الصفحة (109)
قائلاً : (( بمَنْ العزاء يا بنت محمّد ؟ كنتُ بكِ أتعزّى ، ففيم العزاء من بعدك ؟! )) .
وخفّ مسرعاً نحو البيت وهو يذرف أحرّ الدموع ، وألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله (

لكلّ اجتماعٍ من خليلينِ فرقةٌ وكلّ الذي دونَ الفراقِ قليلُ
وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ
وكانت العقيلة زينب إلى جانبها اُمّها وهي تعجّ بالبكاء , قد ذاب قلبها ؛ فقد فقدت جميع آمالها ، وليس شيء أوجع على الطفل من فراق اُمّه .
وهرع الناس من كلّ صوب نحو بيت الإمام ، وقد ساد فيهم وجوم رهيب ، وعهد الإمام (

وأقبلت عائشة وهي تريد الدخول إلى بيت الإمام (


ولمّا مضى شطر من الليل قام الإمام أمير المؤمنين (


وبعد الفراغ من الغسل أدرجها في أكفانها ، ودعا بأطفالها الذين لم ينتهلوا من حنان اُمّهم ؛ ليلقوا عليها نظرة الوداع ، فألقوا بنفوسهم على جثمان اُمّهم وهم يوسعونها تقبيلاً , وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وبكائهم ، وبعد انتهائهم من الوداع عقد الإمام (

ـــــــــــــــــــــ
(1) مناقب ابن شهر آشوب 3 / 365 .
الصفحة (110)
الهزيع الأخير من الليل قام فصلّى على الجسد الطيب ، وعهد إلى مَنْ كان معه من خلّص صحابة رسول الله (

ووقف الإمام الثاكل الحزين على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه ، وقد طافت به موجات من الحزن والألم القاسي ، فأخذ يؤبّن زهراء الرسول بهذه الكلمات التي تحكي لوعته وأساه على هذا الرزء القاصم ، وقد وجّه خطابه إلى رسول الله (

قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، إلاّ أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزٍّ ؛ فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون . لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ؛ أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد , ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّعٍ لا قالٍ ولا سئم ؛ فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن اُقم فلا عن سوء ظنٍ بما وعد الله الصابرين ))(1) .
وحكت هذه الكلمات الحزن العميق والألم الممض الذي في نفس الإمام (


ـــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة ـ محمّد عبده 2 / 207 .
الصفحة (111)
كما أعلن الإمام عن أساه وشجاه على فقده لبضعة الرسول ، فهو في حزن دائم وليل مسهّد ، لا تنطفئ عنه نار اللوعة عليها حتّى يلتحق إلى جوار الله ، وإنّه إذ ينصرف عن قبرها المقدّس فليس ذلك عن سأم ولا عن ملالة وكراهية ، ولكن استجابة لتعاليم الإسلام الآمرة بالخلود إلى الصبر ، ولولا ذلك لأقام عنده ولا يريم عنه .
وعاد الإمام إلى داره بعد أن وارى جثمان سيّدة نساء العالمين في مثواها الأخير ، وقد نخب الحزن فؤاده ينظر إلى أطفاله وهم يبكون اُمّهم أمرّ البكاء ، وأشجاه خصوصاً العقيلة زينب فكادت تندب اُمّها بذوب روحها تبكي عليها صباحاً ومساءً قد خلدت إلى الأسى والحزن .
لقد قطعت عقيلة بني هاشم دور طفولتها الحزينة وقد طافت بها الآلام القاسية والرزايا الموجعة ؛ فقد فقدت جدّها رسول الله (

لقد وعت حفيدة الرسول (

وفاة أبي بكر
ولم يطل سلطان أبي بكر فقد ألمّت به الأمراض بعد مضي ما يزيد على سنتين من حكمه ، وقد قلّد صاحبه عمر شؤون الخلافة ، وقد لاقى معارضة شديدة من أعلام
الصفحة (112)
الصحابة , كان من بينهم طلحة ؛ فقد قال له : ماذا تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً ، تفرق منه النفوس ، وتنفض منه القلوب ؟(1) .
وسكت أبو بكر , فاندفع طلحة يشجب عهده لعمر قائلاً : يا خليفة رسول الله ، إنّا كنّا لا نحتمل شراسته وأنت حيّ تأخذ على يده ، فكيف يكون حالنا معه وأنت ميّت وهو الخليفة ؟
وسارع أكثر المهاجرين والأنصار إلى أبي بكر وهم يعلنون رفضهم وسخطهم وكراهيتهم لخلافة عمر , قائلين : نراك استخلفت علينا عمراً وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا ولّيت عنّا ؟! وأنت لاق الله عزّ وجلّ فسائلك ، فما أنت قائل ؟
فأجابهم أبو بكر : لئن سألني الله لأقولنّ استخلفت عليهم خيرهم من نفسي(2) .
وكان الأجدر به أن يستجيب لعواطف أكثر المسلمين ورغباتهم إلاّ أنّه لم يحفل بهم ، وأقام صاحبه خليفة من بعده ، وتوفّي أبو بكر وانتهت بذلك خلافته القصيرة الأمد ، وقد حفلت بأحداث رهيبة كان من بينها معاملة العترة الطاهرة التي هي وديعة النبي (


