المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسائل النبوة 1


العلوية ام موسى الاعرجي
07-01-2015, 11:12 AM
مسألة: في كون الرئاسة واجبة في حكمته تعالى


الرئاسة واجبة في حكمته تعالى على كل مكلف يجوز منه إيثار القبيح، لكونها لطفا في فعل الواجب والتقريب إليه وترك القبيح أو التبعيد منه، بدليل عموم العلم للعقلاء بكون من هذه حاله عند وجود الرئيس المنبسط اليد الشديد التدبير القوي الرهبة إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، وكونهم عند فقده أو ضعفه بخلاف ذلك. وقد ثبت وجوب ماله هذه الصفة من الألطاف في حكمته تعالى، فوجب لذلك نصب الرؤساء في كل زمان اشتمل على مكلفين غير معصومين. والمخالف لنا في هذه لا يعدو خلافه أن يكون في الفرق بين وجود الرؤساء وعدمهم في باب الصلاح، أو في صلاح الخلق برئيس، أو في وقوع القبح عند وجودهم كفقدهم. فإن خالف في الأول فيجب مناظرته، لظهور هينه للعقلاء وعلمهم بكذبه على نفسه فيما يعلم ضرورة خلافه. وإن خالف في الثاني لم يضر، لأنا لا نقل إن صلاح الخلق نفع كل رئيس، وإنما دللنا على كون الرئاسة لطفا في الجملة، فصلاح العقلاء على رئيس دون رئيس لا يقدح، على أنا سنبين أن الرئاسة المطلوب بها لا فساد فيها، لعصمة من ثبتت له وتوفيقه. وإن خالف على الوجه الثالث لم يقدح أيضا، لأن الرئاسة لطف وليست ملجئة، فلا يخرجها عن ذلك وقوع القبيح عندها كسائر الألطاف، ولأن الواقع من القبيح عندها يسير من كثير، ولولاها لوقع أضعافه بقضية العادة. ولا فرق في وجوب الاستصلاح بما يرفع القبح جملة، أو بعضه، أو يبعد منه، أو يؤثر وقوع كل واجب واحد، أو يقرب إليه. ولا يقدح في ذلك إيثار بعض العقلاء لرئيس دون رئيس، واعتقاد الصلاح لفقد الرؤساء. لأنا لا نستدل بفعلهم، وإنما استدللنا بقضية العادة الجارية بعموم الصلاح بالرؤساء والفساد بفقدهم، فحكمنا بوجوب ما له هذه الصفة في حكمته سبحانه وقبح الاخلال به مع ثبوت التكليف، وليس في الدنيا عاقل عرف العادات ينازع فيما قضينا به من الفرق بين وجود الرؤساء المهيبين وعدمهم، بل حال ضعفهم. وفعل العقلاء أو بعضهم بخلاف ما يعلمونه لا يقدح في علمهم، كما لا يقدح إيثارهم للقبائح وإخلالهم بالواجبات الضرورية في وجوب هذه وقبح تلك. على أن دعواهم اعتقاد بعض العقلاء حصول الصلاح للخلق بعدم الرؤساء، كاعتقاد بعضهم عدم الصلاح بوجودهم. كذب على أنفسهم يشهد الوجود به، لعلمنا بأنه ليس في الدنيا عاقل سليم الرأي من الهوى يؤثر عدم الرؤساء جملة ويعتقد عموم الصلاح به والفساد بوجودهم، فالمعلوم من ذلك هو اعتقاد بعض العقلاء حصول الفساد برئاسة ما يختصه ضررها بحسد أو طمع أو خوف ضرر إلى غير ذلك، دون نفي الرئاسة جملة، كأهل الذعارة والمفسدين في الأرض الذين لا يتم لهم بلوغ ما يؤثرونه من أخذ الأموال والفساد في الأرض إلا بفقد الرؤساء المرهوبين، فلذلك آثروا فقدهم واعتقدوا حصول الصلاح لهم بعدمهم، ولا شبهة في قبح هذا الاعتقاد والإيثار. وهم مع ذلك غير منكرين لحصول الصلاح بجنس الرئاسة، ولهذا لا توجد فرقة منهم بغير رئيس مقدم يرجعون إلى سياسته، كالخوارج وغيرهم من فرق الضلال الذاهبين إلى قبح كل رئاسة تخالف ما هم عليه