استيقضت زهراء على صياح ابن اختها (هادي)، قامت وهي متثاقلة من على سريرها وإذا باختها تقول لها: هيا عزيزتي زهراء لقد جلبت لك (هادي) ضعيه على كتفك حتى ينام فسارجع في الساعة العاشرة ظهراً..
زهراء وهي متململة بعض الشئ:حسناً اختاه..
نهضت واخذت الطفل وصارت تربت عليه حتى ينام فقد باتت في صراع مع جفنيهما الذي غلب عليهم النعاس بعد السهر..كان هادي مفعم بالحيوية والنشاط فقد نام الليل بطوله وشبع واما الان فقد ان وقت اللعب عنده،ياست زهراء من الوسائل التي استخدمتها لكي ينام لكن بدون جدوى.
أخذت تنظر لفاطمة وهي نائمة اتوقفها حتى تاخذ الطفل وتنام هي ، ام تجعلها تستريح؟
حملت الطفل على كتفيها الشامخين ونزلت معه للطابق السفلي فهي تنام في غرفتها في الطابق العلوي مع اخوانها..
وضعت لابن اختها بعض الالعاب ليلعب بها بينما هي استلقت على الكرسي مطرقة تتذكر كلام اختها مرة اخرى عن القلب فمن المحال ان تنساه. فقد بث في روحها أملاً جارفاً للحياة وحباً كبيراً للناس والذين لايقدرون مايشعر به الانسان ولايحاولون ان يشعرون... رفعت زهراء راسها وهي تنظر لذلك المخلوق بعد تامل عميق..
راحت تمرر اصابعها في خصلات شعرها الذي تضاحك الجمال في مفرقة بحلاوة مكتومة وامل شديد للحياة..
انطلقت عنها تنهيدة ساخنة ممزوجة بتامل عميق في وجه ذلك الندى
الجالس بجانبها والعالم المجهول والذي لو عجز وهو يبكي لما عرفنا ماذا يريد وماهي منيته، كانت تنظر إليه بحنية ووقار فهو ابن اختها من لحمها ودمها وفيه نفحة إليهة من روح الخالق ناصعة البياض ولم يخترق عوازل الدنيا الملعونة..
توصلت الى شئ واخذت تتكلم مع ابن اختها بلاإرادة ولكن بشعور المتعجب من ماحوله(إي ان قلبك هو بيت الله اليس كذلك كما قالت اختي فاطمة)) ظلت زهراء تحدق في وجه هادي الذي انسابت فوقة سحابه مضيئة انعشت قلبها اللطيف وهو يحمل اللعبة الصغيرة ويقدمها لها.. احست باضطراب مفرح ينبض في صدرها((إنه يقدم لهل شيئاً))،إذن فهو يعلم ان هناك في هذه الدنيا اشياء تقدم للناس، هناك حب ولطف ووئام وكيف لا وهو ارق والطف وابرأ الناس على وجه هذه الارض..
إخذ هادي في البكاء فقد مل من كثرة اللعب وقد بانت عليه أثار النوم. اخذته في حضنها تربت عليه وهي تقرا عليه آيات من القرآن حتى ينام وترسخ في هذه الكلمات الالهية الجليلة ويكبر عليها..
بعدها استسلم هادي للنوم في ذلك الحضن الدافئ والذي يكن له كل معاني الحب ، اخذت تتامل في تفاصيل وجهه الضحوك وشعره المسترسل الناعم الذي يدغدغ اذنيه، والزهرة الحمراء الني تعلو وجنتيه الناعمتين، بعد قليل اخذت هادي ووضعته على وشاح احمر في تلك الغرفة..
لقد انجزت تلك الصغيرة العمر الكبيرة العقل شيئاً عظيماً انها ارقدت براءة كاملة بين رجليها ويديها لترتشف عبير المودة من روح الامل في احلامها الجميلة الغراء والتي تحمل اجمل معاني الطهر والنقاء.
درج هادي تحت رعاية ام تحرص عليه وتتبع خطواته، تحنو عليه وتهبه من نفسها وروحها الكثير الكثير وتفسح له في دعواتها وتوسلاتها الى مولاها مساحات واسعة.. ومع اب يهب وقته لهذا الطفل، كان هادي هو الحفيد الاول للعائلة حيث انه محل اهتمام وحب الجميع..