ولعلّ أقسى ما جرى عليهم من الكوارث فاجعة كربلاء الخالدة في دنيا الأحزان ؛ فقد استشهد الإمام الحسين
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 55 .
(2) شرح نهج البلاغة 6 / 343 ، دار إحياء الكتب العربية .
الصفحة (113)
ريحانة رسول الله (

كلّ هذه الرزايا كانت ناجمة عن إقصاء أهل البيت (عليهم السّلام) عن مركز القيادة العامة للمسلمين .
في عهد عمر
وتولّى عمر بعد وفاة أبي بكر شؤون الدولة الإسلاميّة ، وقد قبض على الحكم بيد من حديد ، وساس البلاد بعنفٍ حتّى تحامى لقاءه أكابر الصحابة ؛ فإنّ درّته ـ فيما يقول المؤرّخون ـ كانت أهيب من سيف الحجّاج ، حتّى إنّ ابن عباس مع قربه للنبي (

وعلى أيّ حال , فقد نهج عمر في سياسته منهجاً خاصاً لا يتّفق في كثير من بنودها مع سياسيّة أبي بكر ، خصوصاً في السياسة المالية ؛ فقد كان السائد في سياسة أبي بكر المساواة بين المسلمين إلاّ أنّ عمر عدل عنها ، وميّز بعض المسلمين على بعض ؛ ففضّل العرب على الموالي ، وقريشاً على سائر العرب ، وقد أدّى ذلك إلى إيجاد الطبقية بين المسلمين(1) .
اعتزال الإمام (

واعتزل الإمام أمير المؤمنين (

ـــــــــــــــــــــ
(1) حياة الإمام الحسين (

الصفحة (114)
ضياع حقّه وسلب تراثه ؛ فقد جهد القوم على الغضّ من شأنه ، وعزله عن جميع ما يتعلّق بأمر الدولة ، حتّى ألصق خده بالتراب على حدّ تعبير بعض المؤرّخين .
يقول محمّد بن سليمان في أجوبته عن أسئلة جعفر بن مكي : إنّ عليّاً وضعه الأوّلون ـ يعني الشيخين ـ وأسقطاه وكسرا ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً(1) .
وقد صار جليس بيته تساوره الهموم ، ويسامر النجوم ، ويتوسّد الأرق ، ويتجرّع الغصص ، قد كظم غيظه ، وأسلم أمره إلى الله . وانطوت نفوس أبنائه على حزن لاذع وأسىً عميق على عمر ؛ فقد روى المؤرّخون أنّ الحسين (

وبهت عمر ، واستولت عليه الحيرة ، وراح يقول : صدقت , لم يكن لأبي منبر . وأخذه فأجلسه إلى جنبه , وجعل يفحص عمّن أوعز إليه بذلك قائلاً : مَنْ علّمك ؟
ـ (( والله ما علّمني أحد )) .
شعور طافح بالأسى والألم انبعث عن إلهام وعبقرية ، رأى الإمام الحسين (


