المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسائل النبوة 3


العلوية ام موسى الاعرجي
07-01-2015, 11:14 AM
تقسيم الرئاسة إلى نبوة وإمامة
وهذه الرئاسة قد تكون نبوة، وكل نبي رسول وإمام إذا كان رئيسا، وقد تكون إمامة ليست بنبوة. ومعنى قولنا: نبي، يفيد الإخبار من أنبأ ينبئ ونبا بالتشديد، من التعظيم، مأخوذ من النبوة، وهو: الموضع المرتفع. وفي عرف الشرائع: المؤدي عن الله بغير واسطة من البشر، وهذه الحقيقة الشرعية تتناول المعنيين المذكورين، لأن المؤذي عن الله تعالى مخبر ومستحق في حال أدائه التعظيم والاجلال. وأما رسول، فمقتض لمرسل وقبول منه للارسال، كوكيل ووصي. وهو في عرف الشرائع مختص بمن أرسله الله تعالى مبينا لمصالح من أرسل إليه من مفاسده. وفي عرف شريعتنا: مختص بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلوات الله عليه وآله، لأنه لا يفهم من قول القائل: قال رسول الله صلى الله ( عليه وآله ) وروي عن الرسول، غيره. والإمام هو: المتقدم على رعيته المتبع فيما قال وفعل.

الغرض من بعثة النبي
والغرض في بعثة النبي - زائدا على الاستصلاح برئاسته إن كان رئيسا عقليا من الوجه الذي ذكرناه - بيان مصالح المرسل إليهم من مفاسدهم التي لا يعلمها غير مكلفهم سبحانه، وهو الوجه في حسن البعثة، لكون اللطف غير مختص بجنس من جنس، ولا بوجه من وجه، ولا وقت من وقت، وإنما يعلم ذلك عالم المصالح. وقد بينا وجوب فعل ما يعلمه لطفا من فعله سبحانه، وبيان ما يعلمه كذلك من أفعال المكلف، فيجب متى علم أن من جنس أفعاله ما يدعوه إلى الواجب ويصرفه عن القبيح، أو يجتمع له الوصفان، أو يكون مقربا أو مبعدا، أن يبين ذلك للملطوف له بالإيحاء إلى من يعلم من حاله تحمله بأعباء البلاغ، وكونه بصفة من تسكن الأنفس إليه، وإقامة البرهان على صدقه متى علم تخصص المصلحة ببيانه عليه السلام دون فعله تعالى العلم بذلك في قلبه، أو خطابه على وجه لا ريب فيه، أو ببعض ملائكته، أو كونه نائبا في بيان المصلحة مناب ما تصح النيابة فيه.

صفات الرسول
والصفات التي يجب كون الرسول عليه السلام عليها، هي أن يكون معصوما فيما يؤدي، لأن تجويز الخطأ عليه في الأداء يمنع من الثقة به، ويسقط فرض اتباعه، وذلك ينقض جملة الغرض بإرساله، وأن يكون معصوما من القبائح لكونه رئيسا وملطوفا برئاسته لغيره حسب ما دللنا عليه، ولأن تجويز القبيح عليه ينفر عن النظر في معجزه، ولأنه قدوة فيما قال وفعل، وتجويز القبيح عليه يقتضي إيجاب القبيح، ولأن تعظيمه واجب على الإطلاق والاستخفاف به فسق على مذاهب من خالفنا وكفر عندنا، ووقوع القبيح منه يوجب الاستخفاف، فيقتضي ذلك وجوب البراءة منه مع وجوب الموالاة له.

