يوم السابع والعشرون ذكرى بشارة الرسول الأعظم ببشارة النبوة ..
لا بد للأنبياء والرسل من بلوغ الاستعداد الخاص والتكامل الروحي الذي يجعلهم مهيّئين لتلقي الفيوضات الإلهية والمعارف الجديدة التي تليق بشأنهم، وليرتفعوا عن هذا العالم الى درجة التجرّد والتعلق بالله سبحانه،
فالتجرّد والتعلق بالله تعالى هما الوسيلتان اللتان تمكّنان النبي من الاتصال بعالم الغيب من خلال الوحي. حيث عند ذلك تتوقف الارتباطات بعالم المادة كلّياً وتتّجه الروح حينئذ لاستقبال واستيعاب ما يصدر الى النبي عن طريق الوحي, وما يلقى من عالم الملكوت.
الإعداد للنبوّة:
لقد هيّأ الله رسوله الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله) للاستعداد لحمل الرسالة الإسلامية، والأمانة الكبرى، وكيفية أدائها وإنقاد البشرية من حيرة الضلالة وكابوس الجهالة، وعند بلوغه (صلى الله عليه وآله) الأربعين من العمر الشريف اصطفاه الله تعالى نبيّاً ورسولاً وهادياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
فعند ما كان النبي (صلى الله عليه وآله) في نهايات العقد الثالث من عمره الشريف يلقى الوحي إليه عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه والرؤية الصادقة وهي درجة من درجات النبوّة.
كان الرسول (ص) قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنّه نبياً مؤيَداً بروح القدس ، يكلّمه الملك ، ويسمع الصوت ، ويرى في المنام .
ثم بعد أربعين سنة صار رسولاً ، وكلّمه الملك معاينةً ، ونزل عليه القرآن ، وأمر بالتبليغ ، وكان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات ، إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو أظهر ، أو على وجه آخر ، إما مطابقا لشريعة إبراهيم (ع) ، أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء (ع) لا على وجه كونه تابعاً لهم وعاملاً بشريعتهم ،
بل بأنّ ما أوحي إليه (ص) كان مطابقاً لبعض شرائعهم ، أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الإرسال ، ولا أظنّوهذا مالا يخفى على ذي فطرة مستقيمة وفطنة غير سقيمة
ثم و لا شك في أنه (ص) كان يعبد الله قبل بعثته بما لا يُعلم إلا بالشرع كالطواف والحجّ وغيرهما ، وقد ورد في أخبار كثيرة أنه (ص) كان يطوف ، وأنه كان يعبد الله في حراء ، وأنه كان يراعي الآداب المنقولة من التسمية والتحميد عند الأكل وغيره ،
وكيف يجوّز ذو مسكة من العقل على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة ؟..
جاء في كتاب (الدرّ المنثور): أول ما بدئ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوحي الرؤية الصالحة، فكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبّب الله إليه الإستئناس به والخلوة لمناجاته، فكان يذهب الى غار حراء، الى كهف صغير في أعلى جبل حراء، في الشمال الشرقي من مكّة، يتعبّد فيه، حيث ينقطع عن عالم المحسوسات المادية، ويتأمل ويستغرق في ذلك نحو عالم الغيب والملكوت والتوجّه للّه تعالى وحده.
نزول الوحي:
وعند ما بلغ الأربعين من عمره (سنة 13) قبل الهجرة (610م) نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) في غار حراء فالقى إليه كلمة الوحي من الله تعالى، وأعلمه أنّه الخاتم لرسالات الأنبياء، والمبعوث رحمة للعالمين.
