
(( العصمــة الفاطميـــــــة ))
إنّ الله سبحانه وتعالى هو الحكيم العليم المختار، وقداختار من خلقه صفوةً ليحملوا رسالاته السماوية، ويبلّغونها ويهدون الناس سواءالسبيل وإلى الصراط المستقيم، فإنّه كتب على نفسه الرحمة، فهو اللطيف الخبير، ومن لطفه اختار الأنبياء والرسل للهداية وليقوموا الناس بالقسط، ثمّ اختار الأوصياء خلفاء، ثمّ وفّق العلماء ورثة الأنبياء
وقد اشترط على الأنبياء الزهد في هذه الدنيا، فإنّ اختيار الله بالاختبار والامتحان والاصطفاء عن حكمة، من دون الوصول إلى حدّ الإلجاء، وإنّ لله الحجّة البالغة، فلا بدّ من اختبار لمن يقع عليه الاختيار ولغيره حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين كلّه لله
فاختبر الأنبياء والأوصياء في عوالم تسبق هذا العالم الناسوتي، فشرط الله سبحانه عليهم الزهد، وعلم منهم الوفاء فقبلهم وقرّبهم وقدّملهم الذكر العلي والثناء الجلي، كما جاء ذلك في دعاء الندبة..
اشترط عليهم الزهد، لأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، والنبيّ والوصيّ لا بدّ أن يكون معصوماً بقاعدة اللطف وغيره من الأدلّة العقلية والنقلية فلا بدّ أن يزهد في دنياه، ويُعصم من الذنوب ومن كلّ ما يشينه مطلقاً،حتّى تطمئنّ النفس إليه، ويؤخذ بقوله وفعله وتقريره مطلقاً، فيكون الأسوة والقدوة على الإطلاق وهذا الزهد من شؤون القيادة بصورة عامة المتمثّلة بالنبوّة والإمامة،ومن يحذو حذوهم ويسلك مسالكهم ومناهجهم من العلماء الصالحين..
فمن أوّليات شؤون الإمامة والقيادة الروحية على الصعيدين الفردي والاجتماعي إنّما هو الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها فعصمة الأنبياء الذاتية المطلقة تبتنى على العلم اللدني أوّلا ـ كما هو ثابت في محلّه ـ وعلى الزهد ثانياً
وأمّا عصمة مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)
فقد اختار الله من خلقهواختصّها لذاته واصطفاها لنفسه ليتجلّى فيها أسماؤه وصفاته، وتكون مظهراً لجماله، فإنّه لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة بل هي أعظم، فقدّم لها الذكر العليّ والثناءالجليّ، بعد أن اختبرها وامتحنها أيضاً. إلاّ أنّها امتحنها بالصبر، والصبر كماذكرنا تكراراً هو اُمّ الأخلاق وأساسه، فإنّها بمراحلها الثلاثة ـ التخلية والتحلية والتجلية ـ مدعومة بالصبر، كما أنّه أساسال كمال..
وإنّما وقفنا على امتحانها بالصبر باعتبار ما ورد فيزيارتها في يوم الأحد من كلّ أسبوع، كما في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي (قدس سره): «السلام عليكِ يا ممتحنة قد امتحنكِ الله قبل أن يخلقكِ بالصبر فوجدكِ لماامتحنكِ صابرة»
فتجلّت العصمة الإلهية في جمال فاطمة الزهراء إذ جمعت بين نوري النبوّة والإمامة، فعصمتها من العصمة بالمعنى الأخصّ، المختصّة بالأربعة عشر معصوم (عليهمالسلام)
ممّا يدلّ على عصمتها عليها أفضل الصلاةوالسلام:
1ـ آية التطهير في قوله تعالى: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِوَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فالله الطاهر طهّر بإرادة تكوينية أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم فاطمة (عليها السلام) وعصمهم بعصمة ذاتية ومطلقة واجبة عقلاونقلا
2ـ إنّها عدل القرآن الكريم لحديث الثقلين المتّفق عليه عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ ولمّا كان القرآن معصوماً فكذلك عدله أهل البيت عترة الرسول المصطفى (عليهم السلام) ..
3ـ إنّها كفؤ عليّ ولولاه لما كان لها كفؤ آدم وما دونه، ولا يتزوّج المعصومة إلاّ المعصوم، فإنّ الرجال قوّامون على النساء، فلفاطمة ما لعليّ (عليهما السلام) إلاّ الإمامة..
فكلّ ما ثبت لعليّ (عليه السلام) بالمطابقة ثبت للزهراء (عليها السلام) بالالتزام، وكلّ شيء ثبت لفاطمة بالمطابقة ثبت بالدلالة الالتزاميّة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)
4ـ إنّها حوريّة بصورةإنسية، والملائكة معصومون فكذلك فاطمةالحوريّة..
5ـ وحدة الإرادة الإلهيّة والفاطميّة، فإنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، وإنّه لم يغضب ليونس صاحب الحوت عليه السلام، بل يغضب لغضبها، فوحدةالإرادة دليل على العصمة..
6ـ إنّها سيّدة النساء في الدنيا والآخرة، وكيف تكون سيّدة الأوّلين والآخرين وهي غيرمعصومة..
7ـ آية المباهلة، وقدّم النساء على الأنفس، ربما إشارةإلى أنّ النفوس فداها، «فداكِ أبوكِ» «فداهاأبوها»..
8ـ إنّها العالم العلوي والعالم السفلي في قوسي الصعودي والنزولي..
9ـ إنّها صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإنّ صدرهيحمل القرآن دفعة واحدة وفي ليلة القدر، في ليلة القدر وهي فاطمة الزهراء (عليهاالسلام)..
10ـ لا يعرف قدرها إلاّ من قدّرها، ولا يعرف أسرارهاإلاّ من خلقها، ومن أذن له الرحمن..
11ـ إنّها مفروض الطاعة على الخلق مطلقاً، وكيف تكون مفروض الطاعة على الإطلاق وهي غير معصومة..
12ـ هي حجّة الحجج وأسوتهم ـ كما ورد في الأخبارالشريفة ـ..
13ـ مجمع النورين بحديث الأفلاك، فتحمل أسرار النبوّةوالإمامة، وإنّها اُمّ أبيها..
14ـ حبل الله الممدود، فلا بدّ أن يكون معصوماً، وإلاّ كيف يتمسّك على الإطلاق بما لم يكن معصوماً، «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بهجة قلبي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلّف عنه هوى»..
15ـ امتحانها بالصبر وهو أساس الكمال والأخلاق الذي منها الزهد..
16ـ علمها اللدنّي..
17ـ الإجماع القطعي الدالّ على عصمتها، كما عند المشايخ الصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم..
18ـ الآيات والروايات الكثيرة الدالّة على فضلها وعظمتها، وتعلّقها بعالم الغيب..
19ـ سيرتها وحياتها يفوح منها عطر العصمة الإلهيّة
ووجوه أخرى يقف عليها المحقّق والمتتبّع، ويعلم بيقين وقطع أنّه لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) عصمة الله الكبرى
نسألكم الدعاء
اريج الجنة

تعليق