المارد الشيعي يعود من جديد ..
-هذا العنوان القديم الجديد لإحدى الصحف الأردنيّة وهذا المقالة ، لابدّ من الوقوف عنده والتدبّر فيما جاء بين السطور .. حتّى تلتمس لطف اللله تعالى وإرادته وإن كره النواصف والأراذل .. يقول المقال :
... على الرغم من وجود الشيعة في المنطقة العربية منذ قرون، إلاّ أن السؤال الشيعي لم يطرح في العالم العربي، وبالتحديد في المشرق بقوة كما هو الحال اليوم. بالطبع فإن احتلال العراق وخروج المارد الشيعي من قمقم النظام البعثي السابق، في ظل جغرافية سياسية جعلت من إيران داعماً لوجستياً لهم، وفي ظل وجود أقليات شيعية معتبرة في الخليج العربي وفي لبنان. كل هذا جعل من الوجود الشيعي بمثابة الظاهرة السياسية الجديدة والخطيرة التي تجتاح المنطقة.
النفوذ الإيراني تراجع كثيرا في تسعينيات القرن المنصرم، مع محاولة الإصلاحيين بقيادة الزعيم السابق خاتمي، تحسين العلاقات مع المحيط العربي، وتأكيد الإصلاحيين، في أكثر من مناسبة، أن مشروع تصدير الثورة قد توقف. إلا أن "البروستريكا الخاتمية" لم تدم طويلاً فعاد الملالي للسيطرة بقوة على مراكز صنع القرار وأعادوا توجيه السياسة الخارجية الإيرانية، وقد ساعد تقدم برنامجها النووي، إيران على التقاط كثير من الأوراق واكتساب مناطق نفوذ إضافية، مع تدهور المشروع الأميركي في العراق.
ربما ساهم دور إيران في العراق، واستياء شرائح واسعة من المجتمعات العربية من مواقف "قوى سياسية شيعية" عراقية، محسوبة على إيران، في إضعاف الدعاية الإيرانية والحد من خطورة التغلغل الإيراني في المجتمعات العربية في السنوات التي تلت الاحتلال، إلا أن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان والأداء المتميز لمقاتلي حزب الله والخطاب السياسي لأمينه العام، أعاد مرة أخرى مخاوف الدول العربية من نفوذ إيران وقدرتها على تحريك الشارع العربي، بعد أن أصبحت صور حسن نصر الله ترفع في المظاهرات العربية، في اللحظة نفسها التي يتبدى فيها النظام العربي في حالة من العجز الشديد وعدم القدرة على التأثير في الأحداث.
وتشير تقارير إعلامية متعددة إلى استعادة حزب الله شعبيته في المجتمعات العربية، ما أدى إلى تحسين صورة "الشيعة" مرة أخرى. ويذكر تقرير لشبكة نداء القدس الدولية أن الفلسطينيين باتوا يتغنون باسم حسن نصر الله في أعراسهم ويهتفون بحياته. بينما تذكر تقارير أخرى أن عددا من العائلات العربية السنية قد سمت مواليدها الجدد باسمه.
التشيع في المنطقة؛ إطلالة عامة
تختلف البيانات والإحصائيات حول أعداد الشيعة العرب، بالتحديد في الدول التي توجد فيها نسبة معتبرة من الشيعة، إذ تشير معلومات وتقارير دولية، محل خلاف، إلى نسبة 10% في السعودية (المنطقة الشرقية)، وقرابة 50% في البحرين و30% في كل من الكويت ولبنان، و10% في قطر ونسبة تصل إلى 16% في الإمارات العربية المتحدة و60% في العراق. ( أرقام غير دقيقة . الراصد )
أما المتشيعون العرب، المتحولون إلى المذهب الشيعي، فلا يوجد إحصائيات أو أية بيانات حولهم. المعلومات والأرقام تؤكد أن حجم الظاهرة لا يزال محدوداً، وإن كانت قد شهدت طفرة ملحوظة في السنوات الأخيرة.
