بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهُمَ صَلْ عَلىَ مُحَمَدٍ وََ آَلِ مُحَمَدٍ الطَيِبِين الطَاهِرَينْ المُنْتَجَبِين وَعَجِلْ فَرَجَهُمْ
وَ سَهِلْ مَخْرَجَهُمّ الشَرَيفْ وَإجْعَلْنا مِن شِيعَتَهُم وَ أنصَارِهِم وَإِلْعَنْ أَعدَاءهمْ إَلىَ يَوم الّدِينْ
(ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر )
- سلمان رامس -
هو جندب بن جنادة: أحد الأركان الأربعة والأركان الأربعة هم: سلمان والمقداد وأبو ذر وحذيفة
قال فيه الرسول الأكرم «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده، ويموت وحده ويبعث وحده، ويدخل الجنة وحده».
قيل أنه تأله في الجاهلية ويقول لا إله إلا الله ولا يعبد الأصنام فمر عليه رجل من أهل مكة بعدما أوحي إلى النبي فقال يا أبا ذر إن رجلا بمكة يقول مثل ما تقول لا إله إلا الله ويزعم أنه نبي قال ممن هو قال من قريش قال فأخذ شيئا من بهش وهو المقل فتزوده حتى قدم مكة فسأل هل أنكرتم على أحد من أهل مكة شيئا فقال رجل من بني هاشم نعم بن عم لي يقول لا إله إلا الله ويزعم أنه نبي قال فدلني عليه فأسلم.
عرف أبو ذر رضي الله عنه بالشجاعة وباعتباره معارضا واجه عثمان بن عفان ومعاوية وغيرهم حيث لم يكن يرضيه ما كان يحدث أيام عثمان فيما يتعلق بتوزيع أموال المسلمين وأخذ يعارض الحكومة بشكل مكشوف وعلني دون أي تردد بل كان يهاجم حكومة عثمان مهاجمة قوية شرسة حتى ضج منه وأخذ ينفيه من مكان إلى آخر غير أن أولياء الله يستغلون هذه الظروف الصعبة ويوظفونها إلى مصلحتهم ويعملون على تحقيق أهدافهم وهكذا كان أبو ذر استغل نفيه إلى الشام لينشر أفكاره ونعني بها هنا نشر محبة أهل البيت وتحريض الناس على ولايتهم والبراءة من أعدائهم.
وقد روى جميع أهل السير على اختلاف طرقهم وأسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه وأعطى الحرث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول «بشر الكافرين بعذاب أليم» ويتلو قول الله تعالى ﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ﴾، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه أن انته عما يبلغني عنك ! فقال أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله.
ضاق صدر الخليفة بما كان أبو ذر يقوم به من معارضة السلطة والاعتراض الدائم على تصرفات عثمان وخاصة فيما يتعلق بمال المسلمين ومن هنا قرر عثمان نفي أبي ذر إلى الشام وفي شام لم يكن الأمر أفضل من الحجاز فراح أبو ذر يعارض السلطة ويعلن معارضته وينتقد الأوضاع الاقتصادية بكل صراحة وشجاعة والأهم والأكثر إيلاما لمعاوية كان أبو ذر يرشد الناس ويعرفهم بمكانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت حتى ضج منه معاوية في الشام وخاف من تأثيره الشديد في أهل الشام وخاف من قلب الرأي العام ضد الحكومة فأرسل إلى عثمان أنه إذا كانت لك حاجة في الشام فاخرج أبا ذر منها فأمره الخليفة بإخراج أبي ذر وبكل قسوة من بلاد الشام إلى الحجاز.
ولما نفي أبو ذر إلى الشام تشيع منها جماعة كثيرة ويقال أن تشيع أهل جبل عامل من ذلك الوقت وإنه لما أخرجه معاوية إلى القرى وقع في جبال بني عاملة فتشيعوا وفي الصرفند وميس من قرى جبل عامل مسجدان ينسبان إلى أبي ذر غير مساجد القريتين الجامعة ويحكى عن كتاب روضة الكافي وفضائل شاذان بن جبرائيل القمي أن فيهما رواية مسندة إلى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم تدل على أنه كان زمن خلافة علي ع قرية في الشام عند جبل الثلج تسمى أسعار أهلها شيعة.
