الحقّ: ظهور المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف):

من المصاديق الأخرى لهذه الآية هو ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فقد جاء في رواية ولادة الإمام أنّ هذه الآية - ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ كانت مكتوبة على ذراعه الأيمن(٢٥٦).
وفي رواية أخرى لها صلة بهذه الآية، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل"(٢٥٧).
ففي ذلك الزمان، يحكم العدل والقسط أرجاء العالم كلّه، حيث لا مكان للظالمين، في الوقت الذي يكون الظلم والجَور قبل ذلك قد ملآ الدنيا.
وجاء في رواية من مصادر أهل السنة: "لتُملأنّ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ ليخرجنّ رجل من أهل بيتي، حتّى يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً"(٢٥٨).
وتؤكّد رواية أخرى تحقُّقَ يومٍ كهذا، نُقلت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم، لبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً منّا يملؤها عدلاً كما مُلئت جَوراً"(٢٥٩).
مُدخل صدق ومُخرج صدق:
في ذلك اليوم، يظهر الدين الإلهيّ على سائر الأديان، ويتحقّق الهدف من رسالات الأنبياء الإلهيّين. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف لا بدّ من أن نتحضّر ونستعدّ له نحن أيضاً، وهذا إنّما يحصل حينما تصبح أعمالنا، في جميع شؤون حياتنا الفردية والاجتماعيّة، قائمةً على الحقّ والحقيقة. ولعلّه لهذا علّمنا الله تعالى كيف ندعو - في الآية السابقة على هذه الآية التي فيها بشارة مجيء الحق وزهوق الباطل - بأن نقول: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾(٢٦٠).
٩- وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ:
جعل الله تعالى أهل البيت (عليهم السلام) كهفاً للخلائق وملجأ للمحرومين. ففي زمانهم (عليهم السلام) كانوا هم مأوى الطالبين والمتألمين والمحتاجين والمظلومين. وكذلك في أيّام الظهور، فإنّ هذه المسألة لها تجلّياتها الخاصّة. ومن هنا، ففي هذا الدعاء يطلب الداعي من الله تعالى ضمن دعائه للظهور تجلّي هذه الحقيقة الجميلة, وذلك لأنّ إحدى وظائف الإمام هي مساعدة الأفراد المحتاجين والضعفاء ومساندتهم. والآن - أيضاً - إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو ملجأ المحرومين ومفزعهم ومأواهم, لأنّه الكهف والغَوث، ولكنّ في عصر الظهور سيكون ذلك ظاهراً ومشهوداً.
١٠- وَنَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ:
الله تعالى ناصر مَن لا ناصرَ له، وخليفة الله تعالى لديه هذه الخصوصيّة أيضاً. وفي عصر الظهور، لا يبقى أحد بلا ناصر، فالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ينصر جميع من يحتاج إلى النصرة، والروايات التي تصف حكومة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تذكر هذه المسألة ببيان جذّاب جدّاً.
١١- وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ:
إحدى خصائص حكومة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي إحياء الدين وأحكام القرآن, لأنّ الإمام حينما يظهر لا يكون قد بقي من القرآن إلّا رسمه، ومن الإسلام إلّا اسمه. فعندما لا تعمل الأمّة بأحكام الإسلام، ولا تطبّق قوانينه، يمكن القول: إنّ الدين في ذلك المجتمع قد مات. ولذا، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله حول صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف): "ويُحيي ميّتَ الكتاب والسُّنّة"(٢٦١).
ومعنى كون الإمام يحيي ذلك، هو أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعيد إجراء تعاليم الإسلام والقرآن التي تكون قد نُسيت، ويقوم بنشرها وترويجها في المجتمع. وبعبارة أخرى: كلّ ما هو دخيل أو خرافة أو بدعة ممّا ألصق بالدين ممّا لا حقيقة له إلّا ما نسجته الأوهام، يقوم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بمحوه وإزالة الغبار المتراكم على الدين بسببه. فعمل الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في تبليغ الدين وبيانه له صورتان:
الأولى: إزالة البدع وإحياء السنن المتروكة، والدعوة من جديد إلى (إحياء) الإسلام والقرآن.
الثانية: إظهار الحقائق والتأويل والتنزيل القرآنيّ الذي لم يبن ويتّضح بعد إلى ذلك الزمان.
وفي كلتا الصورتين، بما أنّ الناس يرون في تعاليمه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) خلاف عاداتهم ومعتقداتهم يُسمّون ذلك سنّة جديدة، مع أنّ كتابه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو القرآن نفسه، ودعوته هي الإسلام والقرآن أيضاً.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا خرج القائم يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد..."(٢٦٢).
وعن الفضيل بن يسار أنّه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشدّ ممّا استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهّال الجاهليّة. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان(٢٦٣) والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأوّل كتاب الله يحتجّ عليه به، ثمّ قال: أَمَا والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ(٢٦٤)"(٢٦٥).
