المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستودع السر


تراب البقيع
24-06-2009, 12:37 AM
مستودع السر
إذا لم يكن لأحدٍ ((سرّ)) فليس له مستودع سر. فما هو هذا السر في حياة الأئمة؟ ما هذا الذي لا يتحمله أصحاب الأئمة عامة، بل ثمة نفر معدود له لياقة وصلاحية تحمّله، وبذلك نال شرف اسم ((مستودع السر))؟!
ولقد راحت الذهنية المتأخرة البعيدة عن واقع الأحداث وتمحيصها تفسّر هذا السر بأنه ((سر الإمامة)). كما راحت تفسّر سرّ الإمامة بأنه الأسرار الغيبية والقدرة على الخوارق والمعاجز.
أنا أؤمن بقدرة هذه الصفوة المقدسة من أهل البيت، الذين اختارهم الله لمواصلة مهمة حمل الرسالة وتبليغها بعد رسول الله، أن يحملوا مثل هذا القدرة ومثل هذه العلوم، كما أؤمن بأن تحلّيهم بهذه القوى والعلوم لا يتنافى أصلاً مع نظرة الإسلام إلى الإنسان والنواميس الطبيعية وسنن الكون. ولكن هذه القوى والعلوم ليست هي ((سر الإمام)). فمثل هذه القوى والعلوم أوضح دليل على الإمامة وعلى صدق دعوى الإمام. لماذا يكتم الإمام هذه الأمور ويوصي أصحابه بكتمانها في روايات كثيرة، تضافرت حتى أصبحت الكتب الحديثية الشيعية تتضمن باباً يحمل عنوان: ((باب الكتمان))؟ لابدّ أن يكون هذا السرّ مما لو شاع لشكل خطراً كبيراً على الإمام وأصحابه، وهذا شيء غير الغيبيات والخوارق.
هل السر هو معارف أهل البيت؟
هل هو رؤية مدرسة أهل البيت للإسلام وفقهها وأحكامها؟
لا ننكر أن معارف مدرسة أهل البيت كانت تنشر في عصر الاضطهاد الأموي والعباسي وفق منهج الحكمة والتدبير، لكي لا يخوض فيها كل من هبّ ودبّ، ولكن هذه المعارف لا يمكن أن تكون هي سر الإمام. فمع كل ما أحاط بهذه المعارف من اختصاص، كانت تدرس في مئات الحوزات الفقهية والحديثية في عدد من كبريات مدن الصقع الإسلامي آنذاك، كان الشيعة يتناقلون هذه المعارف ويشرحونها ويتداولونها. بعبارة أخرى كانت هذه المعارف خاصة لا سرية.
واختصاصها يعني أن رواجها كان محدوداً بالدائرة الشيعية، لكنها كانت تصل الى غير الشيعة ايضاً في ظروف خاصة. لم تكن أبداً محدودة بأفراد معدودين من أصحاب الأئمة وخافية على غيرهم.
الحق إن الأسرار هي ما يتعلق بالمعلومات المرتبطة بالجهاز التنظيمي للإمام.. بالجهاز الذي يخوض معتركاً سياسياً باتجاه هدف ثوري.. بالتكتيك الذي ينتهجه الجهاز.. بالعمليات التي ينفذها.. بأسماء ومهام أعضاء الجهاز.. بمصادر التمويل.. بالأخبار والتقارير المتعلقة بالأحداث الهامة.. هذه وأمثالها من الأسرار التي لا يجوز أن يطّلع عليها سوى القائد والكوادر المسؤولة. ربما تحين الظروف المناسبة عاجلاً أم آجلاً لإعلان هذه الأسرار وكشفها، ولكن قبل أن تحين تلك الظروف لا يمكن أن يطلع على هذه الأسرار سوى من يرتبط عمله مباشرة بها، وهم ((مستودع السر)). وكل تسريب لهذه المعلومات الى أوساط الشيعة فإنه يفتح ثغرة تسرّبها الى الأعداء، وهو خطأ كبير لا يغتفر، خطأ قد يؤدي الى انهدام الجهود والأعمال والمجموعة المنتظمة. ومن هنا نفهم ما يعنيه الإمام (عليه السلام) اذ قال: ((ليس الناصب لنا حرباً بأعظم من المذيع علينا سرّنا. فمن أذاع سرّنا الى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضهُ السلاح)).