من النحلة، كاعتقاد الكفار والمنافقين ذلك في رئاسة الأنبياء والأئمة عليهم السلام. وإنما كرهوا رئاستهم واعتقدوا حصول الفساد بها والصلاح بعدمها، لاعتقادهم حصول المفسدة بها لكونها قبيحة، ولم ينكر أحد منهم وجوب الرئاسة جملة، ولهذا لم نر فرقة منهم إلا ولها رئيس مطاع. وكمعتقدي حصول صلاحهم برئاسة ما وعدمه بوجود أخرى، فهم يكرهون هذه ويؤثرون تلك، ككراهية قريش ومن وافقها في الرأي رئاسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لاعتقادهم فوت الأماني بثبوتها، وإيثارهم رئاسة غيره، لظنهم بلوغ الأغراض الدنيوية بها، فهؤلاء أيضا لم ينكروا عموم الصلاح بالرئاسة في الجملة، وإنما كرهوا رئاسته لصارف عنها، وآثروا آخر لداع إليها. وكمن حسد بعض الرؤساء وشنأه من العقلاء إنما يكره رئاسته حسدا وبغضا، ولا يكره رئاسة من لا شنآن بينه وبينه، كقريش ومن وافقها على حسد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبغضه في الفضل على جميعهم وتقدمه في الإسلام على سائرهم وعظيم نكايته فيهم، إنما كرهوا رئاسته لذلك، ولم يكرهوا رئاسة من لا داعي لهم إلى حسده وعداوته. وكمن يرى الرئاسة لأنفسهم ويرشحهم لها، إنما يكرهون كل رئاسة مناكسة لهم، ويعتقدون حصول الفساد بها فيما يخصهم، لأن مقصودهم لا يتم إلا بذلك، ككراهة المستخلفين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعهم من خلفاء بني أمية وبني العباس رئاسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذريته عليهم السلام، لاعتقادهم حصول الفساد بها فيما يخصهم، لأن مقصودهم من رئاسة الأنام لا يتم إلا بذلك. ولم ينكر أحد منهم الرئاسة، وكيف ينكرونها مع حصول العلم بمثابرتهم عليها، ومنافستهم فيها، واستحلالهم بعد استقرارها لهم ذم القادح فيها، ومظاهرتهم بأن نظام الخلق وصلاح أمرهم لا يتم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، واستصلاحهم رعاياهم بالرؤساء، واجتهادهم في تخير ذوي البصائر لسياسة البلاد ومن فيها بالتأمير على أهلها، وكراهية رعية الظلمة من الرؤساء المسرفين في الفساد لرئاستهم لما فيها من الضرر دينا ودنيا، واعتقادهم الصلاح بفقدها لذلك. ولا يكره أحد من هؤلاء رئاسة ذوي العقل والإنصاف، ولا يعتقد حصول الفساد بها، بل يتمناها، لعلمه بما فيها من الصلاح. وعلى هذا يجري القول في كل طائفة من العقلاء كرهوا رئاسة رئيس، إنما يكرهونها لأمر يخصهم نفعه وضرره، فليتأمل يوجد ظاهرا، وشبهة الخصم به مضمحلة، ومن المقصود في إيجاب الرئاسة العامة أجنبية، والمنة لله. ولا يقدح في الاستصلاح بالرئيس ووجوب وجوده لذلك عقلا قولنا: إن العقاب لا يستحقه بعضنا على بعض. لأن المقصود يصح من دون ذلك، من حيث كان علم المكلف أو ظنه بأنه متى رام القبيح منعه منه الرئيس بالقهر صارفا له عنه، بل ملجئا في كثير من المواضع، ولأن العقاب وإن لم يستحقه بعضنا على بعض، فالمدافعة حسنة بكل ما يغلب في الظن ارتفاع القبح به، وإن، تلفت معه نفس المدافع. فإذا كان هذا ثابتا عقلا، وعلم المكلف بكون الرئيس القوي منصوبا لمدافعة مريدي الظلم عن المظلوم، صرفه ذلك عن إيثاره. على أنا و ( أن ) منعنا من كون العقاب مستحقا بعضنا ونفينا استحقاق