صفات المكلف
وأما صفات المكلف، فيجب أن يكون قادرا ليصح منه إيجاد ما كلف، والقدرة مختصة بمقدوراته سبحانه، فيجب عليه فعلها. وإن كان التكليف يفتقر إلى آلة وجب في حكمته سبحانه فعل ما يختصه كاليد والرجل " وتمكينه من تحصيل ما يختصه كالقلم والقوس، لتعذر الفعل المفتقر إلى آلة من دونها، لتعذره من دون القدرة. وإن كان التكليف مما يفتقر العلم به والعمل إلى زمان وجب تبقية الزمان الذي يصحان في مثله، لأن اخترامه من دونه قبيح. ويجب أن يكون عالما بتكليفه ووجهه، أو متمكنا من ذلك، لأن الغرض المقصود من الثواب لا يثبت مع الجهل بوجوب الأفعال، لاختصاص استحقاقه بإيقاع ما وجب أو ندب إليه واجتناب ما قبح للوجه الذي له حسنا وقبح هذا، ولأن المكلف لا يأمن براءة ذمته مما وجب عليه فعلا وتركا من دون العلم بهما. فما اقتضت الحكمة كونها من فعله تعالى، فلا بد من فعله للمكلف، كالعلم بالمشاهدات بأوائل العقول وسائر الضروريات، وما اقتضت المصلحة كونه من فعل المكلف، وجب إقداره عليه بإكمال عقله ونصب الأدلة وتخويفه من ترك النظر فيها، ويكفي ذلك في حسن تكليف ما يجب علمه استدلالا، وإن لم يكن معلوما في الحال، ولا مما يعلم في الثاني، لأن التكليف كاف، والتقصير مختص بالمكلف. والحال التي يصح معها تكليف العلم بالمعلوم، هي كون الحي عاقلا مخوفا من ترك النظر في الأدلة. والعقل: مجموع علوم من فعله تعالى، وهي على ضروب: منها: العلم بالمدركات مع ارتفاع اللبس. ومنها: العلم بأن المعلوم لا بد أن يكون ثابتا أو منتفيا، والثابت لا يخلو أن يكون لوجوده أول أو لا أول لوجوده. ومنها: العلم بوجوب شكر المنعم ورد الوديعة والصدق والإنصاف، وقبح الظلم والكذب والخطر، واستحقاق فاعل تلك ومجتنب هذه المدح والذم على فعل هذه واجتناب تلك إذا وقع ذلك عن قصد. ومنها: العلم بتعلق التأثيرات بالعبدة وفرق ما بين من تعلقت به وتعذرت ومنها: العلم بجهات الخوف والمضار، وما يستندان إليه من العادات. وقلنا: إن العقل مجموع هذه العلوم. لأنها متى تكاملت لحي وصف بأنه عاقل ومتى اختل شئ منها لم يكن كذلك، ولو كان العقل معنى سواها لجاز تكاملها بحي ولا يكون عاقلا، بأن لا يفعل فيه ذلك المعنى، أو يفعل في حي من دونها، فيكون عاقلا، والمعلوم خلاف ذلك. وقلنا: إنها من فعله تعالى لحصولها على وجه الاضطرار في الحي لأنها لو كانت من فعل الحي منا لكانت تابعة لمقصوده. وقلنا: إن كونه عاقلا شرط في تكليفه الضروري هو من جملتها، والمكتسب لا يتم من دونها، لافتقاره إلى النظر الذي يجب أن يتقدمه العلم بمجموعها، ولأنه لا حكم للنظر من دونه. ومما يجب كونه عليه التخلية بينه وبين مقدوره، فإن علم سبحانه حصول منع من فعله تعالى أو فعل المكلف أو غيره قبح تكليفه لتعذر وقوعه، وإن اختلفت أسباب التعذر. ولا يحسن منه تعالى تكليفه بشرط زوال المنع، لأنه عالم بالعواقب، والاشتراط فيه لا يتقدر، وإنما يحسن فيمن لا يعلم العواقب، ولذلك متى علمنا أو ظننا حصول منع من فعل لم يحسن منا تكليفه. ومما يجب كونه عليه: صحة الفعل، وتركه، لأن إلجائه ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه من الثواب الموقوف على إيثار المشاق. والالجاء يكون بشيئين: أحدها: أن