المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقلال في تقرير المصير:


العلوية ام موسى الاعرجي
09-01-2015, 10:07 PM
الاستقلال الاجتماعي للمرأة





جاء في المرسل عن ابن عبّاس (رض) أنّ جارية بكراً جاءت النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالت:
- إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة.
- أجيزي ما صنع أبوك.
- لا رغبة لي فيما صنع أبي.
- فاذهبي فانكحي مَن شئت.
- لا رغبة لي عن ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شيء.
أورد هذه الرواية الشهيد الثاني في المسالك، وصاحب الجواهر، وغيرهم من الفقهاء نقلاً عن العامّة.
في الجاهلية العربية - كما في الجاهلية غير العربية - كان الآباء يعطون لأنفسهم الولاية المطلقة على البنات والأخوات، وحتى الأُمّهات في بعض الأحيان، ولا يعترفون لهنّ بأيّ حق في اختيار الزوج، وهذا الاختيار - في تصوّرهم - حق مطلق للأب أو الأخ وعند عدم وجودهما، فالولاية للعم، وقد بلغت الولاية على النساء في التزويج إلى حدّ أنّ بعض الآباء كانوا يزوّجون بناتهم قبل ولادتهن ! فإذا وُلدت البنت وجدت مَن ينتظرها ليأخذها زوجة له بعد أن تكبر.

التزويج قبل الولادة:
في آخر حجّة حجّها رسول الله وبينما كان راكباً وبيده سوط اعترض طريقه رجل وقال له:
- أشكو إليك يا رسول الله.
- قل
- قبل سنوات وفي الجاهلية اشتركت مع طارق بن مرقع في إحدى المعارك فاحتاج طارق في أثناء القتال إلى سهم، فنادى: مَن يعطيني سهماً ويأخذ أجره ؟ فتقدّمت منه وقلت له: وما أجره ؟ قال: أعدك أن أعطيك أول فتاة تولد، فقبلت وأعطيته السهم، ومرت الأيام والسنون حتى علمت أخيراً أنّ في بيته فتاة ناضجة، فذهبت إليه وذكرته بالقضية وطالبته بالوفاء بالوعد الذي قطعه، لكنّه نكص وأخذ يتذرّع بالحجج وطالبني بمهر وقد جئتك يا رسول الله لأرى هل الحق معه أم معي ؟
- وما عمر الفتاة ؟
- إنّها كبيرة، وقد ابيض بعض شعر رأسها.
- ليس الحق معك ولا مع طارق، انصرف إلى عملك وخلّ سبيل هذه الفتاة المسكينة.
تحيّر الرجل وبقي ينظر إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو غارق في التفكير في أنّه أي حكم جائر هذا الذي أصدره الرسول (صلّى الله عليه وآله) ؟... أليست للآباء ولاية على بناتهم ؟ ولماذا يحق للأب أن يأخذ مهراً جديداً ويعطي ابنته برضاه ؟
لكنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أدرك من نظراته الحائرة ما يدور في ذهنه فقال له: (اعلم أنّك إن اتبعت قولي لن تأثم أنت ولن يأثم رفيقك طارق).

مبادلة البنات: أمّا نكاح الشغار فقد كان مظهراً آخر من مظاهر الولاية المطلقة للآباء على بناتهم، ونكاح الشغار هو مبادلة البنات ؛ وذلك بأن يتفق رجلان على أن يزوّج كل منهما ابنته للآخر، وتكون كل منهما مهراً بالنسبة للأُخرى، لقد حرّم الإسلام هذا النوع من الزواج واعتبره باطلاً.
الرسول (صلّى الله عليه وآله)، منح ابنته الزهراء حرّية اختيار الزوج:
لقد زوّج الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عدداً من بناته دون أن يصادر حقّهن في الاختيار، وعندما خطب علي بن أبي طالب (عليه السلام) الزهراء (عليها السلام) من أبيها قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله) إنّ رجالاً آخرين كانوا قد طلبوا يدها، وأنّه (صلّى الله عليه وآله) سوف يأخذ رأيها في الخاطب الجديد.
