العجوز والوالي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • @ميقات
    • Jan 2010
    • 1098

    العجوز والوالي

    العجوز والوالي

    روي أنأحدَ الولاةِ كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر ، وأثناءتجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ، كانت البقالة شبه خالية ، وكان فيها رجل طاعن في السن ،
    يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ، ولميلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار .
    اقترب الوالي منالرجل المسن وحياه ، ورد الرجل التحية بأحسن منها ،
    وكان يغشاه هدوء غريب ،وثقة بالنفس عجيبة .. وسأل الوالي الرجل :
    دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟
    أجاب الرجل بهدوء وثقة : أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!
    قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..
    فما كان منالوالي إلا ابتسم ثم قال :
    هل أنت جاد فيما تقول !؟
    أجاب الرجل :نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ، أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!
    دهشالوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة .. وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثمقال :ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!
    قال الرجل : أنا أبيع الحكمة .. وقدبعت منها الكثير ، وانتفع بها الذين اشتروها ....! ولم يبق معي سوى لوحتين ..!
    قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!
    قال الرجل وقد ارتسمت على وجههطيف ابتسامة :نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ، فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!
    تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ، فإذا مكتوباً فيها :
    (
    فكر قبل أن تعمل ) ..تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال : بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟
    قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!
    ضحك الواليطويلا حتى اغرورقت عيناه ، وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ، وظل ينظر إلىاللوحة باعتزاز ..
    قال الوالي :عشرة آلاف دينار ..!! هل أنت جاد ؟
    قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!

    لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو للضحكوالعجب .. وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ، فظل يسايره وأخذ يساومه علىالثمن ، فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..والرجل يرفض ،
    فزادألفا ثم ثالثة ورابعة حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار .. والعجوز ما زال مصرا علىكلمته التي قالها ، ضحك الوالي وقرر الانصراف ، وهو يتوقع أنالعجوز سيناديه إذاانصرف ، ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ، وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلسعليه بهدوء ..
    وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!
    لقد كان ينوي أنيفعل شيئاً تأباه المروءة ،
    فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! (
    فتراجع عما كان ينوي القيام به !! ووجد انشراحا لذلك ..!!وأخذ يفكر وأدرك أنهانتفع بتلك الحكمة ، ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،
    قد تفسد عليه حياته لوأنه قام بها دون أن يفكر ..!!

    ومن هنا وجد نفسه يهرول باحثاً عن دكان العجوزفي لهفة ، ولما وقف عليه قال : لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!
    لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ، وأمسك بخرقة ونفض بقيةالغبار عن اللوحة ، ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ، وقبل أن ينصرفالوالي قال له الشيخ :
    بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!
    قال الوالي : وما هو الشرط ؟
    قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ، وعلى أكثر الأماكن في البيت ،
    وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!
    فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !
    وذهب الوالي إلى قصره ، وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة فيالقصر ، حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه وكثير من أداواته !!!


    وتوالتالأيام وتبعتها شهور ، وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفردبالولاية ، واتفق مع حلاق الوالي الخاص ، أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن يكونفي صفه ، وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!
    ولما توجه الحلاق إلى قصر الواليأدركه الارتباك ، إذ كيف سيقتل الوالي ، إنها مهمة صعبة وخطيرة ، وقد يفشل ويطيررأسه ..!!
    ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل !! (وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ، وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ، وفيالممر الطويل ، رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :
    (
    فكر قبل أن تعمل ! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) ( فكر قبل أن تعمل !! (
    وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ، فلا ينظر إلا إلى الأرض ، رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ، فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ، وهناك رأى نفسالعبارة تقابله وجهاً لوجه !!( فكر قبل أن تعمل !!( !!
    فانتفض جسد ه من جديد ،وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !

    وعندما دخل الوالي هالهأن يرى أن الثوب الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :
    )
    فكر قبل أن تعمل !! ( ..
    شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ، بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خططله !!
    وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ، أفزعه أن يقرأ علىالصندوق نفس العبارة :
    )
    فكر قبل أن تعمل (.. !!
    واضطربت يده وهو يعالج فتحالصندوق ، وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،
    وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس فرآهمبتسما هادئاً ، مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!
    فلما هم بوضع رغوة الصابون لاحظالوالي ارتعاشه يده ، فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس ، وأراد الحلاق أن يتفادىنظرات الوالي إليه ،
    فصرف نظره إلى الحائط ، فرأى اللوحة منتصبة أمامه ( فكرقبل أن تعمل ! ( ..!!
    فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي وهو يبكي منتحبا ،وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان ،
    مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!
    ونهض الوالي وأمر بالقبض على قائدالحرس وأعوانه ، وعفا عن الحلاق ..

    وقف الوالي أمام تلك اللوحة يمسح عنها ماسقط عليها من غبار ،
    وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ،
    وشراء حكمة أخرى منه !!
    لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ،وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!
    = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

    انتهت القصة .. ولكنها عندي ما لم تنته .. بل بدأت بشكل جديد ، وفيصورة أخرى .!
    سألت نفسي : لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :
    (
    اللهيراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك..الله معك..يسمعك ويحصي عليك) كتبها في عدةأماكن من البيت ، على شاشة جهاز الكومبيوتر مثلاً ، وعلى طاولة المكتب ،وعلى الحائطالذي يواجهه اذا رفع رأسه من على شاشة الحاسوب ، وفوق التلفاز مباشرة يراها وهويتابع ما في الشاشة !!
    وعلى لوحة صغيرة يعلقها في واجهة سيارته ، وفي أماكنمتعددة من البيت ، وفي مقر عمله ...!!
    )
    الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريبمنك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ....(
    (
    الله يراك..الله ينظر إليك..اللهقريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..(
    بل لو أن هذه العبارة لكثرة ما فكرفيها ، وأعاد النظر فيها ، استقرت في عقله الباطن ، وانتصبت في بؤبؤ عينيه ، واحتلتالصدارة في بؤرة شعوره ،وتردد صداها في عقله وقلبه، حيثما حملته قدماه ، رآهاتواجهه ..ونحو هذا ..
    أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه ، سيجد له أثرابالغا في حياته ،
    واستقامة سلوكه ، وانضباطاً في جوارحه ، وسيغدو مباركا حيثماكان ..!!
    ها أنا أقدم لكم هذه الحكمة ومجاناً لا أريد منكم جزاء ولا شكورا ..
    جزا الله كاتبها كل خير ونفعنا بما نقرأ
يعمل...
X