يعلم العاقل أو يظن في فعل أنه متى رامه منع منه لا محالة، كعلم الضعيف أنه متى رام قتل الملك منع منه هو الملجأ إلى الترك، وهذا الضرب من الالجاء لا يتغير. والثاني: يكون بتقوية الدواعي إلى المنافع الكثيرة الخالصة أو الصوارف بالمضار الخالصة، وهذا يجوز تغييره بأن يقابل الدواعي صوارف يزيد عليها، والصوارف دواع يزيد عليها، ولهذا استحال الالجاء على القديم سبحانه، لاستحالة ما يستند إليه من المنع ورجاء النفع وخوف الضرر. ومن صفاته: أن يكون مائلا إلى القبيح نافرا من الواجب محتاجا، لاستحالة تقدير التكليف من دون ذلك، من حيث كانت المشقة شرطا فيه، ولا مشقة من دون الميل والنفور، لأن ما يلتذ به الحي أو لا يلتذ به ولا تألم لا يشق عليه، فعلا كان أو تركا، ولأن الوجه في حسنه التعريض للنفع الملتذ به، ومتى لم يكن الحي على صفة من يلتذ ببعض المدركات ويألم ببعض لم يدعه داع إلى تكلف مشقة لاجتلاب نفع أو دفع مضرة، وكونه كذلك يقتضي كونه محتاجا إلى نيل النفع ودفع الضر، فإن فرضنا غناه بالحسن عن القبيح ارتفعت المشقة التي لا يتقدر تكليف من دونها. وليس من شرط التكليف أن يعلم المكلف أن له مكلفا، لأن التكليف الضروري ثابت من دون العلم بمكلفه سبحانه، ولأن المعرفة بالمكلف سبحانه لا وجه لوجوبها إلا تعلقها بالضروري، فلو وقف حسن التكليف على العلم بالمكلف لتعذر ثبوت شئ من التكاليف. وليس من شرطه أن يعلم المكلف أنه مكلف، لأنا قد بينا قبح الاشتراط في تكليفه سبحانه، وقبحه يوجب القطع على تبقيته المكلف الزمان الذي يصح منه فعل ما كلف على وجه، فلو كان من شرطه أن يكون عالما بأنه مكلف لوجب أن يكون قاطعا على البقاء إلى أن يؤدي ما كلف أو يخرج وقته، وذلك يقتضي كونه مغري بالقبح أو عصمته، والاغراء لا يجوز عليه، وعصمة كل مكلف معلوم ضرورة خلافه. ولأنا نعلم من أنفسنا وغيرنا من المكلفين أنه لا أحد منا يقطع على بقائه وقتا واحدا، بل يجوز اخترامه بعد دخول وقت التكليف وقبل تأديته العبادة وبعد ما دخل فيها ولم يحملها، وإنما نعلم أنه مكلف ما يحتاج إلى زمان إذا فعله أو خرج وقته إن كان موقتا. وليس لأحد أن يقول: فعلى هذا لا يلزم أحدا أن يفعل شيئا من الواجبات، وإن فعلها فلغير وجه الوجوب. لأنه لا يتعين له على ما ذكرتم إلا بعد الأداء أو خروج الوقت، لأنه وإن لم يعلم كونه مكلفا ما خوطب به إلا بعد فعله أو خروج وقته، فإنه يعلم وجوب الابتداء به، وإذا علم ذلك وجب عليه الدخول فيه والعزم على فعله لوجهه. ولأنه يجوز البقاء، ويعلم أنه ( إن ) خرج وقته ولم يؤده استحق الضرر، فيجب عليه التحرز من الضرر المخوف ويفعله لوجهه، فكل ما مضى منه جزء علم كونه مكلفا له حتى يمضي جملته أو وقته، وإن اخترم على بعضه في وقته فتكليفه مختص بما فعله دون ما لم يفعله. إن قيل: فيلزم على هذا أن يفرد كل حكم واجب من جملة تكليف بقصد مخصوص. قيل: إذا كان الحكم من جملة تكليف وجب عليه الابتداء به كفاه أن يبتديه بعزم على جملته وتفصيله لوجهه، لاختصاص تكليفه بذلك، وإن كان إفراد كل حكم من جملة تكليف بنية تخصه أفضل، ونية الجملة كافية، إذ لا فرق في تعلقها بالحكم بين مصاحبته أو تقدمها عليه في حال الابتداء بالعبادة التي هو من جملتها.
