المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هجرة خارج الأرض(**)


ديجيتال
09-07-2009, 12:28 PM
هجرة خارج الأرض(**)
لقد جرت مناقشة هذه المسألة تفصيليا أول مرة من قبل الفلكي <h.m.هارت> والمهندس<d.ڤيوينگ> في بحثين منفصلين نُشرا عام 1975. وجرى بعد ذلك التوسع في بحث الموضوع من قبل الكثير من الباحثين الذين كان من أبرزهم الفيزيائي<j.f.تيپلر> والفلكي الراديوي<n.r.بريسويل>. لقد انطلق جميع هؤلاء من نقطة البداية نفسها، وهي الافتقار إلى دليل واضح على قدوم اللاأرضيين إلى الأرض. ومهما يكن التصور الذي قد يكوِّنه المرء عن الصحون الطائرة، فإننا على يقين أنه لم يحدث في يوم من الأيام أن قامت حضارة لاأرضية بالاستيلاء على الأرض، لأن من شأن مثل هذا الأمر أن يكون قد وضع نهاية لتطورنا وبالتالي لما كنا باقين حتى الآن.

هناك فقط أربع طرق يمكن تصورها للتوفيق بين عدم وجود لا أرضيين ووجهة النظر الواسعة القبول القائلة إن الحضارات المتقدمة شائعة. فقد يكون الطيران في الفضاء بين النجوم غير ممكن، الأمر الذي لا يتيح للاأرضيين القدوم إلينا حتى ولو كانوا يرغبون في ذلك. وقد تكون الحضارات اللاأرضية منشغلة جدا باستكشاف المجرة لكنها لم تصل إلينا بعد. وقد يكون السفر عبر النجوم متاحا لهؤلاء اللاأرضيين ولكنهم اختاروا عدم القيام به، وأخيرا قد يكون اللاأرضيون مشغولين بتحري جوار الأرض ولكنهم قرروا عدم التدخل في شؤوننا. فإذا استطعنا حذف كل من هذه التفسيرات من مفارقة فِرمي فسيكون علينا أن نواجه احتمال أن نكون أكثر أشكال الحياة تقدما في المجرة.

من الواضح أن التفسير الأول غير مقبول، فلا يوجد مبدأ فيزيائي أو هندسي معروف ينفي إمكانية الطيران الفضائي بين النجوم. وقد قام المهندسون حتى في الأيام الأولى من عصر الفضاء، بتصور استراتيجيات دافعة تتيح الوصول إلى 10 أو 20 في المئة من سرعة الضوء مما يسمح بالسفر إلى النجوم القريبة في غضون عقود من الزمن. [انظر: «السعي للوصول إلى النجوم»، مجلة العلوم، العددان 6/7(1999) ، صفحة 86].

وللسبب ذاته نجد أن التفسير الثاني لا يخلو أيضا من المشكلات، فالحضارة التي تمتلك تقانة متقدمة في صنع الصواريخ يجب أن تكون قادرة على استعمار كامل المجرة في زمن قصير وفق سلم كوني. فعلى سبيل المثال، لندخل في اعتبارنا حضارة ترسل مستعمرين إلى بعض المنظومات الكوكبية القريبة منها، فإن هؤلاء المستعمرين سيرسلون بدورهم، بعد أن يستقروا في المستعمرات الجديدة، مستعمرين ثانويين تابعين لهم، وهكذا دواليك...، فيزداد عدد المستعمرات أسيّا، وتتحرك موجة جبهة الاستعمار ممتدة نحو الخارج بسرعة تحددها سرعة سفن النجوم والزمن اللازم لاستقرار المستعمرة الجديدة. وسرعان ما تملأ المستوطنات الجديدة الفضاء خلف جبهة الموجة(7) هذه [انظر التوضيح في الصفحة74].

