الدنيا ظاهر الحياة، و الآخرة باطنها
قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِنَ الْحَيَو 'ةِ الدُّنْيَا وَ هُم عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّيً وَ اِءنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَايءِ رَبِّهِمْ لَكَـ'فِرُونَ.[1]
يمكن الاستنتاج من جعل ظاهر الحياة الدنيا في الآية الاولي في مقابل الآخرة انّ الآخرة هي باطن الدنيا و حقيقتها، و انّ الحياة الدنيا لها ظاهر و باطن، و ذلك بقرينة تقابلهما و كون أحدهما قسيماً للآخر.
و كما أُشير في المجلس السابق فانّ من الممكن ان تكون عبارة «وفي الآخرة عذاب شديد و مغفرة من الله و رضوان» الواردة في الآية مورد البحث معطوفة على لفظ لعب؛ اي انّ الحياة الدنيا هي في الاخرة عذاب شديد و مغفرة من الله و رضوان. فالحياة الدنيا ظاهرها تلكم المراتب الخمس: لهو، و لعب، و زينة، و تفاخر بينكم، و تكاثر في الاموال و الاولاد، و باطنها ـ أي الآخرة ـ عذاب شديد و غفران الربّ الودود ورضوانه.
و عليه فانّ هذه الآية التي نبحثها في هذا المجلس تأييد لمعني الآية السابقة في سورة الحديد.
و يشهد على هذا المعني انّ الآية التي تلتها و عُطفت عليها، والقائلة: (أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمَّيً) تفيد هذا المعني، و ذلك لانّ خلق السماوات والارض و ما بينهما بالحقّ و أجل مسمّي هو نفسه واقعيّة الدنيا و حقيقتها التي غفل عنها الناس، فاكتفوا بظاهر الدنيا و غضّوا طرفاً عن لقاء الله و عن الآخرة. بلي، يمكن الافادة من هذه الآيات، و من آيات كثيرة أخري وردت في القرآن الكريم بهذا البيان و التعبير، انّ خلق السماوات والارض و ما فيهما له أجل معيّن و مدّة محدودة، و أنّ عمرها سينقضي بحلول ذلك الاجل و تصرّم تلك المدّة.
و لكن، ما حكم غير السماوات و الارض و الموجودات التي فيها؟ أهي الاخري تمتلك أجلاً مسميً و مدّة حياة معيّنة تؤول بعدها الى الفناء والزوال أم لا؟ ليس هناك آية من آيات القرآن تناولت بصراحة وتفصيل خصوصياتها و كيفيّة مبدأها و مُنتهاها، مع انّه يمكن ـ إجمالاً ـ إفادة دوامها و بقائها من آيات مباركة عديدة:
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَا عِنْدَاللَهِ بَاقٍ.[2]
وَ إن مِّن شَيءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. [3]
فقد بيّنت هاتان الآيتان لنا انّ حقائق موجودات الدنيا و عالم الطبع
والمادّة لها خزائن عندالله المتعال موجودة على الدوام، لا يطرأ عليها الفناء و الزوال، بالرغم من ان هذه الحقيقة يمكن فهمها من نفس الآية مورد البحث. فهي تقول: مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجْلٍ مُسَمَّيً و يمكن من هذا القول إدراك انّ نفس الحقّ و الاجل المسمّي لا يندرجان تحت حقّ و أجل مسمّيً آخر، و أن لا زمان لها هي الاخري، و الاّ لزم التسلسل و الدور، فهي فوق الاجل و التدرّج الزماني. و سيأتي هذا البحث ـ ان شاء الله تعالي ـ في بعض المباحث القادمة تحت عنوان: الموجودات الخالدة عند الله تعالي؛ امّا بحثنا الفعلي فهو عن السماوات و الارض و ما بينهما، و من جملتها الإنسان.
و باعتبار انّ الله سبحانه يقول اننا خلقنا السموات و الارض بأجل مسمّي و زمان معيّن مشخّص، فانّه يتضّح لنا انّ مدّتها جميعاً ـ و من بينها مدّة حياة الإنسان ـ معلومة و محدودة، فلا يمكنها ان تعيش و تبقي بعد ذلك الاجل و الزمن الذي قُدّر لها.
علی انّ كمال الإنسان و كمال موجودات عالم الطبع هو في تكاملها في هذا الزمن المعلوم و الاجل المسّمي المقدّر لها، فهي أعجز من أن تتخطّي دائرة هذا الزمن فتسبق أجلها و تتعدّاه، أو أن تطيله أو تؤخرّه.