ولما سمع الناس بخروجه من الشام اجتمعوا إليه فقالوا له: يا أبا ذر رحمك الله أين تريد؟ قال: أخرجوني إليكم غضبا علي، وأخرجوني منكم إليهم الآن عبثاني، ولا يزال هذا الأمر فيما أرى شأنهم فيما بيني وبينهم حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، ومضى وسمع الناس بمخرجه فاتبعوه حتى خرج من دمشق، فساروا معه حتى انتهى إلى دير المران فنزل ونزل معه الناس فاستقدم فصلى بهم، ثم قال: أيها الناس إني موصيكم بما ينفعكم، وتارك الخطب والتشقيق، احمدوا الله عز وجل، قالوا: الحمد لله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، فأجابوه بمثل ما قال، فقال:
أشهد أن البعث حق، ووأن الجنة حق، وأن النار حق، وأقر بما جاء من عند الله، واشهدوا علي بذلك، قالوا: نحن على ذلك من الشاهدين، قال: ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله وكرامته ما لم يكن للمجرمين ظهيرا، ولا لأعمال الظلمة مصلحا ولا لهم معينا، أيها الناس أجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضبا لله عز وجل إذا عصي في الأرض ولا ترضوا أئمتكم بسخط الله، وإن أحدثوا مالا تعرفون فجانبوهم وازرؤا عليهم وإن عذبتم وحرمتم وسيرتم، حتى يرضى الله عز وجل.
فإن الله أعلى وأجل، لا ينبغي أن يسخط برضا المخلوقين، غفر الله لي ولكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، فناداه الناس أن: سلم الله عليك ورحمك يا با ذر يا صاحب رسول الله، ألا نردك إن كان هؤلاء القوم أخرجوك، ألا نمنعك؟ فقال لهم: ارجعوا رحمكم الله، فإني أصبر منكم على البلوى، وإياكم والفرقة والاختلاف.
إن اجتماع الناس لوداع أبي ذر يدل على مدى التأثير الذي أحدثه أبو ذر في المجتمع الشامي وخاصة في مناطق القرى وهي البذرة الأولى التي بذرها أبو ذر في ذلك المجتمع وتحتاج إلى بعض الوقت لتأتي أكلها وخاصة أنه يقاوم تيار جارف صنعه بنو أمية في الشام هكذا تكون هذه القرى من بلاد الشام قد تهيأت لتشيع على أقل تقدير إن لم تكن قد تشيعت لأهل البيت لكي تأتي الظروف مؤاتية بعد استشهاد أمير المؤمنين وهجرة بعض قبائل المتشيعة من الكوفة إلى بعض مناطق الشام ويكون أبو ذر قد وضع حجر الأساس للتشيع هناك وحجر الأساس للرفض الصارخ لكل أنواع الذل والاستبداد والاستعباد الذي يمارسه الحاكم ويعطى هذه المنطقة زخما قويا لتكون مناهضة للاستكبار العالمي بل اجزم أن حزب الله في لبنان قد تأثر بشكل أو بآخر بكل ما كان يقوم به أبو ذر وهذا التغيير الديموغرافي يحتاج إلى جهود مضنية وجبارة وتستغرق أوقات طويلة وأمولا طائلة لكنه لما عرف الله مافي قلبه أعطاه الله هذا الكرامة وهذا الشرف .
فاستمدوا منه القوة والعزيمة ورباطة الجأش حتى لو بقوا وحدهم في الميدان فهذا أبو ذر يموت وحيدا ويحشر وحيدا. هكذا قام أبو ذر بما لا يستطيع الدول أن تقوم به فقد استطاع أن يحول أهم مراكز للأمويين لمنطقة علوية بل أهم مراكز تابعة لأهل البيت..
وبعد أن صدر القرار من الخليفة بإخراج أبي ذر من الشام مخافة الفتنة كما أشار معاوية مضى أبو ذر حتى قدم عثمان، فلما دخل عليه قال له: لا قرب الله بعمرو عينا، فقال أبو ذر: والله ما سماني أبواي عمروا، ولكن لا قرب الله من عصاه، وخالف أمره، وارتكب هواه، فقام إليه كعب الأحبار فقال له: ألا تتقي الله يا شيخ تجبه أمير المؤمنين بهذا الكلام؟ فرفع أبو ذر عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب، ثم قال له: يا ابن اليهوديين، ما كلامكم مع المسلمين؟ فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد، فقال عثمان: والله لا جمعتني وإياك دار، قد خرفت وذهب عقلك، أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء، ثم انجوا به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة، فنزلوه بها من غير أنيس، حتى يقضي الله فيه ما هو قاض، فأخرجوه متعتعا ملهوزا بالعصي.
وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج عن رواية الواقدي إن أبا ذر دخل على عثمان بعد رجوعه من الشام قال له عثمان في جملة كلام دار بينهما أنت الذي تزعم إنا نقول يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء فقال لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده - إلى أن قال - فغضب عليه عثمان وقال أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب فتكلم علي وكان حاضرا فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون فان يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب قال فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي بمثله ولم نذكر الجوابين.
وقال الواقدي فقال له عثمان امض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة فخرج إليها.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت مع أبي الدرداء فجاء رجل من قبل المدينة فسأله فاخبره أن أبا ذر مسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء إنا لله وإنا إليه راجعون لو ان أبا ذر قطع لي عضوا أو يدا ما هجته بعد ما سمعت النبي يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر.
