المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفائدة النفسية لشهر رمضان


عاشقة النور
04-09-2009, 12:05 AM
تتلخص الفائدة النفسية للصوم، في الأمور التالية:
1: الإرادة
إنّ المجتمع ـ اليوم ـ يعالج صراعاً دائباً ـ في مجزرة الأعراض، والكرامات، نتيجة لضياع المبادئ والمثل، وتبعاً لاندفاعه اللاإرادي مع المطامع والأهواء، سيراً في ركاب التقاليد المفترضة، والعادات المختلفة السخيفة.
لذلك اندلعت العواطف والشهوات، لتقضي على أصداء العقل والضمير.
وهذه الجرائم، التي أربكت الحياة، وشغبت على التاريخ والاجتماع، ناتجة من ضعف (الإرادة) التي لا تجرأ على مقاومة عوامل الشر والإغراء، ولا تستطيع أن تكفكف العواطف والشهوات.
لأنَّ (الإرادة) هي القوة، التي تمكن الإنسان من أن يقول: (نعم) أو يقول: (لا)، عندما تدعوه شهوة أو عاطفة، أو يسخره ظالم مستهتر، لخدمة أغراضه ومطامعه.
فبـ (الإرادة) يكون الإنسان حراً في حياته، بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك عليه مصيره إنسان أياً كان ذلك الإنسان، وهكذا يكون سيد نفسه، ويملك أنْ يريد وأنْ لا يريد... فالأدب الذي يرشد الابن إلى ما ينبغي أنْ يفعل وما لا ينبغي، والابن الذي يتبع إرشادات أبيه، المعقولة، يسير في طريق قويم، إلى أنْ يصل إلى أهدافه في الحياة، بقدم ثابتة، ونجاح مطرد، فإذا كان عامل العاطفة مسيطراً عليهما في أدوار تنشئته مال، الابن إلى (الدلال) ففسد وأفسد. وإذا كان عنصر (الإرادة) متحكماً في التربية نشأ الابن عضواً نافعاً في الهيئة البشرية.
فوظيفة (الإرادة) في حياة الإنسان، هي وظيفة (الضابط) في المعسكر، وإنْ (الإرادة) تكبح جُماح الغريزة، وتخفّف غلواء (الحيوان) الذي يعيش في عروق (الإنسان) فيثير شهواته وعواطفه، كما أنّ (الضابط) يقبض المعسكر، فيمنع توتره وفضوله.
ولما كانت (الإرادة) تملك أنْ تقبض وتبسط حياة الإنسان، وتحدد شهوته وعواطفه، كان على الإسلام أنْ يهتم بتكوين (الإرادة) للإنسان حتى يستطيع أنْ يطيع الإسلام، ففرض عليه الصوم، الذي هو (مدرسة الإرادة) ليحفظه من السقطة والضياع، ويأخذ بيد المسلم، من أنْ يستسلم للأحداث، أو يستخف ويستهين بالتبعات، فلا يركب رأسه ولا يخلع عذاره، ولا يجري في أعقاب كل غيٍ وغاوٍ.
والصوم يؤدي إلى تكوين (الإرادة) من ناحيتين:
الأولى: إنَّ الصوم من طغيان الجسم على الروح، والمادة على الإنسانية، والعبودية على الحرية، وترويض للإنسان، على أنْ يقول: (لا) عندما تدعمه شهوته إلى الأكل أو الشرب، أو الاستمتاع، أو تدعوه عادته إلى أحدها.
ولتلاحظ نوعية الأمور التي حرمها الله على الصائم، وشدة علاقتها بحياته اليومية، ومدى هيمنة العادة عليها، لنعرف قوة عملية الصوم، وأثرها في تربية (الإرادة) فإنّ رياضة النفس فيما هو من ضروريات الحياة، يجعل الإنسان أقوى على ترويض نفسه، للكف عمّا دونها.
وهنا ندرك: كيف ينتهي الصوم بالكفاح لأجل الحق والخير، فإنَّ الكفاح إرادة الخير، وانطلاق لتحقيق تلك (الإرادة) مهما كلَّف الأمر.
وقد يؤدي البحث إلى سؤال، هو: (إنَّ الصوم إلى جانب كونه ترويضاً للنفس لتربية (الإرادة)، عبادة لله، كبقية العبادات، التي يلتقي فيها الإنسان بربه، فتتضاءل إرادته وتذوب إزاء إرادته الله تعالى، وهل يمكن تقوية (الإرادة) بعرضها على التضاؤل والذوبان)؟.
والجواب: (إنّ إرادة الإنسان، عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه، ولا تذوب لتموت، وإنّما لتحيا وتدوم، فالإرادة الإنسانية، إذا استقلت في الوجود، تكون متهافتة قالبة للانهيار أمام الزعازع والأهوال، ولكن إذا انصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية، تعود إلى الحياة أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الانضمام إلى إرادة الله، مصدر قوة وثقة، لا يمكن أنْ يأتي عليهما شيء، ما دام إيمانه بالله مطلقاً، يعرف الله فوق كل إنسان وسلطان.
الثانية: إنَّ الصوم حيث يطول أمده شهراً كاملاً، يغير ـ هو والمستحبات التابعة له ـ برامج حياة الفرد، لأنّه قد أعتاد في أيام السنة، أنْ يتناول وجبات الطعام، في مواعيدها المعهودة، حتى يشهر بالضجر والملل، ولكنه حين يصوم، يقع مع عاداته في صراع عنيف، فالعادة التي ملكت عليه حواسه، وفتحت مجراها في سلوكه، تجذبه إليها في أوقاتها، ومسلحة بقوة الشهوة إلى الأكل أو الشرب أو الجنس، ولكنه يمضي في إرادته، دون أنْ يلتفت إليها، فيمنعه عن الطيبات في أوقاتها، ويوفر عليه الطيبات في غير أوقاتها، وتبعاً لذلك، تتطور حياته كلها، فينام في غير وقته، ويعمل في غير دوامه، ويعبد الله أكثر من سائر الشهور، ويجتمع بالمسلمين أكثر من بقية المناسبات، ويحاول إتيان القربات أكثر من الأوقات الأخر، وكل هذه التطوّرات، تأتي فجأة، مع بزوغ هلال شهر رمضان، فيجتمع للمسلم ـ الذي عاش حياة رتيبة ـ جهادٌ بالنهار على الصوم، لكبح نفسه ونوازعها وأُمنياتها، وجلاد بالليل، للسهر على القربات، أحياءاً لضميره، وتنشيطاً لإيمانه.
ومن تدرب على أنْ يمتنع ـ باختياره ـ عن شهواته ولذائذه، ثم يبقى مُصرّاً على الامتناع عنها في أوقات معينة، لا لشيء، إلاّ استجابة لأمر واحد من أوامر دينه، لا بد أنْ تخر على أقدامه الأهواء والعادات، صرعى مغلولة، ويشعر بالنصر، الذي يحس به القائد المظفّر، فتخضع هواجسه وشهواته لفكره، منقادة للوازع النفسي، مذعنة بالحس الديني، المسيطر على النفس ومشاعرها.