سورية من الدول العربية التي بدأ الجدل فيها حول ظاهرة التشيع، ويعيد عدد من الباحثين السوريين هذا التأثير إلى عوامل رئيسة في مقدمتها تحالف النظام السوري مع طهران والمرونة التي يبديها مع الحجاج والزوار الإيرانيين الذين يتوافدون بالآلاف إلى دمشق لزيارة المسجد الأموي ولزيارة مقام السيدة زينب، الذي تحول إلى مقصد ديني وثقافي مهم، أيضا، للشيعة العرب القادمين من دول الخليج، حيث يقيمون هناك ويحضرون دروسا في الحوزة الزينبية. كما أن وجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين يساهم في تعزيز الوجود الشيعي في سورية، بالإضافة إلى جوار لبنان والتحالف مع حزب الله، حيث يلقي المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله دروسا دينية بانتظام في "الحوزة الزينبية".
وتشير معلومات إلى أنّ النشاط الشيعي قد أعاد تأهيل ضريح رقية في وسط دمشق، وأن أعداداً كبيرة من الزوار الإيرانيين تؤمه يومياً، وكذلك الحال مع ضريح سكينة بنت الحسين في منطقة دارية، الذي أصبح مقصداً للزوار الشيعة في حي سني متشدد.
في هذا السياق أرسلت نخبة علماء الشام (منهم محمد سعيد رمضان البوطي، وهبة الزحيلي، محي الدين الكردي، محمد محمد الخطيب) رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تنتقد فيها قانونا جديدا يمنع المناهج الشرعية الإضافية في الصفوف الأولى والإعدادية، وفي المدارس الشرعية، وتصف الرسالة القانون بالمؤامرة. إلا أن الملفت في الرسالة أنها تشير ولأول مرة، حسب باحثين سوريين، إلى الحوزات الموجودة في سورية، التي وفقاً للرسالة تتجاهل قرار المنع، وتمضي في تدريس مناهجها، ولعل في الرسالة تلميحا، لا يكاد يخفى، على تواطؤ الحكومة السورية مع النشاط الشيعي.
ووفقاً لباحث سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ المرجع الشيعي السابق محمد مهدي شمس الدين كان قد نال قرارا من الرئيس الراحل حافظ الأسد يسمح بإقامة بعض الحوزات والسماح ببعض مظاهر التشيع، كما يشير دانييل لوغاك، مؤلف كتاب "سورية في عهدة الجنرال الأسد"، وفي أثناء لقاء الأعيان العائلة العلوية في القرداحة، في صيف عام 1980 اُتخِذ قرارٌ بإرسال قرابة خمسمائة شاب من "العلويين" للدراسة في المعاهد الدينية في قم، ليتخصصوا في المذهب الجعفري، وكان يخطط منذ تلك الفترة إلى تشكيل تحالف شيعي إقليمي. ويعتقد عدد من الباحثين السوريين أن إرسال العلويين إلى قم ما يزال دارجا إلى اليوم.
الفترة الأخيرة تجاوزت النخبة العلوية وشهدت نشاطا شيعيا واسعاً، ولا يعجز الزائر للمسجد الأموي أن يلحظ مظاهر وجود الشيعة والطقوس والأدعية الشيعية والوفود الإيرانية، التي يكاد يعتقد من يراها أن المسجد الأموي هو حسينية، وليس مسجدا سنياً. في لبنان، على الرغم من وجود قوي للشيعة في الجنوب إلاّ أنّ ظاهرة "التشيع" لا تزال محدودة، نظراً لوجود طوائف وأديان متعددة لكل منها مؤسساتها ومراكزها ومصالحها.
الحلقة الرئيسة التي توجد فيها حالات قليلة من التشيع هي المخيمات الفلسطينية، وفقاُ لمصادر شيعية. الجدل حول التشيع يطغى اليوم في أوساط إعلامية وسياسية فلسطينية، ويبدو السبب الرئيس في ذلك توطد التحالف بين حركة حماس (المكتب السياسي في دمشق) وبين طهران، بالإضافة إلى العلاقة التاريخية التي تربط حركة الجهاد بطهران.
بعض التقارير الإعلامية تصل إلى وصف الظاهرة بـ"الغزو الشيعي لفلسطين".
بالتأكيد ثمة قراءة مبالغ فيها لبعض تصرفات وتصريحات قادة حماس والجهاد من قبل الجهات المعادية للتشيع.
