بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :-
قال تعالى ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما )
سورة الأنبياء
في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد الخاطئ بأزلية الكون بلا بداية ولا نهاية , و عدم محدوديته إلى ما لا نهاية ,و سكونه و ثباته ( أي عدم حركته , على الرغم من حركة بعض الإجرام فيه ) , بمعنى إن هذا الكون اللانهائي الساكن كان موجود منذ الأزل,و سيبقى إلى الأبد فرية أطلقها الكفار و الملحدون من بني البشر في محاولة يائسة لنفي الخلق و التنكر للخلق عز وجل , في هذا الوقت نزل القرآن الكريم موجهاً أنظار هؤلاء الجاحدين من الكفار و المشركين و الوثنيين إلى طلاقة القدرة الإلهية في إبداع خلق الكون من جرم ابتدائي واحد ,
وهذه الآية الكريمة و واضحة الدلالة على إن الكون الذي نحيا فيه كون مخلوق له بداية , بدا الله سبحانه و تعالى خلقه من جرم ابتدائي واحد مرحلة الرتق , ثم أمر الله تعالى بفتق هذا الجرم الابتدائي فنفتق مرحلة الفتق , و تحول إلى غلالة من الدخان مرحلة الدخان , و خلق الله تعالى من هذا الدخان كلا من الأرض و السماء أي جميع الإجرام السماوية و ما ينتشر بينها من مختلف صور المادة و الطاقة مما نعلم و لا نعلم و تعرف هذه المرحلة باسم مرحلة الإتيان بكل من الأرض و السماء , و قد جاء وصف المرحلتين الأخيرتين في الآية ( 11) من سورة فصلت , قال تعالى ( قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين و تجعلون له أندادا ذلك رب العالمين , و جعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين , ثم استوي إلى السماء و هي دخان فقال لها و الأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين , فقضاهن سبع سماوات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزيز العليم . ( فصلت : 9-11 )
و هذه الآيات القرآنية الكريمة في كل من سورتي الأنبياء و فصلت تعرض لخلق السماوات و الأرض في إجمال و شمول و إيجاز .
وقد بقي الفلكيون إلى مطلع العشرينات من القرن الماضي مصرين على ثبات الكون و عدم تغيره .
و في السنوات من 1914 إلى 1925 م اثبت الفلكي الأمريكي سلا يفر إن معظم المجرات التي قام برصدها خارج مجرتنا ( درب اللبانة ) تتباعد عنا و عن بعضها البعض بسرعات كبيرة
و في سنة 1929 م تمكن الفلكي الأمريكي الشهير أدوين هبل من تأكيد ظاهرة توسيع الكون , و توصل إلى الاستنتاج الصحيح إن سرعة تباعد المجرات الخارجية عن مجرتنا تتناسب تناسبا طرديا مع بعدها عنا , و في عام 1930 م قد أثبتت معادلات اينشتاين الخاصة بالجاذبية الأرضية إن الكون غير ثابت , و في السنوات 1932 و 1934 م اقترح ريتشارد تولمان نموذج متذبذبا للكون يبدأ و ينتهي بعملية الانفجار الكبير , و في عام 1948 م أعلن كل من جورج جامو و زميله رالف الفر إن تركيز العناصر الجزء المدرك من الكون يشير إلى إن الجرم الأولي الذي بدا به الكون كان تحت ضغط و درجة حرارة لا يكاد العقل البشري إن يتصورها , وعند الانفجار انتقلت تلك الحرارة إلى سحب من الدخان الكوني التي نتجت عن ذلك الانفجار , و سمحت بعدد من التفاعلات النووية التي تكون العناصر الأولية مثل الإيدروجين و الهليوم .
و قد لخص لنا ربنا تبارك وتعالى عملية خلق السماوات و الأرض و إفنائهما و إعادة خلقهما في صياغة كلية شاملة من فبل أكثر من إلف و أربعمائة سنة , وذلك في خمس آيات من القرآن الكريم
1- قال تعالى ( و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون) الذاريات : 47.
2- قال تعالى ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ) الأنبياء : 30.
و هناك آيات كثيرة على إبداع الخالق في صنع هذا الكون و الملخص من هذا البحث هو : -
1. توسيع الكون منذ اللحظة الأولى لخلقه و إلى إن يشاء الله
2. ابتداء خلق الكون من جرم أولي واحد ( مرحلة الرتق الأول )
3. فتق هذا الجرم الأولي أي انفجاره ( مرحلة الفتق الأول )
4. تحول المادة في الجرم الأولي عند فتقه إلى الدخان ( مرحلة الدخان )
5. خلق كل من السماء و الأرض من الدخان الكوني ( مرحلة الإتيان )
6. حتمية عودة الكون بكل ما فيه و من فيه إلى الجرم الابتدائي الأول الذي ابتدأ منه الخلق
و ها قد اخبرنا ربنا تبارك و تعالى من قبل أكثر من ألف و أربعمائة سنة
تحياتي اخوكم
مروج الحق
تعليق