تعتبر الرقابة الذاتية وسيلة فاعلة من الوسائل العديدة والمتنوعة لتقويم النفس وتصحيح أخطائها وهفواتها، فالقانون الوضعي الذي يعاقب على التجاوزات لا يتمكّن وحده من بناء مجتمع متوازن قائم على المساواة وتكافؤ الفرص وغيرها من المقوّمات التي تصبّ في خلق المجتمع الناجح، بل ينبغي أن يكون هناك دور أساسي لتقويم الذات عبر تنمية النزعة الفاضلة لدى الإنسان.
لذلك فإن البحث عن النجاح في المشاريع الاقتصادية أو غيرها (وهو هدف مشروع لكل الناس) يجب أن يأتي من الفضيلة قبل غيرها، أو أنه يضع الفضيلة معياراً أساسياً لتحقيق ذلك، حيث يمكن للإنسان أن يحقّق أهدافه في جمع المال على سبيل المثال، لكن ينبغي أن يلتزم هذا الإنسان بانتهاج الوسائل المشروعة لدرجة تتساوى فيها عنده قيمة المبالغ التي يحصل عليها، بمعنى أن إيمانه يقوده إلى الزهد ولا تؤثّر عليه قيمة المبلغ الحاصل عليها مهما كبرت أو قلّت، ويمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الحالة من الثبات والزهد بتهذيب النفس وتطويعها والسيطرة على نوازعها وميولها المتعدّدة والموزعة بين الرذيلة والفضيلة.
أي بمعنى تحقيق الرقابة الذاتية والسيطرة على النفس وتحقيق الضبط الذاتي بعدم الانجراف في حصد المكاسب المادية والدنيوية والسياسية والاجتماعية بأي ثمن كان. فالمهم في عملية الضبط الذاتي هو تحقيق مكاسب الذات المعنوية والروحية وراحة الضمير والرضا النفسي العميق عن الذات.
يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله حول هذا الموضوع في كتابه الموسوم بـ (نحو بناء النفس والمجتمع):
(يمكن للإنسان أن يصل عبر هذا الطريق –محاسبة النفس- إلى مراتب عالية، وقد وصل كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم ولا يقلّل التثبيط من عزمهم، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معنى الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والتأثّر به شيء آخر).
بكلمة أخرى إن الإنسان وصل في الرقابة الذاتية إلى درجة تجعله لا يحزن لفقدان المال ولا يفرح بالحصول عليه بغض النظر عن مقدار قيمته.
(يمكن للإنسان أن يصل عبر هذا الطريق –محاسبة النفس- إلى مراتب عالية، وقد وصل كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم ولا يقلّل التثبيط من عزمهم، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معنى الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والتأثّر به شيء آخر).
بكلمة أخرى إن الإنسان وصل في الرقابة الذاتية إلى درجة تجعله لا يحزن لفقدان المال ولا يفرح بالحصول عليه بغض النظر عن مقدار قيمته.
وهذه المرتبة الصعبة لا تتحقّق لكل من يشاء كونها تتطلب استعداداً نفسياً وتمريناً ومواظبة على الإيمان وإقناعاً للنفس بأن الفضيلة هي الطريق الأقصر لسعادة الإنسان، وهي ضمانته يوم يقف بين يدي ربّه.
وهنا يقول المرجع الشيرازي: لا شك أن بلوغ هذه المرحلة يتطلّب عملاً كثيراً ومواظبة جادّة؛ فللشهوات أثرها السلبي وكذلك الشياطين وأصدقاء السوء، ولكن إذا اقتنع الإنسان بإمكانية الوصول وتوكَّلَ على الله تعالى، فإن هذا الاعتقاد بنفسه سيوصله، ومن مفاتيحه السهلة محاسبة النفس؛ وذلك بأن يكون الشخص ملتزماً بتحديد أوقات من اليوم يراجع فيها نفسه، بشرط أن يكون الوقت مناسباً، فلا يكون عند الجوع أو الشبع أو انشغال الذهن بأمر آخر قد يحول دون التأمّل والتفكير جيداً بل يكون في وقت يمكنه الاختلاء بنفسه ومراجعة ما قد صدر منها).
وهكذا يمكن ملاحظة أن عملية مراقبة النفس وتصويب أخطائها وتشذيبها أمر ليس في متناول الضعفاء في رقابتهم الذاتية لأنفسهم، لأن الوصول إلى مثل هذه الأهداف الصعبة يحتاج إلى جهد استثنائي يدعمه إيمان كبير ومتأصل في النفس كي تتمكن من مقارعة المغريات التي تقف في طريقها، حيث يتطلب الأمر جهداً وتنظيماً والتزاماً في التنفيذ والمراقبة وما شابه.
وفي هذا يذكر لنا المرجع الشيرازي في كتابه نفسه: يقال: إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه نصيحة تنفعه طيلة عمره، وكان على وشك مفارقته، فقال له العالم: خصّص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك، وإن قلّ.
يقول ذلك الفاضل: عملت بنصيحة أستاذي العالم حتى أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني ما دمت مستيقظاً. وهذا يدلّ على ارتكاز الحالة في ذهنه حتى لكأنها صارت ملكة عنده).
إن وصول الإنسان إلى هذه الدرجة من القوّة والالتزام في عملية مراقبة النفس، تعني أنه تجاوز حافة الخطر وأنه تمكن من تطويع نفسه لما هو خير وصالح له وللآخرين، لكن الأمر تطلّب منه الكثير من الجهد الإيماني والنفسي والعملي والرقابي لكي يصل إلى ما وصل إليه من ثبات واستقرار.
يقول ذلك الفاضل: عملت بنصيحة أستاذي العالم حتى أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني ما دمت مستيقظاً. وهذا يدلّ على ارتكاز الحالة في ذهنه حتى لكأنها صارت ملكة عنده).
إن وصول الإنسان إلى هذه الدرجة من القوّة والالتزام في عملية مراقبة النفس، تعني أنه تجاوز حافة الخطر وأنه تمكن من تطويع نفسه لما هو خير وصالح له وللآخرين، لكن الأمر تطلّب منه الكثير من الجهد الإيماني والنفسي والعملي والرقابي لكي يصل إلى ما وصل إليه من ثبات واستقرار.
ولعل مردّ ذلك يعود إلى قوّة الرقابة الذاتية والاستعداد الموجود أصلاً في النفس لتقبّل الأعمال الصالحة والتعامل معها وفق توجيه مسبق يحصل عليه الإنسان من مواظبته على تنمية قدراته النفسية والفكرية والإيمانية من خلال تنظيمه لعملية المراقبة والالتزام بمفرداتها بما يحقق له الوصول إلى الدرجة المتوخاة لتجاوز خطر نزعات النفس السلبية التي غالباً ما تشكل نقيضاً لسعي الإنسان نحو الفضيلة..
تحيا تي
"عاشقة النور"
"عاشقة النور"