توضئت زهراء ولبست ذلك الوشاح الابيض الذي يظهر هيئة الانسان بروح صافية وعلى ربوع الايمان ومناهلة وجداوله وغدرانه وظلاله وافياءة، والصورة النقية التي يرجع بها المرء لربه مرة اخرى في ذلك اللحد.
امسكت بالدعاء واخذت تبحث عن دعاء الصباح فيه لعل الرحمة والبركة تحل في هذا البيت..من ثم بدات في القراءة..
قالت وفي صوتها خشوع مبحوح ممزوج بشفافية دافئة((بسم الله الرحمن الرحين، اللهم صل على محمد وال محمد، اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه واتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه..
وبينما هي خاشعة وقد رفعت راسها للسماء لتلمع دموعها في ساحة المناجين لله تعالى وتطلب عفوه وغفرانه، وإذا باحد قادم ليخترق سمعها وليقطع وحدتها وخشوعها،أنها امها الحنونة اطلت على ابنتها وهي في هذه الحلة والتي تشرح الخاطر، هذه الحلة التي يفتقدها العديد من بنات واولاد هذا الزمن الملعون، في هذه الحالة لم تجد ام زهراء غير الابتسامة التي تعلو محياها دائماً بالاطمئنان على حال ابنتها والتي باتت كوردة تتفتح في صباح الدنيا الندية كل يوم مع تغاريد الدعاء الذي يخرج من ثغرها الباسم كعنبر سال على الشجر لينشر عطره في كل مكان وربع ينساب على القلب فيبرأ جروحة الغزيرة وكبلسم يبث للروح اسمى معاني السمو والرفعة..
قالت الام: صباح الخير حبيبتي..
ابتسمت زهراء قاطعة الدعاء:صباح الفل، كيف اصبحت؟
_ الحمد لله الذي احياني بعد ان اماتني، بارك الله فيك عزيزتي، الامل الذي يتملك عينيك يذكرني بطفولتي الحلوة والتي امل ان ارجع اليها،نعم..
بعد صمت قليل، هل نام هادي..
_ نعم قبل قليل، ولكن هل تسمحين لي ياامي ان اكمل الدعاء من فضلك؟
_ آسفة عزيزتي، اكملية وجزاك الله خيراً، نسالك الدعاء.
اكملت زهراء الدعاء مبتهجة بكلام امها لها والذي خرج وكانه شمعة تنير طريقها وتوصلها على طريق الجنة، ولتكمل دربها بالحب والخير.
وبعد خشوع وتضرع لله انتهت زهراء من قراءة الدعاء،فاخذت تطوي ذلك الوشاح ووضعته في المكان المحصص له..
وماان توجهت للصالة واذا بالجميع مستيقظ والحيوية تسري في البيت تملاه روعة وجمال ، في كل غرفة حياه في كل زاوية بسمة جميلة على كل وجه ابتسامة رضى عنها فهي بنت محبوبة من الجميع، توجهت للمطبخ وإذا بابوها جالس يتفطر، رحبت به وقبل راسة وجلست معة لتشاطره الفطور، سكبت لها كوب حليب، رشفت رشفى عميقة يخالطها نفس عميق من هذا الكوب، كان المطبخ هادئاً وبارد بعض الشئ، زهراء تخجل من ابوها كثيراً حيث كان ذلك الاب هو العنصر الاساسي في هذا البيت كان يمثل لها ذلك الجبل الصامد الذ يعمل ويكد من اجله واخوانها، كان ذلك الرجل بالنسبة لها مدرسة تتعلم منها ماتريد من عبر ومواعظ..
احست زهراء ان هناك عينان تترقبان تلك الملامح الناعمة في وجهها وابتسامة لذيذة تسري في عروقها، فزهراء بعد ان كبرت اصبحت انشودة عذبة تغرد لابوها في كل وقت وتود لو تحدثه عن خواطرها الذاتية في وحدتها الموحشة فهو رجل ذو روح مرحة تجسدت في قصص ومواقف طوال حياته، ثم رجولته المتدفقة في عروقه كسيل هادر بالمعاني الصادقة ..