الباب والوكيل
في الارتباطات السرية بين الإمام (عليه السلام) والشيعة قد يتطلب الأمر ايصال بعض المعلومات الى الشيعة عن طريق ((واسطة))، وهذا تدبير معقول وطبيعي. العيون المتلصصة على كشف ارتباطات الإمام (عليه السلام) تترصد التقاءاته بأتباعه في موسم الحج في مكة والمدينة حين تؤمها القوافل من أقاصي العالم، لذلك نرى أن الإمام (عليه السلام) كان يُبعد عنه بعض الأفراد بلهجة لينة أحياناً، ومعاتبة تارة أخرى. يقول لسفيان الثوري مثلاً: ((أنت رجل مطلوب وللسلطان علينا عيون فاخرج عنا غير مطرود)).
ويترحم الإمام (عليه السلام) على شخص صادفه في الطريق وأعرض بوجهه عنه، ويذم شخصاً آخر رآه في ظروف مشابهة فسلّم عليه باحترام واجلال.
مثل هذه الظروف تستلزم وجود فرد يكون واسطة بين الإمام (عليه السلام) وبين من يحتاج الى معلومات تصل اليه من الإمام، وهذا الواسطة هو ((الباب))، ويجب أن يكون من أخلص أتباع الإمام، وأقربهم اليه، وأغناهم بالمعلومات والخطط. يجب أن يكون مثل ((نحلة)) اذا عرفت الحشرات المضرّة ما تحمله من عسل قطّعتها وأغارت على شهدها. وليس صدفة أن نرى تعرض هؤلاء ((الأبواب)) غالباً للمطاردة وأقسى ألوان البطش والتنكيل.
إن يحيى بن أم طويل ((باب)) الإمام السجاد (عليه السلام) يقتل بشكل شنيع. وجابر بن يزيد الجعفي باب الإمام الباقر (عليه السلام) يتظاهر بالجنون ويشيع عنه ذلك فينجّيه من القتل الذي صدر الأمر به من الخليفة قبل أيام من اشتهار جنونه. ومحمد بن سنان باب الإمام الصادق (عليه السلام)، يتعرّض لطرد ظاهري من الإمام رغم أن الإمام أبدى رضاه عنه في مواضع أخرى وأثنى عليه، وما ذلك إلاّ لتعرّض محمد بن سنان لمثل هذه الأخطار. كما أن إعلان الإمام براءته من راوٍ معروف ومشهور حظي بإعلان رضا الإمام (عليه السلام) مراراً يعود على الأقوى الى تكتيك تنظيمي.
مثل هذا المصير يواجهه ((الوكيل)) ايضاً. مسؤول جمع الأموال المرتبطة بالإمام وتوزيعها، يملك ايضاً كثيراً من الأسرار وأقلها أسماء الدافعين والقابضين، وليست هذه المعلومات بالتي يستهين بها أعداء الإمام، وأفضل دليل على ذلك مصير المعلّى بن خنيس وكيل الإمام الصادق (عليه السلام) في المدينة، وتعبيرات الإمام القائمة على أساس التقية بشأن المفضل بن عمر وكيل الإمام في الكوفة.
هذه العناوين الثلاثة (الباب، الوكيل، صاحب السر) التي نجد مصاديقها في وجوه بارزة من رجال الشيعة تلقي ظلالاً على واقع الشيعة وارتباطهم بالإمام والحركة التنظيمية الشيعية.
يمكننا بهذه النظرة أن نفهم الشيعة بأنهم مجموعة من العناصر المنسجمة الهادفة النشطة المتمركزة حول محور مقدس يشعّ بتعاليمه وأوامره على القاعدة، والقاعدة ترتبط به وتنقل اليه المعلومات وتضبط مشاعرها وتسيطر على عواطفها بتوصياته الحكيمة، وتلتزم التزاماً دينياً العمل السري، مثل حفظ الأسرار، وقلة الكلام، والابتعاد عن الأضواء والتعاون الجماعي والزهد الثوري.

محـب الحسين
24-06-2009, 01:47 AM
اخي العزيز
وفقك الباري سبحانه

***امير العاشقين***
24-06-2009, 11:13 AM
بارك الله فيك