وروي (بحار الانوار- ج18). أن جبرئيل (عليه السلام) أخرج قطعة ديباج فيها خط فقال: اقرأ، قلت: كيف أقرء ولست بقارئ؟ إلى ثلاث مرات، فقال في المرة الرابعة، "اقرأ باسم ربك" إلى قوله: "ما لم يعلم" ثم أنزل الله تعالى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) ومع كل واحد منهما سبعون ألف ملك ،
وأتي بالكرسي ووضع تاجا على رأس محمد (صلى الله عليه وآله) وأعطى لواء الحمد بيده فقال: اصعد عليه واحمد الله،
فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة فكان كل شئ يسجد له ويقول بلسان فصيح: السلام عليك يا نبي الله، فلما دخل الدار صارت الدار منورة، فقالت خديجة: وما هذا النور؟ قال: هذا نور النبوة، قولي: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فقالت طال ما قد عرفت ذلك،
ثم أسلمت، فقال: يا خديجة إني لأجد بردا، فدثرت عليه فنام فنودي: "يا أيها المدثر" الآية، فقام وجعل إصبعه في اذنه وقال: الله أكبر، الله أكبر فكان كل موجود يسمعه يوافقه.انتهى
وعن ابن عباس، قال: أول ما نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) قال: يا محمد، استعذ, قال: (أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم), ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم قال: (اقرأ باسم ربّك الذي خلق). (سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وبعد أن تلقّى ذلك التوجيه الإلهي القيم رجع الى أهله (صلى الله عليه وآله) وهو يحمل كلمة الوحي والمسؤولية الكبرى لأمانة السماء الى الأرض، أي الرسالة الإسلامية الكريمة التي كان ينتظر شرف تقلّدها. لقد عاد فاضطجع في فراشه وتدثّر لأجل الراحة والتأمل فيما كلّفه الله به، فجاءه جبرئيل ثانية وطلب اليه القيام والنهوض وترك الاضطجاع والبدء بالدعوة المحمدية وإنذار الناس، جاء ذلك في قوله تعالى:(يا أيّها المدّثّر* قم فأنذر* وربّك فكبّر* وثيابك فطهّر...).
فشرع ملبيّاً لنداء الله سبحانه ومبشراً بدعوته الرسالية، وكان أول من دعاه الى سبيل الله زوجته خديجة (عليها السلام) وابن عمّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقد كان في العاشرة من عمره، وإدراكه يفوق جميع من في الجزيرة سوى الرسول (صلى الله عليه وآله). فآمنا به وصدّقاه,
فكانت السيّدة خديجة والإمام علي النواة الاُولى للدعوة الإسلامية الكبرى.
وعن أبي ذر انه قال: سمعت رسول اللّه (ص) يقول لعلي (ع): (أنت أوّل من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل...).
وفي نهج البلاغة: (ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه (ص) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوّة)
ثم آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله) مملوكه زيد بن حارثة، وكان يختار أصحابه (صلى الله عليه وآله) فرداً ففرداً، وكانت الدعوة مقتصرة على البعض القليل حتى جاء الأمر الإلهي: (وأنذر عشيرتك الأقربين...).
فجمعهم وصدع بالرسالة بينهم، وبقي يسير الخطى في ذلك الى آخر حياته الكريمة.
فالصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين يوم ولد ويوم توفي ويوم يبعث المقام المحمود الذي وعده الله إياه يوم القيامة.
يتبع ..
.</b></i>
لا بد للأنبياء والرسل من بلوغ الاستعداد الخاص والتكامل الروحي الذي يجعلهم مهيّئين لتلقي الفيوضات الإلهية والمعارف الجديدة التي تليق بشأنهم، وليرتفعوا عن هذا العالم الى درجة التجرّد والتعلق بالله سبحانه،
فالتجرّد والتعلق بالله تعالى هما الوسيلتان اللتان تمكّنان النبي من الاتصال بعالم الغيب من خلال الوحي. حيث عند ذلك تتوقف الارتباطات بعالم المادة كلّياً وتتّجه الروح حينئذ لاستقبال واستيعاب ما يصدر الى النبي عن طريق الوحي, وما يلقى من عالم الملكوت.
الإعداد للنبوّة:
لقد هيّأ الله رسوله الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله) للاستعداد لحمل الرسالة الإسلامية، والأمانة الكبرى، وكيفية أدائها وإنقاد البشرية من حيرة الضلالة وكابوس الجهالة، وعند بلوغه (صلى الله عليه وآله) الأربعين من العمر الشريف اصطفاه الله تعالى نبيّاً ورسولاً وهادياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
فعند ما كان النبي (صلى الله عليه وآله) في نهايات العقد الثالث من عمره الشريف يلقى الوحي إليه عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه والرؤية الصادقة وهي درجة من درجات النبوّة.
كان الرسول (ص) قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنّه نبياً مؤيَداً بروح القدس ، يكلّمه الملك ، ويسمع الصوت ، ويرى في المنام .
ثم بعد أربعين سنة صار رسولاً ، وكلّمه الملك معاينةً ، ونزل عليه القرآن ، وأمر بالتبليغ ، وكان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات ، إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو أظهر ، أو على وجه آخر ، إما مطابقا لشريعة إبراهيم (ع) ، أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء (ع) لا على وجه كونه تابعاً لهم وعاملاً بشريعتهم ،
بل بأنّ ما أوحي إليه (ص) كان مطابقاً لبعض شرائعهم ، أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الإرسال ، ولا أظنّوهذا مالا يخفى على ذي فطرة مستقيمة وفطنة غير سقيمة
ثم و لا شك في أنه (ص) كان يعبد الله قبل بعثته بما لا يُعلم إلا بالشرع كالطواف والحجّ وغيرهما ، وقد ورد في أخبار كثيرة أنه (ص) كان يطوف ، وأنه كان يعبد الله في حراء ، وأنه كان يراعي الآداب المنقولة من التسمية والتحميد عند الأكل وغيره ،
وكيف يجوّز ذو مسكة من العقل على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة ؟..