انتهت زهراء من افطارها وهي تقول ((الحمد لله)) منتظرتاً من اباها كلمة واحدة ولكن اباها كان سارحاً ، بودها لو تعرف في ماذا يفكر،خرجت من المطبخ متوجهة الى الغرفة لترتاح قليلاً فقد غلب عليها النوم.
الحرية المزيفة..
وعم الهدوء ذلك البيت الواسع الفناء والتي تغمرة الحيوية والنشاط وكأنه خلية نحل بدأت في العمل..
الام هي ملكته فالجميع ركض وراء بغيته، فقد اتجه ابا محمد الى عمله مزفوفاً بدعوى ام محمد له بالتوفيق طوال اليوم،أما هي فقد ذهبت لعملها اليومي في ذلك المنزل والتي يجب عليها ان تقوم به تجاه زوجها واولادها،كانت بالنسبة لاولادها كالشمعة التي تضئ دربهم بالحب والحنان والعقل، مكل مانحتاجه نحن في مجتمعنا هذا هو أن لايكون الرجل متخلف ولاتكون المراة متخلفة، ولعل مشكلتنا هي ان الرجل متخلف ولذا فرض تخلفه على المراة والمراة المتخلفة فرضت تخلفها على اولادها، وهذا التخلف المزمن الذي عشنا فيه وجعلنا نعيشه في الحياة بعيداً عن مواقع المسؤولية وبعيداً عن مواقع مواجهة التحديات بالطريقة التي يريدها الله فيها ان نواجه التحديات وان نكون واعين لكل ماحولنا ولكل حكم شرعي كلفنا الله به
أم محمد تلك المراة الفاطمية والتي ورثت اخلاقها من السادة الاطهار زينب وفاطمة سلام الله عليهما كانت تقوم بكل واجباتها المنزلية على الطريقة السليمة والكاملة متحرصة فيها رضى الله عنها، تلك الام تحمل قلباً محملاً بالحب المحمدي استمدته من امها الحسينية القلب والروح.
أحست أم محمد انها فارغة وليس لديها شئ تقوم به،اتجهت نحو الصالة بخطوات خفيفة القت بجسدها الشبابي الرائع على الكرسي، اخذت جهاز التلفاز وضغطت على زر التشغيل، وبينما هي تنتظر ظهور الصورة على الشاشة إذ ظهرت امامها تلك الراقصة الحمقاء الشقية والتي اخذت تهز ببدنها وتتخطرف امام الرجال والشباب، تنهدت ام محمد تنهيدة حارة مع تاسف شديد على ما رأت في هذا الجيل المر((يالله استغفر الله ماهذه القنوات الهابطة أين الثقافة الاعلامية التي يتحدثون عنها، نعم ياله من زمن مر، لقد راجت هذه الايام لغة المتجرة بالاجسام والقضايا: قضايا المراة والثقافة والسياسة بل حتى قضايا الدين وراجت لغة الشعارات والعناوين واللافتات فارجوا ان تكون جماهير هذه القنوات واعية بصيرة حتى لاتُضلل ولاتُخدع ولاتُزيف مواقفها ولاتُسرق اهدافها فالساحة معبأة بأفكار دخيلة ومعايير زائفة تروج لها ثقافة التغريب والعلمنة))
اخذت تضغط وتضغط على الزر لعلها تثبت على قناة متواضعة قليلاً إلى ان توصلت الى قناة اسلامية لاتحمل تلك التفاهات من ملاهي الدنيا والشهوات التي تتغلب على الانسان فيصبح اسيرها ويصبح كالحيوان الذي يركض وراء الفريسة حتى ينالهل فيشعر بعد إذن بالسعادة والراحة،أرجعت ام محمد زر التشغيل على الأرض واثبتت عيناها على تلك الحلقة الحوارية حيث عندها تحدث احد المثقفين العرب قائلاً((أنا اطالب باعطاء المراة الحرية المطلقة)) هزت ام محمد راسها يميناً ويساراً لهذا الاقتراح الهابط والذي يعني دمار المجتمع وعدم رقية وعندها اندفعت فتاه مراهقة