المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسرار النجاح : تنمية روح المبادرة


العلوية ام موسى الاعرجي
22-01-2015, 11:09 PM
من أسرار النجاح : تنمية روح المبادرة

المبادرة لفظٌ جميل، ومعنى عظيم توحي بالجديةَّ، وتشعر بالعزيمة، وتنبئ عن علوّ همة تدعو إلى الإسهام في مجالات الخير كلها.

معنى المبادرة:

والمبادرة في اللغة هي المسارعة إلى الشيء قال في لسان العرب: "المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه" (لسان العرب 8/151).

وقال بعض أهل العلم: المبادرة التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه وهي محمودة، وضدها الإبطاء وهو مذموم، والعجلة التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة، وضدها الأناة وهي محمودة.

وفي الشرع أكثر ما تستعمل في المسارعة إلى الخيرات وقد وردت بهذا المعنى كثيرا في القرآن الكريم والسنة المطهرة مدحا لها وحثا عليها فمن ذلك قوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)(الحديد:21)، وقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)، وقوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: من الآية148)

وهي صفة النبيين والمرسلين والأئمة عليهم السلام كما جاء وصفهم في سورة الأنبياء: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء: من الآية90)

كما أنها صفة عباد الله المؤمنين، بها وصفهم في السورة المسماة باسمهم أيضا: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)(المؤمنون57:61)

عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: [بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا إلى فقر منس، أو غنى مطغ، أو مرض مفسد، أو هرم مفند، أو موت مجهز، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر]

عن ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري في كتب العامة : [أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا، فقال: تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل].

وقال علي بن سهل: المبادرة إلى الطاعات من علامات التوفيق.

في حديث منقول عن الإمام الصادق عليه السلام يقول في موعظته: «المبادرة عباد الله، المبادرة فإنما هي الأنفاس لو قد حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر لنفسه وبكى على ذنوبه»، ثم يقرأ هذه الآية: (إنما نعد لهم عدا)، ثم يبكي ويقول: « آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك»

المبادرة والإيجابية

وهناك معنى آخر للمبادرة ثبت في الشرع وهو معنى جميل وقد يكون داخلا على العموم في المعنى الإجمالي ولكن ننبه عليه هنا لأهميته ألا وهو معنى "الإيجابية" بمعنى أن يكون للإنسان دور في الحياة ودور في خدمة الدين وخدمة البلاد والعباد؛ فإن الإسلام لا يعترف بالإنسان الخامل الذي لا قيمة له ولا عمل ولا أثر..
وقد دل على هذا المعنى حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:

قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله.

قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملا. قال يرضخ مما رزقه الله.

قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به؟

قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

قال قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟

قال: يصنع لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا؟

قال: يعين مغلوبا. قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟

قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير!!

يمسك عن أذى الناس. فقلت: يارسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟

قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.

فرسول الله صلى الله عليه وآله سلم يريد من المسلم أن يكون إيجابيا فعالا، لا كسولا خاملا، وجعل الإيجابية من آثار الإيمان ومن الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الجنة، وما زال أبو ذر يلتمس المخارج للناس والبدائل بقوله: "أرأيت إن كان لا يستطيع كذا".. حتى قال النبي صلى الله عليه وآله سلم له ما تريد أن تترك في صاحبك من خير، وهذا يدل على أن العمل الإيجابي خير وأن انعدامه عند العبد كانعدام الخير فيه.. ومثل هذا لا يملك إلا أن يكف شره عن الناس.

ولقد شهد تاريخُنا المجيد ألواناً من المبادرات، ودلل سلوك أهل البيت عليه السلام على روح المبادرة الإسلامية بالحد الأقصى .
فمنذ أن نزلت الآية ((بلّغ عشيرتك الأقربين)) قال رسول الله صلى الله عليه وآله " من يؤازرني على هذا الأمر ؟ فلم يجب الدعوة إلا الإمام علي لثلاث مرات متتالية وكان قد بلغ من العمر آنذاك عشر سنوات فقط .

