المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسائل النبوة 4


العلوية ام موسى الاعرجي
07-01-2015, 11:15 AM
طريق العلم بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وطريق العلم بنبوته عليه السلام من وجهين: أحدهما: القرآن. والثاني: ما عداه من الآيات، كانشقاق القمر، ورجوع الشمس، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير باليسير من الطعام، وغير ذلك. والقرآن يدل على نبوته عليه السلام من وجوه: أحدها: حصول العلم باختصاصه به عليه السلام، وتحديه الفصحاء به، وتقريعهم بالعجز عن معارضته، كما يعلم ظهوره عليه السلام ودعواه النبوة، وقد تضمن آيات التحدي بقوله: ( فأتوا بعشر سور )، ( فأتوا بسورة من مثله )، ثم قطع على مغيبهم فقال سبحانه: ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ومعلوم توفر دواعيهم إلى معارضته، وخلوصها من الصوارف وارتفاعها. فلا يخلو أن تكون جهة الإعجاز تعذر جنس الكلام، أو مجرد الفصاحة والنظم، أو مجموعهما، أو سلب العلوم التي معها تتأتى المعارضة. والأول ظاهر الفساد، لكون كل محدث سليم الآلة قادرا على جنس الكلام، ومن جملته القرآن، ولهذا يصح النطق بمثله من كل ناطق. والثاني يقتضي حصول الفرق بين قصير سورة وفصيح الكلام على وجه لا لبس فيه على أحد أنس بموضع الفصاحة، لكون كل سورة منه معجزا وما عداه معتادا، كالفرق بين انقلاب العصا حية وتحريكها، وفلق البحر والخوض فيه، وظفر البحر وجدوله. وفي علمنا بخلاف ذلك وأنا على مقدار بصيرتنا بالفصاحة نفرن بين شعر النابغة وزهير وشعر المتنبي فرقا لا لبس فيه، مع كونهما معتادين، ولا يحصل لنا مثل هذا بين قصير سورة وفصيح كلام العرب، مع وجوب تضاعف ظهور الفرق بينهما، لكون أحدهما معجزا والآخر معتادا، دليل على أنه لم يخرق العادة بفصاحته. ولا يجوز كون النظم معجزا، لأنه لا تفاوت فيه، ولهذا نجد من أنس بنظم شئ من الشعر قدر على جميع الأوزان بركيك الكلام أو جيده، وإنما يقع التفاوت بالفصاحة. ولا يجوز أن يكون الإعجاز بمجموعهما من وجهين: أحدهما: أنا قد بينا تعلق الفصاحة والنظم بمقدور العباد منفردين، وذلك يقتضي صحة الجمع بينهما، لأن القادر على إيجاد الجنس على وجهين منفردين يجب أن يكون قادرا على إيجاده عليهما مجتمعين، إذ كان الجمع بينهما صحيحا، لولا هذه لخرج عن كونه قادرا عليهما. الثاني: أنه لو كان نظم الفصاحة المخصوصة يحتاج إلى علم زائد، لكان علمنا بأن العرب الفصحاء قد نظموا ما قارب القرآن في الفصاحة تسعرا وسجعا وخطبا دليلا واضحا على كونهم قادرين على نظم فصاحتهم في مثل أسلوب القرآن، لأنا قد بينا أن القدرة على نظم واحد تقتضي القدرة على كل نظم. وإذا بطلت سائر الوجوه ثبت أن جهة الإعجاز كونهم مصروفين، وجرى ذلك مجرى من ادعى الإرسال إلى جماعة قادرين على الكلام والتصرف في الجهات، وجعل الدلالة على صدقه تعذر النطق بكلام مخصوص وسلوك طريق مخصوص، في أن تعذر ذين الأمرين مع كونهم قادرين عليهما قبل التحدي وبعد تقضي وقته من أوضح برهان على كونه معجزا، لاختصاصه بمقدوره تعالى وتكامل الشروط فيه. إن قيل: بينوا جهة الصرف وحاله، وعن أي شئ حصل ؟ قيل: معنى الصرف هو: نفي العلوم بأضدادها، أو قطع إيجادها في حال تعاطي المعارضة التي لولا انتفاؤها لصحت منهم المعارضة، وهذا الضرب مختص بالفصاحة والنظم معا، لأن التحدي واقع بهما، وعن الجمع بينهما كان الصرف. وأيضا فلو لا ذلك لكان القرآن معارضا، لأنا قد بينا عدم الفرق المقتضي للاعجاز بينه وبين فصيح كلامهم، وكون النظم والفصاحة والجمع بينهما مقدورا، ولأنه عليه السلام جرى في التحدي على عادتهم، ومعلوم أن معارض المتحدي بالوزن المخصوص لا يكون معارضا حتى تماثل في الفصاحة والوزن والقافية، وإنما وجب هذا لتعلق التحدي بالرتبة في الفصاحة والطريقة في النظم. ولا يملان أحدا دعوى معارضة للقرآن. لأنه عليه السلام لو عورض مع ظهور كلمة المعارض وضعفه عليه السلام لكانت المعارضة أظهر من القرآن، وما وجب كونه كذلك لا يجوز إستاره فيما بعد على مجرى العادات. ولأنه لو عورض لكانت المعارضة هي الحجة والقرآن هو الشبهة، وذلك يقتضي ظهورها، ليكون للمكلف طريق إلى النظر يفرق ما بين الحق والباطل. وليس لأحد أن يقول: إنما لم يعارضوا لأنهم ظنوا أن الحرب أحسم. لأن الحرب لم تكن إلا بعد مضي الزمان الطويل الذي تصح في بعضه المعارضة بلا مشقة ولا خطر وفيها الحجة، والحرب خطر بالأنفس والأموال ولا حجة فيها، والعاقل لا يعدل عن الحجة مع سهولتها إلى ما لا حجة فيه مع كونه خطرا إلا للعجز عن الحجة، ولهذا لو رأينا متحديا ذوي صناعة بشئ منها ومفاخرا لهم به، ومدعيا التقدم عليه فيها، ثم تحداهم به فعدلوا عن معارضته إلى شتمه وضربه، لم تدخل علينا شبهة في عجزهم عما تحداهم، ولا ريب في عنادهم، وهذه حال القوم المتحدين بالقرآن بلا قبح. وببعض هذا تسقط شبهة من يقول: إنه عليه السلام شغلهم بالحرب عن معارضته، لأن الحرب لا تكن إلا بعد مضي أزمنة يصح في بعضها وقوع المقدور الذي صارف عنه مع خلوص الدواعي إليه، ولأن الحرب لا تمنع من الكلام، ولهذا اقترنت بالنظم والنثر ولم تنقص رتبة ما قالوه من ذلك في زمنها في الفصاحة عما قالوه في غيرها، على أن الحرب لم تستمر، وإنما كانت أحيانا نادرة في مدة البعثة ومختصة في حالها بقوم من الفصحاء دون آخرين. ومن وجوه إعجاز القرآن: قوله تعالى: ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا )، فقطع على عدم له، فكان كما أخبر، وهذا يقتضي اختصاص هذا الإخبار بالقديم تعالى المختص بعلم الكائنات القادر على منعهم من التمني بالقول، ويجري ذلك مجرى لو قال لهم: الدلالة على صدقي أنه لا يستطيع أحد منكم أن ينطق بكذا، مع كونهم قادرين على الكلام، في ارتفاع اللبس أن تعذره يقتضي كون ذلك معجزا. ومنها: ما تضمنه من أخبار الأمم السالفة وقصص الرسل، مع حصول نشوئه عليه السلام بعيدا عن مخالطة أهل الكتب والكتابة أميا فيها، نائيا عن سماع أخبار الأنبياء. ومنها: ما تضمنه من الإخبار عن بواطن أهل النفاق وإظهارهم خلاف ما يبطنون، والعلم في النفوس موقوف عليه تعالى، فيجب كونه دلالة على نبوته. ومنها: ما تضمنه من الإخبار عن الكائنات، ومطابقة الخبر المخبر في قوله تعالى: ( سيهزم الجمع ويولون الدبر )، و ( لتدخلن المسجد الحرام ) ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون )، وقوله تعالى: ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار )، وقوله: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) الآية، وقوله: ( إذا جاء نصر الله والفتح ). وأمثال ذلك من الآيات والأخبار بما يكون مستقبلا، ووقوع ذلك أجمع مطابقا للخبر، مع علمنا بوقوف ذلك عليه تعالى. وهذه الأخبار إنما تدل على صدق المخبر بعد وقوع المخبر عنه، ولا يجوز أن يجعلها دلالة على افتتاح الدعوة، لتأخر ( ها ) عنها. وأما دلالة الآيات الخارجة من القرآن الدالة على نبوته عليه السلام، فتفتقر إلى شيئين: أحدهما: إثبات كونها. الثاني: كونها معجزات. والدلالة على الأول: أنا نعلم وكل مخالط لأهل الإسلام تعين الناقلين من فرق المسلمين وانقسامهم