وعلى أيّ حال , فقد كان هذا الشعور سائداً عند ذرّية رسول الله (


ـــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 9 / 28 .
الصفحة (115)
خطابها الرائع في البلاط الاُموي ؛ فقد قالت ليزيد : وسيعلم مَنْ سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ... وهذه الكلمات صريحة فيما ذكرناه .
وقد بحثنا عن شؤون عمر وأيام حكومته في كتابنا (حياة الإمام الحسين) ، فلا نعيد تلك البحوث .
اغتيال عمر
وبقي عمر على دست الحكم يتصرّف في شؤون الدولة حسب رغباته وميوله ، وكان فيما يقول المؤرّخون : شديد البغض والكراهية للفرس ، يبغضهم ويبغضونه ؛ فقد حظر عليهم دخول يثرب إلاّ مَنْ كان سنّه دون البلوغ(1) .
وتمنّى أن يحول بينهم وبينه جبل من حديد ، وأفتى بعدم إرثهم إلاّ مَنْ ولد منهم في بلاد العرب(2) ، وكان يُعبّر عنهم بالعلوج(3) .
وقد قام باغتياله أبو لؤلؤة وهو فارسي ، أمّا السبب في اغتياله له فهو أنّه كان فتى متحمّساً لوطنه واُمّته ، ورأى عمر قد بالغ في احتقار الفرس وإذلالهم ، وقد خفّ إليه يشكو ممّا ألمّ به من ضيق وجهد من جرّاء ما فرض عليه المغيرة من ثقل الخراج ، وكان مولى له ، فزجره عمر وصاح به : ما خراجك بكثير من أجل الحِرف التي تُحسنها .
وألهبت هذه الكلمات قلبه , فأضمر له الشرّ ، وزاد في حنقه عليه أنّه اجتاز على عمر فسخر منه , وقال له : بلغني أنّك تقول : لو شئت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت .
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 185 .
(2) الموطّأ 2 / 12 .
(3) شرح نهج البلاغة 12 / 185 .
الصفحة (116)
ولذعته هذه السخرية , فخاطب عمر : لأصنعنّ لك رحى يتحدّث الناس بها .
وفي اليوم الثاني قام بعملية الاغتيال(1) ، فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرّة فخرقت الصفاق(2) ، وهي التي قضت عليه ، ثمّ هجم على مَنْ في المسجد فطعن أحد عشر رجلاً ، وعمد إلى نفسه فانتحر(3) ، وحُمل عمر إلى داره وجراحاته تنزف دماً ، فقال لمَنْ حوله : مَنْ طعنني ؟
ـ غلام المغيرة .
ـ ألم أقل لكم : لا تجلبوا لنا من العلوج أحداً فغلبتموني ؟(4) .
وأحضر أهله له طبيباً , فقال له : أيّ الشراب أحبّ إليك ؟
ـ النبيذ .
فسقوه منه فخرج من بعض طعناته صديداً ، ثم سقوه لبناً فخرج من بعض طعناته ، فيئس منه الطبيب ، وقال له : لا أرى أن تُمسي(5) .
الشورى
ولمّا أيقن عمر بدنوّ الأجل المحتوم منه أخذ يطيل التفكير فيمَنْ يتولّى شؤون
ـــــــــــــــــــــ
(1) مروج الذهب 2 / 212 .
(2) الصفاق : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد .
(3) شرح نهج البلاغة 12 / 185 .
(4) شرح نهج البلاغة 12 / 187 .
(5) الاستيعاب (المطبوع على هامش الإصابة) 2 / 461 .
الصفحة (117)
الحكم من بعده ، وقد تذكّر أعضاء حزبه الذين شاركوه في تمهيد الحكم لأبي بكر ، فأخذ يُبدي حسراته عليهم ؛ لأنّهم جميعاً قد اقتطفتهم المنيّة ، فقال بأسى وأسف : لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته ؛ لأنّه أمين هذه الاُمّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته ؛ لأنّه شديد الحبّ لله تعالى .
لقد استعرض الأموات وتمنّى أن يقلّدهم الحكم , ولم يعرض لسيّد العترة الإمام أمير المؤمنين (


لقد تمنّى حضور أبي عبيدة وسالم يقلّدهما منصب رئاسة الدولة ، مع العلم أنّهما لم يكن لهما أيّة سابقة تُذكر في خدمة الإسلام .
لقد رأى عمر أن يجعلها شورى بين المسلمين وانتخب مَنْ يمثّلهم ، وهم ستة :
1 ـ الإمام أمير المؤمنين (

2 ـ عثمان بن عفان الاُموي .
3 ـ طلحة .
4 ـ عبد الرحمن بن عوف .
5 ـ الزبير .
6 ـ سعد بن أبي وقاص .
وقد اختار عمر هؤلاء النفر لصرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين (

واحد منهم سوى الإمام , فانصرف عنه ، فقال عمر لمَنْ حضر عنده : والله إنّي لأعلم مكان رجل لو ولّيتموه أمركم لحملكم على المحجّة البيضاء .
فقالوا له : مَنْ هو ؟
ـ هذا المولّي من بينكم .
ـ ما يمنعك من ذلك ؟
ـ ليس إلى ذلك من سبيل(1) .
ودعا عمر بأبي طلحة الأنصاري فعهد إليه بما يحكم أمر الشورى , فقال له : يا أبا طلحة ، إنّ الله أعزّ بكم الإسلام , فاختر خمسين رجلاً من الأنصار , فالزم هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله . والتفت إلى المقداد فعهد إليه بمثل ما عهد إلى أبي طلحة ، ثمّ قال له : إذا اتفق خمسة وأبى واحد منهم فاضربوا عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضربوا عنقيهما ، وإن اتّفق ثلاثة على رجل ورضي ثلاثة منهم برجلٍ آخر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف , واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس .
والتاع الإمام (

وسارع العباس قائلاً : مَنْ أعلمك بذلك ؟
وكشف الإمام (

ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 12 / 195 .
الصفحة (119)
وسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر لعثمان , وهم لا يختلفون ؛ فإمّا أن يولّيها عبد الرحمن عثمان , أو يولّيها عثمان عبد الرحمن )) .
وصدق تفرّس الإمام ؛ فقد ولاّها عبد الرحمن لعثمان إيثاراً لمصالحه ، وابتغاءً لرجوعها إليه من بعده .
إنّ أدنى تأمّل في وضع الشورى يتّضح منه صرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين (

وعلى أيّ حال ، فإنّ الشورى بأسلوبها الهزيل قد ألقت الاُمّة في شرّ عظيم ، وفرّقت كلمتها ، وأشاعت الطمع والتهالك على الحكم والسلطان بين أبنائها ، وقد أعلن هذه الظاهرة معاوية بن أبي سفيان ؛ فقد قال لأبي الحصين : بلغني أنّ عندك ذهناً وعقلاً , فأخبرني عن شيء أسألك عنه .
ـ سلني عمّا بدا لك .
ـ أخبرني ما الذي شتّت شمل أمر المسلمين وملأهم وخالف بينهم ؟
ـ قتل الناس عثمان .
ـ ما صنعت شيئاً .
ـ مسير عليّ إليك وقتاله إياك .
ـ ما صنعت شيئاً .
ـ مسير طلحة والزبير وعائشة وقتال عليّ إيّاهم .
ـ ما صنعت شيئاً .
ـ ما عندي غير هذا .
وطفق معاوية يبيّن أسباب الخلاف والفرقة بين المسلمين قائلاً : أنا اُخبرك ؛ إنّه لم يُشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر .
وأضاف يقول :الصفحة (120)
ثمّ جعلها ـ عمر ـ شورى بين ستّة نفر ، فلم يكن رجل منهم إلاّ رجاها لنفسه ورجاها له قومه ، وتطلّعت إلى ذلك نفسه(1) .
لقد شاعت الأطماع السياسيّة بشكل سافر عند بعض أعضاء الشورى وغيرهم ، فاندفعوا إلى خلق الحزبية في المجتمع الإسلامي للوصول إلى كرسي الحكم والظفر بخيرات البلاد .
وعلى أيّ حال , فقد ذكرنا بصورة موضوعية وشاملة آفات الشورى في كتابنا (حياة الإمام الحسين) ، وقد ألمحنا إليها في هذه البحوث ؛ وذلك لأنّها تُلقي الأضواء على الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة في ذلك العصر الذي عاشت فيه عقيلة بني هاشم ، والتي أدّت إلى ما عانته من الأهوال والكوارث التي تذهل كلّ كائن حيّ .
انتخاب عثمان وحكومته
واجتمع أعضاء الشورى في بيت المال ، وقيل في بيت مسرور بن مخرمة ، وتداولوا الحديث عمّن أحقّ بأمر المسلمين ، وكثر الجدل فيما بينهم ، فانبرى الإمام أمير المؤمنين (

ولم يعوا منطق الإمام ونصيحته ؛ فقد استجابوا لعواطفهم ، وكان الاُمويّون قد حفوا بأهل الشورى وهم يقدّمون لهم الوعود المعسولة إن انتخبوا عميدهم عثمان .
ـــــــــــــــــــــ
(1) العقد الفريد 3 / 73 ـ 74 .
الصفحة (121)
وانقضت الثلاثة أيام التي حدّدها عمر ولم ينتخب أعضاء الشورى أحداً منهم ، فحذّرهم أبو طلحة الأنصاري وجعل يتهدّهم ويتوعدّهم إن لم ينتخبوا أحداً منهم ، انبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان ؛ لأنّه كان شديد الكراهية للإمام أمير المؤمنين (