ويوم مبيت الإمام علي في فراش الرسول صلى الله عليه وآله ، قال الإمام علي : إن بت في فراشك أوتسلم يا رسول الله ؟ قال نعم ، فسجد الإمام علي سجدة شكر لله سبحانه وتعالى .

وفي غزوة الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " من يقم الى عمر بن عبد ود وقد ضمنت له على الله الجنة ؟ " - وكررها ثلاث فلم يقم إلا الإمام علي عليه السلام وفي تلك الواقعة قال رسول الله عن الإمام علي عليه السلام " لقد برز الإيمان كلّه الى الشرك كلّه " .

لذا أصبح أهل البيت عليهم السلام هم حقيقة الإسلام وفي بيتهم نزل الذكر لإنهم حملوا على عاتقهم مهمة الدعوة الى الله وضحّوا من أجل القرآن والإسلام تضحيات جسيمة برزت بحدها الأقصى يوم قدّم الإمام الحسين نفسه وأهل بيته وكل ما يملك في نصرة الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولبّى دعوة أهل العراق عندما استنصروه ضد الحاكم الجائر عبيد الله بن زياد، مع أن الجميع قد حذّره من غدر أهل الكوفة . ولكن نفس الحسين سلام الله عليه تأبى إلا أن يكون ناصراً للمظلوم ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر .

الإيجابية والدعوة

الإيجابية هي وقود الدعوة ولولاها ما تحرك أحد لدعوة أحد، ولما بلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ولعاشت أمم في التيه حياتها، ولكان أناس حطبا لجهنم لولا أن أنقذهم الله برجل ذي همة دعاهم إلى الإيمان..

والعجب أن يكون مثل هذا الخلق في الحيوان فلقد ضربت نملة سليمان مثلا للإيجابية وأثرها في استنقاذ أمة بأكملها من الهلاك، كان يمكن لهذه النملة أن تذهب وحدها بعيدا فتنقذ نفسها ولكنها آثرت أن يكون لها دور في إنقاذ أمتها من النمل فنبهتهم واستنقذتهم.

وكذا هدهد سليمان فكان له الفضل بتوفيق الله له في استنقاذ مملكة سبأ كلها من الشرك والكفر والنار إلى الإيمان والتوحيد والجنة.. وهذه ثمرة للإيجابية.
وكان للإيجابية أيضا دورها في نجاة أقوام ودخولهم في الإسلام على يد رجل واحد آثر أن يكون له دور وودع الخمول والكسل كما حدث مع أبي ذرّ الغفاري .
ومن قرأ غزوة الخندق أو الأحزاب علم دور نعيم بن مسعود الثقفي في تخذيل الكافرين وإضرام نار الوقيعة بين المشركين واليهود مما كان له أكبر الأثر في إنهاء هذا الحصار وانتصار المسلين.. هذا مع أنه لم يكن أسلم إلا منذ سويعات قليلة.

وخاتمة المقال في قصة إسلام سعد بن معاذ رضي الله عنه حين سمع من مصعب بن عمير وكتب الله له الإسلام : "فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فلما رآه قومه مقبلا، قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة. قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله. قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة.

إنها روح الإسلام وحقيقة الدين التي تحمل صاحبها على السعي الحثيث إلى العمل والإحسان ، وطلب المعالي بعد رضا الله تعالى عنه.
ولم تكن المبادرات وصفة الإيجابية يوما قصراً على القادة بل شملت القاعدة، ولم تكن خاصةً بالكبار بل شارك فيها الشباب، ولم يتخل الضعفاء المعذورون بل شاركوا الأقوياء.. و ولم تكن قصراً على الرجال بل كان للمرأة نصيبُها من المبادرة، وإن مجتمعاً يُشارك جميع أفراده بالمبادرات الخيرة لمجتمعٌ خليق بالتقدير والبقاء..

