مستند حرمة لحم الأرنب
سماحة الشيخ محمّد صنقور
المسألة:
ما هو حكم أكل لحم الأرنب، وما هي علته؟ وهل صحيحٌ ما يُقال أنَّ منشأ التحريم هو أنَّها تحيض؟ فإذا كان الأمر كذلك فالبقر أيضًا يحيض إلا أنَّه حلال؟
الجواب:
حكم أكل لحم الأرنب هو الحرمة، وأمَّا منشأ جعل الحرمة فعلم ذلك عند الله تعالى، فالكثير من الأحكام الشرعيَّة لا نعلم بملاكاتها ومنشأ جعلها، إلا أنَّ الذي نعلمه أنَّ الله تعالى لا يجعل الحرمة على شيء إلا لمفسدةٍ شديدة اقتضت ذلك، كما أنَّه تعالى لا يجعل الوجوب على شيءٍ إلا لمصلحةٍ شديدة اقتضت ذلك، فأحكام الله تعالى تابعة للمصالح والمفاسد لكنَّ عقل الإنسان قاصر عن إدراك جميع أوجه المصالح والمفاسد، فهو وإنْ كان قد يُدرك بعض أوجه المصالح والمفاسد إلا ان ذلك لا يُجدي بعد ان كان من المحتمل ان ماخفيَ عليه من المفسدة مثلا لوكان قد أدركها لأفضى ذلك إلى بنائه على الإمتناع عما أدرك مصلحته بمقتضى الموازنة بين المصالح والمفاسد، وكذلك المعكس، فلأننا عاجزون عن إدلااك جميع أوجه المصالح والمفاسد ولأننا آمناَّ بالله عزَّ وجلَّ وبحكمته المطلقة وبعلمه المطلق بواقع خلقه وما يُصلحهم لذلك فنحن نُسلِّم بشريعته وأحكامه.
وأمَّا دليل الحرمة فهي الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) و التي أفادت أنَّ الأرنب من المسوخ كمعتبرة محمد بن الحسن الاشعري، عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: "والارنب مسخ .."(1)، وكذلك ما ورد في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع)، قال: المسوخ ثلاثه عشر -وعد منها- الأرنب .."(2).
والمراد من المسوخ هو مجموعة من الحيوانات مسخ اللهُ عزَّ وجلَّ بعضَ العصاةِ من النَّاس على صورتها في غابر الزمان مثل القرد والخنزير، وهكذا الأرنب.
فقد ذكرت الروايات أنَّ الله عزَّ وجلَّ عاقب بعض العصاة من النَّاس فمسخهم على صورة هذه الحيوانات ثمَّ أماتهم، وقد ذكر القرآن الكريم أنَّ بعض بني إسرائيل لمَّا خالفوا الأمر الإلهي مسخهم قردة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ / فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾(3).
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾(4).
ثم إن هؤلاء العصاة الذين مسخهم الله تعالى على صور بعض الحيوانات وقع عليهم الموت بعد إنقضاء الغاية الإلهية من مسخهم، فلم يتناسلوا، فليس مانراه اليوم من هذه الحيوانات هم الئك الذين مُسخوا في التاريخ كما ربما يتوهم البعض بل إن مثل القردة والخناززير خُلقوا كما هم الآن من أول نشأتهم ثم تكاثروا إلى يومنا هذا، والمَسخ إنما كان بمعنى صيرورة بعض العصاة على هيئتهم ثم ماتوا بعد أن صاروا عبرةً و موعظةً للمتقين كما أفاد القرآن الكريم، وقد بين ذلك أهل البيت (ع) في أكثر من موضع:
فمن ذلك: ما رواه الصدوق في عيون أخبا الرضا (ع) باسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال: قال الإمام الرضا (ع): "وإن المسوخ لم يبقَ اكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت، وما تناسل منها شئ، وما على وجه الارض اليوم مسخ، وإن التي وقعت عليها إسم المسوخية مثل القرد والخنزير والدب وأشباهها، إنما هي مثل ما مسخَ اللهُ عز وجل على صورها قومًا غضب الله عليهم ولعنهم، بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله"(5).
وروى الصدوق أيضاً في العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قال: "ان أُولئك مُسخوا ثلاثة أيام، ثم ماتوا ولم يتناسلوا"(6).
