الحياة الطيّبة في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • اريج الجنه
    • Aug 2009
    • 11211

    الحياة الطيّبة في القرآن الكريم

    اعلم أنّ القرآن الكريم كتاب الله سبحانه ، وإنّه عظيم ومهيمن على كلّ الكتب السماوية والأرضيّة ، ومن عظمته أنّه كتاب جامع يجمع بين دفتيه المباركة جميع اُصول العلوم العقليّة والنقليّة ، وإنّ لسان القرآن لسان الفطرة ، وإن كانت لغته عربياً مبيّناً .

    يذكر السيوطي في جامعية القرآن : أنّه يحتوي على الطبّ وعلم المناظرة والهندسة والجبر والمقابلة والنجوم وغيرها .

    ويرى العلاّمة الطباطبائي أنّه جاء ذكر من العلوم غير علم الدين فإنّه باعتبار ما فيها من الهداية ، فإنّ القرآن الكريم كتاب هداية ( يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أقْوَمُ ) .

    فإذا قيل كلّ شيء في القرآن الكريم يقصد منه جانب الهداية فيه ، فالقرآن تبيان لكلّ شيء ، بيان وتبيان لآياته ، ولكلّ شيء غيره ، فلم يكن في القرآن تقصيراً :

    ( مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْء ) .
    ( وَلا رَطْب وَلا يَابِس إلاَّ فِي كِتَاب مُبِين ) .

    وفي اُصول الكافي ، بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الله عزّ وجلّ أنزل في القرآن تبياناً لكلّ شيء حتّى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العبد حتّى والله ما يستطيع عبد أن يقول لو كان في القرآن هذا دليلا وقد أنزله الله فيه ) .

    فكلّ ما يخطر في البال نرى خطوطه الأوّلية ومطالبه الكلّية واُصوله وأساسه في القرآن الكريم .

    قال الإمام الباقر (عليه السلام) : ( إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّة إلى يوم القيامة إلاّ أنزل في كتابه ) .

    وهذا يدلّ على خلود القرآن الكريم ، وأ نّه غضّ جديد لا يُبلى ، فإنّه يتماشى مع كلّ عصر وفي كلّ مصر ، جاء ليقوم الناس بالقسط ، وليصنع من الإنسان إنساناً كاملا في عقيدته وسلوكه وأخلاقه ، ليكون خليفة الله في أرضه ، تتجلّى فيه أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، وليسعد في الدارين ، فالقرآن كتاب هداية وسعادة ، ولا بدّ من إثارة علومه ومعارفه بين حين وحين .

    عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : ( من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثور القرآن ) .

    فلا بدّ من التعمّق والتأمّل والتمعّن في القرآن الكريم ، والغور في بحار أنواره لاستخراج كنوزه وخزائنه .

    هذا والقرآن التدويني العلمي هو كتاب الله الكريم ، وإنّ للقرآن من يترجمه ويبيّن آياته وهو القرآن العيني العملي التطبيقي ، أعني الرسول الأكرم والعترة الطاهرة (عليهم السلام) . ولا يمكن أن يستغنى بأحدهما عن الآخر ، بل لا بدّ من التمسّك بهما معاً ، كما ورد في حديث الثقلين ، المتّفق عليه عند الفريقين .

    ثمّ من آيات القرآن الكريم الدالّة على سعادة الإنسان وحياته الطيّبة قوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أوْ اُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَـنُحْيِيَـنَّهُ حَيَاةً طَيِّـبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

    فقوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أوْ اُنثَى ) يدلّ على أنّ من يعمل الأعمال الصالحة ، ولا فرق في ذلك بين الألسن والقبائل و الطوائف و المذاهب والطبقات الاجتماعية من رئيس أو مرؤوس ومن ملك أو رعيّة ، ومن صغير أو كبير ، ومن أبيض أو أسود ، فإنّه من يعمل صالحاً بشرط أن يكون مؤمن بالمبدأ والمعاد وما بينهما من العقائد الحقّة ، فإنّه يجزى على عمله في الدنيا ، بأن تكون له حياة طيّبة ، وعيشاً رغيداً ، وفي الآخرة بأن يكون له أجراً عظيماً ، جنّات عرضها السماوات والأرض ، بأحسن ما كانوا يعملون .

    فميزان الحياة الطيّبة إنّما هو بكفّتين : الإيمان والعمل الصالح .