وذهب الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى ابنته الزهراء وأطلعها على الموضوع، بيد أنّ الزهراء لم تعرض هذه المرّة كما كانت تفعل من قبل بل عبّرت عن رضاها بسكوتها فخرج الرسول (صلّى الله عليه وآله) من عندها وهو يكبّر.

النهضة الإسلامية للمرأة كانت نهضة بيضاء:
لقد قدّم الإسلام أعظم الخدمات لجنس المرأة، ولم يكن سلب الولاية المطلقة للآباء على بناتهم الخدمة الوحيدة التي قدّمها الإسلام في هذا الميدان. لقد منحها حريتها وشخصيتها واستقلالها الفكري واعترف بحقوقها الطبيعية، لكن هناك فرقين أساسيّين بين ما فعله الإسلام في هذا السبيل وبيّن ما يجري في بلاد الغرب ويقلّده الآخرون هنا.
الأوّل: من وجهة نظر علم النفس إذ صنع الإسلام المعجزات في هذا المجال، وسوف نبحث هذا الموضوع في الفصول القادمة ونعطي نماذج له.
الثاني: يتمثّل في أنّ الإسلام - وهو يعرف النساء بحقوقهن الإنسانية، ويعترف لهن بشخصيتهن وحريتهن واستقلالهن - لم يدعهن إلى التمرّد والعصيان والطغيان ضد جنس الرجال، ولم يزرع في نفوسهن التشاؤم منهم.
لقد كانت النهضة الإسلامية النسوية نهضة بيضاء، ولم تكن سوداء ولا حمراء ولا زرقاء ولا بنفسجية ؛ فلم يقض الإسلام على احترام البنات لآبائهن والنساء لأزواجهن، ولم يزعزع أسس البناء العائلي، ولم يفسد نظرة المرأة إلى الحياة الزوجية والأُمومة وتربية الأطفال، ولم يجعل المرأة متاعاً للعزّاب الذين يبحثون عن صيد، ولم ينتزع النساء من أحضان أزواجهن والفتيات من كنف أُمّهاتهن وآبائهن ويسلّمهن إلى المترفين من أصحاب المناصب العليا، لم يفعل الإسلام ما يؤدّي إلى ارتفاع صيحات الاستغاثة إلى السماء من الجانب الآخر من المحيط داعية بالويل والثبور لانهيار كيان العائلة المقدّس وفقدان الاطمئنان الأبوي: ماذا نفعل مع كل هذا الفساد ؟ ماذا نفعل مع قتل الأطفال وإسقاط الأجنّة ؟
وبنسبة الـ (40%) من الولادات غير الشرعية لمواليد يعرف آباؤهم، وأُمّهات لا يرغبن في تربيتهم ؛ لأنّهم لم يلدنهم في بيوت يظلّلها حنان الآباء، فيرمين بهم في المؤسسات الاجتماعية وتنقطع علاقتهن بهم إلى الأبد.
إنّ بلادنا محتاجة إلى نهضة نسائية... نهضة إسلامية بيضاء، لا نهضة سوداء على الطريقة الأوروبية... نهضة لا تتدخّل فيها الأيدي الدنسة لعباد الشهوات من الشبّان... نهضة تنبع فعلاً من التعاليم السامية ولا تسخر القوانين الإسلامية للأهواء والشهوات باسم تغيير القانون المدني، نهضة تقوم أوّلاً بالدراسة المنطقية والمعمقة التي تهدف إلى معرفة مدى تطبيق التعاليم الإسلامية في المجتمعات التي تطلق على نفسها اسم الإسلام.