وما الحياة في مظاهرها الجادة، إلاّ عزم يؤثر الإقدام على الإحجام، وأهم فوق بين الذين ينجحون في أعمالهم وبين الذي يفشلون، إنّ أولئك يتحكمون إلى إرادتهم، يواجهون الحياة بعزم حديدي لا يعرف العجز والهزيمة، وهؤلاء تخور إرادتهم، أمام عادة أو شهوة، فيسقطون خانعين. عبادة التحرر وممارسة الصوم ـ في شهر رمضان ـ لإبراز استقلال (الإرادة). تمرّن الصائم على اعتياد التحرر والانعتاق، من أحابيل الغريزة ومكايدها، وترهف عزيمته وتشحذ مواهبه، وتستخرج ركائزه الدفينة، ليودعها مصرف روحانيته، ليجدد عنها ـ عند الشدائد ـ مدد الثبات والعزم والخشونة والجلد، حتى ينقلب الصائم بطلاً تتفجر أعصابه إيماناً ومضاءً، فلا يذلّ ولا يخشع، ولا يستكين، وإنّما يبقى كالجندي المُعبأ، يتحفز ـ أبداً ـ للدفاع والوثوب.



لأنَّ الإخلاص لله في العبادة، يعني ـ في جوهره وحقيقته ـ التحرر من الخضوع، لكل قوة ـ من دون الله ـ مهما بلغت، وبذلك كان الصوم، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات، والشهوات.