يكون الدين في عصر الظهور قويّاً ومحكماً, لأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبيّن دين الله بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد وعلمٍ إلهيّ فائض يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حول سيرته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وطريقته العامّة: "القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي (عزَّ وجلَّ)"(٢٦٦).
وثمّة أحاديث عدّة تتحدّث عن أنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يجدّد الإسلام ويحيي السنن الميّتة والمتروكة، ويستفاد من هذه الروايات - أيضاً - أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقوم بتغيير كبير على المستويَين الدينيّ والثقافيّ، تزول معه البدع والخرافات، ويحيى به الإسلام من جديد. وعلى هذا الأساس، يأتي ما روي أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقوم بتخريب بعض الأبنية والمساجد.
ومن هنا، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: "والله، لا تذهب الدنيا حتّى يبعث الله منّا رجلاً أهلَ البيت يعمل بكتاب الله"(٢٦٧).
١٢- وَمُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أعْلامِ دِينِكَ:
يكون الدين في عصر الظهور قويّاً ومحكماً, لأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبيّن دين الله بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد وعلمٍ إلهيّ فائض، وتكون له الغلبة على مَن سواه دائماً، ويَبْلُغ من الإحكام والنفوذ بحيث لا يشوبه أيّ خلل إلى يوم القيامة. ومن هنا، فإنّ الداعي حينما يدعو بذلك، فهو يدعو للظهور بنحو آخر.
١٣- وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلى الله عليه وآله وسلم):
لقد كان أحد أهداف أهل البيت (عليهم السلام) إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واستحكامها. والمثال البارز على ذلك قيام الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي كان أحد أهدافه الأساس إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واستحكامها، بل حتّى سعي العلماء وجهدهم كان في هذا المضمار أيضاً، والمثال البارز هو الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) الذي أحيا وأحكم بثورته المباركة القرآن وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا في عصر الظهور الذهبيّ، سيتذوّق العالم طعم السنّة الواقعيّة للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسوف تكون سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريقته هي الحاكمة على الوجود، ولن يكون بين المسلمين اختلاف على سنّته (صلى الله عليه وآله وسلم).
١٤- واجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِين:
يتعرّض الحقّ - على طول التاريخ - للهجوم والعداء، ولا يخلو عصر من عصور الرسالة والإمامة والولاية من المنازعة والاعتراض. وفي عصر الظهور، سيستقرّ الحقّ بشكلٍ تامّ، وسيسبّب ذلك اجتماع أعداء الإسلام مع الأعداء الآخرين لحجّة الله لخوض الحرب الأخيرة. وهنا نعتقد أنّ حزب الشيطان سيزول، وأمّا حزب الله، فليس فقط سيغلب وينتصر، بل سيكون الفائز والمُفلح أيضاً، قال تعالى: ﴿حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾(٢٦٨)، وقال سبحانه: ﴿حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(٢٦٩):
ولا يتحقّق النصر إلّا بشرطَين:
الأوّل: لا بدّ لحزب الله لكي يحكم ويغلب من تحقيق عناصر التنظيم والإدارة والقوة والوحدة والجرأة...
الثاني: علينا أن نرفع أيدينا بالدعاء للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كلّ يوم لأجل عزّته وحفظ سلامته ونصرته وعدم خذلانه. والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) كانوا في جميع حالاتهم وفي مناجاتهم يدعون لحفظ إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسلامته، وقد علّمونا كيف ندعو له بذلك:
فالإمام الرضا (عليه السلام) يعلّمنا أن ندعو له (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالقول:
"اللهم ادفع عن وليّك... وأعِذْه من شرّ جميع ما خلقت... واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفِظته به"(٢٧٠).
ويدعو الإمام العسكري (عليه السلام) في قنوت صلواته بهذا الدعاء:
"فاجعله - اللهمّ - في حصانةٍ من بأس المعتدين... فاجعله اللهمّ في أمنٍ ممّا نشفق عليه منه، وردّ عنه من سهام المكائد ما يوجّهه أهل الشنآن إليه"(٢٧١).
في عصر الظهور الذهبيّ، سيتذوّق العالم طعم السنّة الواقعيّة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسوف تكون سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطريقته هي الحاكمة على الوجود.
١٥- اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ على دَعْوَتِه:
في أيّ زمان يُستجاب هذا الدعاء؟ قطعاً أحد مصاديقه يوم الظهور، عندما يشاهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سائر أرجاء الدنيا وقد علت أصوات الجنود في أرض المعركة بالتوحيد، فإنّه يدخل عليه السرور، ويسرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يُهزم إبليس.