قالت((أنا اسهر خارج المنزل الى ساعة متاخرة من الليل وأهلي يعطوني الحرية في ان اخرج وادخل واقرا وافعل مااريد ولكن ارفض ان اعطى الحرية الكاملة المطلقة، فلكل شئ حدود)) فاستشاط الرجل المثقف غضباً وقال: ((إن حديث الفتاة يعكس احساساً بالدونية))، يقول كل من ينادي بالديموقراطية(الحرية الشخصية تقف عند حدود أذية الشخص الاخر بمعنى ان حريتك هو ان لاتلمس حرية الاخرين بسوء،فمن حقك ان ترفع صوت المسجل لاقصى حد إذا لم يكن جارك يتأذى وهكذا، والاسلام ليس بعيداً عن هذه النظرية، ولكنهم قصيروا الرؤيا، فالدين يرى ان الطرف الاخر ليس فقط الانسان بل يتعداه الى الكيان الاعتباري للمجتمع والبيئة بل والذات الإلهية كذلك فحريتك ان لاتصل لخدش نظام المجتمع، فالمراة حرة في حركتها، ولكن تبرجها وتعريها اما الآخرين يؤدي الى خراب المجتمع بانتشار العلاقات المحرمة والممارسات الدنيئة، والحرية هي ان تمارس المراة دورها في بناء الكون فهي ليست وظيفة الرجل وحده، فالزهراء(ع) شاركت في القرار السياسي ولن تتردد لحظة واحدة في فعل ذلك وتخرج مناصرة بمالها وحياتها.
إن من يقزم دور المراة هو القزم بنفسه، كيف نخرج جيلاً عارفاً لحقه لولا تلك المربية التي تعرف حقوقها وواجباتها؟ الزهراء(ع) استطاعت ان تربي جيلاً عظيماً مثل الحسن والحسين وزينب(ع) لانها عظيمة بذاتها، فلو امتد بها العمر لراينا نماذج اخرى مشرقة نحلي زماننا بذكرهم، ولكن سحقاً للزمان فقد مضت، ولولا ان ايماننا بالله وحكمته وإلا فإنها باقية في ارواحنا مشعلاً للبنت والزوجة والام المسلمة المجاهدة والقدوة.
أستراحت ام محمد لهذا الكلام الذي يثلج الصدر وشكرت ربها ان هناك لايزال اهل خير في هذه الدنيا يحاولون الرقي بها وسعادتها وغرس روح اهل البيت سلام الله عليهم في قلوب اجيالها الجديدة والتي لاندري ماذا سيفعل الغرب بهم ايضاً.
أرادت ام محمد أن تواصل مشاهدة هذا البرنامج ولكن عليها واجبات يجب القيام بها في البيت، أغلقت التلفاز بخفة وعفوية ونهضت وملامح وجهها الملائكي اللطيف وعيناها المشعتان وابتسامة تعلو محياها.
وفي غضون ذلك جاء إخوان زهراء من الطابق العلوي بعدما شبعا من اللعب، وعلى وجنتيهما حمرة الامل المتغلغل في قلوبهما الدافئة والبريئة، كان حسن وحسين جسدان في روح واحدة كانت كل حياتهم مع بعض من الصغر للكبر، كانت حياتهم مفعمة بالحب والحنان والضحك والمرح لأنهم ربو على الحب والحنان في هذا البيت الساكن وتعودوا على الديموقراطية واحترام الكبير والعطف على الصغير، حسن يكبر حسين بثلاث سنوات تقريباً..كان حسين دائم الاسئلة حتى ان اخوانه وابويه يتململون من اسئلته المتكررة التي لاتعني لهم شئ ولكن تعني له الكثير عندما وصل للصالة اخذ ينادي ((ماما، ماما)) ردت امه قائلة انا هنا ياعزيزي تعال: فتوجه اليها قائلاً بصوت حزين: ماما
قاطعته امه وهي تقول: ها ماذا تريد هل هناك سؤال آخر تريد ان اجيبك عليه قال نعم: لقد اخبرني حسن بأن كل انسان سيموت وسيفقد كل شئ عنده وانا خائف من الموت وفقدان كل مااملك من العاب وثياب.
