

* لقد وردت في القرآن الكريم عدّة آيات تتناول كلمة النعمة، و يستفاد من الآيات ان المراد بالنعمة هو الولاية، أي ولاية أهل البيت، بمعني الطريق الذي سلكه أهل البيت تجاه الخالق و سبيلهم الی الله تعالي، و هو مقام العبودية المَحضة.
و هذه الآية إحدى هذه الآيات، فقد أشير فيها الی تبديل النعمة بالكفر، و الورود في جهنّم و الاستقرار في النار.
فحقيقة النعمة ـ إذاً ـ هي الصراط المستقيم و أقصر مسافة يسلكها العبد تجاه ربّه فينال مقام العبودية المكلقة المحضة؛ و تبديل هذه النعمة كفراً يمثّل تبديل هذا الصراط المستقيم بانتهاج سبيل معوجة و منحرة تشطّ عنا لمقصد و تهوي في النار في العاقبة.
و لربّما كانت الآية الواردة في سورة التكاثر: { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
أكثر صراحد و بلاغة من هذه الآية، حيث انّها تقوم علی نحوٍ عجيب و غريب بانتزاع جهاز الكثرة و بالدعوة إلی عالم الوحدة، كما تقوم في الوقت نفسه بالاستفسار من الإنسان عن النعيم و مؤاخذته بشأنه.
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
{ أَلْهَـاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّي زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
و هذه الآية إحدى هذه الآيات، فقد أشير فيها الی تبديل النعمة بالكفر، و الورود في جهنّم و الاستقرار في النار.
فحقيقة النعمة ـ إذاً ـ هي الصراط المستقيم و أقصر مسافة يسلكها العبد تجاه ربّه فينال مقام العبودية المكلقة المحضة؛ و تبديل هذه النعمة كفراً يمثّل تبديل هذا الصراط المستقيم بانتهاج سبيل معوجة و منحرة تشطّ عنا لمقصد و تهوي في النار في العاقبة.
و لربّما كانت الآية الواردة في سورة التكاثر: { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
أكثر صراحد و بلاغة من هذه الآية، حيث انّها تقوم علی نحوٍ عجيب و غريب بانتزاع جهاز الكثرة و بالدعوة إلی عالم الوحدة، كما تقوم في الوقت نفسه بالاستفسار من الإنسان عن النعيم و مؤاخذته بشأنه.
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
{ أَلْهَـاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّي زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
و قد نقل في التفسير ذيل هذه السورة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انّه قال بأن المراد بالنعيم ليس ما ندعوه نحن بالخبز و الجبن و أمثال ذلك، بل المراد به مراحل العبوديّة و الإخلاص في التوحيد و سبيل الولاية.
فحين التقي الإمام الصادق أباحنيفة في مجلس ما، سأله: ما النعيم عندك يا نعمان؟ فقال أبوحنيفة: القوت من الطعام و الماء البارد.
فقال (الإمام): لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّي يسألك عن كلّ أكلةٍ أكلتَها و شربةٍ شربتَها ليطولنّ وقوفك بين يديه.
قال: فما النعيم جُعلت فداك!
قال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا علی العباد... الحديث.
أي انّ الناس سيُسئلون عن المدى الذي جعلوا فيه طريقهم في السلوك إلی الله مقارباً لطريق و نهج و سيرة أئمّتهم، و عن القدر الذي امتلكوه من مقام العبودية المحضة المطلقة.
و المراد بجنّة النعيم الواردة فيالقرآن نفس الجنّة، أي جنّة الولاية، و هي جنّة المخلَصين و المقرّبين من أولياء الله و الواصلين إلی مقام التوحيد الذاتي، المندكّين في العوالم الربوبيّة و صفات الجمال و الجلال الإلهيّة؛ جنّة أولئك الذين تناسوا تماماً شوائبهم الوجوديّة و سلّموا وجودهم بأجمعه إلی الحقّ تعالى.
و بوجود جميع هذه الشواهد و القرائن الحاقيّة الداخلية و العارضة الخارجيّة، فقد اعتبرنا النعمة كناية عن الولاية، بالرغم من انّ المراد بها ـ بحسب الظاهر ـ مُطلق النعمة؛ فالمراد في الحقيقة يجب ان يكون نعمة الولاية.
و بالطبع فاننا لا نريد في هذا التفسير، أي تفسير النعمة بالولاية، أن نحصل علی هذا المعني بضمّ الروايات الواردة، بل نريد أن نستفيد ذلك من نفس الآيات و الشواهد الموجودة فيها.
لاحظوا أنّه بعد أن عدّ التكاثر مُلهياً بصورة عامّة، و انّه عدئه ـ عند حصول علم اليقين و عين اليقين ـ جحيماً و ناراً محرقة؛ فانّه يجعل ـ بقرينة المقابلة ـ النعيم الذي هو مقام التوحيد المتجلّي في العبد، و المعبَّر عنه بالعبوديّة المحضة، أكبر رأس مال و ثروة تستحقّ السؤال و المؤاخذة؛ بحيث ينبغي صرف النظر عن التكاثر و العودة الی النعيم و هو النظرة التوحيديّة و النزوع الی الوحدة.
{ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }.
و يُستفاد من نفس الآية في حدّ نفسها انّ النعيم أمر قيّم و نفيس جداً، بل من أنفس و أثمن مهام عالم الخلقة و أهدافه؛
و كما قال الإمام (عليه السلام) فانّ السؤال من حقيقة وجود الإنسان عن جميع نعم الله التي رآها و استخدمها من أوّل عمره إلی آخره يبدو بعيداً جداً ـ بحسب الظاهر ـ عن مفاد نفس الآية.
اي انّ علی أفراد البشر أن يفتّشوا في الدنيا ـ من بين جميع المواهب التي منّ الله تعالي عليهم بها ـ عن تلك النعمة الحقيقيّة الواقعيّة، و هي الولاية التي تمثّل الارتباط بين عالم الخلقة و ذات الله سبحانه، بين المخلوق و الخالف، بين الحادث و القديم، بين ممكن الوجود و واجب الوجود؛ و أن يكدّوا و يسعوا للحصول عليها، فإن نالوها فذلك أهدي سبيلاً، و الاّ فذلك الإضلال.
انّ جميع الناس يعيشون في الدنيا و يتعاشرون و ينكحون و يَطْعَمون و يستريحون و ينامون و يعملون في الاشغال المختلفة كالزراعة و الفلاحة و التجارة و الصناعة؛ الاّ انّ طائفة منهم ينظرون الی ظاهر هذه الأمور فقط و يعرضون عن باطنها، و أولئك هم الذين: بدّلوا نعمة الله كفراً.
و هناك طائفة تبحث عن تلك الحقيقة الواحدة من بين هذه الأمور المتكاثرة و الكثيرة، و هذا هو النعيم.
المصدر/ كتاب الرسالة الجديدة للسيد الحسن الحسيني الطهراني قدس سره
تعليق