وفي دعاء أبي حمزة الثماليّ، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"إلهيّ، إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوّك، وإن أدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبيّك، وأنا أعلم أنّ سرور نبيّك أحبّ إليك من سرور عدوّك".
وإنّما يُسرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّ فرداً من أمّته شملته رحمة الله تعالى وعفوه، وأمّا إذا لم يُعفَ عنه، فيفرح الشيطان لإضلاله شخصاً آخر وجعله من أهل جهنّم.
وعلى هذا الأساس، كان هذا المقطع معبِّراً عن طلب الظهور.
١٦- وَارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَهُ:
بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، غُصِب حقّ أهل البيت (عليهم السلام)، وبدأت محنتهم وشدّتهم. ففي دعاء قنوت الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام):
"اللّهمّ، وقد عاد فيئنا دُولَةً بعد القسمة، وإمارتنا غَلَبةً بعد المشورة، وعُدْنا ميراثاً بعد الاختيار للأُمّة، واشتُريَت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكَم في أبشار المؤمنين أهلُ الذمّة، ووَلِيَ القيامَ بأمورهم فاسقُ كلِّ قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا ذو شفقة يُشبع الكبد الحرّى من مسغبة، فهم أولو ضرع بدار مضيعة، وأسراء مسكنة، وخلفاء كآبة وذلّة"(٢٧٢).
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً.
١٧- اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ:
الحضور هنا بمعنى الظهور، الذي حينما يحصل ستنجلي جميع غمومنا وغصصنا إلى الأبد, لأنّ غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي سبب الغمّ والغصّة، وظهوره هو أساس فرحتنا وسعادتنا، وزوال جميع المتاعب والشدائد في العالم، وهو ما ينعكس على الأمّة الإسلاميّة بشكل خاصّ من خلال حاكميّة الإسلام.
١٨- وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ:
إحدى وظائف المنتظرين هي الدعاء لتعجيل الفرج، فقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري (عليه السلام): يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: "يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حُجَجه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنيُّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مَثَلُه في هذه الأمّة مَثَلُ الخضر (عليه السلام)، ومَثَلُه مَثَلُ ذي القرنين. واللهِ، ليغيبنَّ غيبةً لا ينجو فيها من الهَلَكة إلّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه"(٢٧٣).
لقد تعرّض القرآن الكريم لقضيّة العجلة والسرعة والسَبق إلى بعض الأعمال، فقال: ﴿وَسَارِعُواْ﴾، ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿فَاسْتَبِقُواْ﴾. وثمّة اختلاف وتفاوت بين التعجيل والعجلة من جهة، والسرعة والسبق من جهةٍ أخرى, فحُسن السرعة والسبق إنّما هو في المواطن التي تكون الأمور كلّها فيها قد تمّت مراجعتها وتنظيمها، فلا ينبغي تضييع الوقت والفرصة. وأمّا التعجيل والعجلة فهما في الأمور التي لم يحن موعدها بعد، أو أنّه يحتاج إلى مزيد من العمل أو المراجعة, فهنا لا بدّ من التأنّي.
والعجلة تكون مناسبةً في بعض المواضع, ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾(٢٧٤), بل لا مانع على الإطلاق من العجلة في أمور الخير وكسب رضى الله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾(٢٧٥).
١٩- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً:
وردت هذه الجملة في القرآن الكريم في حقّ الكافرين الذين يستبعدون أصل المعاد، ويعدّونه أمراً بعيداً عن الذهن والعقل، في حين أنّ حصول يوم القيامة عند الله تعالى أمر قطعيّ وواقع لا محالة، وقادم وقريب.
كذلك الأمر بالنسبة إلى ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فبعضهم يراه أمراً بعيداً، في حين أنّ كلّ فرد يوفّق لقراءة هذا الدعاء يقرّ ويعترف بظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وفي الحياة المهدويّة، مضافاً إلى الاعتقاد بالظهور الحتميّ، لا بدّ من الاعتقاد بقرب هذا الظهور, وذلك لأنّ الروايات طلبت من المنتظِر أن يتوقّع ظهوره صباحاً ومساءً، وأن يكون على أُهبَة الاستعداد له.
نعم، الاعتقاد بقرب هذه المسألة لا ينبغي أن ينجرّ إلى أمور سقيمة وفاسدة, كالتحديد والتوقيت.
الطلب منه تعالى لا بدّ من التوجّه إلى رحمته ومحبّته؛ لأنّ من بين الأسماء النورانيّة الإلهيّة خُصّ اسم الرحمان بالذكر
٢٠- بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ:
وردت هذه العبارة في كثير من الأدعية، وهي ترشدنا إلى أنّ استجابة الدعاء إنّما هي من خلال رحمة الله تعالى الذي ينظر بلطفه وعطفه ويستجيب دعاء الجميع. ولذا، ففي الأدعية والطلب منه تعالى لا بدّ من التوجّه إلى رحمته ومحبّته, لأنّ من بين الأسماء النورانيّة الإلهيّة خُصّ اسم الرحمان بالذكر.
