حمّاماتنا وحمّاماتهم!
أخبرني صديقي أن ابنه ذا الثماني سنوات صار يحب المدرسة أخيرا بعد أن انتقل إلى أخرى جديدة. فقد أصبح لا يدعي المرض لكي يغيب، ويستيقظ مبكرا بعد أن كان ينام إلى أن يصل إلى فصله، ويشرب كأس الحليب بعد أن كان يقاطعه، ويتناول فطوره بنهم بعد أن كان يشجبه. وعندما استفسرت من صديقي عن سبب هذا التغير الذي طرأ على ابنه بعد أن انتقل إلى مدرسة أخرى سألني أن أوجه سؤالي إلى صاحب الشأن. وبالفعل سألت ابنه عن سر المدرسة الجديدة التي قلبت كيانه وغيرت ألوانه. فأجابني بتلقائية وهو يبتسم:"يكفي أن حمّاماتهم زي حمّامات البحرين!". ويقصد الطفل خالد أن مدرسته الجديدة تتوافر فيها دورات مياه كالتي نرتادها في المرافق العامة والخاصة في مملكة البحرين الشقيقة وتمتاز بنظافتها.
قبل أسبوع فقط كنت أشاهد نشرة الأخبار الرئيسة على قناة دبي. وعرضت النشرة تقريرا عن إقبال السياح المتزايد على التسوق في مجمعات دبي العديدة. ونقلت لنا عدسة الكاميرا الآلاف وهم يتجولون في أروقة المجمعات، وكأن أبا نواس يراهم عندما كتب:
ترى الناس أفواجاً إلى باب داره كأنهمُ رِِجْلاَ دَبىً وجرادِ
وسألت المراسلة التلفزيونية السياح الذين جاؤوا من كل فج عميق عن رأيهم في دبي، فأجاب الفرنسي إنه يفضل دبي لأن الخيارات فيها عديدة. أما الفنلندي فأبدى إعجابه بالمطاعم الدولية المتنوعة التي تنتشر بين ضلوعها. وحينما حان دور السعودي قال بعد أن بلع ريقه وحرك شماغه وأخمد عويل أطفاله الذين يحيطونه:"أزور دبي دائما لأن شوارعها واسعة وآمنة، ودورات مياهها نظيفة!".
في مطار ميلان الإيطالية التقيت شابا سعوديا واعدا أثناء رحلة العودة إلى المملكة وطلبت منه أن يفشي أمنية واحدة يغرفها من رأسه على عجل. فكانت أمنيته أن :"تنقل دورات مياه مطار ميلان إلى مطار الملك عبدالعزيز في جدة".
الإجابات السابقة تجسد معاناتنا الأزلية مع دورات المياه. هذه المعاناة التي أضحت ترافقنا وأحاديثنا وأمنياتنا منذ أن ندخل إلى المدرسة حتى نموت. هذه المعاناة التي جعلتنا نتقزز من المدرسة ونحاول الفرار منها. هذه المعاناة التي جعلتنا نشاهد شبانا وأطفالا يقضون حاجتهم على ضفاف الطرق الرئيسة والشوارع.
فقد شاهدت الشهر الماضي، خلف أحد المجمعات التجارية في العاصمة البحرينية شابا يرتدي شماغا يتبول(أعزكم الله) بجوار سيارته، وكان الناس حوله يصرخون:"أكيد سعودي!".
في المقابل، مازلت أتذكر زيارتي لمدرسة هيونداي في مدينة أولسان الكورية والتي عهدت صيانة دورات مياهها لطلاب المرحلة المتوسطة الذين كانوا يتناوبون على تنظيفها. فقد كانوا يتنافسون بحماسة على تنظيف دورات المياه. وكانت المدرسة تكرم الطلبة المتميزين في التنظيف بالتصوير مع عمدة المدينة في نهاية العام، مما انعكس إيجابا على المدرسة والمدينة. يقول لي مدير المدرسة الكوري هوانغ شو:"أصبح كل شيء نظيفا حولنا. نقل الطالب سلوكه في المدرسة إلى منزله ومحيطه. نتطلع إلى أن يرتبط أي سلوك إيجابي في الداخل والخارج بالكوريين".
وفي تايلاند يقوم طلاب المدارس الابتدائية، مقابل أجور زهيدة، بتنظيف دورات المياه الكثيرة التي تتوزع بانتظام حول شواطئها. يوفر لك هؤلاء الأطفال الماء، والمناديل، والصابون، وابتسامة ستحتفظ بها حتى تصل إلى وطنك.
أما في سنغافورة، فأقام نحو 53 رجلاً وسيدة مشروعا لتنمية المرافق العامة تحت شعار(من أجل سنغافورة) من أجل صيانة وإنشاء دورات مياه عديدة لدعم السياحة والمرافق العامة.
أكاد أجزم أن دورات مياهنا طردت الكثير من سياحنا قبل أوانهم. جعلت الكثيرين يفكرون غير مرة قبل أن يتصفحوا مدننا وقبل أن يسلكوا طرقنا السريعة المحشوة بدورات مياه لا تدار ولا تزار.
علينا أن نكافح دورات المياه الرثة، التي جعلتنا شعبا يعتاد قضاء حاجته في الخلاء، على مرأى من الأموات والأحياء!
