو محدث لاختلف الحال. وليس لأحد أن يقول: إذا كان القديم تعالى قادرا على إيجادها مطابقة لأحوالكم، فما المانع من كونها فعلا له ؟ لأن الوجوب يمنع من ذلك. ولأن إثباته تعالى فرع لا ثبات محدث في الشاهد، فلا يصح ممن نفى محدثا في الشاهد أن يثبت غائبا. ولأن إضافة الفعل إلى فاعل لا تمكن إلا بوقوعه بحسب أحواله، فلا يجوز نفيه عمن يعلم تعلقه به على هذا الوجه، وإضافته إلى من لا تعلق بينه وبينه، وهو لو كان فعلا له لم يكن كذلك إلا لوقوعه منه على هذا الوجه. وأيضا فمعلوم حسن الأمر والنهي وتوجه المدح والذم إلى من تعلق به التأثير الحسن والقبيح، ولا يجوز إسناد ذلك إلى الكسب لكونه غير معقول، بدليل تكرير المكالة لمدعيه والمطالبة بإفهامه وارتفاع العلم بحقيقته. ولأن ذلك ينتقض بالمتولد، كما نعلم حسن الأمر واللهي بالمباشر وتوجه المدح والذم عليه، يعلم مثل ذلك في المتولد، وهو كاف في صحة الاستدلال على كون العبد فاعلا، لأن إضافة المتولد إلى إحداثه يقتضي إضافة المباشر بغير شبهة. وإذا ثبت كونه قادرا لحاجة الفعل في وقوعه إلى كون فاعله قادرا فهو قادر بقدرة، لتجدد كونه كذلك بعد أن لم يكن، وخروجه عن ذلك وأحواله على ما كانت عليه، ولتزايد مقدورات بعضنا على بعض. وهي من فعل الله تعالى، ليوفر دواعينا في أحوال الحاجة، وتعذرها لا لوجه، ومن حكمها إيجاب حالة المختار وتصحيح الفعل من الحي بدليل تعذره مع انتفائها. ومن صفتها أن لا يصح بها الفعل إلا مع استعمال محلها، بدليل تعذر الاختراع علينا، ووقوف تأثيرها على المشارة لمحلها أو لما ماسته. وهي قدرة على الضدين، لصحة تصرف كل قادر في الجهات المتضادة، ولو كان ذلك عن قدرتين لصح انتفاء إحداهما، فيوجد قادر لا يصح منه التصرف في الجهات، والمعلوم خلاف ذلك. وتأثيرها مختص بالأحداث، بدليل ثبوت صفة القدم من دونها وتعذر إيجاد الموجود، ولأن المتجدد عند القصد إلى المقدور من صفاته هو الحدوث، وهي متقدمة للفعل، لاختصاص تأثيرها بالأحداث، فيجب أن تكون موجودة في حال عدمه، ولأن الحاجة إليها ليخرج بها الفعل من العدم إلى الوجود، فإذا وجد استحال تعلقه بها، ولا فرق في استغنائه عنها بوجوده بين أول حال وثانيها، ولأنا قد دللنا على تعلقها بالضدين، فلو كانت مصاحبة لهما مع كونها موجبة عندهم لاقتضى ذلك اجتماع الضدين وهو محال. ولا يجوز حدوث الفعل على وجهين، لأن ذلك لو جاز بقادر أو قادرين لصح تفريقهما، لأن القادر على جمع الصفتين قادر على تفريقهما، وذلك يقتضي فعل أحدهما في حال الحدوث والآخر في حال البقاء، وفيه إيجاد الموجود مع استحالته. وأيضا وصفه الحدوث لا يتزايده إذ لو كان الفعل صفة زائدة على مجرد حدوثه لوجب أن يكون لها حكم زائد على الأولى، ونحن نعلم أنه لا حكم للمحدث ولا صفة يزيد على كونه محدثا، لأن الأحكام كلها المشار إليها مع صفة زائدة حاصلة مع الأولى، فلا يجوز إثبات مما لا فرق بين إثباته ونفيه. ولا يجوز حدوث مقدور واحد بقادرين ولا قدرتين، لأنه لو كان لا يمتنع أن يتوفر دواعي أحدهما إليه وصوارف الآخر عنه، فإن وقع اقتضى إضافته إلى من يجب نفيه عنه، وإن ارتفع اقتضى نفيه عمن وجب إضافته إليه، وكونه بقدرتين يصح انتفاء إحداهما، فإن وقع فبقدرة معدومة وإن ارتفع خرجت الأخرى من كونها قدرة عليه، وكلاهما محال، وإذا استحال مقدور واحد بقادرين أو قدرتين وتجدده على وجهين فسد مذهب النجار والأشعري، لكونهما مبنيين على ذلك.
تعليق