٢١- الْعَجَلَ الْعَجَلَ يَا مَوْلايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ:
في هذه الجملة توجد أمور ثلاثة:
الأوّل: إنّه مضافاً إلى الطلب من الله تعالى في هذا الدعاء بتعجيل ظهور إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كذلك يطلب هذا الأمر من وليّه وخليفته أيضاً.
الثاني: هو مولى وقائد.
الثالث: هو صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
الإجابة عن سؤال شائع:
في الختام، لا بدّ من الإجابة عن تساؤلٍ يخطر في الأذهان كثيراً، وهو: هل كلّ من يقرأ دعاء العهد يصبح من أنصار إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وفي حال مات فهل يرجع حتماً بعد ذلك؟
وفي الجواب:
أوّلاً: إنّ أحد شرائط استجابة الدعاء هي المواءمة بين الدعاء والعمل والسعي، ففي الكلمات القصار لأمير المؤمنين (عليه السلام): "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر"(٢٧٦).
وإذا عرفنا أنّ الوتر هو سبب حركة السهم وواسطة رميه نحو الهدف، يتّضح لنا دور العمل في التأثير في الدعاء. فلا بدّ من العمل مع الدعاء، وإلى جانبه لا بدَّ من السعي والطلب.
الجنود الذين استعدّوا وتجهّزوا للقتال، يدعون كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(٢٧٧).
كذلك النبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، الذين هم مظهر الدعاء وحقيقته، كانوا في عمل وسعي في الليل والنهار. لذا، ورد في الروايات عدم استجابة دعاء الذي لا يعمل لتحقيق مطلوبه!
ثانياً: ضرورة توفير شرائط استجابة الدعاء. لذا، يُستجاب دعاء الذين لم يُدخلوا إلى بطونهم طعاماً محرّماً، فقد جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "أطِب كسبَك تُستجَب دعوتُك"(٢٧٨).
وفي القرآن الكريم، نقرأ قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(٢٧٩). ومن باب المثال: لو أنّ شخصاً قال لآخر: "عندما تتعرّض لمشكلة اتصل بي كي أساعدك", فلهذه الجملة لوازم وشروط، من جملتها:
١- حفظ الصداقة معي.
٢- عدم تضييع رقم هاتفي، وحينما تتّصل بي اطلبه بشكل صحيح.
٣- في عرض المشكلات كن صادقاً ولا تكذب.
- فهل نحن نراعي هذه الشروط حينما نقرأ دعاء العهد؟
- هل حفظنا صداقتنا مع الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟
- هل نحن الآن صادقون حينما تلونا عهدنا وعقدنا؟
- هل سنفي لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعهدنا وعقدنا؟
- هل عملنا بوظائفنا؟
- هل لدينا توجّه كامل وتامّ نحو مضامين هذا الدعاء؟
- هل لاحظنا الشروط الأخرى للرجعة؟
الجنود الذين استعدّوا وتجهّزوا للقتال، يدعون كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾(٢٨٠).
وقد سأل رجلٌ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(٢٨١)، فقال: فما بالنا ندعو فلا يجاب؟ قال (عليه السلام): "إنّ قلوبكم خانت بثمان خصال:
أوّلها: أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.
والثانية: أنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته وأمتّم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم؟
والثالثة: أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم سمعنا وأطعنا، ثمّ خالفتم.
والرابعة: أنّكم قلتم إنّكم تخافون من النار، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم، فأين خوفكم؟
والخامسة: أنّكم قلتم إنّكم ترغبون في الجنّة، وأنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟
والسادسة: أنّكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها.
والسابعة: أنّ الله أمركم بعداوة الشيطان وقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾(٢٨٢), فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة.
والثامنة: أنّكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه.
فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا، وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم"(٢٨٣).
هذا الحديث العظيم في معناه، يتحدّث بصراحة عن أنّ إجابة الدعاء وآثاره أمران مشروطان لا مطلقان، والشرط هو عمل الإنسان بوعوده ووفائه بعهوده. فقد عرفنا الكثير عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولكنّنا لم نؤدِّ حقّه!
حقّاً، هل أعمالنا موافقة لسيرة إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسنته؟
إنّ العمل بالأمور الثمانية المتقدّمة، التي هي في الحقيقة شروط استجابة الدعاء، كافٍ لتربية الإنسان المنتظِر، ولتوجيه قواه في مسير الحياة النافعة والمثمرة في الحياة المهدويّة.