لنفترض مستعمرة نموذجية تمتد عشر سنوات ضوئية، ولنفترض أن سرعة سفينة فضائية تساوي 10 في المئة من سرعة الضوء، وأن هناك فترة تقدر ب400 سنة بين تأسيس المستعمرة وإرسال مستعمرين تابعين لها، عندئذ تنتشر جبهة موجة الاستعمار بسرعة متوسطة قدرها 0.02 سنة ضوئية في كل عام، ولما كان اتساع المجرة هو000 100سنة ضوئية، فإن خمسة ملايين سنة ستكون كافية لاستعمار المجرة بأكملها. ومع أن هذا الزمن كبير جدا وفق السلم البشري، إلا أنه لا يزيد على 0.05 في المئة من عمر المجرة. وإذا ما قورن هذا الزمن بالسلالم الزمنية الفلكية والبيولوجية، فإنه يعد حادثا آنيا. إن أعظم حَيْرة هي الزمن اللازم للمستعمرة كي تؤسس ذاتها وتقيم مستوطنات جديدة، وقد يكون الحد الأعلى المقبول لهذا الزمن هو 5000 سنة، وهو الزمن الذي استغرقته الحضارة البشرية لتطوِّر نفسها ابتداء من بناء أقدم المدن وحتى الطيران في الفضاء. وفي مثل هذه الحالة يكون الزمن اللازم لاستعمار المجرة نحو 50 مليون سنة.

إن المضمون واضح، وهو أن أول حضارة تقانية تتوافر لها القدرة والنية على استعمار المجرة بإمكانها أن تفعل ذلك قبل أن تتاح حتى فرصة التطور لأي منافس لها. ومن حيث المبدأ يمكن أن يكون هذا الأمر قد حدث قبل بلايين السنين، أي عندما كانت تستوطن الأرض كائنات مجهرية فقط، وكانت مفتوحة تماما أمام التدخل الخارجي. ومع ذلك لا توجد أية أداة مصنوعة أو أثر كيميائي أو تأثير بيولوجي واضح يدل على أن الأرض تعرضت للغزو في يوم من الأيام. وحتى وإن كانت الحياة قد بذرت في الأرض عمدا، كما خمّن ذلك بعض العلماء، فإن الأرض تُركت وحدها منذ ذلك الحين.

ويتبع ذلك أن أية محاولة لحل مفارقة فِرمي يجب أن تعتمد على فرضيات تتعلق بسلوك الحضارات الأخرى. فمثلا، قد تدمر هذه الحضارات ذاتها أولا، أو قد لا تبدي أي اهتمام في استعمار المجرة، أو أن لديها قواعد أخلاقية متينة مناهضة للتدخل في الأشكال البدائية للحياة. ويميل كثير من الباحثين عن الكائنات اللاأرضية، وكذلك بعض العلماء الآخرين الذين لديهم القناعة في أن الحضارات اللاأرضية يجب أن تكون منتشرة، إلى نبذ مضامين مفارقة فِرمي بالاستعانة اللانقدية بواحد أو أكثر من تلك الاعتبارات الاجتماعية.

ومع ذلك يواجه هؤلاء مسألة أساسية هي أن محاولات التفسير هذه لا تصح إلا إذا كان عدد الحضارات اللاأرضية صغيرا. فعندما تحتوي المجرة على ملايين أو بلايين الحضارات التقانية فسيكون من غير المحتمل عندئذ أن تدمر جميع هذه الحضارات ذاتها، أو ترضى بوضع ثابت مستقر، أو توافق على نفس مجموعة القواعد الأخلاقية الخاصة بالتعامل مع أشكال الحياة الأقل تطورا. فقد لا يلزم سوى حضارة تقانية واحدة للبدء، لأي سبب، ببرنامج لاستعمار المجرة. وبالفعل، فإن الحضارة التقانية الوحيدة التي نعرف أي شيء عنها هي في الواقع حضارتنا نحن التي قبل أن تتعرض للتدمير الذاتي تُظهِر جميع الدلائل على أنها حضارة توسعية وليست متحفظة تماما بالنسبة إلى تدخلها في الكائنات الحية الأخرى