لكن في المقابل هنالك معلومات وإشارات لا يمكن تجاهلها، فإحدى القيادات البارزة المحسوبة سابقاُ على حركة الجهاد، محمد شحادة، أعلن تشيعه في عدة مقابلات صحافية، إذ يذكر أن تحوله الأكبر نحو التشيع كان في سنة 1992 عندما نفت إسرائيل عددا كبيرا من قيادات الجهاد وحماس، وكان هو أحدهم إلى مرج الزهور، في المنطقة الحدودية لجنوب لبنان، والتقى هناك بعدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وأعجب بروحهم الفدائية وبإخلاصهم، ومن ثم بقي يقرأ الكتب والأدبيات حتى توصل إلى أن العقيدة الشيعية المتمثلة بـ"موالاة آل البيت" هي العقيدة الصحيحة.
يعود تأثر حركة الجهاد بإيران إلى لحظات التأسيس الأولى، حيث تأثر أحد مؤسسي الحركة، وقائدها اللاحق فتحي الشقاقي (قتل في مالطا 1995) بمشروع الثورة الإيرانية والّف كتابا بعنوان "الخميني؛ الحل الإسلامي والبديل" (1979)، وفي أدبيات الحركة الرئيسة وعلاقاتها ومصادر تمويلها واستراتيجيتها السياسية ملامح واضحة بتأثرها بالثورة الإيرانية، وقد كان أبرز قياداتها أسعد بيوض التميمي على علاقة وطيدة بقادة الثورة قبل أن يختلف معهم، و"يكتشف حقيقة الثورة"، كما يذكر ذلك ابنه محمد بيوض التميمي في مقال نشر على أكثر من موقع الكتروني بعنوان: "الثورة الإيرانية إسلامية أم قومية مذهبية؟".
على الرغم من نفي مصادر في حركة الجهاد بشدة تشيع عدد من اعضائها، إلا أن تقارير إعلامية أخرى تؤكد تشيع افراد من الحركة وقيامهم ببناء مؤسسات ثقافية وصحية في مدينة بيت لحم، وبنشر فكر الشيعة في أوساط سنية.
في السياق نفسه تراجع محمد غوانمة، إحدى القيادات السابقة في المقاومة الفلسطينية، بعد أسابيع من إعلانه تأسيس "المجلس الشيعي الأعلى" في فلسطين، إلاّ أن كثيرين ينظرون إلى خطورة الخطوة أنها بمثابة بالون اختبار، ومحاولة أولية للإعلان الرسمي مستقبلا عن التواجد الشيعي في فلسطين.
صحيح أن إيران غير معنية ابتداءً بالتشيع الديني، ولا تريد فتح جبهات في هذا المجال إلاّ أنّ التشيع السياسي مقدمة للتشيع الديني، ورديف له، فطبيعة العلاقات لا تقف عند حدود السياسة إنما تتعداها إلى الثقافة، بخاصة إذا كان المثقفون والسياسيون الإيرانيون، والشيعة عموماً أكثر قدرةً وثقافة من السنة، فالتعليم الشيعي بطبيعته جدلي ومحاجج على نقيض التعليم السني وحتى الثقافة السنية التي لا تحفل كثيرا بالرد على الشيعة ومناقشتهم.
العشائر الأردنية الشيعية
قبل الولوج إلى استنطاق ظاهرة "التشيع" في الأردن، يجدر الوقوف عند وجود عشائر أردنية شيعية، في الأصل منذ بدايات تأسيس المملكة، بل تعود جذور بعضها إلى عام 1890، وأصل هذه العشائر من جنوب لبنان، وتحمل الجنسية الأردنية أباً عن جد، مثلها مثل باقي العشائر الأخرى.
ووفقاً لمصدر موثوق، من الشيعة الأردنيين، فإن تعدداهم يبلغ قرابة ثلاثة آلاف شخص، وهو الرقم الذي لا توجد إحصائية دقيقة تنفيه أو تثبته. وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة: الرمثا، دير أبو سعيد، اربد وعمان، وأبرزها:
بيضون، سعد، ديباجة، فردوس، جمعة، الشرارة، حرب، برجاوي، البزة. لا تحتفظ هذه العشائر بأية عادات أو تقاليد خاصة، مخالفة للتقاليد الأردنية، وتندمج في المجتمع الأردني بشكل كامل، وتشاركه في مختلف المناسبات، وإن كان بعضها يحتفل رمزياً بالمناسبات الدينية الشيعية.