إذن الأب:
المسألة المطروحة حول ولاية الآباء على بناتهم هي: هل تشترط موافقة الأب في زواج ابنته البكر أم لا ؟
من وجهة النظر الإسلامية هناك عدّة نقاط لا جدال فيها:
يتمتّع الابن والبنت – كلاهما - بالاستقلال الاقتصادي ؛ إذ يحق لكل منهما التصرّف في أمواله أو الاحتفاظ بها إذا كان بالغاً عاقلاً ورشيداً أيضاً، أي ناضجاً فكرياً من وجهة نظر المجتمع، وليس للأب أو الأم أو الزوج أو الأخ، أو أي شخص آخر حق الإشراف عليهما، أو التدخّل في شؤونهما من هذه الناحية.
وإذا بلغ الفتى سن الرشد وكان عاقلاً رشيداً فإنّه يملك أمره، ولا يحق لأحد أن يفرض عليه شيئاً في موضوع زواجه.
أمّا الفتاة فإنّها إن كانت ثيّباً فهي أيضاً تملك أمرها كما هو الحال بالنسبة للفتى. ولكن ما هو حكم الفتاة البكر التي تريد الاقتران برجل لأوّل مرّة ؟
لا شك في أنّه ليست لأبيها عليها سلطة مطلقة، ولا يحق له أن يزوّجها من يشاء بدون رضاها، فقد رأينا كيف أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان صريحاً في جوابه للفتاة التي زوّجها أبوها بدون أن يأخذ رأيها، إذ قال (صلّى الله عليه وآله) لها: بأنّها تستطيع ـ إن لم تكن راغبة بذلك ـ الزواج من غيره. إنّ الاختلاف الموجود بين الفقهاء، يدور حول مسألة: ألاّ يحق للفتيات الباكرات الزواج بدون موافقة آبائهن ؟ أم أنّ موافقة الآباء ليست شرطاً في صحّة الزواج في أيّ حالٍ من الأحوال ؟
وهناك مسألة أخرى لا خلاف فيها أيضاً وهي: إذا لم يأذن الأب بزواج ابنته ولم يكن لديه سبب معقول، فإنّ ولايته تسقط ويحق للبنت أن تختار الزوج المناسب لها باتفاق كافّة الفقهاء.
أمّا هل تعتبر موافقة الأب شرطاً أم لا ؟ فقد قلنا بأنّ هناك اختلافاً بين الفقهاء حول هذه المسألة، ولعلّ أغلبهم ـ وخصوصاً المتأخّرين ـ لا يعتبرون موافقة الأب شرطاً، بينما يرى بعضهم أنّه شرط. وقانوننا المدني يتقيّد برأي هذا البعض ؛ وهو الرأي الأقرب للاحتياط.
وحيث إنّ هذه المسألة ليست من القضايا الإسلامية الثابتة، فسوف لا أتناولها بالبحث من وجهة النظر الإسلامية، ولكنّي أرى ضرورة بحثها من زاوية اجتماعية ؛ إضافة إلى رأيي الشخصي الذي أرى فيه أنّ قانوننا المدني قد نحا المنحى الصحيح في هذه القضية.

الرجل عبد الشهوة والمرأة أسيرة المحبّة:
إنّ فلسفة منع الفتاة، أو على الأقل عدم تحبيذ زواجها من دون موافقة أبيها، تكمن في اعتبار الفتاة قاصرة، أو أقل من الرجل في النضج الاجتماعي ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك فرق بين الثيّب والبكر لتكون الثيّب البالغة من العمر ستة عشر عاماً مستغنية عن موافقة الأب، بينما تحتاج البكر البالغة ثمانية عشر عاماً إلى موافقته. وإذا كان الإسلام يعتبر الفتاة قاصرة عن إدارة أمورها فلماذا أعطى البنت البالغة الرشيدة استقلالها الاقتصادي وصحّح معاملاتها المالية حتى لو بلغت الملايين، دون الحاجة إلى موافقة الأب أو الأخ أو الزوج ؟ إنّ لهذا الأمر فلسفة لا يمكن إغفالها حتى لو تجاوزنا الأدلة الفقهية. وينبغي أن نقول لواضعي القانون المدني: نِعم ما صنعتم.