انتهى
كتاب شرح دعاء العهد ( الشيخ محسن قرائتي
المكتبة التخصصية المهدوية
من مكرز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام

من المصاديق الأخرى لهذه الآية هو ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فقد جاء في رواية ولادة الإمام أنّ هذه الآية - ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ كانت مكتوبة على ذراعه الأيمن(٢٥٦).
وفي رواية أخرى لها صلة بهذه الآية، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل"(٢٥٧).
ففي ذلك الزمان، يحكم العدل والقسط أرجاء العالم كلّه، حيث لا مكان للظالمين، في الوقت الذي يكون الظلم والجَور قبل ذلك قد ملآ الدنيا.
وجاء في رواية من مصادر أهل السنة: "لتُملأنّ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ ليخرجنّ رجل من أهل بيتي، حتّى يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً"(٢٥٨).
وتؤكّد رواية أخرى تحقُّقَ يومٍ كهذا، نُقلت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم، لبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً منّا يملؤها عدلاً كما مُلئت جَوراً"(٢٥٩).
مُدخل صدق ومُخرج صدق:
في ذلك اليوم، يظهر الدين الإلهيّ على سائر الأديان، ويتحقّق الهدف من رسالات الأنبياء الإلهيّين. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف لا بدّ من أن نتحضّر ونستعدّ له نحن أيضاً، وهذا إنّما يحصل حينما تصبح أعمالنا، في جميع شؤون حياتنا الفردية والاجتماعيّة، قائمةً على الحقّ والحقيقة. ولعلّه لهذا علّمنا الله تعالى كيف ندعو - في الآية السابقة على هذه الآية التي فيها بشارة مجيء الحق وزهوق الباطل - بأن نقول: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾(٢٦٠).
جعل الله تعالى أهل البيت (عليهم السلام) كهفاً للخلائق وملجأ للمحرومين. ففي زمانهم (عليهم السلام) كانوا هم مأوى الطالبين والمتألمين والمحتاجين والمظلومين. وكذلك في أيّام الظهور، فإنّ هذه المسألة لها تجلّياتها الخاصّة. ومن هنا، ففي هذا الدعاء يطلب الداعي من الله تعالى ضمن دعائه للظهور تجلّي هذه الحقيقة الجميلة, وذلك لأنّ إحدى وظائف الإمام هي مساعدة الأفراد المحتاجين والضعفاء ومساندتهم. والآن - أيضاً - إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو ملجأ المحرومين ومفزعهم ومأواهم, لأنّه الكهف والغَوث، ولكنّ في عصر الظهور سيكون ذلك ظاهراً ومشهوداً.
١٠- وَنَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ:
الله تعالى ناصر مَن لا ناصرَ له، وخليفة الله تعالى لديه هذه الخصوصيّة أيضاً. وفي عصر الظهور، لا يبقى أحد بلا ناصر، فالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ينصر جميع من يحتاج إلى النصرة، والروايات التي تصف حكومة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تذكر هذه المسألة ببيان جذّاب جدّاً.
١١- وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ:
إحدى خصائص حكومة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي إحياء الدين وأحكام القرآن, لأنّ الإمام حينما يظهر لا يكون قد بقي من القرآن إلّا رسمه، ومن الإسلام إلّا اسمه. فعندما لا تعمل الأمّة بأحكام الإسلام، ولا تطبّق قوانينه، يمكن القول: إنّ الدين في ذلك المجتمع قد مات. ولذا، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله حول صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف): "ويُحيي ميّتَ الكتاب والسُّنّة"(٢٦١).
ومعنى كون الإمام يحيي ذلك، هو أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعيد إجراء تعاليم الإسلام والقرآن التي تكون قد نُسيت، ويقوم بنشرها وترويجها في المجتمع. وبعبارة أخرى: كلّ ما هو دخيل أو خرافة أو بدعة ممّا ألصق بالدين ممّا لا حقيقة له إلّا ما نسجته الأوهام، يقوم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بمحوه وإزالة الغبار المتراكم على الدين بسببه. فعمل الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في تبليغ الدين وبيانه له صورتان:
الأولى: إزالة البدع وإحياء السنن المتروكة، والدعوة من جديد إلى (إحياء) الإسلام والقرآن.
الثانية: إظهار الحقائق والتأويل والتنزيل القرآنيّ الذي لم يبن ويتّضح بعد إلى ذلك الزمان.
وفي كلتا الصورتين، بما أنّ الناس يرون في تعاليمه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) خلاف عاداتهم ومعتقداتهم يُسمّون ذلك سنّة جديدة، مع أنّ كتابه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو القرآن نفسه، ودعوته هي الإسلام والقرآن أيضاً.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا خرج القائم يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد..."(٢٦٢).
وعن الفضيل بن يسار أنّه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشدّ ممّا استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهّال الجاهليّة. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان(٢٦٣) والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأوّل كتاب الله يحتجّ عليه به، ثمّ قال: أَمَا والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ(٢٦٤)"(٢٦٥).