قالت امه وتطشيرة تعلو جبينها لانها لاتريد تخويف ابنها بالموت منصغره ((وهل صدقت كلام اخوك))؟ ،تمتم حسين واستفهام على وجهه: وهل يكذب علي حسن ياامي..
_ لاياعزيزي اخوك لايكذب ولكن يريد تخويفك فقط ولايجب عليك التفكير في هذه الامور من الان فما زلت صغيراً..وضع حسين يديه على خصره قائلاً: انا لست صغيراً ياامي ومن ثم مالفرق بين الصغير والكبير الكل يملك مثل الاعضاء، انا أعلم أنكم تريدون تقليل من شأني في هذا البيت صحيح؟
احتضنته أمه بابتسامة صغيرة وحنان بعدما احست ان هناك ثغرة صغيرة في قلب ظفلها ويجب عليها ترميمها قالت: لايابني انت لك مكانة كبيرة في قلب الجميع الجميع يحبك ومن ثم الفرق بين الصغير والكبير في العقي وليس في الاعضاء والوجه..هيا اذهب الان ودعني اكمل ماعلي ولاتناقشني في هذا الموضوع مرة اخرى.. أدار حسين ظهره واخذ يقفز ويقفز وامه تنظر اليه بابتسامة شفافية، ارتشفت عبير المودة من روح الامل وابتسامة عريضة على شفتيها.. وهي تهمس مع روحها قائلة: ((من لسان الخالق عبقت لترسم أجمل لوحه التئام، وكل من في الكون يعشق، ولاحياة لمن يعشق نفسه فحسب، العشق عشق نغساً اخرى وامتزاج مع روح، الارض يعشق المطر والسماء تعشق السحاب وكل يعشق هواااه، وانا اعشقكم ياابنائي، هذا هو الحب الذي يعزز من قدرة الانسان ويحافض على حيويته، نسمة تحرك شرايين الوجود باعثة فيها قوة الحياة بكل معانيها..
عندما يعم الظلام وتتلجلج الانجم في السماء يتجه الناس للموت المؤقت وهو النوم بعدما قضوا نهارهم في ماذا؟ افي الخير ام الشر افي الحلال ام الحرام، يالله كيف يغمض للإنسان جفن وهو لايدري مافعله في ذلك اليوم وماهو عمله في اليوم الذي يصل فيه افواج افواج من الرجال والنساء والاطفال والعجزة والشباب لايدرون لماذا ياتون وماذا يراد بهم وإلى اين يقادون، هنا تتساوى كل الإنتماءات الغنية والفقيرة السياسية والعقائدية والفكرية يجمعه مصير واحد، جنة او نار..
عندما نام الجميع وخيم الهدوء البيت وحين سكن الليل تخرس الاصوات في جوف الزمن وتسكب السماء لحناً رائعاً في الاثير الصامت..وارى ملامح الارض حزينة تسمن الدموع في قلبي النازف وفي الهدأة الموحشة بصوت العصفور الذي طالما غنى أغنية الصباح المشرقة فوق عصن شجرة الارز.،
استيقضت فاطمة بعد منتصف الليل وهي تقاوم اوجاع راحت تتضاعف مع كل لحظة، تحاول ان تكتم تأوهاتها حتى لاتستيقظ زهراء..لكن الالم كان يشتد مع كل الوقت وهي تزرع الغرفة بخطواتها القلقة.. انتبهت زهراء من نومها على انينها المكبوت وصرخاتها الخافتة.. فتحت عينيها لتجد اختها تتلوى من الالم فهوت اليها مسنطلعتاً:
_ مالامر يافاطمة..
_ لاادري فالاوجاع تشتد بي ولست قادرة على الاحتمال..
لعلها آلام عادية فقط
لااعلم ولكني اتالم بشدة..
