المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يا مولاي، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ ولبكائك أن يقل؟


عاشقة النور
06-01-2010, 12:04 AM
واحسيناه واحسيناه واحسيناه


اليكم كلمات للامام سيد الساجدين عليه السلام بعد رجوعهم من السبي وكربلاء
إنه صلوات الله عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله،و نظر إلى منازل قومه ورجاله، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها، لفقد جماتها ورجالها، وتدب عليهم ندب الثواكل، وتسأل عنهم أهل المناهل، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه،
وتنادي لأجلهم: وا ثكلاه، وتقول:
يا قوم، أعينوني على النياحة والعويل، وساعدوني على المصاب الجليل، فان القوم الذين أندب لفراقهم وأحن إلى كرم أخلاقهم، كانوا سمار ليلي ونهاري، وأنوار ظلمي وأسحاري، وأطناب شرفي وافتخاري، وأسباب قوتي وانتصاري، والخلف من شموسي وأقماري.
كم ليلة شردوا بإكرامه وحشتي، وشيدوا بإنعامهم حرمتي، واسمعوني مناجاة أسحارهم، وأمتعوني بإيداع أسرارهم؟
وكم يوم عمروا ربعي بمحافلهم، وعطروا طبعي بفضائلهم، وأورقوا عودي بماء عهودهم، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟
وكم غرسوا لي من المناقب، وحرسوا محلي من النوائب؟
وكم أصبحت بهم أتشرف على المنازل والقصور، وأميس في ثوب الجذل والسرور؟
وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور، وكم انتاشوا على أعتابي من رفات المحذور.
فقصدني فيهم سهم الحمام، وحسدني عليهم حكم الأيام، فأصبحوا غرباء بين الأعداء، وغرضاً لسهام الإعتداء، وأصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم، والمناقب تشكو لفقد شمائلهم، والمحاسن تزول بزوال أعضائهم، والأحكام تنوح لوحشة أرجائهم.
فيالله من ورع أريق دمه في تلك الحروب، وكمال نكس علمه بتلك الخطوب.
ولئن عدمت مساعدة أهل المعقول، وخذلني عند المصاب جهل العقول، فإن لي مسعداً من السنن الدارسة والأعلام الطامسة، فإنها تندب كندبي وتجد مثل وجدي وكربي.
فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات، ويحن إليهم إنسان الخلوات، وتشتاقهم طوية المكارم، وترتاح إليهم ندية الأكارم، وتبكيهم محاريب المساجد، وتناديهم ميازيب الفوائد ، لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة، وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة.
بل، لو رأيتم وجدي وأنكساري وخلو مجالسي وآثاري، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور، ولقد شمت بي من كان يحسدني من الديار وظفرت بي أكف الأخطار.
فيا شوقاه إلى منزل سكنوه، ومنهل أقاموا عنده وأستوطنوه، ليتني كنت إنساناً أقيهم حز السيوف، وأدفع عنهم حر الحتوف، وأحول بينهم وبين أهل الشنآن ، وأرد عنهم سهام العدوان

وهلا إذ فاتني شرف تلك المواساة الواجبة، كنت محلاً لضم جسومهم الشابحة، وأهلاً لحفظ شمائلهم من البلاء، ومصوناً من روعة هذا الهجر والقلاء.
فآه ثم آه، لو كنت مخطأ لتلك الأجساد ومحطاً لنفوس أولئك الأجواد، لبذلت في حفظها غاية المجهود، ووفيت لها بقديم العهود، وقضيت له بعض الحقوق الأوائل، ووقيتها جهدي من وقع تلك الجنادل وخدمتها خدمة العبد المطيع، وبذلت لها جهد المستطيع، وفرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والإجلال، وكنت أبلغ منيتي من أعتناقها، وأنور ظلمتي بإشراقها.
فيا شوقاه إلى تلك الأماني، ويا قلقاه لغيبة أهلي وسكاني، فكل حنين يقصر عن حنيني، وكل دواء غيرهم لا يشفيني، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الأحزان، وأنست من بعدهم بجلباب الأشجان، ويئست أن يلم بي التجلد والصبر، وقلت: يا سلوة الأيام موعدك الحشر

ولقد أحسن ابن قتة رحمة الله عليه، وقد بكى على المنازل المشار إليها

فقال:

مررت علــى أبيــات آل محمــد * فلــم أرهــا أمثالهــا يوم حلــت
فلا يبعــد الله الديـــار وأهلهـــا * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
ألا إن قتلـى الطــف مـن آل هاشم * أذلــت رقاب المسلميـــن فذلــت
وكانوا غياثاً ثم أضحــوا رزيـــة * لقد عظمــت تلك الرزايا وجلـــت
ألم تر أن الشمس أضحــت مريضـة * لفقــد حسين والبلاد اقشعــــرت
فقد روي عن مولانا زين العابدين عليه السلام ـ وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه ـ أنه كان كثير البكاء لتلك البلوى، عظيم البث والشكوى.
فروي عن الصادق عليه السلام إنه قال: «إن زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة، صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضره الإفطاء جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كل يا مولاي، (http://www.mrsawalyeh.com/vb/showthread.php?t=7087)فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه
ويمتزج شرابه منها، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل».
وحدث مولى له عليه السلام أنه برز إلى الصحراء يوماً، قال: فتبعته، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه، وأحصيت عليه ألف مرة يقول: «لا إله إلا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله تعبداً ورقاً لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً».
ثم رفع رأسه من سجوده، وأن لحيته ووجهه قد غمرا من الدموع.
فقلت: يا مولاي، (http://www.mrsawalyeh.com/vb/showthread.php?t=7087)أما آن لحزنك (http://www.mrsawalyeh.com/vb/showthread.php?t=7087)أن ينقضي؟ (http://www.mrsawalyeh.com/vb/showthread.php?t=7087)ولبكائك (http://www.mrsawalyeh.com/vb/showthread.php?t=7087)أن يقل؟
فقال لي: «ويحك، إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام كان نبياً ابن نبي ابن نبي له اثنى عشر ابناً، فغيب الله سبحانه واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم والهم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي؟!».
وها أنا أتمثل وأشير إليهم صلوات الله وسلامه عليهم، فأقول:

من مخبر الملبسينـــا بانتزاحهـــم * ثوباً من الحزن لا يبلــى ويبلينــــا
إن الزمان الذي قــد كان يضحكنـــا * بقربهم صار بالتفريــــق يبكينـــا
حالت لفقدانهم أيامنـــا فغــــدت * سوداً وكانت بهم بيضــــاً ليالينــا

والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على محمد وآله الطيبين الطاهرين



"عاشقة النور"