2: الثبات

إنّ (الإرادة) في النفس، بمنزلة مركز الأعصاب في الجسد، فمتى تقوّت (الإرادة) تفرعت عنها صفات كثيرة، فإذا قويت (إرادة الفرد)، حتى سيطرت على نفسه، لا تتمرد عليه أعصابه، ولا ترتبك مشاعره، ولا يغيب عنه شعوره، مهما عصفت به الأزمات، وإنّما يصبح رجلاً مفكراً صموداً صبوراً، لا يكاد يثور في أوانها وغير أوانها، بل يبقى إنسانا متمالكاً قاد عنان ذاته، ومرن على تحمّل الصعاب، فيرسخ في موضع أقدامه، محافظاً على الهدوء والاتزان، عندما تعزف الأحداث، ويغنّي الموت، وتتراقص الأهوال، ويتشذر النّاس ـ من هنا وهناك ـ مغلولة خوّارة، ويبقى هو رابطاً، لا تزعزعه الشدائد والأخطار، وإنّما يتلقاها بفائض إيمان، وشجاعة مطبوعة، فهو الذي راض نفسه على المخاطر، في سبيل الله وفي سبيل الله وحده، ولا يزال يغذي إيمانه وعزائمه بالصوم شهراً من كل عام.
هكذا الصوم، يجعل المسلم شاعراً بأنّه سيد نفسه وإرادته، وأنّه هو وحده الذي تعوّد الصبر والثبات، ليملك بنفسه مصيره، ويقود مستقبله.
و (الثبات) فضيلة عظيمة. كان فلاسفة العالم ـ قبل الإسلام ـ وكثير من المرتاضون ـ حتى اليوم ـ يفرضون على أنفسهم الشدائد القاسية ـ علهم ينالوا بعض (الثبات) ولكنّهم ـ بالرغم من قسوة فرائضهم ـ لا يبلغون ما يبلغه المسلم بالصوم.
ولقد أرهق علماء النفس والاجتماع أنفسهم، ليوفروا للإنسان علاجاً يسبغ عليه الثبات، فلم يبلغوا ما بلغه الإسلام، ولم يقدروا على إنقاذ البشرية، من ألوان التوترات، التي تجدها اليوم، ولم يجدها المجتمع الإسلامي في الصدر الأول، بفضل الصوم، ولم تملك القوانين الوضيعة ـ حتى اليوم ـ رغم تطوّراتها المستمرة أنْ توفر للإنسان الفرصة الكافية ـ التي اعتبروها أساس الثبات ـ التي أتاحها الإسلام لشعوبه في شهر رمضان.

* * * * *

وهذان الخلقان: (الإرادة) و (الثبات) لا يستفادان من أي فريضة، كما يستفادان من الصوم، في الوقت يكونان مما يعم الأغنياء والفقراء، فإنّهما من ألزم الصفات لكل إنسان، في كل تكليف، وعند كل تبعة، وهما لازمان للفقير لزومهما للغني، وإذا كان أحدهما أحوج إليهما من الآخر، فهو الفقير لأنَّ الغني قد يجد لديه، ما يعوض التفريط في أعمال (الإرادة) و (الثبات)، بينما الغرامة ليست ميسورة للفقير.

3: الاحتمال

كان الإنسان وحشاً خرج من الغاب، ولكنْ لم يخرج الوحش من الإنسان، ورغم (الملك) الواعي في ضميره ـ الذي يرسل إليه التوجيهات أبداً وفي كل حال ـ فإن (الوحش) الراقد في حناياه، قد يطغي عليه، فيثور ويلعن ويسب ويعكر الحياة، وقد يجد هذا (الوحش) إمكان التعبير فيفرغ سخائمه، ويهدأ، وربما لا يجد قدرة التعبير، حيث يجد أمامه (أوحش منه) أو يكبله (الوحوش) الأُخر، يغلّقون عليه نوافذ الحياة، فيضيق صدره فيحطم نفسه، وينتحر. هل (الانتحار) إلاّ إرادة ذلك (الوحش) الجزع؟ ((إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً))، هل المنتحر إلا إنساناً عاجزاًـ غير واثق بربه وبنفسه.
والصوم، جاء لترويض ذلك (لوحش) ليصبح (إنساناً) مستأنساً يألف النّاس ويألف ما حوله، ويألف به النّاس، ويألف ما حوله، أو لم يقل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (المسلم ألفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يألف)؟
فالصوم، مستشفى جماعية سيارة، تعالج فيها الغرائز، ومصفاة، تصفى فيها النفوس، من شوائب المجتمع، وبوتقة، تصهر فيها الأرواح لتنضج وتتبلور، فلا يسكره الشبع، ليبطر فيعربد ويفسد، ولا يهيجه الفقر، ليسعى مسعوراً في الأرض، يقتل هذا ويلعن ذاك، لكسب العيش الحرام.
أو ليست الشكاوى الفردية الجماعية والدولية، التي ترددها البشرية وتنصب لمعالجتها المحاكم والمؤتمرات، كلها من الجزع وعدم الاحتمال، فالغني يجزع من الغني، والفقير يجزع من الفقير، وكلاهما يعلن الحرب على الآخر.
والصوم، جاء ليعلمنا الغنى ليلاً والفقر نهاراً، حتى ننال خبرة اقتصادية، تمكننا من احتمال الغنى واحتمال الفقر، وإذا كان في النّاس من يظن الصعوبة في احتمال الفقر، فأني أرى المشقة في احتمال الغنى، أكثر وأصعب.
إنَّ شهر رمضان، فترة امتحان، يؤدي فيها المسلم ما أستذكره من الفضائل، فمن النّاس من يؤدي الامتحان ـ كما اعتاد بعض الطلبة ـ بالغش، ومنها من يؤديه كسلاً وخيبة، ومنهم من يهمله ويتسلل منه، ومنهم من يؤديه بنجاح وتفوق.
وإذا كان الصوم اختباراً لأية فضيلة، فهو ـ قبل كل شيء ـ اختبار للاحتمال، كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الأيمان).

