
“سلوك المراجع”؛ غرويان لشفقنا: آية الله الجوادي الآملي يؤمن بفقه يتميز بالمرونة ويوظف العقل والفلسفة
خاص شفقنا-تجري وكالة شفقنا سلسلةً من الحوارات تحت عنوان “سلوك مراجع التقليد العظام” بهدف التعريف بسلوك وسير هؤلاء العلماء الذين يعتبرون ركنًا من أركان التشيع. وفيما يلي حوارنا مع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن غرويان تناولنا فيه سلوك المرجع الديني آية الله الجوادي الآملي وشخصيته العلمية.
بدأ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن غرويان الدراسة الحوزوية سنة 1979 ويعتبر من ضمن من تلمذ عند المرجع الديني آية الله العظمى الجوادي الآملي فلسفيًا وعرفانيًا. كتب غرويان ما يقارب على 40 كتابًا وتأليفًا في مختلف الموضوعات الدينية والفلسفية كما حرر دروس “الأسفار” لأستاذه المرجع الجوادي الآملي.
أكبر مفسر للقرآن بعد العلامة الطباطبائي
في حواره مع شفقنا، تناول حجة الإسلام والمسلمين محسن غرويان، السمات الفقهية والعلمية للمرجع الجوادي الآملي، واعتبر إن سماحته يتميز بشخصية علمية شاملة في الفقه، والأصول، والفلسفة، والعرفان، وتفسير القرآن، فهو أكبر مفسر للقرآن بعد العلامة الطباطبائي، كما إن لديه إلمام كامل بالأحاديث ونهج البلاغة ومبادئ العرفان النظري والفلسفة الإسلامية.
“يتمتع آية الله الجوادي الآملي بنظام فكري متناغم يجمع كل الدروس الإسلامية والحوزوية والمعارف الدينية”؛ يقول غرويان عن أستاذه ويضيف: إن المرجع الجوادي الآملي رائد في توظيف مختلف العلوم الإسلامية في تفسير الآيات القرآنية، فـتفسيره للقرآن المعروف بـ (التسنيم) يمكن اعتباره حقًا موسوعة شاملة، علمًا إن سماحته يقول إنه قد نهل من معين تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، لكن قلما نجد نظيرًا لما يحتويه البيان التفسيري لآية الله الجوادي الآملي من شرح وإيضاح وظرائف علمية ومعرفية.
نهج معتدل واهتمام بالتوجيه والإرشاد السياسي
الميزة الأخرى في شخصية آية الله الجوادي الآملي، هي اهتمامه بالشؤون السياسية والاجتماعية بجانب نشاطه العلمي. يؤكد الخبير في الفلسفة الإسلامية، وبالوقت نفسه يوضح إن حدود هذا الاهتمام يقع في إطار متناغم مع مرجعية آية الله الجوادي ومكانته العلمية، فهو غير مهتم بتفاصيل الشؤون السياسية وأمورها الهامشية، وإنما بالتوجيه والإرشاد السياسي والاجتماعي وفقًا لنهجه المعتدل المتسم بالوسطية.
يضيف حجة الإسلام والمسلمين غرويان إن مجالس درس آية الله الجوادي الآملي تخرّج منها العديد من الفضلاء، كما إن تواضعه الأخلاقي لا نظير له حقًا، فلا تراه يتوكأ على مقاعد السيارة إذا ركبها، فسماحته يعتبر ذلك نوعًا من التكبر والتعالي. كما هو شديد الاحترام والتواضع تجاه العلماء ويتميز بشخصية سمتها الخُلق العالي والروحانية.
رؤية عقلية منفتحة في الفقه وتوظيف النظرة الفلسفية
وفي معرض رده على سؤال حول تأثير الجهود العلمية لآية الله الآملي في حركية الفقه الشيعي وأهم مبادراته لمواكبة الفقه الشيعي مع العالم الجديد، يوضح غرويان بالقول: يتميز فقه آية الله الجوادي الآملي برؤية عقلية إلى مختلف القضايا والمستجدات مما يساهم في تحوَل الفقه وتطوره. وبعبارة أخرى فإن سماحته يؤمن بضرورة توظيف النظرة العقلية والفلسفية في الفقه ووضع الأحكام العقلية إلى جانب “النقل” حتى نفسّره بأداة العقل. وقد أدى هذا الاتجاه الفكري إلى أن يأخذ سماحته قضايا العالم الحديث والتطورات المجتمعية والبشرية بنظر الاعتبار في إصدار الفتوى وتبني المواقف.