جاء في كتاب (الدرّ المنثور): أول ما بدئ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوحي الرؤية الصالحة، فكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبّب الله إليه الإستئناس به والخلوة لمناجاته، فكان يذهب الى غار حراء، الى كهف صغير في أعلى جبل حراء، في الشمال الشرقي من مكّة، يتعبّد فيه، حيث ينقطع عن عالم المحسوسات المادية، ويتأمل ويستغرق في ذلك نحو عالم الغيب والملكوت والتوجّه للّه تعالى وحده.
نزول الوحي:
وعند ما بلغ الأربعين من عمره (سنة 13) قبل الهجرة (610م) نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) في غار حراء فالقى إليه كلمة الوحي من الله تعالى، وأعلمه أنّه الخاتم لرسالات الأنبياء، والمبعوث رحمة للعالمين.
وروي (بحار الانوار- ج18). أن جبرئيل (عليه السلام) أخرج قطعة ديباج فيها خط فقال: اقرأ، قلت: كيف أقرء ولست بقارئ؟ إلى ثلاث مرات، فقال في المرة الرابعة، "اقرأ باسم ربك" إلى قوله: "ما لم يعلم" ثم أنزل الله تعالى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) ومع كل واحد منهما سبعون ألف ملك ،
وأتي بالكرسي ووضع تاجا على رأس محمد (صلى الله عليه وآله) وأعطى لواء الحمد بيده فقال: اصعد عليه واحمد الله،
فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة فكان كل شئ يسجد له ويقول بلسان فصيح: السلام عليك يا نبي الله، فلما دخل الدار صارت الدار منورة، فقالت خديجة: وما هذا النور؟ قال: هذا نور النبوة، قولي: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فقالت طال ما قد عرفت ذلك،
ثم أسلمت، فقال: يا خديجة إني لأجد بردا، فدثرت عليه فنام فنودي: "يا أيها المدثر" الآية، فقام وجعل إصبعه في اذنه وقال: الله أكبر، الله أكبر فكان كل موجود يسمعه يوافقه.انتهى
وعن ابن عباس، قال: أول ما نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) قال: يا محمد، استعذ, قال: (أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم), ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم قال: (اقرأ باسم ربّك الذي خلق). (سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وبعد أن تلقّى ذلك التوجيه الإلهي القيم رجع الى أهله (صلى الله عليه وآله) وهو يحمل كلمة الوحي والمسؤولية الكبرى لأمانة السماء الى الأرض، أي الرسالة الإسلامية الكريمة التي كان ينتظر شرف تقلّدها. لقد عاد فاضطجع في فراشه وتدثّر لأجل الراحة والتأمل فيما كلّفه الله به، فجاءه جبرئيل ثانية وطلب اليه القيام والنهوض وترك الاضطجاع والبدء بالدعوة المحمدية وإنذار الناس، جاء ذلك في قوله تعالى:(يا أيّها المدّثّر* قم فأنذر* وربّك فكبّر* وثيابك فطهّر...).
فشرع ملبيّاً لنداء الله سبحانه ومبشراً بدعوته الرسالية، وكان أول من دعاه الى سبيل الله زوجته خديجة (عليها السلام) وابن عمّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقد كان في العاشرة من عمره، وإدراكه يفوق جميع من في الجزيرة سوى الرسول (صلى الله عليه وآله). فآمنا به وصدّقاه,
فكانت السيّدة خديجة والإمام علي النواة الاُولى للدعوة الإسلامية الكبرى.
وعن أبي ذر انه قال: سمعت رسول اللّه (ص) يقول لعلي (ع): (أنت أوّل من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل...).
وفي نهج البلاغة: (ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه (ص) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوّة)
ثم آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله) مملوكه زيد بن حارثة، وكان يختار أصحابه (صلى الله عليه وآله) فرداً ففرداً، وكانت الدعوة مقتصرة على البعض القليل حتى جاء الأمر الإلهي: (وأنذر عشيرتك الأقربين...).
فجمعهم وصدع بالرسالة بينهم، وبقي يسير الخطى في ذلك الى آخر حياته الكريمة.
فالصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين يوم ولد ويوم توفي ويوم يبعث المقام المحمود الذي وعده الله إياه يوم القيامة.
يتبع ..
.</b></i>
تعليق