إذا اتًّضح معنى المسوخ نقول إنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أفادت أنَّ كلَّ حيوان مُسخ بعضُ العصاة على صورته عقوبةً على معصيته وموعظةً للنَّاس فذلك الحيوان محرَّم الأكل، فمن هذه الرويات معتبرة سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- قال: "وحرم الله ورسولُه المسوخ جميعًا"(7).
ومنها: رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن (ع) قال: وقد حرم الله لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها"(8).
وحيث كان الأرنب من هذه الحيوانات -كما اتضح مما تقدم- لذلك فهو مشمول لهذا الحكم.
وأمَّا دعوى أنَّ منشأ تحريم الأرنب أنَّه يحيض فليس صحيحًا، فعلةُ التحريم -كما أفادت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)- هو انه مسخ، فتلك هي التي يدور حكم الحرمة مدارها، نعم ورد في بعض الروايات انَّ من علل تحريم الأرنب هو إنَّها بمنزلة السنور وانَّ لها مخالب كالسباع، ثم ذكرت انَّ الأرنب تتقذَّر بدم الحيض، وذلك ظاهرأ لغرض بعث الإستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب، وهذه الرواية أوردها الصدوق في العلل والعيون بأسانيد عن محمد بن سنان، عن الرضا (ع) فيما كتب اليه من جواب مسائله في العلل: "وحُرم الارنب، لأنها بمنزلة السنور، ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش، فجرت مجراها مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم، كما يكون من النساء، لانها مسخ"(9).
فالأرنب وإنْ كانت من الحيوانات التي تحيض الا انَّ مِلاك الحرمة -بحسب الروايات- هو انَّها من المسوخ او منه و في ذات الوقت هي بمنزلة السباع، فعلة تحريمها بحسب الروايات هو انَّها منطبَق لهذين العنوانين، وأما انَّها تحيض فذلك إنَّما ذكره الأمام (ع) ظاهرأ لإقناع المخاطَب انَّها مسخ، ولغرض بعث الإستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب, وأمَّا دعوى أنَّ الأبقار تحيض فلم يثبت ذلك، على أنَّ الحيض ليس منشأً للحرمة كما اتَّضح ذلك.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج 16 ص 314.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 110.
3- سورة البقرة / 65-66.
4- سورة المائدة / 60.
5- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 2 ص 245.
6- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 227.
7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 105.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 104.
9- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 100.
سماحة الشيخ محمّد صنقور
المسألة:
ما هو حكم أكل لحم الأرنب، وما هي علته؟ وهل صحيحٌ ما يُقال أنَّ منشأ التحريم هو أنَّها تحيض؟ فإذا كان الأمر كذلك فالبقر أيضًا يحيض إلا أنَّه حلال؟
الجواب:
حكم أكل لحم الأرنب هو الحرمة، وأمَّا منشأ جعل الحرمة فعلم ذلك عند الله تعالى، فالكثير من الأحكام الشرعيَّة لا نعلم بملاكاتها ومنشأ جعلها، إلا أنَّ الذي نعلمه أنَّ الله تعالى لا يجعل الحرمة على شيء إلا لمفسدةٍ شديدة اقتضت ذلك، كما أنَّه تعالى لا يجعل الوجوب على شيءٍ إلا لمصلحةٍ شديدة اقتضت ذلك، فأحكام الله تعالى تابعة للمصالح والمفاسد لكنَّ عقل الإنسان قاصر عن إدراك جميع أوجه المصالح والمفاسد، فهو وإنْ كان قد يُدرك بعض أوجه المصالح والمفاسد إلا ان ذلك لا يُجدي بعد ان كان من المحتمل ان ماخفيَ عليه من المفسدة مثلا لوكان قد أدركها لأفضى ذلك إلى بنائه على الإمتناع عما أدرك مصلحته بمقتضى الموازنة بين المصالح والمفاسد، وكذلك المعكس، فلأننا عاجزون عن إدلااك جميع أوجه المصالح والمفاسد ولأننا آمناَّ بالله عزَّ وجلَّ وبحكمته المطلقة وبعلمه المطلق بواقع خلقه وما يُصلحهم لذلك فنحن نُسلِّم بشريعته وأحكامه.
وأمَّا دليل الحرمة فهي الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) و التي أفادت أنَّ الأرنب من المسوخ كمعتبرة محمد بن الحسن الاشعري، عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: "والارنب مسخ .."(1)، وكذلك ما ورد في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع)، قال: المسوخ ثلاثه عشر -وعد منها- الأرنب .."(2).