ووهب سعد بن أبي وقّاص حقّه لابن عمّه عبد الرحمن بن عوف ، وأصبح رأيه هو الفيصل ؛ لأنّ عمر وضع ثقته به ، وكان رأيه مع عثمان ؛ لأنّه صهره , وقد زهّده القرشيون في الإمام وحرّضوه على انتخاب عثمان ؛ لأنّه يحقّق رغباتهم وأطماعهم .
وأمر عبد الرحمن مسوراً بإحضار أمير المؤمنين (

وانبرى الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر فأشار عليه بما يضمن للاُمّة مصالحها ويصونها من الاختلاف والفرقة قائلاً : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً .
وأيّد المقداد مقالة صاحبه عمّار , فقال : صدق عمّار ، إن بايعت علياً سمعنا وأطعنا .
وشجبت الاُسر القرشيّة المعادية للإسلام والحاقدة عليه مقالة عمار ، ورشحّت عميد الاُمويِّين عثمان بن عفان ، وقد كان الممثل لها عبد الله بن أبي سرح فخاطب ابن عوف قائلاً : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان .
وكأنّ شؤون الخلافة ومصير المسلمين موكول إلى قريش وهي التي حاربت رسول الله (

الصفحة (122)
بجيوش مكثفة لاستئصال دعوته ومحو دينه ، ولكنّ الله تعالى ردّ كيدهم وأفشل خططهم ، ونصر نبيّه العظيم ، ولولا سماحة النبي (

وعلى أيّ حال , فقد اندفع عبد الله بن أبي ربيعة فأيّد مقالة ابن سرح قائلاً : إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا . وانبرى الصحابي الجليل عمّار بن ياسر فردّ على ابن أبي سرح قائلاً : متى كنت تنصح للمسلمين ؟
وصدق عمّار , فمتى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين وهو من ألدّ أعداء رسول الله (

واحتدم الجدال بين الهاشميين وخصومهم الاُمويِّين ، وانبرى ابن الإسلام البار عمّار بن ياسر فجعل يدعو لصالح المسلمين قائلاً : أيّها الناس ، إنّ الله أكرمنا بنبيّه ، وأعزّنا بدينه , فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم ؟
وانبرى رجل من مخزوم فقطع على عمّار كلامه قائلاً : لقد عدوت طورك يابن سميّة ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها !
وطفحت الروح الجاهليّة على هذه الكلمات ، فليس فيها إلاّ الدعوة إلى الباطل ؛ فقد اعتبر المخزومي أمر الخلافة وشؤونها إلى قريش التي ما آمنت بالله وكفرت بقيم الإسلام ، فأيّ حقّ لها في خلافة المسلمين ؟ وقبله أعلن أحد أعلام القرشيين : أبت قريش أن تجتمع النبوّة والإمامة في بيت واحد .
إنّ أمر الخلافة بيد جميع المسلمين يشترك فيه ابن سميّة وغيره من الضعفاء
ـــــــــــــــــــــ
(1) الاستيعاب 2 / 375 .
الصفحة (123)
الذين أعزّهم الله بدينه ، وليس لأيّ قرشي الحقّ في التدخّل بشؤون المسلمين لو كان هناك منطق وحساب .
وعلى أيّ حال , فقد احتدم النزاع بين القوى الإسلاميّة وبين القرشيّين ، فخاف سعد أن يفلت الأمر من أيديهم وتفوز الاُسرة النبويّة بالحكم فالتفت إلى عبد الرحمن قائلاً له : يا عبد الرحمن ، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس .
والتفت عبد الرحمن إلى الإمام (

فرمقه الإمام بطرفه وأجابه بمنطق الإسلام قائلاً : (( بل على كتاب الله وسنّة رسوله ، واجتهاد رأيي )) .
إنّ ابن عوف يعلم علماً جازماً أنّ الإمام لا يسوس المسلمين بسيرة الشيخين , ولا يحفل بها ، وإنّما يسوسهم بكتاب الله وسنّة نبيّه , ورأيه المشرق الذي هو امتداد ذاتي لرأي النبي (