يكون الدين في عصر الظهور قويّاً ومحكماً, لأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبيّن دين الله بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد وعلمٍ إلهيّ فائض يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حول سيرته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وطريقته العامّة: "القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي (عزَّ وجلَّ)"(٢٦٦).
وثمّة أحاديث عدّة تتحدّث عن أنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يجدّد الإسلام ويحيي السنن الميّتة والمتروكة، ويستفاد من هذه الروايات - أيضاً - أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقوم بتغيير كبير على المستويَين الدينيّ والثقافيّ، تزول معه البدع والخرافات، ويحيى به الإسلام من جديد. وعلى هذا الأساس، يأتي ما روي أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقوم بتخريب بعض الأبنية والمساجد.
ومن هنا، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: "والله، لا تذهب الدنيا حتّى يبعث الله منّا رجلاً أهلَ البيت يعمل بكتاب الله"(٢٦٧).
١٢- وَمُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أعْلامِ دِينِكَ:
يكون الدين في عصر الظهور قويّاً ومحكماً, لأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبيّن دين الله بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد وعلمٍ إلهيّ فائض، وتكون له الغلبة على مَن سواه دائماً، ويَبْلُغ من الإحكام والنفوذ بحيث لا يشوبه أيّ خلل إلى يوم القيامة. ومن هنا، فإنّ الداعي حينما يدعو بذلك، فهو يدعو للظهور بنحو آخر.
١٣- وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلى الله عليه وآله وسلم):
لقد كان أحد أهداف أهل البيت (عليهم السلام) إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واستحكامها. والمثال البارز على ذلك قيام الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي كان أحد أهدافه الأساس إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واستحكامها، بل حتّى سعي العلماء وجهدهم كان في هذا المضمار أيضاً، والمثال البارز هو الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) الذي أحيا وأحكم بثورته المباركة القرآن وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا في عصر الظهور الذهبيّ، سيتذوّق العالم طعم السنّة الواقعيّة للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسوف تكون سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريقته هي الحاكمة على الوجود، ولن يكون بين المسلمين اختلاف على سنّته (صلى الله عليه وآله وسلم).
١٤- واجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِين:
يتعرّض الحقّ - على طول التاريخ - للهجوم والعداء، ولا يخلو عصر من عصور الرسالة والإمامة والولاية من المنازعة والاعتراض. وفي عصر الظهور، سيستقرّ الحقّ بشكلٍ تامّ، وسيسبّب ذلك اجتماع أعداء الإسلام مع الأعداء الآخرين لحجّة الله لخوض الحرب الأخيرة. وهنا نعتقد أنّ حزب الشيطان سيزول، وأمّا حزب الله، فليس فقط سيغلب وينتصر، بل سيكون الفائز والمُفلح أيضاً، قال تعالى: ﴿حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾(٢٦٨)، وقال سبحانه: ﴿حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(٢٦٩):
ولا يتحقّق النصر إلّا بشرطَين:
الأوّل: لا بدّ لحزب الله لكي يحكم ويغلب من تحقيق عناصر التنظيم والإدارة والقوة والوحدة والجرأة...
الثاني: علينا أن نرفع أيدينا بالدعاء للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كلّ يوم لأجل عزّته وحفظ سلامته ونصرته وعدم خذلانه. والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) كانوا في جميع حالاتهم وفي مناجاتهم يدعون لحفظ إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسلامته، وقد علّمونا كيف ندعو له بذلك:
فالإمام الرضا (عليه السلام) يعلّمنا أن ندعو له (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالقول:
"اللهم ادفع عن وليّك... وأعِذْه من شرّ جميع ما خلقت... واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفِظته به"(٢٧٠).
ويدعو الإمام العسكري (عليه السلام) في قنوت صلواته بهذا الدعاء:
"فاجعله - اللهمّ - في حصانةٍ من بأس المعتدين... فاجعله اللهمّ في أمنٍ ممّا نشفق عليه منه، وردّ عنه من سهام المكائد ما يوجّهه أهل الشنآن إليه"(٢٧١).
في عصر الظهور الذهبيّ، سيتذوّق العالم طعم السنّة الواقعيّة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسوف تكون سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطريقته هي الحاكمة على الوجود.
١٥- اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ على دَعْوَتِه:
في أيّ زمان يُستجاب هذا الدعاء؟ قطعاً أحد مصاديقه يوم الظهور، عندما يشاهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سائر أرجاء الدنيا وقد علت أصوات الجنود في أرض المعركة بالتوحيد، فإنّه يدخل عليه السرور، ويسرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يُهزم إبليس.
