
لماذا تستهدف أمريكا الحشد الشعبي؟ وما هي الأهداف والتداعيات؟ وما هي الأهمية الجغرافية للقائم؟
شفقنا العراق- وفقًا لآخر التقارير، سقط 25 شهيدًا وأصيب أكثر من 50 آخرين بجروح في الغارات الأمريكية أول أمس، ومن المحتمل أن تزيد الخسائر البشرية لأن جثث العديد من الشهداء مازالت تحت الأنقاض.
الولايات المتحدة أبدت ردة فعلها بعد الهجوم بفترة قصيرة، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها استهدفت ثلاثة مواقع تابعة لحزب الله العراقي على الأراضي العراقية وموقعين له في سوريا.
كما اعتبرت وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه الهجمات تأتي رداً على ما أسمته “الهجوم المتكرر من قبل حزب الله العراقي على قواعد التحالف الدولي ضد داعش”.
هذا الادعاء خاطئ بشكل أساسي، ويحاول الأمريكيون تصوير الهجوم على أنه انتقام لهجوم بقذائف الهاون على قاعدتهم في غرب كركوك، والذي لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عنه بعد.
في أعقاب الهجوم الأمريكي، أدان جميع كبار المسؤولين العراقيين وقادة التيارات السياسية في البلاد الهجوم علی الحشد الشعبي بالإجماع.
التيارات السياسية العراقية الأخرى أيضاً أصدرت بيانات منفصلة، تدين الغارة الجوية الأمريكية على معاقل الحشد الشعبي في محافظة الأنبار، وتدعو الحكومة والبرلمان العراقي إلى اتخاذ موقف جاد ضد استمرار مثل هذه الاعتداءات.
لماذا استُهدف الحشد الشعبي في منطقة القائم؟
وفقًا للمراقبين السياسيين العراقيين، بعد الهجوم بقذائف الهاون على قاعدة “کي 1” الأمريکية في غرب كركوك، كان من المتوقع أن ترد الولايات المتحدة وتستهدف المجموعات القريبة من كركوك وسهل نينوى، وليس أن تشن هجوماً في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق.
يعتقد المحللون العراقيون أن الهجوم على اللواء 45 التابع للحشد الشعبي لم يكن رداً على الهجوم بقذائف الهاون على القاعدة الأمريكية “کي 1″، بل الولايات المتحدة تسعی لتحقيق أهداف أخرى من الهجوم، سيتم مناقشتها فيما يلي.
لقد عارضت الولايات المتحدة منذ البداية وجود قوات الحشد الشعبي في منطقة القائم، وهذه هي المرة الثالثة التي تستهدف فيها مواقع هذه القوات.
تحظى منطقة القائم بأهمية كبيرة في الحسابات الاستراتيجية للکيان الإسرائيلي، وتعتقد واشنطن أن هذه المنطقة يمكن أن تصبح حلقة وصل بين إيران وسوريا، وجسرًا إلى لبنان أيضًا. ولهذا السبب تحاول منع أي وجود للقوات المسلحة، وخاصةً الحشد الشعبي، في هذه المنطقة.
الأهمية الجغرافية
مدينة “القائم” قريبة من قاعدة “عين الأسد” الأمريكية، وتطل على طرق القوات الأمريكية بين العراق وسوريا. ووجود الحشد الشعبي في هذه المنطقة، سيحد من حرية حركة وتنقل القوات الأمريكية ويضعها في مرمی هذه القوات.
لقد استعادت القوات السورية والعراقية وحلفاؤهما معبر “البوكمال – القائم” من تنظيم داعش الإرهابي في أواخر عام 2017. يقع معبر البوكمال في محافظة “دير الزور” في سوريا جنوب نهر الفرات وفي أقصى جنوب شرق سوريا، کما يقع معبر القائم في محافظة “الأنبار” غرب العراق، وكلا المعبرين في محاذاة بعضهما البعض.
متنفس الإرهابيين
تعتبر القائم متنفس تنظيم داعش الإرهابي أيضًا، حيث يصل من خلالها مئات من عناصر هذا التنظيم إلى مناطق في الأنبار، وهي منطقة لا يُسمح حتی للطائرات العراقية بالتحليق فيها. وعادةً ما تستخدم واشنطن هذه الجماعات كأداة وبطاقة أمنية لابتزاز العراق.
تأتي أهمية استهداف اللواء 45 من حيث أنها تتبع كتائب حزب الله العراقي، وهي المجموعة التي تعتبر أقوى قوة قتالية من الناحية التكتيكية والأسلحة والقدرة على المناورة.
علی أية حال، أسباب الهجوم على مواقع الحشد الشعبي في القائم، وبغض النظر عما سبق، تثبت أكثر فأكثر أن الولايات المتحدة سعت دائمًا إلى ضرب هذه القوة الشعبية المناهضة للإرهاب، والسبب في ذلك هو “توازن القوى” الذي أوجده الحشد الشعبي ضد الجماعات الإرهابية في العراق والحدود السورية.
کما أظهر الهجوم أيضًا أن ادعاء الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب ليس أكثر من كذبة، وأن الولايات المتحدة قد استهدفت بالضبط مواقع القوات التي كانت في طليعة القتال ضد داعش والإرهاب التكفيري على مدار الأعوام الماضية، وألحقت ضربات قوية بصفوف الإرهابيين.