أخبرني صديقي أن ابنه ذا الثماني سنوات صار يحب المدرسة أخيرا بعد أن انتقل إلى أخرى جديدة. فقد أصبح لا يدعي المرض لكي يغيب، ويستيقظ مبكرا بعد أن كان ينام إلى أن يصل إلى فصله، ويشرب كأس الحليب بعد أن كان يقاطعه، ويتناول فطوره بنهم بعد أن كان يشجبه. وعندما استفسرت من صديقي عن سبب هذا التغير الذي طرأ على ابنه بعد أن انتقل إلى مدرسة أخرى سألني أن أوجه سؤالي إلى صاحب الشأن. وبالفعل سألت ابنه عن سر المدرسة الجديدة التي قلبت كيانه وغيرت ألوانه. فأجابني بتلقائية وهو يبتسم:"يكفي أن حمّاماتهم زي حمّامات البحرين!". ويقصد الطفل خالد أن مدرسته الجديدة تتوافر فيها دورات مياه كالتي نرتادها في المرافق العامة والخاصة في مملكة البحرين الشقيقة وتمتاز بنظافتها.
قبل أسبوع فقط كنت أشاهد نشرة الأخبار الرئيسة على قناة دبي. وعرضت النشرة تقريرا عن إقبال السياح المتزايد على التسوق في مجمعات دبي العديدة. ونقلت لنا عدسة الكاميرا الآلاف وهم يتجولون في أروقة المجمعات، وكأن أبا نواس يراهم عندما كتب:
ترى الناس أفواجاً إلى باب داره كأنهمُ رِِجْلاَ دَبىً وجرادِ
وسألت المراسلة التلفزيونية السياح الذين جاؤوا من كل فج عميق عن رأيهم في دبي، فأجاب الفرنسي إنه يفضل دبي لأن الخيارات فيها عديدة. أما الفنلندي فأبدى إعجابه بالمطاعم الدولية المتنوعة التي تنتشر بين ضلوعها. وحينما حان دور السعودي قال بعد أن بلع ريقه وحرك شماغه وأخمد عويل أطفاله الذين يحيطونه:"أزور دبي دائما لأن شوارعها واسعة وآمنة، ودورات مياهها نظيفة!".
في مطار ميلان الإيطالية التقيت شابا سعوديا واعدا أثناء رحلة العودة إلى المملكة وطلبت منه أن يفشي أمنية واحدة يغرفها من رأسه على عجل. فكانت أمنيته أن :"تنقل دورات مياه مطار ميلان إلى مطار الملك عبدالعزيز في جدة".
الإجابات السابقة تجسد معاناتنا الأزلية مع دورات المياه. هذه المعاناة التي أضحت ترافقنا وأحاديثنا وأمنياتنا منذ أن ندخل إلى المدرسة حتى نموت. هذه المعاناة التي جعلتنا نتقزز من المدرسة ونحاول الفرار منها. هذه المعاناة التي جعلتنا نشاهد شبانا وأطفالا يقضون حاجتهم على ضفاف الطرق الرئيسة والشوارع.
فقد شاهدت الشهر الماضي، خلف أحد المجمعات التجارية في العاصمة البحرينية شابا يرتدي شماغا يتبول(أعزكم الله) بجوار سيارته، وكان الناس حوله يصرخون:"أكيد سعودي!".
في المقابل، مازلت أتذكر زيارتي لمدرسة هيونداي في مدينة أولسان الكورية والتي عهدت صيانة دورات مياهها لطلاب المرحلة المتوسطة الذين كانوا يتناوبون على تنظيفها. فقد كانوا يتنافسون بحماسة على تنظيف دورات المياه. وكانت المدرسة تكرم الطلبة المتميزين في التنظيف بالتصوير مع عمدة المدينة في نهاية العام، مما انعكس إيجابا على المدرسة والمدينة. يقول لي مدير المدرسة الكوري هوانغ شو:"أصبح كل شيء نظيفا حولنا. نقل الطالب سلوكه في المدرسة إلى منزله ومحيطه. نتطلع إلى أن يرتبط أي سلوك إيجابي في الداخل والخارج بالكوريين".
وفي تايلاند يقوم طلاب المدارس الابتدائية، مقابل أجور زهيدة، بتنظيف دورات المياه الكثيرة التي تتوزع بانتظام حول شواطئها. يوفر لك هؤلاء الأطفال الماء، والمناديل، والصابون، وابتسامة ستحتفظ بها حتى تصل إلى وطنك.
أما في سنغافورة، فأقام نحو 53 رجلاً وسيدة مشروعا لتنمية المرافق العامة تحت شعار(من أجل سنغافورة) من أجل صيانة وإنشاء دورات مياه عديدة لدعم السياحة والمرافق العامة.
أكاد أجزم أن دورات مياهنا طردت الكثير من سياحنا قبل أوانهم. جعلت الكثيرين يفكرون غير مرة قبل أن يتصفحوا مدننا وقبل أن يسلكوا طرقنا السريعة المحشوة بدورات مياه لا تدار ولا تزار.
علينا أن نكافح دورات المياه الرثة، التي جعلتنا شعبا يعتاد قضاء حاجته في الخلاء، على مرأى من الأموات والأحياء!
تعليق