إنّ هذا الموضوع لا يرتبط بقصور امرأة وعدم نضجها العقلي، ولكنّه يتعلّق بجانب من التركيب النفسي للرجل والمرأة، بروح الاصطياد التي يتمتّع بها الرجل من جهة، وسرعة الاطمئنان التي تتميّز بها المرأة في مقابل وفاء وإخلاص الرجل من جهةٍ أخرى.
الرجل عبد الشهوة والمرأة أسيرة المحبّة، إنّ الذي يهز الرجل ويجرّه إلى المنزلق ويقضي عليه هو الشهوة، بينما المرأة ـ باعتراف علماء النفس ـ أشدّ من الرجل صبراً وثباتاً أمام الشهوة، لكن الذي يأسر المرأة أو يقضي عليها هو سماعها نغمة المحبّة والصفاء والعشق والوفاء من فم الرجل، فهنا تكن سرعة اطمئنان المرأة.
إنّ المرأة مادامت بكراً - لم يمس جسدها صابون الرجال - فإنّها تصدّق حديث الحب من الرجل بسهولة.
لا أدري هل قرأتم نظريات عالم النفس الأمريكي البروفيسور (ريك) المنشورة في العدد (90) من مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) بعنوان (ليس العالم واحداً بالنسبة للرجل والمرأة) ؟ إنّه يقول: (خير جملة يمكن أن يقولها رجل لامرأة هي: عزيزتي إنّني أحبّك). ويقول أيضاً: (تتلخّص السعادة بالنسبة للمرأة في امتلاكها قلب رجل والاحتفاظ به طول عمرها).
إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - هذا العالم النفساني الإلهي - أوضح هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً إذ قال: (قول الرجل للمرأة (أحبّك) لن يذهب من قلبها أبداً). إنّ الرجال المصطادين للنساء يستفيدون دائماً من هذا الإحساس عند المرأة ويجدون جملة (عزيزتي إنّني أموت في حبّك) أفضل شرك لاصطياد الفتيات اللواتي لم يدخلن في تجربة مع الرجال.
في هذه الأيام يتناقل الناس قصة امرأة اسمها (أفسر) حاولت الانتحار ورجل اسمه (جواد) حاول خداعها، وكان جواد يستخدم تلك الجملة من أجل الإيقاع بها. أمّا أفسر فتقول ـ حسب ما نقلته عنها مجلة (زن روز): (مع أنّني لم أكن أتحدث معه لكنّي كنت أُحب أن أراه كل يوم وكل ساعة).
(لم أكن قد عشقته ولكنّي كنت أشعر بحاجة نفسية إلى العشق الذي أظهره. وهكذا كل النساء يجبن المعشوق قبل أن يجبن الحبّ نفسه. ويظهر الحب دائماً بالنسبة للفتيات والنساء بمجرّد وجود المحب ؛ ولم أكن مستثناة من تلك القاعدة).
هذا ما حصل لامرأة ثيّب ذات تجربة، فما حال الفتيات الغريرات ؟
من هنا ينبغي على الفتاة التي لم تختبر الرجال أن تشاور أباها وتحصل على موافقته ؛ فهو أعرف بمشاعر الرجال ولا يريد لابنته إلاّ الخير والسعادة في معظم الحالات.
إنّ القانون هنا لم يحتقر المرأة أبداً، ولكنّه وضع على كتفها يد الحماية، وإذا سأل الفتيان لماذا لم يلزمنا القانون بالحصول على إذن الأب أو الأم ؟ فليس بعيد عن المنطق أن يعترض أحد باسم الفتيات على وجوب الحصول على موافقة الأب.
