المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغيبة وبُعدها الماورائي، ودوره في مشروع الظهور:


صدى المهدي
21-03-2021, 05:37 PM
https://m-mahdi.net/almauood/?page=files&filename=logo.jpg&picture


الغيبة وبُعدها الماورائي، ودوره في مشروع الظهور:
إنَّ من يقرأ نصَّ الظهور ومشروعه- بحسب ما ورد عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)- يجد بأنَّ هذا المشروع وحركته يتضمَّنان العديد من العناصر الماورائية، والتي سوف يكون لديها دور أساس ومهمّ في إنجاح ذلك المشروع، ووصوله إلى غاياته. ومن الواضح أنَّ العامل الغيبي كان حاضراً بقوَّة في مسيرة الأنبياء والرُّسُل وأوصيائهم. وقد ساهم ذلك العامل بفعّالية في نجاح تلك المسيرة، وتحقُّق أهدافها. وكلَّما كان المشروع الإلهي أشدّ تحدّياً، وأكثر بُعداً في أهدافه ومداه؛ كان العامل الماورائي أكثر حضوراً لتحقيق تلك الأهداف، وبلوغ ذلك المدى.
وبما أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو خاتم مسيرة الأنبياء والرُّسُل والأوصياء على مدار التاريخ، ومن خلاله سوف يتحقَّق الوعد الإلهي بإقامة العدل في الأرض كلِّها، ومحو الظلم منها-أي إنَّ مشروعه هو مشروع عالمي إنساني، يشمل العالم كلَّه، وهو ليس مشروعاً إقليمياً، أو قارياً، أو فئوياً، أو طائفياً...-؛ فهذا يتطلَّب أن يكون حضور العامل الماورائي حضوراً نوعياً، وأن يكون مستوى الإشباع في وجود ذلك البُعد الغيبي الماورائي كبيراً جدّاً، إلى حدٍّ يساعد على تحقيق ذلك المشروع العالمي ونجاح أهدافه.
إنَّ ما تعنيه الغيبة هو وجود الإمام المهدي (عليه السلام)، على أن لا يكون وجوده وجوداً ظاهراً، بل وجوداً مستوراً، حاله حال العديد من الأنبياء أو الأولياء، الذين غابوا عن الاجتماع العامِّ، وميدان عملهم الرسالي، أو الذين غابوا عن الاجتماع البشري، بحيث لم يعودوا بمرأى أو مسمع من عموم الناس، بغضِّ النظر عن الأسباب الداعية إلى هذه الغيبة أو تلك، أو مدَّة غيبة هذا النبيِّ أو ذاك الوليِّ، وجملة المتعلِّقات الأُخرى. كلُّ ما في الأمر، أنَّ أصل الغيبة وجوهرها هو أمر موجود وممارس في التاريخ الديني، وتاريخ الأنبياء والرُّسُل والأولياء، وأنَّه ليس عزيزاً أو نادراً في وجوده في ذاك التاريخ.
الإمام المهدي (عليه السلام) هو واحد من أُولئك الحجج الإلهيِّين، الذين كانت لهم غيبتهم، وإن كانت هذه الغيبة تختلف في جملة من مفرداتها، تبعاً لاختلاف أهدافها، وأسبابها، وجملة مقاصدها. والتي تتَّصل بالمشروع المهدوي الهادف إلى أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.
ومن هنا لا بدَّ من الإلفات إلى أمرين في هذا السياق:
الأوَّل: أنَّ مشروع الإمام المهدي هو مشروع يهدف إلى تغيير البنية الحضارية على مستوى العالم، بما هي بنية تقوم على أساس من الظلم واللاعدالة في إدارة الاجتماع الإنساني في مختلف مجالاته، وفي توزيع الثروات وتوظيفها، وإدارتها، واستثمارها، وفي توظيف السلطة وإدارتها. بل أيضاً اللاعدالة في توظيف واستثمار جميع الإمكانيات، والعلوم، والخبرات البشرية في شتّى المجالات، وهو ما يتطلَّب إعادة بناء أنماط حضارية، وسياسات، وثقافات، تقوم على أساس من تلك العدالة وقيمها.
الثاني: أنَّ حضور العنصر الغيبي والعامل الماورائي يجب أن يكون بمستوى ذلك المشروع ومداه.
ومن هنا أكَّدت النصوص الدينية ذات الصلة بحدث الظهور ومشروعه، على جملة من تلك العناصر والعوامل. وواحدة من تلك العوامل، هو حصول الغيبة وإطالتها، وما يؤدّي إليه ذلك من إشباع ماورائي، يفي حاجة ذلك المشروع إلى ذاك المستوى من التصعيد الماورائي، مع ما يترتَّب على ذلك من حيث:
أوَّلاً: وجود الإمام، لكن وجوده يكون وجوداً غير ظاهر.
ثانياً: طول مدَّة غيبته، وما يعنيه ذلك من بُعدٍ إعجازي ماورائي.
ثالثاً: طبيعة ومستوى الانجذاب النفسي، والانشداد المعنوي إلى شخصية الإمام (الآداب والمفاهيم والقيم ذات الصلة)، والارتباط الفعّال به، باعتبار كونه موجوداً، وإن كان غائباً.
رابعاً: شمول العناية الإلهيَّة، والرعاية الربّانية للاجتماع البشري ومسيره، من خلال وجود الإمام، وصلته القويَّة بمسير ذلك الاجتماع البشري على هذه البسيطة رغم غيبته.