في منتصف التسعينيات برزت علاقة بين شخصيات من هذه العشائر وبين مؤسسة الخوئي في لندن، بمباركة من سمو الأمير الحسن، وقد كان حريصاً على حوار المذاهب والطوائف المختلفة، وكان ثمة تفكير بتأسيس مؤسسة خاصة بهم تحت اسم "أبو ذر الغفاري" إلاّ أن الدولة عادت وتراجعت عن دعم الفكرة فيما بعد.
يؤكد أحد وجوه الشيعة الأردنيين، عقيل بيضون، أن ولاءهم السياسي للحكم الهاشمي في الأردن، وأنه من "صميم حبهم وولائهم لآل البيت الأطهار"، وفي حال تجذرت سياسة المحاور في المنطقة وبرزت التناقضات بين الأردن وايران يؤكد الوجه الشيعي أن انحيازهم للأردن وللهاشميين، مع أنه يقر أن ثمة ازدواجية بين عقيدتهم الدينية التي تجعل ارتباطهم السياسي بالإمام الغائب أو من ينوب عنه "الفقيه الولي" وبين انتمائهم الوطني.
وربما يذكرنا هذا الموقف بموقف شيعة العراق، في بداية الحرب العراقية- الإيرانية عندما انحازوا بوضوح للبعد الوطني- القومي على حساب البعد المذهبي.
مصادر رسمية تقر بوجود عشائر أردنية شيعية، وتؤكد على حقوق أفرادها في المواطنة الكاملة، وعلاقتها الجيدة بالدولة، ومع ذلك لا تخفي وجود علامة استفهام حول ولاء بعض الشيعة الأردنيين وارتباطهم بالمؤسسات الدينية الشيعية، خارج الأردن، وعلاقة بعض الأفراد بحزب الله حيث يوجد الشيعة في جنوب لبنان ...
* مقتبس **
-هذا العنوان القديم الجديد لإحدى الصحف الأردنيّة وهذا المقالة ، لابدّ من الوقوف عنده والتدبّر فيما جاء بين السطور .. حتّى تلتمس لطف اللله تعالى وإرادته وإن كره النواصف والأراذل .. يقول المقال :
... على الرغم من وجود الشيعة في المنطقة العربية منذ قرون، إلاّ أن السؤال الشيعي لم يطرح في العالم العربي، وبالتحديد في المشرق بقوة كما هو الحال اليوم. بالطبع فإن احتلال العراق وخروج المارد الشيعي من قمقم النظام البعثي السابق، في ظل جغرافية سياسية جعلت من إيران داعماً لوجستياً لهم، وفي ظل وجود أقليات شيعية معتبرة في الخليج العربي وفي لبنان. كل هذا جعل من الوجود الشيعي بمثابة الظاهرة السياسية الجديدة والخطيرة التي تجتاح المنطقة.
النفوذ الإيراني تراجع كثيرا في تسعينيات القرن المنصرم، مع محاولة الإصلاحيين بقيادة الزعيم السابق خاتمي، تحسين العلاقات مع المحيط العربي، وتأكيد الإصلاحيين، في أكثر من مناسبة، أن مشروع تصدير الثورة قد توقف. إلا أن "البروستريكا الخاتمية" لم تدم طويلاً فعاد الملالي للسيطرة بقوة على مراكز صنع القرار وأعادوا توجيه السياسة الخارجية الإيرانية، وقد ساعد تقدم برنامجها النووي، إيران على التقاط كثير من الأوراق واكتساب مناطق نفوذ إضافية، مع تدهور المشروع الأميركي في العراق.