حسناً حبيبتي البسي حجابك واستعدي للذهاب للمستشفى وانا ساذهب لايقاض ابي، لاتخافي
تحركت زهراء بسرعة تاركة اختها تصارع اهات تجر اهات ولاتدري مالخطب، نزلت على السلم بخطوات مضطربة ممزوجة بحزن عميق على اختها،ركضت بسرعة لتتدارك الم اختها وفي غضون ذلك انزلقت رجلاها من على عتبات السلم لما كانت عليه من حالة هرع واضطراب شديد ولكنها لم تآبه لما اصبها بل حياة اختها عندها اهم من حياتها فهي لاتستطيع ان تفقد جزء اخر من زهرة روحها، فتحت باب الصالة بسرعة لتخبر ابوها بحالة اختها وإذا بها تسمع صرخات عالية تخرج من غرفة النوم، هناك مشكلة ما بين ابويها كانت امها تصؤخ صرخات لاتعرف مغزاها والاب يجيب بصرخة اقوى واعلى، ولكن زهراء تذكرت فاطمة فاسرعت في طرق الباب طرقات غير منتظمة وهي تنادي وتصرخ بمرارة ممزوجة بالم فاطمة وصراخ ابويها((امي ابي)) وهي تلهث،هرعا لها ابويها وفتحا الباب وإذا بتلك الوردة المبللة قد ذبلت، تطلعا اليها وهم يحدقان في وجهها الشاحب الذابل تسطع على جبينها هالة نور تتالق كبوح الفجر:
مابك ياابنتي لقد ارعبتنا..
وهي تلهث ((فاطمة ياامي فاطمة))إنها تتالم ولاادري من ماذا
وقبل ان تكمل كلماتها شقت ام زهراء طريقها بين زهراء وابوها وقد بانت على وجهها ملامح الحزن والكآبة متجهة لقطعة كبدها قبل ان تفقدها..
عندما راوا فاطمة وهي تعتصر من الالم تملك ام زهراء احساس بالغربة وتجسدت امامها معاني الكآبة بالوانها وابعادها وهي ترى ابنتها تعتصر اما عيناها وفجأة سكنت فاطمة بلا حراك،أمكست بابنتها وهي تصرخ((مابك يافاطمة؟؟)) ولكن لاجواب تسمرت زهراء وابوها في مكانهما، تذكرت كلام اختها فن القلب همست مع روحها((ماسبب عدم جواب فاطمة افقدت قلبها فعلاً إذن اين الحب والاولاء...))
ظلت فاطمة بلاحراك، استيقظ البقية من النوم مذعوراً بما حدث ، اسرع ابا محمد للمستشفى وهو يشق طريقه بالسيارة في ذلك الظلام الموحش والطريق الخالي من السيارات ومعه زهراء وامها كانوا جميعاً يحاولون ايقاظ فاطمة ولكن لاجدوى..
زهراء بصرخة عالية تصل عنان السماء وتمتزج مع مشيءة الله لها باليقاء ام بالموت(( لا لا تموتي افيقي ارجوك مستحيل..)) وكان الجميع في السيارة يبكي حتى ان الدموع التي ملأت عينب ابا محمد والذي اراد ان يفيها غن زوجته وابنته كادت تغلق عيناه الناعستين وتمنع الرؤيا،كان الجميع يعتبر حالة فاطمة اغماء فقط واللع العالم..
نزلوا من السيارة وادخلوا فاطمة على قسم طوارئ المستشفى، وبينما كان الجميع ينتظر الرد من الدكتورة فجأة خرجت تلك الملاك الابيض وهرع الجميع لها والكل يسالها ويريد الجواب قالت الام بلهفة(( ها بشري هل افاقت فاطمة؟))
_ ياخالتي تماسكي ارجوك.. استعيني بالله:: الصبر ايتها الام الغالية.. لقد توفيت فاطمة والبقية في حياتك..
آه آه لم تكمال الممرضة عبارتها إذ هوت الام الى الارض وتحجرت نظراتها وغاض الدم من وجهها، خيمت خيمة سوداء على المكان عم الصراخ المستشفى لم يستطع احد ان يتمالك نفسه من ذلك الخبر المفجع اخذت زهراء في الصراخ وهي تبكي وتقول ((اختي حية لا لم تمت..انت كاذبة... انت كاذبة)) لكن ابوها التي بانت عليه هوازل التعب وكاناالألم قد اشرق في حياته واسرته كان يمنعها من التقدم للغرفة التي شهدت وفاة اختها..