القديم له قطعا، فإنا نجيز استحقاقه منه سبحانه على القبح عقلا، وتقطع به سمعا، وتجويز المكلف كون الرئيس الملطوف له به منصوصا له عقاب العاصي كاف في الزجر. ولا يقدح فيما ذكرناه القول: بأن الصلاح الحاصل بالرؤساء دنيوي، فلا يجب له نصبهم. لأنا قد بينا تخصصه بالدين وإن اقترن به الدنيوي، على أن وجودهم إذا أثر صلاح الدنيا - كالأمن فيها، والتصرف في ضروب المعايش بمنع الرؤساء المفسدين، وصرف من يتوهم منه الفساد عنه بالرهبة، وارتفاع هذا الصلاح الدنيوي بعدمهم يقهر الظالمين وأخافهم ذوي السلامة - عاد الأمر إلى الصلاح الديني بوجودهم المؤثر، لوقوع الحسن وارتفاع القبح، وفساد الدين بعدمهم، ولم ينفصل من الصلاح الدنيوي بغير إشكال. ولا يقدح في ذلك دعوى الالجاء لخوف الرئيس إلى فعل الواجب وترك القبح على ما اعتمده المتأخرون من مخالفينا. لأن ذلك يسقط ما لا يزالون يمنعون منه من تأثير الرئاسة في وقوع الواجب وارتفاع القبح، من حيث كان الشئ لا يكون ملجئا إلا بعد كونه غاية في التأثير، فكيف يجتمع القول بذلك مع نفي التأثير جملة لذي عقل سليم. وبعد فالملجئ إلى الفعل والترك هو ما لا يبقى معه صارف عن الفعل ولا داع إلى الترك، فيجب إذ ذاك وقوع هذا وارتفاع ذاك، والرئاسة بخلاف ذلك، لعلمنا ضرورة بتردد الدواعي إلى الواجب والقبيح والصوارف عنهما، ووقوع كثير من القبيح، وارتفاع كثير من الواجب عند وجود الرؤساء المهيبين، واستحقاق فاعل القبح والمخل بالواجب الذم والاستخفاف، واستحقاق مجتنب هذا وفاعل ذلك المدح، وكل هذا ينافي الالجاء بغير شبهة. ولا يمنع من عموم اللطف بالرئاسة تقدير وجود واحد منفرد لا يتقدر منه ظلم أحد، لأن من هذه صفته إذا كان الظلم مأمونا منه صح منه العزم على فعله متى تمكن منه، لأن العزم على القبح لا يفتقر إلى التمكن منه في الحال، لصحة عزم كل من جاز منه القبح على ما يقع بعد أحوال متراخية على العزم. وإذا صح هذا، فعلم هذا المفرد أن من ورائه رئيس متى رام الظلم منعه منه بالقهر أو أنزل به ضررا مستحقا أو مدافعا به، صرفه ذلك عن العزم عليه، كما يصرف ظن كل عاقل عن العزم على قتل السلطان أنه متى رام ذلك منع منه، ولا فرق والحال هذه بين كون الرئاسة لطفا في أفعال القلوب أو الجوارح. وهذا التحرير يقتضي كون الرئاسة لطفا في الجميع، لأن الصارف عن أفعال الجوارح صارف عن العزم عليها، كما أن الداعي إليها داع إلى العزم، والعزم على الشئ جز منه أو كالجزء في الحسن والقبح. ولا قدح بعموم المعرفة للأزمان والتكاليف والمكلفين في اللطف، وخصوص الغنى والفقر في تميز الرئاسة منهما فيما له كانت لطفا، لأن قياس الألطاف بعضها على بعض لا يجوز، لوقوف كونها ألطافا على ما يعلمه سبحانه، وإثبات أعيانها وأحكامها بالأدلة. فعموم المعرفة لعموم مقتضيها وأحكامها بالأدلة وخصوص الغنى والفقر لاختصاص موجبهما، لا لكونهما لطفا في الجملة، واختصاص الرئاسة بمن يجوز منه فعل القبيح في أفعال الجوارح وما يتعلق بها من أفعال القلوب، وبكل زمان وجد فيه مكلفون بهذه الصفة بحسب ما اقتضته الأدلة فيها، ولا يخرجها ذلك عن كونها لطفا لمخالفتها باقي الألطاف، كما لم يخرج كل لطف خالف لطفا سواه في مقتضاه عن كونه كذلك.