إنّ الموجودات المادّية و الطبيعية التي تمتلك المادّة و الطبع لا تستطيع أبداً و في أيّ وقت من الاوقات الخروج على هذا القانون العام وتبديل زوالها و فنائها و محدوديّة أجلها و مدّة حياتها الى حيث البقاء والدوام و الاستمرار و الخلود، و هذه الحقيقة مستفادة من الآيات القرآنيّة الصريحة. أمّا في خصوص الإنسان فتقول:
وِ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَيَسْتَقْدِمُونَ [4]
و نظير هذه الآية:
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَ مَا يَسْتَأْخِرُونَ. [5]
انّ مسألة الموت تعدّ من المسائل المستعصية، فقد بذل أفراد البشر الجهود المضنية و تحمّلوا المحن و المشاق ليمكنهم جعل الحياة في هذه الدنيا خالدة دائمة، و ليحّلوا مسألة الموت و يفكّوا رموزها فيزيلوا هذه المشكلة، بيد انّ أحداً لم يوفّق في مسعاه هذا.
--------------
[1] ـ الآية 7 و 8، من السورة 30: الروم.ـ الآية 96، من السورة 16: النحل.
[2] ـ الآية 21، من السورة 15: الحجر.
[3] ـ الآية 34 من السورة 7: الاعراف.
[4] ـ الآية 5 من السورة 15: الحجر.
[5] ـ أورد هذا الرباعي في «لغتنامة دهخدا» من بين الاشعار الفارسيّة لابي على سينا في مادّة «أبوعلي سينا»، ص 654، و وردت كذلك في المجلّد الاول من كتاب «جشن نامه ابن سينا» انتشارات جمعيّة دار الآثار، سنة 1371: تأليف الدكتور ذبيح الله صفا، ص 114 من جملة أشعاره بالفارسية و يقول في ص 217 من نفس الكتاب: كتب هذا الرباعي بالخطّ «النستعليق» على صخرة رخاميّة من يزد في الكتابات المنقوشة أعلي بوّابة مقبرة ابن سينا، ولكن نُقل هذا الرباعي في ص 97 من كتاب «رباعيّات الخيّام» تقديم الدكتور فريد رخ روزن و المطبوع في برلين سنة 1304 شمسية و نُسب الى الخيّام:
قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِنَ الْحَيَو 'ةِ الدُّنْيَا وَ هُم عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّيً وَ اِءنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَايءِ رَبِّهِمْ لَكَـ'فِرُونَ.[1]
يمكن الاستنتاج من جعل ظاهر الحياة الدنيا في الآية الاولي في مقابل الآخرة انّ الآخرة هي باطن الدنيا و حقيقتها، و انّ الحياة الدنيا لها ظاهر و باطن، و ذلك بقرينة تقابلهما و كون أحدهما قسيماً للآخر.
و كما أُشير في المجلس السابق فانّ من الممكن ان تكون عبارة «وفي الآخرة عذاب شديد و مغفرة من الله و رضوان» الواردة في الآية مورد البحث معطوفة على لفظ لعب؛ اي انّ الحياة الدنيا هي في الاخرة عذاب شديد و مغفرة من الله و رضوان. فالحياة الدنيا ظاهرها تلكم المراتب الخمس: لهو، و لعب، و زينة، و تفاخر بينكم، و تكاثر في الاموال و الاولاد، و باطنها ـ أي الآخرة ـ عذاب شديد و غفران الربّ الودود ورضوانه.
و عليه فانّ هذه الآية التي نبحثها في هذا المجلس تأييد لمعني الآية السابقة في سورة الحديد.
و يشهد على هذا المعني انّ الآية التي تلتها و عُطفت عليها، والقائلة: (أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمَّيً) تفيد هذا المعني، و ذلك لانّ خلق السماوات والارض و ما بينهما بالحقّ و أجل مسمّي هو نفسه واقعيّة الدنيا و حقيقتها التي غفل عنها الناس، فاكتفوا بظاهر الدنيا و غضّوا طرفاً عن لقاء الله و عن الآخرة. بلي، يمكن الافادة من هذه الآيات، و من آيات كثيرة أخري وردت في القرآن الكريم بهذا البيان و التعبير، انّ خلق السماوات والارض و ما فيهما له أجل معيّن و مدّة محدودة، و أنّ عمرها سينقضي بحلول ذلك الاجل و تصرّم تلك المدّة.