وأما صفات المكلف، فيجب أن يكون قادرا ليصح منه إيجاد ما كلف، والقدرة مختصة بمقدوراته سبحانه، فيجب عليه فعلها. وإن كان التكليف يفتقر إلى آلة وجب في حكمته سبحانه فعل ما يختصه كاليد والرجل " وتمكينه من تحصيل ما يختصه كالقلم والقوس، لتعذر الفعل المفتقر إلى آلة من دونها، لتعذره من دون القدرة. وإن كان التكليف مما يفتقر العلم به والعمل إلى زمان وجب تبقية الزمان الذي يصحان في مثله، لأن اخترامه من دونه قبيح. ويجب أن يكون عالما بتكليفه ووجهه، أو متمكنا من ذلك، لأن الغرض المقصود من الثواب لا يثبت مع الجهل بوجوب الأفعال، لاختصاص استحقاقه بإيقاع ما وجب أو ندب إليه واجتناب ما قبح للوجه الذي له حسنا وقبح هذا، ولأن المكلف لا يأمن براءة ذمته مما وجب عليه فعلا وتركا من دون العلم بهما. فما اقتضت الحكمة كونها من فعله تعالى، فلا بد من فعله للمكلف، كالعلم بالمشاهدات بأوائل العقول وسائر الضروريات، وما اقتضت المصلحة كونه من فعل المكلف، وجب إقداره عليه بإكمال عقله ونصب الأدلة وتخويفه من ترك النظر فيها، ويكفي ذلك في حسن تكليف ما يجب علمه استدلالا، وإن لم يكن معلوما في الحال، ولا مما يعلم في الثاني، لأن التكليف كاف، والتقصير مختص بالمكلف. والحال التي يصح معها تكليف العلم بالمعلوم، هي كون الحي عاقلا مخوفا من ترك النظر في الأدلة. والعقل: مجموع علوم من فعله تعالى، وهي على ضروب: منها: العلم بالمدركات مع ارتفاع اللبس. ومنها: العلم بأن المعلوم لا بد أن يكون ثابتا أو منتفيا، والثابت لا يخلو أن يكون لوجوده أول أو لا أول لوجوده. ومنها: العلم بوجوب شكر المنعم ورد الوديعة والصدق والإنصاف، وقبح الظلم والكذب والخطر، واستحقاق فاعل تلك ومجتنب هذه المدح والذم على فعل هذه واجتناب تلك إذا وقع ذلك عن قصد. ومنها: العلم بتعلق التأثيرات بالعبدة وفرق ما بين من تعلقت به وتعذرت ومنها: العلم بجهات الخوف والمضار، وما يستندان إليه من العادات. وقلنا: إن العقل مجموع هذه العلوم. لأنها متى تكاملت لحي وصف بأنه عاقل ومتى اختل شئ منها لم يكن كذلك، ولو كان العقل معنى سواها لجاز تكاملها بحي ولا يكون عاقلا، بأن لا يفعل فيه ذلك المعنى، أو يفعل في حي من دونها، فيكون عاقلا، والمعلوم خلاف ذلك. وقلنا: إنها من فعله تعالى لحصولها على وجه الاضطرار في الحي لأنها لو كانت من فعل الحي منا لكانت تابعة لمقصوده. وقلنا: إن كونه عاقلا شرط في تكليفه الضروري هو من جملتها، والمكتسب لا يتم من دونها، لافتقاره إلى النظر الذي يجب أن يتقدمه العلم بمجموعها، ولأنه لا حكم للنظر من دونه. ومما يجب كونه عليه التخلية بينه وبين مقدوره، فإن علم سبحانه حصول منع من فعله تعالى أو فعل المكلف أو غيره قبح تكليفه لتعذر وقوعه، وإن اختلفت أسباب التعذر. ولا يحسن منه تعالى تكليفه بشرط زوال المنع، لأنه عالم بالعواقب، والاشتراط فيه لا يتقدر، وإنما يحسن فيمن لا يعلم العواقب، ولذلك متى علمنا أو ظننا حصول منع من فعل لم يحسن منا تكليفه. ومما يجب كونه عليه: صحة الفعل، وتركه، لأن إلجائه ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه من الثواب الموقوف على إيثار المشاق. والالجاء يكون بشيئين: أحدها: أن يعلم العاقل