ربما ساهم دور إيران في العراق، واستياء شرائح واسعة من المجتمعات العربية من مواقف "قوى سياسية شيعية" عراقية، محسوبة على إيران، في إضعاف الدعاية الإيرانية والحد من خطورة التغلغل الإيراني في المجتمعات العربية في السنوات التي تلت الاحتلال، إلا أن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان والأداء المتميز لمقاتلي حزب الله والخطاب السياسي لأمينه العام، أعاد مرة أخرى مخاوف الدول العربية من نفوذ إيران وقدرتها على تحريك الشارع العربي، بعد أن أصبحت صور حسن نصر الله ترفع في المظاهرات العربية، في اللحظة نفسها التي يتبدى فيها النظام العربي في حالة من العجز الشديد وعدم القدرة على التأثير في الأحداث.
وتشير تقارير إعلامية متعددة إلى استعادة حزب الله شعبيته في المجتمعات العربية، ما أدى إلى تحسين صورة "الشيعة" مرة أخرى. ويذكر تقرير لشبكة نداء القدس الدولية أن الفلسطينيين باتوا يتغنون باسم حسن نصر الله في أعراسهم ويهتفون بحياته. بينما تذكر تقارير أخرى أن عددا من العائلات العربية السنية قد سمت مواليدها الجدد باسمه.
التشيع في المنطقة؛ إطلالة عامة
تختلف البيانات والإحصائيات حول أعداد الشيعة العرب، بالتحديد في الدول التي توجد فيها نسبة معتبرة من الشيعة، إذ تشير معلومات وتقارير دولية، محل خلاف، إلى نسبة 10% في السعودية (المنطقة الشرقية)، وقرابة 50% في البحرين و30% في كل من الكويت ولبنان، و10% في قطر ونسبة تصل إلى 16% في الإمارات العربية المتحدة و60% في العراق. ( أرقام غير دقيقة . الراصد )
أما المتشيعون العرب، المتحولون إلى المذهب الشيعي، فلا يوجد إحصائيات أو أية بيانات حولهم. المعلومات والأرقام تؤكد أن حجم الظاهرة لا يزال محدوداً، وإن كانت قد شهدت طفرة ملحوظة في السنوات الأخيرة.
سورية من الدول العربية التي بدأ الجدل فيها حول ظاهرة التشيع، ويعيد عدد من الباحثين السوريين هذا التأثير إلى عوامل رئيسة في مقدمتها تحالف النظام السوري مع طهران والمرونة التي يبديها مع الحجاج والزوار الإيرانيين الذين يتوافدون بالآلاف إلى دمشق لزيارة المسجد الأموي ولزيارة مقام السيدة زينب، الذي تحول إلى مقصد ديني وثقافي مهم، أيضا، للشيعة العرب القادمين من دول الخليج، حيث يقيمون هناك ويحضرون دروسا في الحوزة الزينبية. كما أن وجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين يساهم في تعزيز الوجود الشيعي في سورية، بالإضافة إلى جوار لبنان والتحالف مع حزب الله، حيث يلقي المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله دروسا دينية بانتظام في "الحوزة الزينبية".
وتشير معلومات إلى أنّ النشاط الشيعي قد أعاد تأهيل ضريح رقية في وسط دمشق، وأن أعداداً كبيرة من الزوار الإيرانيين تؤمه يومياً، وكذلك الحال مع ضريح سكينة بنت الحسين في منطقة دارية، الذي أصبح مقصداً للزوار الشيعة في حي سني متشدد.
في هذا السياق أرسلت نخبة علماء الشام (منهم محمد سعيد رمضان البوطي، وهبة الزحيلي، محي الدين الكردي، محمد محمد الخطيب) رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تنتقد فيها قانونا جديدا يمنع المناهج الشرعية الإضافية في الصفوف الأولى والإعدادية، وفي المدارس الشرعية، وتصف الرسالة القانون بالمؤامرة. إلا أن الملفت في الرسالة أنها تشير ولأول مرة، حسب باحثين سوريين، إلى الحوزات الموجودة في سورية، التي وفقاً للرسالة تتجاهل قرار المنع، وتمضي في تدريس مناهجها، ولعل في الرسالة تلميحا، لا يكاد يخفى، على تواطؤ الحكومة السورية مع النشاط الشيعي.