كيف نكسب روح المبادرة: -

1. كن عملياً :

حيث تطبق المقولة (نعم للأعمال لا للأقوال) وأن الدين عملٌ كلّه. حيث قال تعالى "أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" وقال تعالى " هزي إليك بجزع النخلة" وعليه نصل إلى أن كل عمل لا بد من وجود المبادرة فيه وكل رزق له سبب.

2. امتلاك روح العزم والجد :

حيث أن لا خير في عزم دون حزم، فإن كنت تريد المجد يجب أن تكون جادا وعليكم أن ترفضوا اللهو وتطلبوا الإجتهاد.

3. استيعاب المتغيرات :

حيث أن المبادرة تغير الظروف " بادر بأربعة قبل أربعة، بادر بالشباب قبل الشيخوخة وبالصحة قبل المرض وبالغنى قبل الفقر وبحياتك قبل مماتك".

4. الحماس :

وتكون بتحدي الموانع وبذل الجهد حيث أن الحياة ليست مفروشة بالياسمين، وبعض الناس بسبب وجود الموانع يحبطون ثم بالتالي يفشلون.

5. الفاعلية:

وهي السعي والتحرّك وإلغاء التبرير ومقاومة الشهوات ومواجهة الصعوبات والمثابرة والإستقامة، والمداومة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت " ، وقال صلوات الله عليه وآله : " قليل يُداوم عليه أحسن من كثير مملول منه ".

كلّ منا يومياً يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يجعله من أنصار الإمام الحجة عجّل الله فرجه ولكن كيف يكون ذلك دون أن يملك روح المبادرة في الجهاد والإصلاح وخدمة الإسلام وتطوير الذات ؟، وبدون أن نملك هذه المهارة يصبح هذا دعاء نصرة صاحب الزمان مشلولاً مفرّغاً من معناه .

كما يجب أن نلتفت الى نقطة مهمة جداً أن الإسلام هو دين الجماعة وليس دين الفرد المنطوي المنعزل عن قضايا أمته ، والعالم كلّه يتجه ويستعد لليوم الموعود في انتظار صاحب الأمر ، وأول خطوة تضمن لنا وجوداً في تلك الدولة النورانية المباركة هي الغيرة على الإسلام وحب الإسلام وحب القرآن كما أحب الإسلام والقرآن أهل البيت عليهم السلام .

وإذا شعرنا بانعدام روح المبادرة في قلوبنا علينا أن نسرع في علاج هذه الآفة قبل فوات الأوان ، ولا يكون العلاج إلا إذا عرفنا أسباب انعدام روح المبادرة ، فكما يقولون " إذا عُرف السبب بطل العجب ":

ما هي أسباب انعدام المبادرة: -

1. عدم فهم السنن الكونية وقوانين من قصّر بالعمل حيث يبتلى بالهم.

2. فقدان الثقة بالنفس مع وجود طاقات وكأن الله انعم على غيرهم ولم ينعم عليهم

3. الخوف من الفشل فيترددون وبذلك يضيعون، والحل يكون بالتوكل على الله فيتغلب على الفشل

4. عدم اقتناص الفرص، حيث أن الفرصة تمر مر السحاب "الفرصة سريعة الفوت بطيئة العودة"

5. انعدام روح المسؤولية حيث قال تعالى " وقفوهم إنهم مسئولون"

محـب الحسين
23-01-2015, 10:55 AM
طرح مبارك
جزاكِ الله خير الجزاء

احزان كربلاء
16-02-2015, 11:22 AM
جزاك الله الف خير

مولاتي يا زهراء
21-02-2015, 10:29 AM
الله يعطيك العافية
شكراً لك

سامي مشهور
06-03-2015, 03:18 PM
موضوع رائع بارك الله فيك

diyala
25-03-2015, 11:02 PM
حياك الله ع الموضوع الرائع