إنّني أعجب من الأشخاص الذين يحثّون الفتيات على التمرّد ويوصونهن بعدم الاكتراث بأوليائهن، وهم يواجهون ويرون ويسمعون كل يوم قصصاً كقصص بيوك وزهرة وعادل ونسرين.
إنّ هذه الأعمال في رأيي نوع من التواطؤ بين أفراد يدّعون الحرص على مصلحة النساء، وهم يصنعون منهن فرائس سهلة لمصطادي النساء في العصر الحديث، ويهيّئون السهام ليسوقوا هذه الفرائس نحوهم.
في العدد 88 من مجلة (زن روز) يقول كاتب الأربعين اقتراحاً:
(إنّ المادة 1043 تخالف وتناقض جميع مواد القانون المتعلّقة بالبلوغ وسن الرشد، وتخالف أيضاً أساساً حرية الإنسان ومنشور الأمم المتحدة...)
يبدو أنّ الكاتب قد تصوّر أنّ مفاد المادة المذكورة هو أنّه يحق للآباء ـ ابتداءً ـ أن يزوّجوا بناتهم ممّن يشاؤون، أو أنّهم يحق لهم ـ بدون سبب ـ أن يمنعوا بناتهم من الزواج.
ترى أي ضير وأي منافاة مع حرية الإنسان تكمن في اشتراط موافقة الأب لصحّة الزواج مع إعطاء الفتيات حق الاختيار ؟ وهذا أيضاً مشروط بأن لا يكون للأب سوء نيّة أو فساد ذوق يحول دون زواج ابنته. إنّ هذا الاشتراط إجراء احترازي وإشراف قانوني يهدف إلى صيانة المرأة التي ليست لها تجربة زوجية، وهو قائم على سوء الظن بطبيعة الرجال.
يقول الكاتب المذكور: (إنّ واضع القانون يعتبر الفتاة البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً صالحة للزواج قبل أن تبلغ مرحلة النضح الفكري وتفهم معنى الحياة الزوجية، وبهذا يسمح لمخلوق يصلح لشراء كمّيّة من الخضروات أن يختار لنفسه شريك حياته الذي يعيش معه طول عمره، في الوقت الذي لا يسمح لفتاة في الخامسة والعشرين أو الأربعين من عمرها وأتمّت تحصيلها الجامعي ووصلت إلى مستوى رفيع من الناحية العلمية أن تختار زوجاً لها بدون إذن الأب أو الجد العامي الأمّي...)
أوّلاً: كيف يفهم من القانون السماح لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها أن تختار زوجاً لها بدون إذن أبيها وعدم السماح لفتاة في الخامسة والعشرين أو الأربعين أن تفعل ذلك ؟
ثانياً: إنّ اشتراط موافقة الأب محصورة في حدود العاطفة الأبوية وفهم مشاعر الرجل تجاه المرأة، أمّا إذا تحوّل ذلك الاشتراط إلى عائق فإنّه يسقط من الاعتبار.
ثالثاً: لا أظن أنّ قاضياً يدّعي أنّ القانون المدني لا يشترط النضج العقلي والفكري في الزواج، ويبيح لفتاة في سن الثالثة عشرة، والتي لا تفهم شيئاً عن الحياة الزوجية ـ كما يقول الكاتب ـ أن تتزوّج، إنّ المادة (211) من القانون المدني تقول:
(يعتبر المتعاملون واجدين للأهلية إذا كانوا عقلاء بالغين رشيدين) ومع أنّ هذه الجملة استعملت كلمة (متعاملون) وأنّ باب النكاح غير باب المعاملة، لكن السبب تبعية النكاح لعنوان أعمّ هو عنوان (العقود والمعاملات، والالتزامات) التي تبدأ من المادة (181) فإنّ خبراء القانون المدني يعتبرون المادة (211) معبّرة عن (الأهلية العامّة) اللازم توفّرها في سائر العقود.