افاقت ام زهراء على صراخ زهراء وانينها ووجهها الشاحب ، لاتتكلم انتشلها الاب من ماكانت عليه..
وبدأت معاناة تلك الام على مالاقته..أهي اشراقة الالم وبداية الحياى التعيسة؟ كانت خطواتها تنوء بالحرن الذي يعصف بروحها الحزينة ويأخذ بجامع فؤادها، فلاتملك الا تساؤلات حيرى تتجاوب مع قدميها بايقاع حزين وتناغم بديع..
بعد دقائق من الحزن والصراخ في السيارة والذي شق وحشة الليل الصامتة وامتزج مع ظلام السماء فاصبح مراً صعب المزاج وأذا بالجميع ينتظرون في مقدمة الصالون:
قال محمد الابن الاكبر بصوت حزين((اين فاطمة))؟؟
اكمل حسن بصوت خفيف يتمزق،أجد عباءة فاطمة في يدك امي؟؟
لم تتوقف الام ولازهراء عن البكاء((لقد ماتت اختكم ماتت فاطمة)) وحشرجة الم تنحدر من كلماتها على اولادها..
تسمر الجميع في مكانه واخذوا بالبكاء بحرقة ومرارة، ذبلت تلك الزهرة التي تنشر في لب البيت اريجها ورحيقها كل يوم نعم فلكل زهرة يوم تيبس فيه وتذبل..
معاناة الجرح..
بعد مرور عدة اسابيع على رحيل فاطمة،خيم على البيت الحزن والرتابة والمرارة كلما تذكروا فاطمة بمذكراتها وثيابها وكتبها..
اصبحت ام زهراء طريحة الفراش طيلة هذه المدة ، الجميع كان حولها،..
عند منتصف الليل استيقضت أم زهراء..فتحت عيناها المتعبتين..وجدت اولادها وزوجها الى جانبها يرنون إليها باشفاق بينما زهراء كانت تعاني الم الفراق والوحدة لوحدها في غرفتها التي اصبحت مقبرة لها
..التفتت يمنة ويسرا فخاب الرجاء الواهن في قلبها، صرخت أم زهراء صرخاتها منكسرة واهية وهي تتطلع في وجوههم الحائرة فاطمة..أين فاطمة؟ لماذا لم تاتي فاطمة؟اين هي ياابا محمد اين فاطمة ياعلي اين اختك يامحمد؟ اين اختكم اين ابنتي ياناس؟
صارت تأن انيناً موجعاً وصوتها يختنق بالعبرات ونظراتها الحيرى تتيه على الوجوه تصطدم بالجدران، جلس محمد عند راسها يخاطبها برفق وحنان:
_ هوني عليك ياامي..فاطمة قد انتقلت للرفيق الاعلى وكل ملاقي مصيره ومن منا سوف يعيش في هذه الدنيا الفانية؟..أطلبي لها المغفرة فالطبيب اوصى بعدم الانفعال والتزام الراحة وتناول الدواء في مواعيده المحددة..
نظرت إليه بعتاب إشاحت بوجهها واغمضت عيناها..
********
غربت الشمس في ذلك اليوم وخيم الظلام على البيت الرهيب عله يوارى عن انظار العالم مايجري في داخله، ويستر عنه ضمائر البشر مايدور بين جنباته..في ازقته ودهاليزه قاعاته وغرفه..عله يحجب ناظراً مطلعاً ريثما يشعر بالخجل، باللوعة او بالالم....
افاقت زهراء من اغفاءة قصيرة فوجدت جسدها لايزال متكوماً على الارض في تلك الغرفة التي اصبحت موحشة بعد رحيل اغنية حياتها..شبح ابتسامة كئيبة طاف على وجهها.. تمنت لو طال الحلم قليلاً لبقيت في احضان اختها الدافئة تضمها الى صدرها وتمسح شعرها وتغرق وجهها بدموعها الصامتة..تسمعها ذلك الكلام المخملي العذب..
