مقتضيات الخلود وبقاء الشريعة الإسلامية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سـر الوجود
    • Jun 2009
    • 2077

    مقتضيات الخلود وبقاء الشريعة الإسلامية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مقتضيات الخلود وبقاء الشريعة الإسلامية
    لما كان الرسول الأعظم(صلى الله عليه و آله) هو خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، و(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)(1). كان مما اقتضته الحكمة الإلهية أمور ثلاثة:
    مرونة الشريعة الإسلامية:
    شاء الله تعالى بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل هذه الشريعة الخالدة أكمل الشرائع وأتمها وأوسعها وأسمحها، وأن يجعل فيها من المرونة ما يجعلها قابلة للتطبيق في كل عصر ومصر، وصالحة للعمل بها في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
    نعم، لا ينكر أن العمل بالشريعة الإسلامية في زماننا هذا أصبح شاقاً على كثير من الناس، بسبب انتشار المبادئ الهدامة، والأحزاب المخربة، والأهواء المضللة، والعصبيات البغيضة، والحكومات المستعمرة الكافرة، التي أشاعت في الملأ الإسلامي كل فسق وفجور، وكل دعارة وشرور.
    فلذا أصبح المؤمن اليوم كما وصفه المشرع الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) بقوله(صلى الله عليه و آله): (يا ابن مسعود، يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه مثل القابض على الجمر بكفه، يا ابن مسعود، الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ...) إلى آخر الوصية.
    وهي وصية جليلة ونافعة، (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق/ 38]، ودليل صحتها بعد القرآن الوجدان والعيان.
    فما أحرى رواد الحق بمراجعتها وتدبرها(2).

    وجود المعجزة الخالدة:
    وشاء الله تعالى بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل لخاتم أنبيائه ولشريعته الخالدة معجزاً خالداً مع خلود شريعته إلى يوم القيامة ليكون ذلك المعجز حجة الله على جميع العباد، وهو القرآن المـجيد الـذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت/ 43].
    وسنذكر في بحث الصفة الثالثة في الآية (الأمي) كيف أن القرآن معجز خالد لنبينا وشريعته، وحقيقة إعجازه إن شاء الله تعالى.
    قال سماحة آية الله السيد أبو القاسم الخوئي أدام الله ظله(3) في كتابه (البيان في تفسير القرآن) تحت عنوان (القرآن معجزة خالدة) ما يلي(4):
    قد عرفت أن طريق التصديق بالنبوة والإيمان بها ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهداً لدعواه، ولما كانت نبوات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد ومحدودة، لأنها شواهد على نبوات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الأزمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الآخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر فتقوم عليه الحجة أيضاً.
    أما الشريعة الخالدة فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضاً، لأن المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة، فإذا كلفه الله بالإيمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة مستمرة.
    وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهاناً على صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجة على الخلف كما كان حجة على السلف وقد نتج لنا عما قدمناه أمران:
    الأول: تفوق القرآن على المعجزات التي ثبتت للأنبياء السابقين وعلى المعجزات الأخرى التي ثبتت لنبينا محمد(صلى الله عليه و آله) لكون القرآن باقياً خالداً، وكون إعجازه مستمراً يسمع الأجيال ويحتج على القرون.
    الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لانقطاع زمان المعجزة التي شهدت بصدقها(5).
    ثم أن القرآن يختص بخاصة أخرى، وبها يتفوق على جميع المعجزات التي جاء بها الأنبياء السابقون، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر وسوقهم إلى غاية كمالهم – إلى آخر كلامه رحمه الله.
    استمرار الخلافة إلى يوم القيامة:
    وشاء الله تعالى بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل لنبيه خلفاء وأوصياء وأئمة واحداً بعد واحد، قائمين مقامه صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ شريعته الخالدة إلى الأجيال وحفظها من الضياع(6) وأن يجعلهم مثالاً له صلى الله عليه وآله وسلم تماماً في التمسك بها والعمل طبق نهجها، والعلم بجزئيها وكليها، والإحاطة بجميع تفاصيلها وأسرارها وأن لا يخلي الأرض من واحد منهم يكون حجة على أهل زمانه. كما جاء في الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وآله وسلم (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون)(7).
    هذا أهم ما اقتضته الحكمة الإلهية لبقاء الشريعة الإسلامية وحفظها، وهو وجود الأئمة من أهل بيته صلى الله عليه وآله الموجودين في كل خلف من أمته وأئمتها ووفدها إلى الله تعالى، وهم الأئمة الاثني عشر من أهل بيت نبيه علي والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين(عليهم السلام)، جعلهم الله تعالى خلفاءً في أرضه وحججاً على عباده وحفظة لشريعته:

    ما غاب عن أفق الــشريعة كوكب***
    إلا وجـــــاء بـــــكــــوكـــــب وقــــــاد

    إن المهيمن لــيـس يـخــلي أرضــه***
    مــن حــــجــة مـــتــســـتـــر أو بـــاد

    لــولا إمــام الـحـق مـا بـقي الورى***
    والــجـــســــم لا يــبــقــى بـغـير فـؤاد

    كـن كـيـف شـئت فقد أصبت هدايتي***
    بـــهـداهــــم وبــلــغـــت كــــل مـــراد

    ما ضرني إن ضل عن طرق الهدى***غــيـــري إذا كــتـــب الإلـــه رشادي
    من صد عن عين الحـياة ومات من***
    ظمأ فلا سقيت عظام الصادي(8)

    وإمام الحق في زماننا الآن هو الحجة المهدي(عج الله فرجه) بن الحسن العسكري(عليه السلام) الغائب المنتظر، وهو موجود في الجماعة الإسلامية وبينها ولكنه لا يعرف بشخصه وعنوانه حتى يأذن الله له بالظهور.
    وإمامة هؤلاء الأئمة وخلافتهم عليهم الصلاة والسلام لم تكن دعوى مجردة من الدليل، بل هي ثابتة لهم بالأدلة الإسلامية القاطعة، كتاباً وسنة وعقلاً وإجماعاً، وستقف على بعض تلك الأدلة في كتابنا هذا إن شاء الله، وتراها منتشرة في ألوف الكتب والمؤلفات لسائر المسلمين والحق ينطق منصفاً وعنيدا(9)

    والحق يعلو ولا يعلى عليه.


    منقول للإفاده
يعمل...
X