وفي دعاء أبي حمزة الثماليّ، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"إلهيّ، إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوّك، وإن أدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبيّك، وأنا أعلم أنّ سرور نبيّك أحبّ إليك من سرور عدوّك".
وإنّما يُسرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّ فرداً من أمّته شملته رحمة الله تعالى وعفوه، وأمّا إذا لم يُعفَ عنه، فيفرح الشيطان لإضلاله شخصاً آخر وجعله من أهل جهنّم.
وعلى هذا الأساس، كان هذا المقطع معبِّراً عن طلب الظهور.
١٦- وَارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَهُ:
بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، غُصِب حقّ أهل البيت (عليهم السلام)، وبدأت محنتهم وشدّتهم. ففي دعاء قنوت الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام):
"اللّهمّ، وقد عاد فيئنا دُولَةً بعد القسمة، وإمارتنا غَلَبةً بعد المشورة، وعُدْنا ميراثاً بعد الاختيار للأُمّة، واشتُريَت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكَم في أبشار المؤمنين أهلُ الذمّة، ووَلِيَ القيامَ بأمورهم فاسقُ كلِّ قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا ذو شفقة يُشبع الكبد الحرّى من مسغبة، فهم أولو ضرع بدار مضيعة، وأسراء مسكنة، وخلفاء كآبة وذلّة"(٢٧٢).
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً.
١٧- اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ:
الحضور هنا بمعنى الظهور، الذي حينما يحصل ستنجلي جميع غمومنا وغصصنا إلى الأبد, لأنّ غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي سبب الغمّ والغصّة، وظهوره هو أساس فرحتنا وسعادتنا، وزوال جميع المتاعب والشدائد في العالم، وهو ما ينعكس على الأمّة الإسلاميّة بشكل خاصّ من خلال حاكميّة الإسلام.
١٨- وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ:
إحدى وظائف المنتظرين هي الدعاء لتعجيل الفرج، فقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري (عليه السلام): يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: "يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حُجَجه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنيُّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مَثَلُه في هذه الأمّة مَثَلُ الخضر (عليه السلام)، ومَثَلُه مَثَلُ ذي القرنين. واللهِ، ليغيبنَّ غيبةً لا ينجو فيها من الهَلَكة إلّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه"(٢٧٣).
لقد تعرّض القرآن الكريم لقضيّة العجلة والسرعة والسَبق إلى بعض الأعمال، فقال: ﴿وَسَارِعُواْ﴾، ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿فَاسْتَبِقُواْ﴾. وثمّة اختلاف وتفاوت بين التعجيل والعجلة من جهة، والسرعة والسبق من جهةٍ أخرى, فحُسن السرعة والسبق إنّما هو في المواطن التي تكون الأمور كلّها فيها قد تمّت مراجعتها وتنظيمها، فلا ينبغي تضييع الوقت والفرصة. وأمّا التعجيل والعجلة فهما في الأمور التي لم يحن موعدها بعد، أو أنّه يحتاج إلى مزيد من العمل أو المراجعة, فهنا لا بدّ من التأنّي.
والعجلة تكون مناسبةً في بعض المواضع, ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾(٢٧٤), بل لا مانع على الإطلاق من العجلة في أمور الخير وكسب رضى الله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾(٢٧٥).
١٩- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً:
وردت هذه الجملة في القرآن الكريم في حقّ الكافرين الذين يستبعدون أصل المعاد، ويعدّونه أمراً بعيداً عن الذهن والعقل، في حين أنّ حصول يوم القيامة عند الله تعالى أمر قطعيّ وواقع لا محالة، وقادم وقريب.
كذلك الأمر بالنسبة إلى ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فبعضهم يراه أمراً بعيداً، في حين أنّ كلّ فرد يوفّق لقراءة هذا الدعاء يقرّ ويعترف بظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وفي الحياة المهدويّة، مضافاً إلى الاعتقاد بالظهور الحتميّ، لا بدّ من الاعتقاد بقرب هذا الظهور, وذلك لأنّ الروايات طلبت من المنتظِر أن يتوقّع ظهوره صباحاً ومساءً، وأن يكون على أُهبَة الاستعداد له.
نعم، الاعتقاد بقرب هذه المسألة لا ينبغي أن ينجرّ إلى أمور سقيمة وفاسدة, كالتحديد والتوقيت.
الطلب منه تعالى لا بدّ من التوجّه إلى رحمته ومحبّته؛ لأنّ من بين الأسماء النورانيّة الإلهيّة خُصّ اسم الرحمان بالذكر
٢٠- بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ:
وردت هذه العبارة في كثير من الأدعية، وهي ترشدنا إلى أنّ استجابة الدعاء إنّما هي من خلال رحمة الله تعالى الذي ينظر بلطفه وعطفه ويستجيب دعاء الجميع. ولذا، ففي الأدعية والطلب منه تعالى لا بدّ من التوجّه إلى رحمته ومحبّته, لأنّ من بين الأسماء النورانيّة الإلهيّة خُصّ اسم الرحمان بالذكر.