يحتاج الانسان في موقف إلى لحظة ضعف وهو في اوج قوته ومع ذلك لايستطيع فعل اي شئ..فيضطر الى لحظة استسلام مع من يحب، فيجد في ضعفه الامان وفي استسلامه اللذه..أحست بحنين طاغ لايقاوم لكلمات اختها ونظراتها التي تبعث عن املها في الحياة وعن ماذا كانت تريد ان تحقق من احلام وماهو سر وفاتها الغريبة..إلى الماضي القريب الذي يقطعت اواصره وبعت معالمه وكأن زمناً كبيراً يفصل بينها وبينه وأمداً بعيداً قطع ماكان يربطها بماضي الاحياء وحاضرهم .. هاجت مشاعرها واضطربت خلجاتها وسارت في كيانها رعدة نمت معها احضان اختها من جديد..
أرهفت السمع للنداء القادم من بعيد عبر الجدران الصم العالية..أرخت جفنيها وهي تتخيل ملامح اختها الشفافة وابتسامتها المشرقة التي تمسح وتضع براعم غد جديد مضيئة انواره عالية راياته زاهرة أفاقه..امتزجت بسمة أمل بدمعة اسى وفرحة روح بعذاب جسد..
توجهت بكل كيانها الى مصدر الصوت، انه صوت المعذبة امها وهي تنادي فاطمة ذلك الاسم والفيض الذي يغمرها بانواره ويكتنفها بهالاته ويحيطها بعطفه ورافته توجهت اليه بروح العاشق وقلب الواله وفؤاد المتيم..هتفت صارخة بتلك الابيات التي حكتها زهور ثغر اختها الباسم: رباه مالي حيلة الى الرجاء
بكشف ضري وانجلاء كروبي
بك استغيث وانت اكرم راحم
يامن يفرج كربة المكروب
ياخير مرجو واكرم سامح
وملاذ مضطر وغوث غريب
ياعدتي في النائبات وعهدتي في
الحادثات وفي السقام طبيبي
رباه اني في ظلام حالك
فانر إلهي في الحياة دروبي
انهارت دموعها وعلا نحيبها تدفقت مناجاتها الحارة رمت بجسدها المجروح والذي بدأ منه الجرح ينزف دماً والماً على الارض تبكي ضعفها امام الله وكيف ان الانسان يصبح ذليلاً امام عظمة الله وعنفوانه، فيسيجلس بتوسل ويتوسل الى الله وقت الشدة الى ان يبرد مافي خاطره، بالله ماهو ذلك الانسان الابله والذي لايرجع الى خالقه الى وقت الشدة..
كان محمد جالس مع ابوه في مكتبه بصمت ينظر كل واحد الى عيون الاخر باشفاق وحزن على الالم الذي بدا يتسرب للبيت والبسمة التي سرقت منه في ليل حالك
مسح السيد جعفر((الاب)) حبات الدمع التي احتبست في عينيه فاغلقتهما..استعاد هدوءه وحضورة الذهني.. كان في محمد كتاب لقصائد فاطمة.. جلس على الكرسي حزين الفؤاد مضطرب الخواطر.. راح يقلب الصفحات التي بين يديه قائلاً:
_ عز علي والله ياابي ان ادخل غرفتها الموحشة وامد يدي على اشيائها الغالية وهي راحلة..كم احس بارتجاف قلبي رلوعة نفسي.. هاهي كراستها والذي جمعت فيها مختارات من الشعر.
_ اسمعني بابني فانا مصغ اليك..
_ استمع ياابي فيما روي عن الامام علي (ع):
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ان السلامة فيها ترك مافيها
لاداء للمرء بعد الموت يسكنها الا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها وإن بناها بشر خاب بانيها
اموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أخذ السيد جعفر في البكاء، فتعجب محمد ولاول مرة في حياته بدى ذلك الرجل الجبل يبكي امام ماقدره الله ومااراده.. صحيح ان الإنسان اضعف من الصرصور وقت الشدة مهما كانت قوته وجبروته.. .
تعليق