ووفقاً لباحث سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ المرجع الشيعي السابق محمد مهدي شمس الدين كان قد نال قرارا من الرئيس الراحل حافظ الأسد يسمح بإقامة بعض الحوزات والسماح ببعض مظاهر التشيع، كما يشير دانييل لوغاك، مؤلف كتاب "سورية في عهدة الجنرال الأسد"، وفي أثناء لقاء الأعيان العائلة العلوية في القرداحة، في صيف عام 1980 اُتخِذ قرارٌ بإرسال قرابة خمسمائة شاب من "العلويين" للدراسة في المعاهد الدينية في قم، ليتخصصوا في المذهب الجعفري، وكان يخطط منذ تلك الفترة إلى تشكيل تحالف شيعي إقليمي. ويعتقد عدد من الباحثين السوريين أن إرسال العلويين إلى قم ما يزال دارجا إلى اليوم.
الفترة الأخيرة تجاوزت النخبة العلوية وشهدت نشاطا شيعيا واسعاً، ولا يعجز الزائر للمسجد الأموي أن يلحظ مظاهر وجود الشيعة والطقوس والأدعية الشيعية والوفود الإيرانية، التي يكاد يعتقد من يراها أن المسجد الأموي هو حسينية، وليس مسجدا سنياً. في لبنان، على الرغم من وجود قوي للشيعة في الجنوب إلاّ أنّ ظاهرة "التشيع" لا تزال محدودة، نظراً لوجود طوائف وأديان متعددة لكل منها مؤسساتها ومراكزها ومصالحها.
الحلقة الرئيسة التي توجد فيها حالات قليلة من التشيع هي المخيمات الفلسطينية، وفقاُ لمصادر شيعية. الجدل حول التشيع يطغى اليوم في أوساط إعلامية وسياسية فلسطينية، ويبدو السبب الرئيس في ذلك توطد التحالف بين حركة حماس (المكتب السياسي في دمشق) وبين طهران، بالإضافة إلى العلاقة التاريخية التي تربط حركة الجهاد بطهران.
بعض التقارير الإعلامية تصل إلى وصف الظاهرة بـ"الغزو الشيعي لفلسطين".
بالتأكيد ثمة قراءة مبالغ فيها لبعض تصرفات وتصريحات قادة حماس والجهاد من قبل الجهات المعادية للتشيع.
لكن في المقابل هنالك معلومات وإشارات لا يمكن تجاهلها، فإحدى القيادات البارزة المحسوبة سابقاُ على حركة الجهاد، محمد شحادة، أعلن تشيعه في عدة مقابلات صحافية، إذ يذكر أن تحوله الأكبر نحو التشيع كان في سنة 1992 عندما نفت إسرائيل عددا كبيرا من قيادات الجهاد وحماس، وكان هو أحدهم إلى مرج الزهور، في المنطقة الحدودية لجنوب لبنان، والتقى هناك بعدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وأعجب بروحهم الفدائية وبإخلاصهم، ومن ثم بقي يقرأ الكتب والأدبيات حتى توصل إلى أن العقيدة الشيعية المتمثلة بـ"موالاة آل البيت" هي العقيدة الصحيحة.
يعود تأثر حركة الجهاد بإيران إلى لحظات التأسيس الأولى، حيث تأثر أحد مؤسسي الحركة، وقائدها اللاحق فتحي الشقاقي (قتل في مالطا 1995) بمشروع الثورة الإيرانية والّف كتابا بعنوان "الخميني؛ الحل الإسلامي والبديل" (1979)، وفي أدبيات الحركة الرئيسة وعلاقاتها ومصادر تمويلها واستراتيجيتها السياسية ملامح واضحة بتأثرها بالثورة الإيرانية، وقد كان أبرز قياداتها أسعد بيوض التميمي على علاقة وطيدة بقادة الثورة قبل أن يختلف معهم، و"يكتشف حقيقة الثورة"، كما يذكر ذلك ابنه محمد بيوض التميمي في مقال نشر على أكثر من موقع الكتروني بعنوان: "الثورة الإيرانية إسلامية أم قومية مذهبية؟".
على الرغم من نفي مصادر في حركة الجهاد بشدة تشيع عدد من اعضائها، إلا أن تقارير إعلامية أخرى تؤكد تشيع افراد من الحركة وقيامهم ببناء مؤسسات ثقافية وصحية في مدينة بيت لحم، وبنشر فكر الشيعة في أوساط سنية.