المعجز وشرطه
والطريق إلى تميزه المعجز أو النص المستند إليه، لاختصاصه من الصفات بما لا يعلمه إلا مرسله تعالى. ويفتقر المعجز إلى شروط ثلاثة: منها: أن يكون خارقا للعادة، من فعله تعالى، مطابقا لدعواه. واعتبرنا فيه خرق العادة، لأن دعوى التصديق بالمعتاد لا تقف على مدع من مدع، ولا تميز صادقا من كاذب وإن كان من فعله تعالى، كطلوع الشمس من المشرق ومجئ المطر في الشتاء والحر في الصيف، وطريق العلم بذلك اعتبار العادات وما يحدث فيها، وخروج الفعل الظاهر على يد المدعي عن ذلك. واعتبرنا كونه من فعله تعالى، لجواز القبيح على كل محدث، وجوازه يمنع من القطع على صدق المدعي وكون ما أتى به مصلحة، وطريق العلم بذلك أن يختص خرق العادة بمقدوراته تعالى، كإيجاد الجواهر وفعل الحياة، أو يقع الجنس من مقدورات العباد على وجه لا تمكن إضافته إلى غيره، كرجوع الشمس وانشقاق القمر وأمثال ذلك. واعتبرنا كونه مطابقا للدعوى، لأنه متى لم يكن خرق العادة متعلقا بدعوى مخصوصة لم يكن أحد أولى به من أحد. فإذا تكاملت هذه الشروط، فلا بد من كونه دلالة على صدق المدعى، لكون هذا التصديق نائبا مناب لو قال تعالى: صدق هذا فيما يؤذيه عني، كما لا فرق في كون الملك الحكيم مصدقا لمدعي إرساله له بين أن يقول: صدق علي، أو يفعل ما ادعى كونه مصدقا له به مما لم تجر عادة الملك بفعله. فإن كان ما ذكرناه مشاهدا، ففرض المشاهد له النظر فيه، لكونه خائفا من فوت مصالح وتعلق مفاسد، وإن كان نائيا عن حدوث المعجز أو موجودا بعد تقضيه، فلا بد مع تكليف ما أتى به النبي عليه السلام من نصب دلالة على صدقه وصحة ما أتى به، لقبح التكليف من دونهما. وذلك يكون بأحد شيئين: إما قول من يعلم صدقه وإن كان واحدا، أو تواتر نقل لا يتقدر في ناقليه الكذب بتواطئ وافتعال، أو إنفاق لبلوغهم حدا في الكثرة وتنائي الديار والأغراض، أو وقوع نقلهم على صفة يعلم الناظر فيها تعذر الكذب في مخبرهم من أحد الوجوه بقضية العادة وإن قلوا، وإن كانت هذه الطبقة تنقل عن غيرها وجب ثبوت هذه الصفات في من ينقل عنه، ثم كذا حتى يتصل النقل بجماعة شاهدت المعجز لا يجوز على مثلها الكذب. وذلك لا يتم إلا بتعين الأزمنة للناظر في النقل وتميز الناقلين ذوي الصفة المخصوصة في كل زمان، لأن الجهل بأعيان الأزمنة يقتضي الجهل بأهلها، وتعين الأزمنة مع الجهل بأعيان الناقلين الموصوفين يقتضي تجويز انقطاع النقل وتجويز افتعاله واستناده إلى معتقدين دون الناقلين. فمتى اختل شرط مما ذكرناه ارتفع الأمان من كذب الخبر المنقول، ومتى تكاملت الشروط حصلت الثقة بالمنقول. وهذه الصفات متكاملة في نبينا صلوات الله عليه، ومن عداه من الأنبياء عليهم السلام، فطريق العلم بنبوتهم إخباره عليه السلام، لكونهم غير مشاهدين، ولا تواتر بمعجز أحد منهم، لافتقار التواتر إلى الشروط المعلوم ضرورة تعذرها في نقل من عدا المسلمين. وإذا وجب ذلك اقتضى القطع على نبوة من أخبر بنبوته من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء على التفصيل والجملة، وكونهم بالصفات التي دللنا على كون النبي عليها، وتأول كل ظاهر سمعي خالفها بقريب أو بعيد، لوقوف صحته على أحكام العقول وفساد تضمنه ما يناقضها، إذ كان تجويز انتقاضها به يخرجها من كونها دلالة على فساد سمع أو غيره، وهذا ظاهر الفساد.