خامساً: تقوية الوجدان الغيبي، وتعزيز الحسِّ الغيبي من خلال غيبة الإمام، والإيمان به في غيبته.
سادساً: إيجاد سيكولوجية انتظار فاعلة ونشطة لحدث قد يكون قريباً، من خلال تعزيز الوعي بوجود الإمام الغائب، وعدم انقطاعه عن مجريات الواقع وشؤونه.
إنَّ ما تقدَّم قد يُفضي إلى القول بأنَّ مستوى الإشباع الغيبي، وحضور العامل الماورائي بأرقى مراتبه، إنَّما يتحقَّق من خلال وجود الإمام غائباً، وغيبته المديدة عن الحضور الظاهر، أكثر ممَّا يتحقَّق من خلال أيَّة صيغة أُخرى، لا تتضمَّن تلك الأبعاد، ولا تترتَّب عليها تلك الآثار والنتائج، التي ذكرناها آنفاً. أي إنَّ غياب الإمام كان غياباً في ظاهره، لكنَّه كان حضوراً في مقصده، لأنَّه يستبطن الظهور في مشروعه، ولأنَّه لم تغب في غيبته جملة من وظائفه (٣)، ولأنَّه كان للغيبة نفسها نتائجها وآثارها التي لا تتحصَّل إلَّا بغيبته.
ولذلك عندما نقول بأنَّ غيبة الإمام كانت غيبة إعجازية، وكذلك عودته سوف تكون عودة إعجازية، فإنَّما يُراد من ذلك عودة الجذوة الدينية الأصيلة إلى الواقع الإنساني بقوَّة وبأعلى مراتبها، بل لا بدَّ أن تكون عودة الحسِّ الديني الهادف أمراً متقدِّماً على عملية الظهور، باعتبار أنَّ عودة ذلك الحسِّ الديني هي من أهمّ الأُمور، التي سوف تساعد على تحقيق فعل الاستخلاف بأرقى مراتبه على هذه البسيطة.
وخلاصة القول: إنَّ ممَّا تهدف إليه فلسفة الغيبة، هو تصعيد العامل الماورائي في الطرح المهدوي، بمعنى أنَّ اشتمال ذلك الطرح على وجود شخصية ذات بُعد غيبي، قداسوي (الإمام المهدي (عليه السلام))، هي خاتمة سلسلة الأنبياء والرُّسُل، وأوصيائهم، بهدف تحقيق مشروعهم في إقامة العدل في الأرض، وغياب تلك الشخصية لدهرٍ من الزمن، وطول مدَّة الغيبة تلك؛ كلُّ ذلك سوف يؤدّي إلى الإسهام بقوَّة في إنجاح مشروع الظهور وأهدافه، من خلال الاستفادة من العامل الماورائي بأقصى مراتبه، باعتبار أنَّ الطبيعة البشرية تتأثَّر إلى حدٍّ بعيدٍ بذاك العامل الماورائي، وتتفاعل معه لجهة الإعداد النفسي لتقبُّل ذلك المشروع المهدوي، وإيجاد البيئة النفسية المساعدة على التفاعل البنّاء مع ذلك المشروع وأهدافه، وخاصَّةً عندما يكون حدث الظهور مسبوقاً بذاك المستوى من البيان النبؤاتي، والفعل الإعجازي- غياب المهدي (عليه السلام) لمدَّة طويلة-، ممَّا يساعد على صدقيَّة الطرح، وقوَّة المشروع، وتحقُّق مقاصده.
وإنَّ وجود الإمام المهدي (عليه السلام) غائباً، وضرورة الإيمان به وبغيبته، يسهم في تقوية الحسِّ الغيبي، والأخذ به الى مستويات بعيدة، وخصوصاً عندما تكون هناك منظومة من القيم والمفاهيم، التي تعمل على بناء ذلك الحسِّ الغيبي وتعزيزه، بما يؤدّي إلى تنمية إطار من الوعي الغيبي الهادف، والقادر على تحمُّل جميع الأزمات، وتجاوز جميع التحدّيات، والإصرار على المضيِّ قُدماً في حمل ذلك المشروع والتمهيد له. وخاصَّةً عندما يكون كلُّ ذلك ممهِّداً له، من خلال عملٍ فكري، وثقافي، وتربوي، وديني، عابر للملل والنحل، ولجميع الطوائف والمذاهب، وهادفٍ إلى بناء الوعي المهدوي، بما هو وعي يقوم على فكرة حتمية انتصار العدل، وضرورة الخلاص الإنساني من الظلم والجور، وعلى محورية الأمل المفعم بالمستقبل، بأنَّه لن يكون إلَّا للمستضعفين والعاملين في سبيل ذلك الخلاص العدالتي، وعلى أنَّ العدالة يجب أن تكون محور ذلك الإيمان، وعنوان ذلك الدِّين، وشعار تلك الدعوة، ومضمون ذلك الفكر، الذي يجب أن تلجأ إليه شعوب الأرض، وتؤمن به جميع الأُمم، وتسعى إلى تحقيقه جميع الملل، لأنَّه القادم إليها بفعل المهدي (عليه السلام)، الحاضر بينها ومعها- رغم غيبته-، وهو ما يجب أن تُلاقيه بجهدٍ منها، من خلال التمهيد للعدل بالعدل، وثقافته، ووعيه، وفكره، وقيمه، بما هو فكرة إنسانية قيمية، قد يجتمع حولها، ويؤمن بها جميع بني الإنسان.
الأستاذ الدكتور الشيخ محمد شقير
عميد كلية الدراسات الإسلامية- بيروت لبنان
جزء -من بحث مشارك في مسابقة خاتم الأوصياء (عجّل الله فرجه) للإبداع الفكري وحاز على المركز الأول

محـب الحسين
21-03-2021, 06:05 PM
بوركتِ اختنا العزيزه

سيد فاضل
21-03-2021, 07:02 PM
الله يعطيك العافية