في السياق نفسه تراجع محمد غوانمة، إحدى القيادات السابقة في المقاومة الفلسطينية، بعد أسابيع من إعلانه تأسيس "المجلس الشيعي الأعلى" في فلسطين، إلاّ أن كثيرين ينظرون إلى خطورة الخطوة أنها بمثابة بالون اختبار، ومحاولة أولية للإعلان الرسمي مستقبلا عن التواجد الشيعي في فلسطين.
صحيح أن إيران غير معنية ابتداءً بالتشيع الديني، ولا تريد فتح جبهات في هذا المجال إلاّ أنّ التشيع السياسي مقدمة للتشيع الديني، ورديف له، فطبيعة العلاقات لا تقف عند حدود السياسة إنما تتعداها إلى الثقافة، بخاصة إذا كان المثقفون والسياسيون الإيرانيون، والشيعة عموماً أكثر قدرةً وثقافة من السنة، فالتعليم الشيعي بطبيعته جدلي ومحاجج على نقيض التعليم السني وحتى الثقافة السنية التي لا تحفل كثيرا بالرد على الشيعة ومناقشتهم.
العشائر الأردنية الشيعية
قبل الولوج إلى استنطاق ظاهرة "التشيع" في الأردن، يجدر الوقوف عند وجود عشائر أردنية شيعية، في الأصل منذ بدايات تأسيس المملكة، بل تعود جذور بعضها إلى عام 1890، وأصل هذه العشائر من جنوب لبنان، وتحمل الجنسية الأردنية أباً عن جد، مثلها مثل باقي العشائر الأخرى.
ووفقاً لمصدر موثوق، من الشيعة الأردنيين، فإن تعدداهم يبلغ قرابة ثلاثة آلاف شخص، وهو الرقم الذي لا توجد إحصائية دقيقة تنفيه أو تثبته. وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة: الرمثا، دير أبو سعيد، اربد وعمان، وأبرزها:
بيضون، سعد، ديباجة، فردوس، جمعة، الشرارة، حرب، برجاوي، البزة. لا تحتفظ هذه العشائر بأية عادات أو تقاليد خاصة، مخالفة للتقاليد الأردنية، وتندمج في المجتمع الأردني بشكل كامل، وتشاركه في مختلف المناسبات، وإن كان بعضها يحتفل رمزياً بالمناسبات الدينية الشيعية.
في منتصف التسعينيات برزت علاقة بين شخصيات من هذه العشائر وبين مؤسسة الخوئي في لندن، بمباركة من سمو الأمير الحسن، وقد كان حريصاً على حوار المذاهب والطوائف المختلفة، وكان ثمة تفكير بتأسيس مؤسسة خاصة بهم تحت اسم "أبو ذر الغفاري" إلاّ أن الدولة عادت وتراجعت عن دعم الفكرة فيما بعد.
يؤكد أحد وجوه الشيعة الأردنيين، عقيل بيضون، أن ولاءهم السياسي للحكم الهاشمي في الأردن، وأنه من "صميم حبهم وولائهم لآل البيت الأطهار"، وفي حال تجذرت سياسة المحاور في المنطقة وبرزت التناقضات بين الأردن وايران يؤكد الوجه الشيعي أن انحيازهم للأردن وللهاشميين، مع أنه يقر أن ثمة ازدواجية بين عقيدتهم الدينية التي تجعل ارتباطهم السياسي بالإمام الغائب أو من ينوب عنه "الفقيه الولي" وبين انتمائهم الوطني.
وربما يذكرنا هذا الموقف بموقف شيعة العراق، في بداية الحرب العراقية- الإيرانية عندما انحازوا بوضوح للبعد الوطني- القومي على حساب البعد المذهبي.
مصادر رسمية تقر بوجود عشائر أردنية شيعية، وتؤكد على حقوق أفرادها في المواطنة الكاملة، وعلاقتها الجيدة بالدولة، ومع ذلك لا تخفي وجود علامة استفهام حول ولاء بعض الشيعة الأردنيين وارتباطهم بالمؤسسات الدينية الشيعية، خارج الأردن، وعلاقة بعض الأفراد بحزب الله حيث يوجد الشيعة في جنوب لبنان ...
* مقتبس **
تعليق