إلى شيعة وغيرهم، وبلوغ كل طبقة في كل زمان حدا لا يجوز معه الكذب، وإخبار من بينا من الفريقين عن أمثالهم، وأمثالهم عن أمثالهم، حتى يتصلوا بمن هذه صفته من معاصري النبي عليه السلام. وأنه انشق له القمر، وردت الشمس، ونبع الماء من بين أصابعه، وأشبع الجماعة بقوت واحد، مع حصول العلم بتميز أزمانهم ووجود من هذه صفته في كل زمان، ( و ) ذلك يقتضي صدقهم، لأن الكذب لا يتقدر فيمن بلغ مبلغهم إلا بأمور: إما باتفاق من كل واحد، أو بتواطؤ، أو بافتعال من نفر يسير وانتشاره فيما بعد. والأول ظاهر الفساد، لأن العادة لم تجر بأن ينظم شاعر بيتا فيتفق نظم مثله لكل شاعر في بلده فضلا من شعراء أهل الأرض. والثاني يحيله تنائي ديارهم واختلاف أغراضهم وعدم معرفة بعضهم لبعض، ولو جاز لوقع العلم به ضرورة، لأنه لا يكون إلا باجتماع في مكان واحد أو بتكاتب وتراسل، وكل منهما لو وقع من الجماعات المتباعدة الديار لحصل العلم به لكل عاقل. وافتعاله ابتداء بنفر يسير وانتشاره فيما بعد يسقط من وجهين: أحدها: تضمن نقل من ذكرناه صفة الناقلين واتصالهم بالنبي لصفتهم المتعذر معها الافتعال في المنقول، فما منع من كذبهم في النقل للخبر يمنع منه في صفة الناقلين. والثاني: أن النقل لهذه المعجزات لو كان مفتعلا من نفر يسير ثم انتشر لوجب أن نميزهم بأعيانهم، ونعلم الزمان الذي افتعلوه فيه، حسب ما جرت به العادات في كل مفتعل مذهبا: كملكا ويعقوب ونشطور ومنتحلي الإنجيل كمتا ولوقاوينا، وكمنشئي القول بالمنزلة بين المنزلتين من واصل وعمرو بن عبيد، وما أفتاه جهم بن صفوان، وما ابتدعه أبو الحسن الأشعري، وما اخترعه ابن كرام، وتميز الأوقات بذلك وتعين المحدث فيها. وإذا وجبت هذه القضية في كل مفتعل، وفقدنا العلم والظن بمفتعل هذه الآيات وزمان افتعالها، بطل كونها مفتعلة، وإذا تعذرت الوجوه التي معها يكون الخبر كذبا في مخبر الناقلين لأيام النبي، ثبت صدقهم. وأما الدلالة على الثاني فهو: أن كل متأمل يعلم تعذر رد الشمس وانشقاق القمر على كل محدث، وأما نبوع الماء من بين الأصابع فمختص بإيجاد الجواهر وما فيها من الرطوبات التي لا يتعلق بمقدور محدث، وكذلك القول في إشباع الخلق الكثير بيسير الطعام وهو لا محالة مستند إلى ما لا يقدر عليه غيره تعالى، لرجوعه إلى إيجاد الجواهر المماثلة للمأكول، مع علمنا بتعذرها على المحدثين. ولا يقدح في نقل هذه الآيات اختصاصه بالدائنين به، لأن المعتبر في صدق الناقل وصحة المنقول ثبوت الصفة التي معها يتعذر الكذب وإن كان الناقل فاسقا، وقد دللنا على ثبوتها لناقلي المعجزات، فيجب القطع على صدقهم وسقوط السؤال. على أن النقل مفتقر إلى داع خالص من الصوارف، ولا داعي لمخالف الإسلام الراكن إلى التقليد العاشق لمذهب سلفه لنقل ما هو حجة عليه مفسد لنحلته، بل الصوارف عنه خالصة من الدواعي، فلذلك لم ينقل مشاهدو المعجزات من مخالفي الله لما شاهدوه ونشأ خلفهم عن سلف لم ينقلوها إليهم، فانقطع نقلها منهم، ولا يقيم هذا عذرهم لثبوت الحجة بنقلها ممن بيناه، مع كونهم مخوفين من العذاب الدائم بجحدها. ويقلب هذا السؤال على مثبتي النبوات من مخالفي الإسلام، بأن يقال: لو كانت المعجزات اللاتي يدعون ظهورها على إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ثابتة لنقلها كل مخالف، فمهما انفصلوا به كان انفصالا منهم. وإذا ثبتت بنبوة نبينا عليه السلام وجب اتباعه والعمل بما جاء به على الوجه الذي شرعه، والحكم بفساد كل ما خالفه من النحل، وضلال مخالفه والقطع على كفره، لكون ذلك معلوما من دينه عليه السلام.