أو يظن في فعل أنه متى رامه منع منه لا محالة، كعلم الضعيف أنه متى رام قتل الملك منع منه هو الملجأ إلى الترك، وهذا الضرب من الالجاء لا يتغير. والثاني: يكون بتقوية الدواعي إلى المنافع الكثيرة الخالصة أو الصوارف بالمضار الخالصة، وهذا يجوز تغييره بأن يقابل الدواعي صوارف يزيد عليها، والصوارف دواع يزيد عليها، ولهذا استحال الالجاء على القديم سبحانه، لاستحالة ما يستند إليه من المنع ورجاء النفع وخوف الضرر. ومن صفاته: أن يكون مائلا إلى القبيح نافرا من الواجب محتاجا، لاستحالة تقدير التكليف من دون ذلك، من حيث كانت المشقة شرطا فيه، ولا مشقة من دون الميل والنفور، لأن ما يلتذ به الحي أو لا يلتذ به ولا تألم لا يشق عليه، فعلا كان أو تركا، ولأن الوجه في حسنه التعريض للنفع الملتذ به، ومتى لم يكن الحي على صفة من يلتذ ببعض المدركات ويألم ببعض لم يدعه داع إلى تكلف مشقة لاجتلاب نفع أو دفع مضرة، وكونه كذلك يقتضي كونه محتاجا إلى نيل النفع ودفع الضر، فإن فرضنا غناه بالحسن عن القبيح ارتفعت المشقة التي لا يتقدر تكليف من دونها. وليس من شرط التكليف أن يعلم المكلف أن له مكلفا، لأن التكليف الضروري ثابت من دون العلم بمكلفه سبحانه، ولأن المعرفة بالمكلف سبحانه لا وجه لوجوبها إلا تعلقها بالضروري، فلو وقف حسن التكليف على العلم بالمكلف لتعذر ثبوت شئ من التكاليف. وليس من شرطه أن يعلم المكلف أنه مكلف، لأنا قد بينا قبح الاشتراط في تكليفه سبحانه، وقبحه يوجب القطع على تبقيته المكلف الزمان الذي يصح منه فعل ما كلف على وجه، فلو كان من شرطه أن يكون عالما بأنه مكلف لوجب أن يكون قاطعا على البقاء إلى أن يؤدي ما كلف أو يخرج وقته، وذلك يقتضي كونه مغري بالقبح أو عصمته، والاغراء لا يجوز عليه، وعصمة كل مكلف معلوم ضرورة خلافه. ولأنا نعلم من أنفسنا وغيرنا من المكلفين أنه لا أحد منا يقطع على بقائه وقتا واحدا، بل يجوز اخترامه بعد دخول وقت التكليف وقبل تأديته العبادة وبعد ما دخل فيها ولم يحملها، وإنما نعلم أنه مكلف ما يحتاج إلى زمان إذا فعله أو خرج وقته إن كان موقتا. وليس لأحد أن يقول: فعلى هذا لا يلزم أحدا أن يفعل شيئا من الواجبات، وإن فعلها فلغير وجه الوجوب. لأنه لا يتعين له على ما ذكرتم إلا بعد الأداء أو خروج الوقت، لأنه وإن لم يعلم كونه مكلفا ما خوطب به إلا بعد فعله أو خروج وقته، فإنه يعلم وجوب الابتداء به، وإذا علم ذلك وجب عليه الدخول فيه والعزم على فعله لوجهه. ولأنه يجوز البقاء، ويعلم أنه ( إن ) خرج وقته ولم يؤده استحق الضرر، فيجب عليه التحرز من الضرر المخوف ويفعله لوجهه، فكل ما مضى منه جزء علم كونه مكلفا له حتى يمضي جملته أو وقته، وإن اخترم على بعضه في وقته فتكليفه مختص بما فعله دون ما لم يفعله. إن قيل: فيلزم على هذا أن يفرد كل حكم واجب من جملة تكليف بقصد مخصوص. قيل: إذا كان الحكم من جملة تكليف وجب عليه الابتداء به كفاه أن يبتديه بعزم على جملته وتفصيله لوجهه، لاختصاص تكليفه بذلك، وإن كان إفراد كل حكم من جملة تكليف بنية تخصه أفضل، ونية الجملة كافية، إذ لا فرق في تعلقها بالحكم بين مصاحبته أو تقدمها عليه في حال الابتداء بالعبادة التي هو من جملتها.
تعليق