٢١- الْعَجَلَ الْعَجَلَ يَا مَوْلايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ:
في هذه الجملة توجد أمور ثلاثة:
الأوّل: إنّه مضافاً إلى الطلب من الله تعالى في هذا الدعاء بتعجيل ظهور إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كذلك يطلب هذا الأمر من وليّه وخليفته أيضاً.
الثاني: هو مولى وقائد.
الثالث: هو صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
الإجابة عن سؤال شائع:
في الختام، لا بدّ من الإجابة عن تساؤلٍ يخطر في الأذهان كثيراً، وهو: هل كلّ من يقرأ دعاء العهد يصبح من أنصار إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وفي حال مات فهل يرجع حتماً بعد ذلك؟
وفي الجواب:
أوّلاً: إنّ أحد شرائط استجابة الدعاء هي المواءمة بين الدعاء والعمل والسعي، ففي الكلمات القصار لأمير المؤمنين (عليه السلام): "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر"(٢٧٦).
وإذا عرفنا أنّ الوتر هو سبب حركة السهم وواسطة رميه نحو الهدف، يتّضح لنا دور العمل في التأثير في الدعاء. فلا بدّ من العمل مع الدعاء، وإلى جانبه لا بدَّ من السعي والطلب.
الجنود الذين استعدّوا وتجهّزوا للقتال، يدعون كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(٢٧٧).
كذلك النبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، الذين هم مظهر الدعاء وحقيقته، كانوا في عمل وسعي في الليل والنهار. لذا، ورد في الروايات عدم استجابة دعاء الذي لا يعمل لتحقيق مطلوبه!
ثانياً: ضرورة توفير شرائط استجابة الدعاء. لذا، يُستجاب دعاء الذين لم يُدخلوا إلى بطونهم طعاماً محرّماً، فقد جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "أطِب كسبَك تُستجَب دعوتُك"(٢٧٨).
وفي القرآن الكريم، نقرأ قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(٢٧٩). ومن باب المثال: لو أنّ شخصاً قال لآخر: "عندما تتعرّض لمشكلة اتصل بي كي أساعدك", فلهذه الجملة لوازم وشروط، من جملتها:
١- حفظ الصداقة معي.
٢- عدم تضييع رقم هاتفي، وحينما تتّصل بي اطلبه بشكل صحيح.
٣- في عرض المشكلات كن صادقاً ولا تكذب.
- فهل نحن نراعي هذه الشروط حينما نقرأ دعاء العهد؟
- هل حفظنا صداقتنا مع الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟
- هل نحن الآن صادقون حينما تلونا عهدنا وعقدنا؟
- هل سنفي لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعهدنا وعقدنا؟
- هل عملنا بوظائفنا؟
- هل لدينا توجّه كامل وتامّ نحو مضامين هذا الدعاء؟
- هل لاحظنا الشروط الأخرى للرجعة؟
الجنود الذين استعدّوا وتجهّزوا للقتال، يدعون كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾(٢٨٠).
وقد سأل رجلٌ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(٢٨١)، فقال: فما بالنا ندعو فلا يجاب؟ قال (عليه السلام): "إنّ قلوبكم خانت بثمان خصال:
أوّلها: أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.
والثانية: أنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته وأمتّم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم؟
والثالثة: أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم سمعنا وأطعنا، ثمّ خالفتم.
والرابعة: أنّكم قلتم إنّكم تخافون من النار، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم، فأين خوفكم؟
والخامسة: أنّكم قلتم إنّكم ترغبون في الجنّة، وأنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟
والسادسة: أنّكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها.
والسابعة: أنّ الله أمركم بعداوة الشيطان وقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾(٢٨٢), فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة.
والثامنة: أنّكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه.
فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا، وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم"(٢٨٣).
هذا الحديث العظيم في معناه، يتحدّث بصراحة عن أنّ إجابة الدعاء وآثاره أمران مشروطان لا مطلقان، والشرط هو عمل الإنسان بوعوده ووفائه بعهوده. فقد عرفنا الكثير عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولكنّنا لم نؤدِّ حقّه!
حقّاً، هل أعمالنا موافقة لسيرة إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسنته؟
إنّ العمل بالأمور الثمانية المتقدّمة، التي هي في الحقيقة شروط استجابة الدعاء، كافٍ لتربية الإنسان المنتظِر، ولتوجيه قواه في مسير الحياة النافعة والمثمرة في الحياة المهدويّة.
انتهى
كتاب شرح دعاء العهد ( الشيخ محسن قرائتي
المكتبة التخصصية المهدوية
من مكرز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق