الفقه المقارن / إسقاط "حي على خير العمل" من الآذان والإقامة
إسقاط "حي على خير العمل" من الآذان والإقامة
وذلك أن هذا الفصل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جزءا من الأذان ومن الاقامة، لكن أولي الأمر على عهد الخليفة الثاني كانوا يحرصون على أن تفهم العامة ان خير العمل انما هو الجهاد في سبيل الله ليندفعوا إليه، وتعكف هممهم عليه، ورأوا أن النداء على الصلاة بغير العمل مقدمة لفرائضها الخمس ينافي ذلك.
بل أوجسرا خيفة من بقا، هذا الفصل في الأذان والاقامة أن يكون سببا في تثبيط العامة عن الجهاد، إذ لو عرف الناس أن الصلاة خير من العمل مع ما فيها من الدعة والسلامة لاقتصروا في ابتناء الثواب عليها، واعرضوا عن خطر الجهاد المفضول بالنسبة اليها.
وكانت همم أولي الأمر يومئذٍ منصرفة إلى نشر الدعوة الإسلامية، وفتح المشارق والمغارب، وفتح الممالك لا يكون إلا بتشويق الجند الى التورط في سبيله بالمهالك، بحيث يشربون في قلوبهم الجهاد، حتى يعتقدون أنه خير عمل يرجونه يوم المعاد.
ولذا ترجح في نظرهم اسقاط هذا الفصل تقديما لتلك المصلحة على التعبد بما جاء به الشرع الأقدس، فقال الخليفة الثاني وهو على المنبر _ فيما نص عليه القوشجي120 في أواخر مبحث الامامة من شرح التجريد،
67
وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة _: ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل 121.
وتبعه في اسقاطها عامة من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت ومن يرى رأيهم، " احي على خير العمل " من شعارهم، كما هو بديهي من مذهبهم، حتى أن شهيد فخ _ الحسين بن علي بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام _ لما ظهر بالمدينة أيام الهادي من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي بها ففعل. نص على ذلك أبو الفرج الأصبهاني حيث ذكر صاحب فخ ومقتله في كتابه مقاتل الطالبيين122.
وذكر العلامة الحلبي في باب بد، الأذان ومشروعيته ص 11، على الجز، الثاني من سيرته أن ابن عمر رضي الله عنه والأمام زين العابدين علي بن
68
الحسين عليه السلام ، كانا يقولان في الأذان – بعد حي على الفلاح – حي على خير العمل.
قلت: وهذا متواتر على أئمة أهل البيت، فراجع حديثهم وفقههم لتكون على بصيرة من رأيهم وروايتهم عليهم السلام .