والمراد من المسوخ هو مجموعة من الحيوانات مسخ اللهُ عزَّ وجلَّ بعضَ العصاةِ من النَّاس على صورتها في غابر الزمان مثل القرد والخنزير، وهكذا الأرنب.
فقد ذكرت الروايات أنَّ الله عزَّ وجلَّ عاقب بعض العصاة من النَّاس فمسخهم على صورة هذه الحيوانات ثمَّ أماتهم، وقد ذكر القرآن الكريم أنَّ بعض بني إسرائيل لمَّا خالفوا الأمر الإلهي مسخهم قردة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ / فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾(3).
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾(4).
ثم إن هؤلاء العصاة الذين مسخهم الله تعالى على صور بعض الحيوانات وقع عليهم الموت بعد إنقضاء الغاية الإلهية من مسخهم، فلم يتناسلوا، فليس مانراه اليوم من هذه الحيوانات هم الئك الذين مُسخوا في التاريخ كما ربما يتوهم البعض بل إن مثل القردة والخناززير خُلقوا كما هم الآن من أول نشأتهم ثم تكاثروا إلى يومنا هذا، والمَسخ إنما كان بمعنى صيرورة بعض العصاة على هيئتهم ثم ماتوا بعد أن صاروا عبرةً و موعظةً للمتقين كما أفاد القرآن الكريم، وقد بين ذلك أهل البيت (ع) في أكثر من موضع:
فمن ذلك: ما رواه الصدوق في عيون أخبا الرضا (ع) باسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال: قال الإمام الرضا (ع): "وإن المسوخ لم يبقَ اكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت، وما تناسل منها شئ، وما على وجه الارض اليوم مسخ، وإن التي وقعت عليها إسم المسوخية مثل القرد والخنزير والدب وأشباهها، إنما هي مثل ما مسخَ اللهُ عز وجل على صورها قومًا غضب الله عليهم ولعنهم، بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله"(5).
وروى الصدوق أيضاً في العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قال: "ان أُولئك مُسخوا ثلاثة أيام، ثم ماتوا ولم يتناسلوا"(6).
إذا اتًّضح معنى المسوخ نقول إنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أفادت أنَّ كلَّ حيوان مُسخ بعضُ العصاة على صورته عقوبةً على معصيته وموعظةً للنَّاس فذلك الحيوان محرَّم الأكل، فمن هذه الرويات معتبرة سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- قال: "وحرم الله ورسولُه المسوخ جميعًا"(7).
ومنها: رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن (ع) قال: وقد حرم الله لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها"(8).
وحيث كان الأرنب من هذه الحيوانات -كما اتضح مما تقدم- لذلك فهو مشمول لهذا الحكم.
وأمَّا دعوى أنَّ منشأ تحريم الأرنب أنَّه يحيض فليس صحيحًا، فعلةُ التحريم -كما أفادت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)- هو انه مسخ، فتلك هي التي يدور حكم الحرمة مدارها، نعم ورد في بعض الروايات انَّ من علل تحريم الأرنب هو إنَّها بمنزلة السنور وانَّ لها مخالب كالسباع، ثم ذكرت انَّ الأرنب تتقذَّر بدم الحيض، وذلك ظاهرأ لغرض بعث الإستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب، وهذه الرواية أوردها الصدوق في العلل والعيون بأسانيد عن محمد بن سنان، عن الرضا (ع) فيما كتب اليه من جواب مسائله في العلل: "وحُرم الارنب، لأنها بمنزلة السنور، ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش، فجرت مجراها مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم، كما يكون من النساء، لانها مسخ"(9).
فالأرنب وإنْ كانت من الحيوانات التي تحيض الا انَّ مِلاك الحرمة -بحسب الروايات- هو انَّها من المسوخ او منه و في ذات الوقت هي بمنزلة السباع، فعلة تحريمها بحسب الروايات هو انَّها منطبَق لهذين العنوانين، وأما انَّها تحيض فذلك إنَّما ذكره الأمام (ع) ظاهرأ لإقناع المخاطَب انَّها مسخ، ولغرض بعث الإستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب, وأمَّا دعوى أنَّ الأبقار تحيض فلم يثبت ذلك، على أنَّ الحيض ليس منشأً للحرمة كما اتَّضح ذلك.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج 16 ص 314.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 110.
3- سورة البقرة / 65-66.
4- سورة المائدة / 60.
5- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 2 ص 245.
6- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 227.
7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 105.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 104.
9- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 100.
تعليق