“تتميز الرؤية الفقهية عند المرجع الآملي بالانفتاح والمرونة، فهي ليست نقلية بحتة”؛ يبين غرويان ويتابع: يؤمن آية الله الآملي بأن نسبة العقل والعلم من الدين ليست نسبة تعارض، بل إن سماحته يرى العقل ضمن المنظومة الدينية ويعتبر ثنائية العقل والنقل ثنائية يكمّل كل جزء منها، الجزء الآخر، كما إنه يرى بأن تعبير العقل والدين أو العلم والدين تعبيرًا غير صحيح، لأن العلم والعقل مكنونان داخل الدين نفسه. وإذا ما شخصنا أحيانًا تعارضًا أو شبهة فيجب أن نقول كيف يمكن إزالة التعارض بين النقل وبين العقل؛ ذلك إن آية الله الآملي يؤمن بأن صريح العقل كالحديث الصحيح وبإمكانه تقييد آيات القرآن وتخصصيها فضلًا عن تخصيص الروايات الصحيحة. وقد أدت هذه المقاربة إلى التأسيس لرؤية فقهية منفتحة عند سماحته، والشاهد على ذلك رأيه بإمكانية إصدار فتاوى جديدة ومستحدثة تماشيًا مع التطورات العلمية المعاصرة والمتطلبات الزمكانية.
سلوك أخلاقي متواضع وبيان ظرائف الأمور العلمية
يعلّل حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن غرويان سبب الإقبال الواسع على جلسات درس آية الله الجوادي الآملي ببيان ظرائف الأمور العلمية والعقلية عند تفسير الآيات القرآنية وكذلك في بحث الفقه، فهذه النظرة الجديدة والمنفتحة عند سماحته تحفز طلبة العلوم الدينية لحضور جلسات درسه. أما السبب الآخر فيتمثل في سلوكه الأخلاقي المتواضع مما جعله كثير التأثير على الآخرين من حيث الاهتمام بالأخلاقيات وحتى الملبس وأدق التفاصيل السلوكية، فهو بالحق مثال لمن عَمله يسبق عِلمه، فترى الطلبة يحبذون مجالسته ورؤيته والاستماع إلى نصائحه. فالمسائل الأخلاقية ضاعفت من جاذبية درس آية الله الآملي.
طلبة العلوم الدينية شتلات يجب الاحتفاظ بها في الحوزات العلمية
يقول غرويان عن علاقة آية الله الجوادي الآملي وارتباطه بالحوزات العلمية الشيعية في النجف الأشرف ومشهد المقدسة إنه مرتبط بها علميًا، فهو يتابع ويرصد آراء فقهاء النجف وعلماء مشهد وأصفهان، وإذا وجد فيها ما يستحق النقد فيتطرق إليه في دروسه، فهو يكنّ احترامًا خاصًا للعلم وكذلك للعلماء والفقهاء، يتعامل بسلوك غاية في الأدب ولا يقلل من مكانة أحد، فتراه لا يستعمل أسلوبًا تهكميًا أبدًا. كما يقدر المراكز العلمية ويعتبر طلبة العلوم الدينية شتلات يجب أن تحتفظ بها الحوزات العلمية إلى أن تأتي بثمارها وتدرّ عليها فتكون شجرة باسقة يستظل بها.
يشير غرويان أيضًا إلى علاقة آية الله الجوادي الآملي بالفرق الإسلامية ومراكز أهل السنة العلمية مثل الأزهر، موضحًا إن المرجع الآملي على اتصال بأهل السنة في إطار البحث والحوار العلمي لتبيين أفكار مدرسة التشيع بلسان علمي ومنطقي.
اختيار المرجعيات الدينية يجب أن يكون عبر المسار الطبيعي
وعن مستقبل المرجعية يعتقد غرويان إن عاملي الأعلمية والتقوى، لا زالا، الفيصل في ظهور المرجعيات، كما يجب الإبقاء على حرية البحث وإبداء الرأي وعدم فرض أي قيود من الجهات السياسية لمراجع الدين، كما إن اختيار المراجع يجب أن يكون عبر مساره الطبيعي، أي عبر الناس والشهود والعدول من المؤمنين، بعيدًا عن أي تدخلات من طرف ثالث.
تعليق