و لكن، ما حكم غير السماوات و الارض و الموجودات التي فيها؟ أهي الاخري تمتلك أجلاً مسميً و مدّة حياة معيّنة تؤول بعدها الى الفناء والزوال أم لا؟ ليس هناك آية من آيات القرآن تناولت بصراحة وتفصيل خصوصياتها و كيفيّة مبدأها و مُنتهاها، مع انّه يمكن ـ إجمالاً ـ إفادة دوامها و بقائها من آيات مباركة عديدة:
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَا عِنْدَاللَهِ بَاقٍ.[2]
وَ إن مِّن شَيءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. [3]
فقد بيّنت هاتان الآيتان لنا انّ حقائق موجودات الدنيا و عالم الطبع
والمادّة لها خزائن عندالله المتعال موجودة على الدوام، لا يطرأ عليها الفناء و الزوال، بالرغم من ان هذه الحقيقة يمكن فهمها من نفس الآية مورد البحث. فهي تقول: مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجْلٍ مُسَمَّيً و يمكن من هذا القول إدراك انّ نفس الحقّ و الاجل المسمّي لا يندرجان تحت حقّ و أجل مسمّيً آخر، و أن لا زمان لها هي الاخري، و الاّ لزم التسلسل و الدور، فهي فوق الاجل و التدرّج الزماني. و سيأتي هذا البحث ـ ان شاء الله تعالي ـ في بعض المباحث القادمة تحت عنوان: الموجودات الخالدة عند الله تعالي؛ امّا بحثنا الفعلي فهو عن السماوات و الارض و ما بينهما، و من جملتها الإنسان.
و باعتبار انّ الله سبحانه يقول اننا خلقنا السموات و الارض بأجل مسمّي و زمان معيّن مشخّص، فانّه يتضّح لنا انّ مدّتها جميعاً ـ و من بينها مدّة حياة الإنسان ـ معلومة و محدودة، فلا يمكنها ان تعيش و تبقي بعد ذلك الاجل و الزمن الذي قُدّر لها.
علی انّ كمال الإنسان و كمال موجودات عالم الطبع هو في تكاملها في هذا الزمن المعلوم و الاجل المسّمي المقدّر لها، فهي أعجز من أن تتخطّي دائرة هذا الزمن فتسبق أجلها و تتعدّاه، أو أن تطيله أو تؤخرّه.
إنّ الموجودات المادّية و الطبيعية التي تمتلك المادّة و الطبع لا تستطيع أبداً و في أيّ وقت من الاوقات الخروج على هذا القانون العام وتبديل زوالها و فنائها و محدوديّة أجلها و مدّة حياتها الى حيث البقاء والدوام و الاستمرار و الخلود، و هذه الحقيقة مستفادة من الآيات القرآنيّة الصريحة. أمّا في خصوص الإنسان فتقول:
وِ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَيَسْتَقْدِمُونَ [4]
و نظير هذه الآية:
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَ مَا يَسْتَأْخِرُونَ. [5]
انّ مسألة الموت تعدّ من المسائل المستعصية، فقد بذل أفراد البشر الجهود المضنية و تحمّلوا المحن و المشاق ليمكنهم جعل الحياة في هذه الدنيا خالدة دائمة، و ليحّلوا مسألة الموت و يفكّوا رموزها فيزيلوا هذه المشكلة، بيد انّ أحداً لم يوفّق في مسعاه هذا.
--------------
[1] ـ الآية 7 و 8، من السورة 30: الروم.ـ الآية 96، من السورة 16: النحل.
[2] ـ الآية 21، من السورة 15: الحجر.
[3] ـ الآية 34 من السورة 7: الاعراف.
[4] ـ الآية 5 من السورة 15: الحجر.
[5] ـ أورد هذا الرباعي في «لغتنامة دهخدا» من بين الاشعار الفارسيّة لابي على سينا في مادّة «أبوعلي سينا»، ص 654، و وردت كذلك في المجلّد الاول من كتاب «جشن نامه ابن سينا» انتشارات جمعيّة دار الآثار، سنة 1371: تأليف الدكتور ذبيح الله صفا، ص 114 من جملة أشعاره بالفارسية و يقول في ص 217 من نفس الكتاب: كتب هذا الرباعي بالخطّ «النستعليق» على صخرة رخاميّة من يزد في الكتابات المنقوشة أعلي بوّابة مقبرة ابن سينا، ولكن نُقل هذا الرباعي في ص 97 من كتاب «رباعيّات الخيّام» تقديم الدكتور فريد رخ روزن و المطبوع في برلين سنة 1304 شمسية و نُسب الى الخيّام:
أز جرم حضيض خاك تا اوج زحل كردم همه مشكلات كردون را حل
بيرون جستم ز بند هر مكر و حيل هر بند كشاده شد مكر بند أجل
يقول:
حللتُ كلّ مشكلات الكون من قعر الصلصال المسوّد الى أوج زُحل.
و تخطيّتُ قيود كل مكر و حيله، فانحلّ أمامي كلّ قيد إلاّ قيد الاجل.
بيرون جستم ز بند هر مكر و حيل هر بند كشاده شد مكر بند أجل
يقول:
حللتُ كلّ مشكلات الكون من قعر الصلصال المسوّد الى أوج زُحل.
و تخطيّتُ قيود كل مكر و حيله، فانحلّ أمامي كلّ قيد إلاّ قيد الاجل.
تعليق