الأهداف والتداعيات
في الأشهر القليلة الماضية ولا سيما في أغسطس/آب، نُفذت غارتان جويتان على الأقل من قِبل طائرات بلا طيار على مقار الحشد الشعبي في محافظتي صلاح الدين وديالى، حيث اعتُبرت الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي بأنهما المشتبه به الرئيسي في الهجمات.
في ذلك الوقت، كان رد العراقيين على الهجمات هو الضغط من أجل إثارة خطة ترحيل القوات الأمريكية في مجلس النواب، والتي تم توقيعها من قبل 53 نائبًا، ولكن مع اندلاع الأزمة الداخلية، خرجت الخطة من اهتمام البرلمان.
ولكن الآن وبالنظر إلی الخسائر الفادحة وجرحی الهجوم الأخير وموقف واشنطن الاستعلائي في قبول المسؤولية عن الهجوم رسميًا، والتأكيد على مزيد من الانتقام في المستقبل من الجماعات التابعة للحشد الشعبي، يبدو أن مشروع طرد القوات الأمريكية من العراق، ليس فقط سيكون على جدول أعمال البرلمان بجدية أكبر من قبل، بل لم يقتصر الرد العراقي على المواقف السياسية، وكما أظهر التحرك الأمريكي العاجل لسحب موظفي سفارتها من المنطقة الخضراء ببغداد، سوف يتضاءل أمن القوات والقواعد الأمريكية في المستقبل إلى حد كبير.
على الرغم من أن قيادات الحشد الشعبي کانت لها مواقف مناهضة للولايات المتحدة في الماضي، ولکن يمکن اعتبار التهديدات الأخيرة للمواجهة العسكرية مع القوات الأمريكية أكثر خطورةً من الماضي لسببين.
الأول، أن الهجوم الأمريكي قد وحَّد المواقف ووجهات النظر لمختلف الفصائل والتشکيلات داخل الحشد الشعبي، حول الحاجة إلى التعامل بقوة مع المصالح الأمريكية في العراق، في حين أن بعض الجماعات مثل “عصائب أهل الحق”، كانت لها مواقف معادية تجاه الولايات المتحدة أکثر من الجماعات الأخرى المنضوية في الحشد.
والثاني، أن الرأي العام في العراق يطالب الآن بالتدخل الجاد من قبل الحكومة وحتى القوات العسكرية ضد التدخلات الأمريكية.
محاولات لإنقاذ النفس من التداعيات
لكن في مواجهة الظروف المعقدة للإدانات والتهديدات المتزايدة لأمن القوات والمصالح الأمريكية في العراق، اتخذ البيت الأبيض خطوات مختلفة لإنقاذ نفسه.
في أعقاب الاحتجاجات واسعة النطاق من قبل المسؤولين العراقيين، فإن البيت الأبيض ولکي يظهر أنه لم ينتهك السيادة العراقية والقانون الدولي، يصر من ناحية على التنسيق مع المسؤولين في بغداد قبل بدء الهجمات ببعض الوقت، ومن ناحية أخرى وفي تكتيك إعلامي، قامت وسائل الإعلام الغربية بمناورة واسعة النطاق للقول بأن الهجوم قد استهدف “القوات التابعة لإيران” في العراق. وفي الحقيقة، تسعی الولايات المتحدة لعدم اتهامها بانتهاك السيادة الوطنية العراقية.
لكن هذه التبريرات بالتأكيد لن تخدع الرأي العام في العراق. فمن جهة إن الإعلان عن نية الهجوم لن يكون بحد ذاته ترخيصًا للاعتداء، كما ورد في البيانين المنفصلين لرئيس الوزراء المؤقت عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح اللذين عارضا بوضوح قرار المسؤولين الأمريكيين، وأکدا علی وصف الهجوم بالاعتداء.
من جهة أخرى، أصبح الحشد الشعبي جزءًا رسميًا من هيكل القوات المسلحة العراقية بأمر من القائد العام للقوات المسلحة العراقية في يوليو الماضي والذي تضمن عشر نقاط، والهجوم الأمريكي الحالي على قوات الحشد الشعبي هو في الواقع هجوم على القوات الرسمية لدولة عضو في الأمم المتحدة، وهو عمل عدواني.
لكن الجزء الثاني من الجهود الأمريكية للقول بأن الهجوم قد استهدف القوات التي تقودها إيران في العراق، هو الآخر محاولة يائسة وغير فعالة.
فمنذ تشكيل الحشد الشعبي بناءً علی فتوى المرجعية الشيعية في العراق، ومسارعة العراقيين للاستجابة لهذه الفتوى لمحاربة داعش، جعلت أمريكا ممارسة الضغط علی الحشد الشعبي وعرقلة أنشطته، جزءاً مهماً من استراتيجيتها السياسية والعسكرية في العراق.
إن دور الحشد الشعبي الهام في قمع داعش ومنع إعادة إحياء هذا التنظيم الدموي المدعوم من الولايات المتحدة والسعودية، بالإضافة إلى مواجهته للخطط الأمريكية لإعاقة العملية السياسية في العراق، عبر تغذية الاحتجاجات ونشر المتسللين بين المتظاهرين، هي أهم أسباب مواجهة واشنطن الكاملة للحشد الشعبي، وهي محاولات لم تؤت أکلها بطبيعة الحال، لأن الحشد قد نجح في قمع العناصر المتبقية من داعش، کما لعب دوراً إيجابياً في إنقاذ العراق من المأزق السياسي(من خلال تشكيل کتلة “البناء” في البرلمان).
المصدر: الوقت
تعليق