    والإيمان يعني ربط العمل الصالح بالله سبحانه فيكون مخلّداً ، وهذا يعني أنّ العمل الصالح لولا الإيمان لكان قابلا للزوال والمحو ، فإنّ كلّ شيء مادّي يزول لا محالة بزوال الدنيا ، فمن عمل صالحاً من دون إيمان كالمخترعين الكفّار ، فإنّهم خدموا البشريّة إلاّ أنّ أجرهم إنّما يكون في الدنيا بإحياء ذكرهم ، ما دام الاختراع مستمرّاً ، لأ نّهم فعلوا للدنيا فنصيبهم يكون من الدنيا أيضاً ، تطبيقاً للعدل الإلهي .

    فالعمل الصالح الذي يخلد بخلود النفس الناطقة لو كان متجذّراً في الإيمان ، ويستسقي ماءه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، فيتجلّى فيه نور التوحيد ، وإلاّ فإنّه في الغالب يكون مشوباً بالشرك والرياء وحبّ السمعة والإطراء والمدح والمنّة والأذى .

    وقانون القرآن يحكم بأنّ الزبد يذهب جفاءً ، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، فما كان لغير الله ، فإنّه سرعان ما يكشف أمره ويفتضح سرّه ، فيمحى رسمه ويبلى أثره ، وأمّا الذي كان لله فإنّه ينمو ويزداد ويبارك بخير وأجر مستمرّ ومستقرّ إلى يوم القيامة ، فمن يعمل للناس يشكره الناس ، وشكر الناس يزول ، ومن يعمل لله يشكر الله وشكر الله باق ببقاء الله السرمدي سبحانه وتعالى .

    وأمّا الحياة الطيّبة في مفهوم القرآن الكريم ، فهي تعني الحياة النظيفة والطاهرة من الآثام ولوث المعاصي والذنوب والأخلاق الذميمة والرذائل والمحرّمات .
    وقيل : تعني المال الحلال من طريق حلال ، ويصرف في الحلال ، ويؤدّى حقوقه من الزكوات والأخماس وحقّ
    السائل والمحروم .
    أو يرزق بما يكفيه ، فلا يكون شاكياً من حياته ، بل يقنع ويرضى بما عنده ، ويحسّ بالسعادة في ذلك .
    وقيل : الحياة الطيّبة يعني توفيق الطاعة وبعد المعصية .


    وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الحياة الطيّبة ، فقال : هي القناعة ، ( والقناعة كنزٌ لا يفنى ) .

    فالحرص يجعل الإنسان ذليلا في حياته ، وأمّا القناعة والاكتفاء الذاتي يوجب العزّة والكرامة والمباهاة ، ويسلم من القيل والقال والحرب والجدال .

    ويستفاد من الآية الشريفة تساوي المرأة والرجل في النظام الاجتماعي ، فإنّ كلّ واحد منهما يعمل بمقدار سعته الوجوديّة ، وينال أجره الدنيوي من الحياة الطيّبة ، والاُخروي من الأجر العظيم .

    ثمّ لم يذكر سبحانه نوع الجزاء الاُخروي إنّما أكّد ذلك ، وإنّما يجازى من جمع بين الحسنيين : الحسن الفعلي والحسن الفاعلي ، فالإيمان وإنّه مؤمن إشارة إلى الحسن الفاعلي ، والعمل الصالح إشارة إلى الحسن الفعلي ، فيجزون حينئذ بأحسن ما كانوا يعملون ، ولم يقل سبحانه لنجزينهم حسناً ، بل أشار إلى أنّهم هم الذين نالوا هذه الدرجة بعملهم ، وأنّهم يجزون بالأحسن ، لأنّهم من المؤمنين ، وإنّ عملهم كان صالحاً ، فلهم أحسن بما كانوا يفعلون ويعملون .

    والاُسرة السعيدة تلك التي يحكمها الإيمان بالله واليوم الآخر أوّلا ، ثمّ تعمل الأعمال الصالحة ثانياً ، فالله سبحانه يتكفّل بحياتهم ويجعلها طيّبة تسودها المودّة والرحمة . وترفرف عليها السعادة وتحوطها الغمرة والسرور وينبثق منها النشاط والحيوية والتقدّم والازدهار .


    تحيااتي لكم
يعمل...
X