إنّ جميع وثائق الزواج القديمة تترك فراغاً لاسم الرجل مسبوقاً بـ (البالغ العاقل الرشيد...) ، وفراغاً آخر لاسم المرأة مسبوقاً بـ (البالغة العاقلة الرشيدة...) فهل يعقل كون مدوّني القانون المدني غافلين عن هذه النقطة ؟
إنّ مدوّني القانون المدني لم يكونوا يتصوّرون بأنّ الانحطاط الفكري سيصل إلى درجة يجب أن يقتضي الأمر تخصيص مادة جديدة في باب النكاح تشترط البلوغ والعقل والرشد مع وجود مادة عن الأهلية العامّة.
لقد تصوّر أحد شارحي القانون المدني (وهو الدكتور سيد علي شايگان) أنّ المادة (1064) التي تقول: (ينبغي أن يكون العاقد بالغاً وعاقلاً وقاصداً) متعلّقة بالزوجين وحيث إنّ هذه المادة لم تذكر الرشد إضافةً إلى البلوغ والعقل والقصد فقد تراءى له بأنّها تتناقض مع المادة (211) التي ذكرت الأهلية العامة، ثم حاول أن يبرّر هذا التناقض. بينما الحقيقة أنّ المادة (1064) تتحدّث عن العاقد لاعن الزوجين، ولا يشترط في العاقد أن يكون رشيداً.
إنّ الذي يستحق الاعتراض عليه في هذا المجال هو سلوك الإيرانيين، وليس القانون المدني ولا القانون الإسلامي. فغالبية الآباء يعطون لأنفسهم السلطة المطلقة على بناتهم كما كان الأمر في أيام الجاهلية، ويعتبرون تعبير البنت عن رأيها في اختيار زوجها وشريك حياتها وأبي أولادها في المستقبل لوناً من عدم الحياء وخروجاً عن اللياقة الأدبية، ولا يقيمون وزناً للنضج الفكري للفتاة، مع أنّ رأي الفتاة في الزواج هو أمر ثابت في الإسلام.
وما أكثر عقود الزواج التي تقع قبل رشد الفتيات فتكون باطلة ولا يترتّب عليها أي أثر.
إنّ العاقدين لا يتثبّتون من رشد الفتيات ويعتبرون البلوغ وحده كافياً، بينما نعلم جميعاً كيف كان كبار العلماء يتثبّتون من النضج العقلي والفكري للفتيات قبل إجراء عقد قرانهم، كما تشير إلى ذلك الكثير من القصص. كما أنّ بعض العلماء كانوا يعتبرون النضج الديني للفتيات شرطاً فلا يعقدون قران البنت التي لا تستطيع أن تستدل فكرياً على أُصول الدين. ولكن الذي يؤسف له أنّ معظم أولياء الأطفال، والعاقدين يراعون ذلك.
لكن يبدو أنّ سوء تصرّف الناس ليس محلاًّ للانتقاد، بل المطلوب أن تكسر جميع الأقداح والقوارير برأس القانون المدني، وأن يعبّأ الرأي العام ضد هذا القانون المستخرج من الشريعة الإسلامية.
وفي رأيي أنّ الخلل الموجود في القانون المدني هو في المادة (1042) التي تقول: (بعد إكمال خمسة عشر عاماً من العمر أيضاً لا تستطيع الإناث بدون إذن أوليائهن أن يتزوّجن قبل إكمال ثمانية عشر عاماً من العمر).
فبموجب هذه المادة لا تستطيع المرأة الزواج بدون إذن وليّها إذا كان عمرها واقعاً بين 15 ـ 18 عاماً وإن كانت ثيّباً، وهو أمر لا يقرّه الفقه الشيعي ولا المنطق العقلي ؛ إذ لا ضرورة لموافقة الأب على زواج البنت الواجدة لشروط البلوغ والرشد إذا كانت قد تزوّجت من قبل.
المصدر: نظام حقوق المرأة في الإسلام