وفي الدرجات الرفيعة: روي ان عبد الله بن مسعود لما بلغه نفي أبي ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة - قال في خطبة له بمحفل من أهل الكوفة: فهل سمعتم قوله تعالى ﴿ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ﴾ يعرض بمن نفاه، فكتب الوليد بذلك لعثمان، فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به إلى الأرض وجعل منزله حبسه، وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات.
وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن أسعد بن زرارة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال لما قدم أبو ذر على عثمان قال أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال مهاجري، قال لست بمجاوري، قال فالحق بحرم الله فأكون فيه؟ قال لا، قال فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله ؟ قال لا، قال فلست بمختار غيرهن، فأمره بالمسير إلى الربذة، فقال إن رسول الله قال لي اسمع وأطع وانقد حيث قادوك ولو لعبد حبشي مجدع، فخرج إلى الربذة وأقام مدة، ثم أتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين، فقال يا أمير المؤمنين انك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات وليس لي خادم إلا محررة ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة، فأعطني خادما وغنيمات أعيش فيها، فحول وجهه عنه، فتحول الى السماط الآخر فقال مثل ذلك، فقال له حبيب بن مسلمة لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة، قال أبو ذر: أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني فاني إنما أسال حقي في كتاب الله، فجاء علي فقال له عثمان ألا تغني عنا سفيهك هذا؟ قال أي سفيه؟ قال أبو ذر، قال علي ليس بسفيه سمعت رسول الله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر.
لما نفي أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان أن لا يشيعه احد من الناس فبلغ ذلك علي بن أبي طالب ع فبكى ثم قال أ هكذا يصنع بصاحب رسول الله إنا لله وإنا إليه راجعون ثم نهض ومعه الحسن والحسين وعبد الله والفضل وقثم وعبيد الله بنو العباس حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه فلما بصر بهم حن إليهم وبكى وقال بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله ص وشملتني البركة برؤيتها ثم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أحبهم ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة فارجعوا رحمكم الله والله أسال ان يخلفني فيكم أحسن الخلافة فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه..
و عن ابن عباس قال لما اخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس أن لا يكلم احد أبا ذر ولا يشيعه وأمر مروان أن يخرج به فتحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا وعمارا فإنهم خرجوا معه يشيعونه فجعل الحسن يكلم أبا ذر فقال مروان إيهاً يا حسن ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك فحمل علي على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال تنح نحاك الله إلى النار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فاخبره الخبر فتلظى على علي ووقف ابو ذر فودعه القوم ومعهم أبو ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب فحفظ كلام القوم وكان حافظا فقال علي يا أبا ذر انك غضبت لله إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا. والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا. يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل، ثم قال لأصحابه: ودعوا عمكم فودعوه.
قال الجوهري وأبو مخنف ورجع القوم إلى المدينة فجاء علي إلى عثمان ما حملك على رد رسولي وتصغير أمري فقال علي اما رسولك فأراد أن يرد وجهي فرددته وأما أمرك فلم أصغره فقال عثمان أ ما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر وتقدمي إلى الناس أن لا يشيعوه قال علي أ وكلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه لا لعمر الله ما نفعل ذاك قال عثمان اقد مروان من نفسك قال مما ذا قال من شتمه وضرب راحلته قال أما راحلته فراحلتي بها فان أراد أن يضربها فليفعل وأما شتمه إياي فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها بما لا اكذب فيه عليك فغضب عثمان وقال لم لا يشتمك كأنك خير منه؟ فوالله ما أنت عندي بأفضل منه فغضب علي وقال إليَّ تقول هذا يا عثمان وبمروان الطريد ابن الطريد تعدلني فانا والله أفضل منه ومنك وأبي أفضل من أبيك وأمي أفضل من أمك وبي جلست مجلسك هذا وهذه نبلي نبلتها فهلم نبلك فانتبل.
هكذا وضع أبو ذر أول لبنة لما نراه في لبنان من مقاومة باسلة تقارع بني صهيون وتدافع عن حقوق المسلمين وترد وبكل قوة على الاستكبار وتبطل وبكل وضوح كل مخططات اليهود والمتهودين ومن يسير في فلكهم الطريق الذي خطه أبو ذر في الشام مشى عليه أبنائه الآن فكان بحق أول أمين عام لحزب الله.
نسألكم خالص الدعـــــاء
المراجع
- نقد الرجال - التفرشي - ج 1 - ص 373
- رجال ابن داود - ابن داوود الحلي - ص 217
- الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج 4 - ص 222 - 223
- الغدير ج 8
- الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة ج 4
- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 1 - ص 25
- الشيخ الأميني، الغدير ج 8
- الحاكم النيسابوري. المستدرك ج 3 - مسند أحمد ج 5
- السيد على خان المدني، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة
- الشيخ الطوسي، الأمالي
- العلامة المجلسي، بحار النوار ج 22
تعليق