ولو كان الإمام ممّن يبغي الحكم والسلطان لوافق على هذا الشرط ثمّ خالفه ، ولكنّه (سلام الله عليه) في جميع أدوار حياته واكب الصدق والحقّ , ولم يحد عنهما مهما كانت الظروف .
وعلى أيّ حال ، فإنّ عبد الرحمن لمّا يئس من إجابة الإمام اتّجه صوب عثمان فعرض عليه شروطه فأجابه بلا تردّد ، فصفق بكفّه على يده وقال له : اللّهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان .
والتاع الإمام فخاطب ابن عوف : (( والله , ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبها من صاحبه ، دقّ الله بينكما عطر منشم )) .
الصفحة (124)
لقد رجا ابن عوف من بيعته لعثمان أن يكون خليفة من بعده كما كان ذلك بالنسبة للشيخين ، واتّجه الإمام صوب القرشيّين فقال لهم : (( ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل , والله المستعان على ما تصفون )) .
ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدّده : يا عليّ ، لا تجعل على نفسك سبيلاً . وغادر الإمام المظلوم قاعة الاجتماع وهو يقول : (( سيبلغ الكتاب أجله )) .
والتفت الصحابي العظيم عمّار بن ياسر فخاطب ابن عوف : يا عبد الرحمن ، أما والله لقد تركته ، وإنّه من الذين يقضون بالحقّ وبه كانوا يعدلون .
وانبرى المقداد فرفع صوته قائلاً : تالله , ما رأيت مثل ما أُتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم ! وا عجباً لقريش ! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ أحداً أقضى بالعدل , ولا أعلم ولا ولا أتقى منه ! أما والله لو أجد أعواناً !
وصاح به عبد الرحمن : اتّق الله يا مقداد ؛ فإنّي خائف عليك الفتنة .
وانتهت بذلك مأساة الشورى التي وضعها عمر لصرف الخلافة عن أهل بيت النبوّة ومنحها لبني اُميّة ، وقد رأت عقيلة الوحي السيدةزينب (عليها السّلام) أضغان القرشيّين وحقدهم على أبيها ، وأنّهم قد عملوا جاهدين على إطفاء نور الله ، والإجهاز على رسالة الإسلام الهادفة لتطوير الوعي الاجتماعي ، وإشاعة الخير والهدى بين الناس .
الصفحة (125)
لقد خلقت الشورى العمرية الفتن والضغائن بين المسلمين , وحجبت الاُسرة النبويّة عن القيادة العامة للعالم الإسلامي ، وسلّطت عليهم شرار خلق الله ؛ فأمعنوا في ظلمهم والتنكيل بهم .
وما كارثة كربلاء وما عانته عقيلة بني هاشم السيّدة زينب (عليها السّلام) من صنوف الظلم والكوارث التي هي ـ من دون شك ـ من النتائج المباشرة لأحداث الشورى والسقيفة , فإنّهما الأساس لكلّ ما لحق بآل النبي (

حكومة عثمان
وتسلّم عثمان قيادة الاُمّة ، وقد احتفّ به بنو اُميّة وآل أبي معيط ، وأخذوا يتصرّفون في شؤون الدولة حسب رغباتهم وميولهم ، ولا شأن لعثمان في جميع المناحي السياسيّة والاقتصادية ؛ فقد كان بمعزل عنها ، وقد سيطر عليها وتسلّم قيادتها مروان بن الحكم الوزغ بن الوزغ ، والذي يسمّيه معاصروه بالخيط الباطل ؛ وذلك لخبثه وسوء سريرته ، فكان وزيره ومستشاره . وقد هام عثمان بحبّ اُسرته ، وتفانى في الولاء لهم فكان يقول : لو كانت مفاتيح الجنّة بيدي لأعطيتها لبني اُميّة(1) .
وقد أسند مناصب الدولة لهم ، كما عيّنهم ولاة في معظم الأقاليم الإسلاميّة ، ووهبهم الثراء العريض فكانوا في طليعة الرأسماليين في العالم الإسلامي ، وقد عرضنا في بعض كتبنا(2) بصورة موضوعية وشاملة إلى الهبات المالية الهائلة التي منحها عثمان لاُسرته ، كما عرض لها الحجّة الأميني , والدكتور طه حسين , والعقّاد وغيرهم .
وقد أدّت هباته ومنحه الامتيازات الخاصة لهم إلى نقمة المسلمين ,
ـــــــــــــــــــــ
(1) مسند أحمد 1 / 62 .
(2) حياة الإمام الحسن ، وحياة الإمام الحسين (

الصفحة (126)
وشيوع السخط والتذمّر عليه في معظم الأقاليم الإسلاميّة .
الجبهة المعارضة
ونقمت على عثمان وسخطت على سياسته معظم الصحابة وأعلام الإسلام , وفي طليعتهم :
1 ـ أبو ذرّ الغفاري
2 ـ عمّار بن ياسر
3 ـ السيّدة عائشة
4 ـ طلحة
5 ـ الزبير
6 ـ عبد الرحمن بن عوف
7 ـ عبد الله بن مسعود ، وغيرهم من أقطاب الإسلام وحماته
وقد نكّل عثمان بالكثيرين من معارضيه ؛ فقد نفى الصحابي العظيم أبا ذرّ الغفاري إلى الشام ، ثمّ نفاه إلى الربذة ، وهي صحراء قاحلة خالية من جميع مقوّمات الحياة ، وقد أنهكه الجوع حتّى توفي غريباً جائعاً مظلوماً ، كما نكّل بالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ، وقطع عنه مرتبه فلم يسعفه شيء حتّى أهلكه الفقر وفي يد عثمان ذهب الأرض وخيراتها .
كما نكّل بأعظم صحابي وأجلّ مجاهد إسلامي , وهو الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر ؛ فقد ضربه ضرباً مبرحاً حتّى أصابه فتق واُغمي عليه .
وقد رفعت السيدة عائشة قميص رسول الله (


وقد اشتدّت عليه المعارضة وقويت وامتدّت إلى معظم الأقاليم الإسلاميّة ، وقد استجارت المعارضة بالعراق ومصر وغيرها لإنقاذ المسلمين من
الصفحة (127)
عثمان وبطانته ، فخفّت بعض الكتائب العسكريّة فزحفت إلى يثرب ، وأحاطت بدار عثمان وطلبت منه إبعاد مروان وإقصاء بني اُميّة عنه , أو الاستقالة من منصبه ، فوعدهم بتنفيذ أهم متطلباتهم , وهي إقصاء بني اُميّة , إلاّ أنّه خان بوعده ، وكتب إلى ولاته على الأقطار بالتنكيل بمَنْ استجاب للمعارضة ممّن قدموا إلى يثرب .
وقبض الثوار في أثناء رجوعهم إلى مدنهم على رسائله التي بعثها إلى ولاته في التنكيل بهم , ففزعوا وقفلوا راجعين إلى يثرب ، وعرضوا عليه رسائله وطالبوه بالاستقالة الفورية من منصبه فلم يستجب لهم ، وأصرّ على الاحتفاظ بكرسي الحكم ، فعمدوا إلى الإجهاز عليه فقتلوه شرّ قتلة ، وتركوا جسده مرمياً على مزبلة من مزابل يثرب ؛ استهانة به ، ولم يسمحوا بمواراته إلاّ أنّ الإمام أمير المؤمنين (

لقد انتهت حكومة عثمان , وقد أخلدت للمسلمين المصاعب والفتن وألقتهم في شرّ عظيم ؛ فقد اتّخذت عائشة قتله وسيلة لتحقيق مآربها وأطماعها السياسيّة , فراحت تُطالب الإمام بدمه ، وهي التي أفتت بقتله وكفره ، كما اتّخذ الذئب الجاهلي معاوية بن هند قتل عثمان ورقة رابحة للتمرّد على حكومة الإمام والمطالبة بدمه .
وعلى أيّ حال , فقد رأت حفيدة النبي (

حكومة الإمام (

وبعدما أطاح الثوار بحكومة عثمان أحاطوا بالإمام أمير المؤمنين (

الصفحة (128)
بحياته ، ويعلنون ترشيحه لقيادة الاُمّة فليس غيره أولى وأحق بهذا المركز الخطير ، فهو ابن عمّ النبي (

فقال (

فهتفوا بلسان واحد : ما نختار غيرك .
وعقدت القوات المسلحة مؤتمراً خاصاً عرضت فيه ما تواجهه الاُمّة من الأخطار إن بقيت بلا إمام يدير شؤونها ، وقد قرّرت إحضار المدنيّين وإرغامهم على انتخاب إمام المسلمين ، فلمّا حضروا هدّدوهم بالتنكيل إن لم ينتخبوا إماماً وخليفة للمسلمين ، ففزعوا إلى الإمام أمير المؤمنين (

فامتنع الإمام (

فأجابهم الإمام بالرفض الكامل قائلاً : (( دعوني والتمسوا غيري )) . ثمّ أعرب لهم الإمام (