4: الأخلاق

نستطيع أنْ نعرف (علم الخلاق) بأنّه: (علم الواجب). لأنَّ معنى (الواجب) هو الالتزام بأداء عمل مفروض، على أنْ يكون هذا العمل، غير قائم على (القهر) ولا على (المنفعة) فالعمل القائم على (القهر) ليس عمل أخلاقياً، بل كثيراً ما يكون ضد الأخلاق، لأنّ عنصر (الإرغام) يسلب حرية الإنسان وعزته، فيغدو الإنسان (آلة) لا تعرف الأخلاق.
والعمل القائم على (المنفعة)، لا يكون عملاً أخلاقياً، لأنّ الإنسان لا يؤديه إيماناً به، بل إيماناً بأجرته، فيفقد العمل صفته الذاتية المستقلة، ليصبح عملاً طريقياً يتقمص صفة هدفه، وإنّما العمل الأخلاقي، هو العمل الذي يأتي به الإنسان، لذاته المجردة، لا نكاد نجد عملاً، ينطبق عليه هذا التعريف، أظهر من الصوم، لأنّ الصائم لا ينال جزاءً على ذات الصوم ـ وإنْ نال الجزاء على صورته الظاهرة ـ ولا يفرض عليه إلزام قهري ـ وإنْ فرض إلزام على القيام بصورة الصوم ـ لأنّ حقيقة الصوم لا تبرز للوجود إلاّ بعد اكتمال شرائطه، وكل إنسان يستطيع أنْ يفطر دون أنْ يعلم به أحد، فلا يقع ذات الصوم الحقيقي، مقابل الأجرة، ولا تحت القهر.
بالإضافة إلى أنَّ الصوم، حيث يهدأ الأعصاب، يخفّف دورة الدم، وتهدأ فورت الجسد، فيحيا الصائم بروحه أكثر منه بجسده، فيكون انقياده لعقله أسهل من غير أحيان الصوم، فتنطلق في نفسه الفضائل دفعة واحدة، فتطغي غرائز الفضيلة على غرائز الرذيلة، ويتسامح أخاه، ويصفح عن المسيء، ويسعى للمصالح العامّة، ويصل الرحم، يتحرك في عقله حب التأمل والتفكير، في فلسفة الوجود، وفلسفة الغنى والفقر، فتجيش عواطفه، ويود لو يستطيع أنْ لا يرى جائعاً أبداً، وأنْ يسخو بكل ما لديه، لإنقاذ النّاس من الجوع، الذي يقاسي منه الأمرَّين، فيندفع إلى تفقّد الأهل والأرحام، وإطعام الجائعين، ومساعدة المحتاجين.

* * * * *


"عاشقة النور"

الزهراء حياتي
04-09-2009, 04:13 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

حسيني 2
04-09-2009, 05:03 PM
موفقين على الموضوع الرائع
وفقنا الله واياكم من اداء فريضه الصيام وقبوله

عاشقة الابتسامه
04-09-2009, 08:43 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

*llعاشقة الزهـراءll*
04-09-2009, 09:36 PM
احسنتِ
غاليتي
دائماااا تتحفينااا بالراااائع والمفيد
سلمت يداااااااااك
موفقه لكل خير
دمتِ بحب الزهراااء..عليها السلام