لماذا لم يتَّبعأبو حنيفة أستاذه الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ؟
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
مما يثير الاستغراب و يبعث على التساؤل حقاًهو أن أئمة المذاهب الأربعة [1] رغم إعترافهم بالمنزلة العلمية و الدينية الرفيعةللإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، و رغم معرفتهم بأنه حفيد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و من جملة آل بيته الطاهرين

فأئمة أهل البيت

و الغريب أننا نجدُ أن أبا حنيفة [3] إمام المذهب الحنفي و أستاذ بقيةأئمة المذاهب الأخرى [4] رغم تتلمذه على الإمام الصادق ( عليهالسَّلام ) ، و رغمإعترافه الصريح بأهمية ما تلقاه من الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، فإنه مع كلذلك قد خالف أستاذه الإمام الصادق (عليه السَّلام ) و لم يتَّبعه في منهجه الفقهيو العلمي .
يقول الآلوسي : و هذا أبو حنيفة و هو هو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : " لولا السنتان لهلك النعمان " يريد السنتين اللتين صحب فيها - لأخذ العلم - الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ) [5] .
و يقول مالك بن أنس [6] : إختلفتُ إلى جعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال : إمامصلّياً و إما صائماً و إما يقرأ القرآن ، و ما رأيته قط يُحدِّثُ عن رسول اللهإلاّ على الطهارة ، و لا يتكلم بما لا يعنيه ، و كان من العلماء العبّاد و الزهادالذين يخشون الله [7] و ما رأت عين و لا سمعت اُذُنٌ و لا خَطَرَ على قلب بشر أفضلمن جعفر بن محمد الصادق علماً و عبادة و ورعاً [8] .
و هنا يكرر السؤال طرح نفسه : إذاً لماذا لم يتبع أبو حنيفة أستاذه الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ؟
والجواب واضح يتفطن إليه كل من أراد الحقيقة بعيداً عن الإنتماءات و التعصباتالمذهبية ، و السبب الأول و الأخير في هذا الأمر و في غيرها من الموارد الأخرىالمشابه ليس إلا السياسة و حب الرئاسة و و ...
و يكفيك دليلاً على صحة هذا القولموقف أبي حنيفة من أستاذه و تعاونه مع السلطان للنيل منه .
يقول أبو حنيفة : مارأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور بعث إليَّ .
فقال : يا أبا حنيفةإنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد ـ أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليهالسَّلام ) ـ فهيّئ له من المسائل الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبوجعفر المنصور و هو بالحيرة ، فدخلت عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلمابَصُرتُ به دخلتني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور ، فسلَّمتُ ، وأومأ فجلست .
ثم إلتفتَ إليه قائلاً : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة .
فقال : نعم أعرفه .
ثم التفت المنصور ، فقال : يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد اللهمسائلك .
فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ، و هم يقولون كذا ،و نحن نقول كذا ، فربّما تابعنا ، و ربّما تابعهم ، و ربّما خالفنا ، حتى أتيت علىالأربعين مسألة ، ما أخلّ منها مسألة واحدة .
ثم قال أبو حنيفة : أعلم الناسأعلمهم باختلاف الناس [9] .
و هذه القضية تدل بوضوح على حب الرجل للرئاسة حيثحاول إرضاء المنصور و التقرب إليه حتى بواسطة النيل من الإمام الصادق ( عليهالسَّلام ) ، الأمر الذي لم يوفق له .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المذاهب الأربعة هي كالتالي :
1. المذهب الحنفي ، المنسوب لأبي حنيفة النعمانبن ثابت بن زوطي ، المولود سنة : 80 هجرية ، و المتوفى سنة : 150 هجرية .
2. المذهب المالكي ، المنسوب لمالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر ، المتولد سنة : 95هجرية ، و المتوفى سنة : 179 هجرية .
3. المذهب الشافعي ، المنسوب لأبي عبد اللهمحمد بن إدريس الشافعي ، المولود سنة : 150 هجرية ، و المتوفى سنة : 204 هجرية .
4. المذهب الحنبلي ، المنسوب لأحمد بن حنبل بن هلال بن أسد ، المولود سنة : 164 هجرية ، و المتوفى سنة : 241 هجرية .
[2] القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
[3] الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، ولدسنة : 80 هـ في نسا ، و توفي سنة : 150 هـ في بغداد .
[4] أول من أخذ عن جعفر بنمحمد الصادق ( عليه السَّلام ) هو أبو حنيفة نعمان بن ثابت ، ثم أخذ مالك العلوم عنكتب أبي حنيفة ، ثم الشافعي أخذ عن مالك و درس عليه ، و لقنه ما أخذه عن كتب أبىحنيفة عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، ثم أخذ أحمد بن حنبل كذلك.
[5] مختصر التحفة الاثني عشريّة : 8 .
[6] مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبعي، ولد سنة 93 بالمدينة و توفي سنة 179.
[7] مالك بن أنس ، للخولي : 94 ، كتابمالك لمحمد أبو زهرة : 28 ، نقلاً عن المدارك للقاضي عياض: 212 ، و أيضاً الى هناعبارة التهذيب وما بعدها زيادة في كتاب المجالس السنية : / 5 ، و قد ذكر ابن تيميةفي كتاب التوسل و الوسيلة : 52 الطبعة الثانية ، هذه العبارة في جملة طويلة فيضمنها هذه الجملة .
[8] التهذيب : 2 / 104 .
[9] مناقب أبي حنيفة للموفق : 1 / 173 ، و جامع أسانيد أبي حنيفة : 1 / 252 ، و تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 157 .