الصفحة (129)
لقد كشف الإمام عمّا سيواجهه المسلمون من الأحداث المروّعة التي تعصف بالحلم وتميد بالصبر ، الناجمة من الحكم المباد الذي عاث فساداً في الأرض ؛ فقد أقام عثمان اُسرته حكّاماً وولاةً على الأقاليم الإسلاميّة فاستأثروا بأموال المسلمين واحتكروها لأنفسهم ، وإنّهم حتماً سيقاومون كلّ مَنْ يريد الإصلاح الاجتماعي ؛ فلذلك امتنع الإمام من إجابة القوم .
ثمّ عرض الإمام على القوات المسلحة وعلى الصحابة وغيرهم منهجه فيما إذا ولي اُمورهم قائلاً : (( إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، وإن تركتموني فإنّما أنا كأحدكم ، ألا وإنّي من أسمعكم وأطوعكم لمَنْ ولّيتموه )) . واستجاب الجميع لما عرضه الإمام عليهم قائلين : ما نحن بمفارقيك حتّى نبايعك .
وأجّلهم الإمام إلى الغد لينظر في الاُمور ، ولمّا أصبح الصبح هرعت الجماهير إلى الجامع الأعظم ، فأقبل الإمام (

وتعالى هتاف الجماهير بالتأييد والرضا قائلين : نحن على ما فارقناك عليه بالأمس . وطفق الإمام قائلاً : (( اللّهمّ اشهد عليهم )) .
وقد اتّجهت الناس كالموج صوب الإمام لتبايعه ، وأوّل مَنْ بايعه طلحة , فبايعه
الصفحة (130)
بيده الشلاّء التي سرعان ما نكث بها عهد الله , فتطيّر منها الإمام وقال : (( ما أخلفه أن ينكث ))(1) .
ثمّ بايعه الزبير وهو ممّن نكث بيعته ، وبايعته القوات العسكريّة ، كما بايعه مَنْ بقي من أهل بدر والمهاجرين والأنصار كافة(2) .
ولم يظفر أحد من خلفاء المسلمين بمثل هذه البيعة في شمولها ، وقد فرح بها المسلمون وابتهجوا , ووصف الإمام (

لقد ابتهج المسلمون ، وعمّت الفرحة الكبرى جميع الأوساط الإسلاميّة بخلافة الإمام أمير المؤمنين (

وجوم القرشيّين
واستقبلت قريش خلافة الإمام أمير المؤمنين (


وقريش تعرف الإمام جيداً ؛ فهو الذي حصد رؤوس أعلامهم بسيفه ، ومحق
ـــــــــــــــــــــ
(1) العقد الفريد 3 / 93 .
(2) حياة الإمام الحسن (

الصفحة (131)
كبرياءهم في سبيل الإسلام الذي ناهضوه ، وقد خفّ إليه الاُمويّون وفي طليعتهم الوليد فقال للإمام : إنّك قد وترتنا جميعاً ؛ أمّا أنا فقتلت أبي صبراً يوم بدر ، وأمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر ، وكان أبوه من نور قريش ، وأمّا مروان فشتمت أباه ، وعبت على عثمان حين ضمّه إليه , فنبايع على أن تضع عنّا ما أصبنا ، وتعفو عنّا عمّا في أيدينا ، وتقتل قتلة صاحبنا .
فردّ الإمام عليه مقالته التي لا بصيص فيها من نور الحقّ قائلاً : (( أمّا ما ذكرت من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم ؛ وأمّا وضعي عنكم عمّا في أيديكم فليس لي أن أضع حقّ الله ؛ وأمّا إعفائي عمّا في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم ؛ وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتالهم اليوم لزمني قتالهم غداً ، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنّة نبيّه ، فمَنْ ضاق عليه الحقّ فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم ))(1) .
إنّ الاُمويِّين أرادوا المساومة فيما نهبوه من أموال المسلمين وما اختلسوه من بيت المال ، وهيهات أن يستجيب لهم رائد الحقّ والعدالة في دنيا الإسلام الذي لا تساوي السلطة عنده قيمة حذائه الذي كان من ليف ، وقد انصرفوا عنه وقلوبهم مترعة بالحقد والكراهية له .
وعلى أيّ حال , فقد فزع القرشيّون من حكومة الإمام (

لقد أيقنوا أنّ الإمام سيعاملهم معاملة عادية ، ولا يميّزهم على أيّ أحد من المسلمين ، وقد كان سيء الظنّ بهم ، وقد أعرب عن مدى استيائه منهم بقوله : (( ما لي ولقريش ! لقد قاتلتهم كافرين , ولأقتلنهم مفتونين . والله لأبقرنّ الباطل
ـــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 155 .
يتبع
تعليق